الأرمن بين شهوانية سميراميس … وثبات آرا الجميل

 

قصة تاريخية تجسد ثبات الهوية والقومية لدى الأرمن.

كثيرة هي الصدف التي غيرت مجرى التاريخ ، ولكن من قال أن قوافل سميراميس التائهة ستكون وبالاً على الأرمن وملكهم .

عندما عادت قوافل الهدايا التي أرسلتها سميراميس ملكة نينوى من بلاد الروم أضلت وجهتها في طريق العودة فعبرت إلى شمال جبال آرارات بدل من جنوبها، هناك تلقفهم هايتوم قائد مفرزة الحرس في بلاد الأرمن وخاطبهم: ” تفضلوا لنأخذكم إلى ملكنا ليقيم واجب الضيافة تجاهكم ” ، وافق قائد قوافل سميراميس ومستشارها (أونيدو ) بأن يتعرفوا على ملك بلاد الأرمن والذي يدعى ( آرا الجميل ) ولكن ما السر في هذه التسمية ( الجميل ) ؟؟؟

سمي ملك الأرمن بآرا الجميل نظراً لجماله الذي كان يغزو القلوب بعذوبته . سارت قوافل ( أونيدو ) الذي كان برفقته الوصيفتان ( هيفيا و هاسايا ) و حراس الحدود الأرمن نحوا قصر آرا والعربات تحدث أصواتاً على الصخر ، يمتزج بأصوات حوافر الخيول حتى بلغوا قصر الملك الجميل . أتم الأمير واجب الضيافة مع الضيوف ثم إنصرفوا بعد أن دعاهم إلى التعاون بين المملكتين . عادت قوافل سميراميس إلى نينوى ، وبدأوا بوصف مملكة الأرمن لملكتهم ، كما قامت كل من هيفيا وهاسايا بوصف جمال آرا لسميراميس التي كانت امرأة متبعة لأهوائها ، حتى أنها لم تبقي أحداً من قادة جيشها الأقوياء إلا ودعته إلى فراشها ، وما إن أنتهت الوصيفتان من وصف ملك الأرمن الجميل حتى دعت سميراميس إلى تجهيز قافلة من الهدايا ترأستها هي إلى بلاد آرارات . وصلت سميراميس إلى بلاط آرا الذي أبهرها بجماله وأكرمها بواجب الضيافة ، وما هي إلا برهة حتى طلبت ملكة نينوى من جميل الأرمن أن يتزوجها .

كان آرا ملك الأرمن متزوجاً وملتزماً بزواجه ويحب زوجته كثيراً . رفض الملك طلب سميراميس التي بدأت تغير من لهجة الطلب وتلجأ إلى أسلوب التهديد ، لكن ملك الأرمن أصرّ على رفض الطلب . عادت ملكة نينوى إلى بلادها وهي تكيد المكائد إلى بلاد آرارات . ثم بدأت ترسل رسائلها من أجل إقناع آرا بالزواج لكن الملك المحب لزوجته والحافظ لشعبه كان يأبى في كل مرة ، فما كان من سميراميس إلا أن أعلنت الحرب على أرمينيا.

زحفت جيوش نينوى نحوا آرارات وأصدرت سميراميس أوامرها إلى جنودها بعدم قتل آرا بل إحضاره حياً لكي تنال منه ما أرادت ، وبسرعة كبيرة إجتاز جيش نينوى بلاد الأرمن وشتت جيش الملك الجميل . ودخلت المرأة الشهوانية مدينة الأرمن من بابها الجنوبي ، وكانت على حصان أبيض تحمل الرمح بيدها اليسرى والسيف بيدها اليمنى وهي تصيح: ” أريده حياً ….. لا تقتلوه …… أريد أن أعلمه كيف يحترم الملوك … أريد أن آخذه حافياً عارياً إلى ( آشو ) ليتعلم كيف يحتقر أسياده ….. لا تقتلوه أريده حياً ” . لكن آرا كان قد ترك ثياب الملوكية ولبس ملابس الحرس واستل سيفه وخرج من القصر يعاون الحراس.

وفي أثناء المعركة قام أحد جنود سميراميس بطعن آرا في ظهره بسفيه وأخرجه من صدره دون علمه به ، فأستشهد الملك الجميل عن طريق الخطأ دفاعاً عن كرامته وكرامة شعبه بإكمله ، وما إن وصل نبأ إستشهاد الملك إلى سميراميس حتى حزنت حزناً شديد ، ثم أصدرت أمراً إلى جنودها بأن تحمل جثة آرا اليها في القصر ، وعندما علمت بأن جيش الأرمن يحاول أن يلملم شتات أفراده قالت: “لقد أمرت الآلهة بأن يلحسوا جراحه حتى تندمل ويعود إلى الحياة من جديد ” . لقد كانت صادقة في ذلك لأنها حاولت إعادته إلى الحياة عن طريق السحر والشعوذة ، لكن الجثة بدأت تتحلل لذلك أمرت بأن يدفنوه ، وكانت في الوقت عينه قد زينت أحد عشاقها وأخفته عن الأنظار وأشاعت بين الناس أن الآلهة قد استجابت لندائها ولحست جراح آرا وأمرت بأن تقام له التماثيل بين الآلهة واستطاعت أن تحتوي غضب الأرمن الذين لم يصدقوا هذه الخدعة فحاولوا السيطرة على الأمور إلى أن هدأت.

سيطرت سميراميس على بلاد الأرمن فكانت تمضي فصل الصيف في أرمينيا حيث جمال الطبيعة الآخاذ وتمضي باقي فصول السنة في نينوى حيث الجو ملائم أكثر .

ختاماً لقد كان لسميراميس نوايا شهوانية دنيئة ، وكان لآرا إستراتيجية مهمة من وراء رفضه حيث اعتبر إن زواجه من سميراميس كان سيؤدي إلى إنصهار أرمينيا والأمة الأرمنية الصغيرة في مملكة آشور وتلاشيها، ولذلك فإن حرصه على وحدة الشعب الأرمني وتحصين صفاته وخاصيته الحضارية دفعه إلى التضحية بنفسه دفاعاً عن الأمة الأرمنية بأكملها .

محمد عفان عفان

Share This