يوميات كاراباخ….مواجهات في أسكيران: أول الضحايا

كان صباح يوم 22 شباط عام 1988 يوماً عادياً لفيدالي بالاسانيان، ولكنه أخبر بعد قليل بتجمع في باحة مبنى الإدارة الإقليمية، ويتذكر بالاسانيان بطل الحرب في كاراباخ: “التحقنا نحن أيضاً بهم، خرجت سيدة من المبنى، وقالت إن الأذريين هجموا من جهة أغدام نحو أسكيران، وقد ارتفع الدخان من مناطق مختلفة على بعد 4-5 كم من أسكيران، اقترب منا اقتصادي في مؤسسة تعاونية، وقال: إن مجموعات تصل إلى مئات الأذريين يتحركون نحو أسكيران، ويحرقون كل شيء في طريقهم”[1].

وتبقى دوافع تحرك الأغداميين إلى أسكيران مثيرة للجدل، هناك فرضيات مختلفة، ولكن تبقى الفرضية الأساسية أن الأذريين يحاولون إخافة الأرمن رداً على التجمعات قي كاراباخ الجبلية لضمها إلى أرمينيا، ويقول بالاسانيان: “كان الأذريون قد اقتربوا من معمل البيرة، وبدأنا بإطلاق النار على بعد 100-150 متراً ببنادق الصيد، وانضم إلينا سكان أسكيران أيضاً وموظفو وزارة الداخلية ومشاركون في التجمع”.

أما في باكو فقد جرى التعامل مع المواجهات الأرمنية الأذرية، التي جرت بجوار أسكيران على نحو مغاير، حيث جرى في تلك الأيام دعوة المؤرخ عارف يونوسوف وزملائه، الذين كانوا يجمعون المعلومات عن الأحداث الجارية في كاراباخ، إلى المستشفى الحكومي في باكو، لكي يدون ما يحصل في المدينة الجامعية بكلية التربية في استيباناكيرد، لم يسمح الطبيب الرئيس ليونوسوف وزميله بلقاء الأذريتين الاثنتين اللتين جرى اغتصابهما في استيباناكيرد، وأكد الأطباء في المشفى أنه اعتدي على المدينة الجامعية، واغتصبت الفتيات، وهن في حالة حرجة[2].

من الصعب اليوم التدقيق في حقيقة إصرار يونوسوف، على كل حال، لم يكتب أي شيء حينها في الصحافة الأذرية ولا في السوفيتية، الأكثر من ذلك لم تذكر حادثة اغتصاب الأذريتين إلا في بداية التسعينيات، وحتى اليوم ليس هناك مصادر أخرى تؤكد ذلك سوى معلومات يونوسوف غير المقنعة.

توقف هجوم الأذريين بعد اشتباكات قصيرة الأمد بالقرب من أسكيران، وأصيب بضع عشرات من الناس من الطرفين، وقتل أذريان اثنان، قتل أحدهما على الأكثر برصاصة أطلقت من طرف كاراباخ، “أتى الأذريون بشاحنات تحمّل الأحجار، ومسلحين بعصي حديدية، وربما يملكون الأسلحة، عندما فتحنا النار رأينا أن الأذريين يهرعون من الصف الأمامي صارخين، اتضح بعد عدة أيام أنه قتل واحد وأصيب العشرات منهم”، يروي بالاسانيان.

شكك الكاتب الروسي ألكسندر فاسيليفسكي، الذي زار كاراباخ الجبلية في نهاية نيسان عام 1988، في مجلة “أفرورا” في تلك الادعاءات بأن الأذريين الاثنين اللذين راحا ضحية الاشتباكات، التي جرت بالقرب من أسكيران قتلا على يد الأرمن، والتقى فاسيليفسكي بعارف شقيق أحد القتلى علي حجي، الذي روى أن علياً كان يتجادل مع شرطي أذري، الذي أطلق النار على شقيقه.

“من المؤكد أنه لا علاقة للأرمن بمقتل علي حجي العامل على الحصادة في أغدام والبالغ من العمر 22 عاماً، شقيق علي عارف حجي مهندس، يبلغ 29 عاماً، روى أن شرطياً أذرياً أطلق النار على علي، كانت الرصاصة من الأمام، وثقبت قلبه، كان جدالاً قد نشب بين شقيقي والشرطي، ثم وقع علي على صدر صديقته أولفيا باهراموفا، وقال: “احميني، لقد أطلقوا النار علي”، وسقط على الأرض. رأت أولفيا الشرطي الذي أطلق الرصاص، ولم تعرفه، لكنها تعرف جيداً الضابط الآخر من أغدام، الذي وضع الشرطي في السيارة حالاً، وابتعد معه، مؤخراً قال المقدم نيكولا من موسكو إنه جرى فتح تحقيق جديد بذلك، ونشر إعلان في الصحافة ليمثل الشاهدين أمام الشرطة”، كتب فاسيليفسكي[3].

من الممكن أن يكون الضحية الثانية للاشتباكات بختيار علييف البالغ من العمر 16 عاماً قد قتل ببنادق الصيد للأرمن أو برصاصة وجهت إليه من مسدسات الموظفين في وزارة الداخلية.

كانت المعلومات عن الضحايا تثير سكان أغدام، الذين حضروا أنفسهم للتحرك نحو استيباناكيرد للأخذ بالثأر، تسلقت رئيسة المؤسسة التعاونية خورامان عباسوفا إحدى الشاحنات، ونزعت منديل رأسها، ورمته أمام الجميع. تقاليد أذربيجان لا تسمح بأن يتحرك الرجال عندما تقدم المرأة على خطوة مماثلة، لجمت عباسوفا الجموع الثائرة عن التحرك نحو استيباناكيرد، على الأرجح إن تدّخل عباسوفا هذا منع إراقة جديدة للدماء[4].

لكن بالاسانيان، الذي كان في مركز الأحداث يوم الاشتباكات، شكك في قصة عباسوفا، وقال: “إن قصة رفع المنديل المذّهب ورميه مفتعلة، لقد عظّموها، لأنها أتت ومنعت سكان أغدام من التقدم، سكان أسكيران هم الذين أوقفوا الجموع، وبعد أحداث أسكيران وجد الأذريون نقطة ضعف الأرمن وهي سومغاييت”.

كتب زاردوشت علي زاده العالم الأذري وأحد مؤسسي حزب الجبهة الشعبية: “تحركت الجموع من باردا وأغدام نحو استيباناكيرد من أجل تلقين الأرمن درساً، جرى إيقاف الجموع بالقرب من أسكيران وقتل شابان، من الواضح جداً أن أحدهم قتل برصاصة شرطي أذري، ليس هناك ما نشر عن القتلى في الصحف، بالمقابل كتب الكثير عن حادثة عباسوفا، التي أوقفت الرجال الثائرين بحركة واحدة من يدها عندما نزعت المنديل إشارة رمزية إلى شرف المرأة، يحكى أن حسن حسانوف سكرتير اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي الأذري أدى أيضاً عملاً كبيراً في ضبط الجموع، حيث ركع وتوسل إلى الناس بعدم التقدم”[5].

جاء في تقرير أعدته لجنة الأمن والتعاون الأوروبية عام 1992: “إن مسيرة المتظاهرين من أغدام التي يجب أن تكون سلمية أتت بأولى الطلقات، فقد قتل شابان أذريان، ويكمن الجدل فيمن قتلهما، ويصّر الأرمن على أنها الشرطة، بينما أشيع في أذربيجان كلها أن الأرمن هم من قتلوهما”[6].

المصدر: كتاب “يوميات كاراباخ، أخضر وأسود-لا حرب، لا سلم” للصحفي طاطول هاكوبيان، ترجمة د. نورا أريسيان، الطبعة الأولى للترجمة العربية، لبنان – 2012، الفصل الثالث2.

[1] حوار مع بالاسانيان، 19 حزيران، 2006.

[2]                                                                                       Thomas de Waal, p. 15.

[3]           Александр Василевски, Туча в горах, журнал Аврора, # 11, 2004 г.,

 Ленинград.

[4]                                                                                        Thomas de Waal, p. 15.

[5]                                                Зардушт Ализаде, Конец Второй республики, www.azeribook.com/politica/zardusht_alizade/konetsvtoroy_respubliki.htm.

    [6]            Сурен Золян, Нагорный Карабах: проблема и конфликт, Ереван, 2001 г., стр. 160, см. Interim Report of the CSCE reporteur Mission on the situation in Nagorno-Karabakh, considered on 28 February 1992 by CSO of the CSCE.

Share This