الرها…وقصة تل أرمن

 

أما الرها فإن المسلمين قصدوا أولا دار ساغاتيل (شآلثيل) أحد وجهاء الأرمن الغريغوريين وهجموا على ساكنيها واعملوا فيهم الخناجر والسيوف فبادر النصارى المجاورون إلى السطوح لينجوا بنفوسهم وقفزوا إلى أزقة المدينة فأدركهم المسلمون وعلقوا يضربونهم ثم شدّوا على البيوت وخطفوا الأثاث والمؤن والأمتعة وسارعوا إلى كنيسة الأرمن الكبرى وعاثوا فيها متلفين ومجتاحين وقاتلين. ولما نما الخبر إلى الحكومة أرسلت الجنود لمساعدة المسلمين فتألبوا عند جبل مار يعقوب واقسموا بالطلاق الثلاث أن يكتموا الأمر عن المسيحيين. أما النصارى فاتفقوا على أن لاينالوا أحداً بضرر على الاطلاق. وبعد هذا تفرق المسلمون في أحياء النصارى فرقاً فرقاً وحظروا عليهم الخروج من بيوتهم فحصل لهم ضيق شديد حتى أنهم اضطروا إلى ابتياع سطل الماء من العسكر بأفحش الاثمان.

ولما بلغ اليوم المعيَّن للمذبحة احتشد الأرمن في كنيستهم الكبرى وقلاية مطرانهم ومدرستهم فغار عليهم المسلمون كأنهم من الوحوش وانزلوا بهم أشكال العذاب. وفتكوا بأرواحهم داخل الكنيسة وخارجها. فغدت الدماء تجري كالجداول على الحضيض حتى امتلأت الكنيسة وتدفقت مابين الجدران. وكان ابليس اللعين قد وسوس اليهم فجمعوا الهشيم ووضعوه بين أخشاب واقبسوه ناراً فالتهم من أفلت من النساء والأطفال حتى سال الشحم على الحيطان وامتزج بالدماء.

ولما بلغ ذلك السريان الكاثليك صبغ اصفرار الرعب محيَّاهم وارتخت عزائمهم فارتأى الخوري بطرس الأمدي والقس افرام نقاشه الموصلي أن يلوذا بالمتصرف فاستصحبا الخواجا عبود غنيمه وذهبوا اليه واستحصلوا منه ثلاثة جنود رجعوا بهم إلى الكنيسة وطفقوا يستحضرون إليها أفراد الطائفة فاحتشدوا بها وأوصدوا الأبواب بالحجارة ايصاداً محكماً. وعلى هذا الأسلوب نجوا من القتل. وقصَّ أثرهم في ذلك جماعة السريان المنفصلين. ولم يُقتل من غير الأرمن سوى بطرس قندلفت الحلبي الروم الملكي.

تل أرمن

تل أرمن قرية بماردين في جنوبها الغربي تبعد عنها ثلاث ساعات أهلها جميعهم من أرمن كاثوليكيون بينهم جماعة من السريان معدودة. وفي 6 تشرين الثاني 1895 سار إليها رشيد آغا الكيكية قائم مقام الحميدية في جماهير من الأكراد والعشائر والجأ الأهالي ان يدفعوا له تسعين ليرة ليكشف عنهم الأعداء فثلجوا إلى كلامه فبذلوا له مطلوبه فاستزادهم أربعمائة ليرة وحصاناً مطهَّماً ثم طلب غير ذلك فأعطوه جميع ما أراد وراحوا يقولون الويل أهون من ويلين. وبعد أن استوفى منهم ذلك كله شنّ الغارة هو واصحابه على الأسواق ونهبوها وقصدوا الدور واستلبوها. فانهزم النصارى كعادتهم إلى الكنيسة.

ولحق رشيد وأصحابه عشائر جبل عفص والغرس والدقورية والدنبلية. فاستدعوا النصارى وبذلوا لهم كلمة الأمان واقسموا بالطلاق الثلاث أنهم لايسيئون إليهم. فخرجوا من الكنيسة وما حصلوا في البرية حتى شد عليهم الأكراد ونشموا يعرّونهم ويقتلونهم فانهزم منهم كثيرون وتفرّقوا في القرى المجاورة.

وكان نصارى التلّ قد أوفدوا إلى متصرف ماردين يطلبون النجدة فأرسل اليهم صالح بن درويش علي افندي وبابا حسين وعلي النعلبند ومصطفى التراكي وحسين ترلي. وعند وصولهم إلى القرية ظلوا واقفين يتفرجون على الأكراد ينهبون ويختلسون ويغتصبون. ثم خرج بعض الأهالي وتوجهوا في فيئة من الجند إلى قرية علي مشمش فماردين وهم جياع عطاش عراة حفاة.

وقصد الأكراد كنيسة القرية وهدّوا جانباً منها زاعمين ان بداخلها خزائن قديمة فلم يعثروا على شيء مما توهموا وأقبل أحدهم نحو صورة مار جرجس صاحب المقام فطعنها برمحه ومزقها فأصيب بضربة أليمة أودت بحياته.

 

المصدر: من فصل (القصارى في نكبات النصارى، للعلامة الأب اسحق أرملة السرياني، الطبعة الأولى- 1919) (4).

مقتطف من كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق تاريخية)، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

Share This