أردوغان وحلم السلطنة الجديدة

 

المهندس هامبرسوم أغباشيان

تحاول تركيا إعادة كتابة التأريخ العثماني وخصوصا  فترة خلافة السلطان عبد الحميد الثاني وما جرى قبل وبعد سقوط الخلافة وزوال الامبراطورية العثمانية  وتفككها، والتركيز على قوة وعظمة السلطنة وأهمية السلطان العثماني كرمز لوحدة الامة التركية والامة الاسلامية. الغاية من هذه المحاولة ابراز الجوانب الايجابية لتلك الفترات واخفاء الجوانب السلبية وذلك عن طريق المناهج الدراسية ونشرالكتب والدوريات والمقالات والافلام الوثائقية مع الاستفادة من وسائل الاعلام الاخرى وشبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك انتاج المسلسلات التأريخية التي تغطي حقب تأريخية  معينة والتي يرعاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصيا، وكل ذلك تمهيدا لاعلان السطنة الجديدة .

تقوم الحكومة التركية بهذه المحاولة بالتنسيق مع بعض المؤرخين والكتاب والصحفيين من الاتراك المتعصبين و مع بعض الدعاة والكتاب والصحفيين العرب الذين أغلبهم من الاخوان المسلمين او المتعاطفين مع ايديلوجيتهم، وكل هذه المحاولات والجهود المبذولة تصب في قناة واحدة تمهيدا لغسل ادمغة الجيل الجديد من الشباب التركي والعربى بصورة خاصة والشباب المسلم بصورة عامة وصولا لايجاد ارضية مرنة وخصبة لاقامة سلطنة  جديدة في تركيا تمد ظلالها على الدول العربية ودول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية والجاليات التركية المتواجدة في اوربا وامريكا وغيرها.

تتم محاولة اعادة كتابة التاريخ العثماني  بشقين متوازيين، اولهما للتاثير على المواطن التركي وخصوصا جيل الشباب وايقاظ وتاجيج الروح الطورانية الشوفينية لديه ودعوتة للتعالي والافتخار باصله العثماني وقوميته الطورانية التركية وامجاد الامبراطورية العثمانية والبحث عن بطل قومي جديد يعيد هذه الامجاد. ويقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال توجهاتة السياسية ودعمه للتيارات الإسلامية والدعوة الى تبني الافكار الاصولية ونبذ العلمانية بطرح نفسه كقائد ملهم وجبار والبطل القومي المرتفب الذي سيعيد أمجاد بني عثمان.

الشق الثاني للمحاولة هو للتاثير على المسلمين في الدول الاخرى، وتحظى الدول العربية بقسط كبير من هذا الجهد لوجود ارضية خصبة لتقبل التوجهات التركية الحديثة بسبب القرب الجغرافي والروابط التاريخية ووجود بعض التناغم  مع الايديولوجيات التركية الاصولية والاخوانية، ولا ننسى بان الاعلام والروابط الاقتصادية قد ضمنت التواصل التركي مع ابناء الوطن العربي. أن ضعف الشعور بالفخر للانتماء القومي لدى بعض ابناء الدول العربية  زاد من احتمالات تقبل الدعاية التركية والاعجاب بالمنجزات الحالية لأحفاد العثمانيين الذين اغرقوا البلاد العربية في ظلام دامس لعدة قرون.

أما بالنسبة للدول الناطقة بالتركية فإن الامر يختلف كليا ، فمن الصعب نشرالافكار الأردوغانية هناك والقبول بهيمنة أي كان حتى لو كان (الاخ الكبير) وهم بالكاد تنفسوا الصعداء من السيطرة المركزية الخارجية. فلقد جاء في موقع (http://www.naqed.info) في ايلول 2011م، بان طاجكستان قد حظرت الحجاب في المدارس والجامعات، ووصف وزير التعليم هناك الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب بأنهن “أتباع الحركات الإسلامية التي تسعى للترويج لأجندتها في المؤسسات التعليمية”. والحجاب محظور ايضا في اوزبكستان كما ورد موقع (www.islamtoday.net) في ايلول 2009م. وحسب موقع الجزيرة في تشرين الاول 2017م، فان حكومة كازاخستان رفضت الطلبات المقدمة إليها لرفع الحظر عن الحجاب في المدارس، حيث ان النظام التعليمي في كازاخستان “علماني” بحسب ما تنص عليه قوانين البلاد. وذكر موقع (http://elaph.com) في نيسان 2017م، بان الرئيس الكازاخستاني حظر إطلاق اللحى وارتداء البرقع على الشباب والمراهقات في البلاد ، مشيرًا إلى أن الكازاخ لا يرتدون ملابس سوداء إلا عند الحداد حصرًا. ولا عجب في كل ذلك حيث ان هذه الجمهوريات كانت سابقا ضمن الاتحاد السوفيتي وهي دول علمانية ولا زالت متاثرة بماضيها وتراكماتها الثقافية وستقف حتما بقوة ضد مشاريع أردوغان الاصولية.

الرئيس التركي أردوغان ماضي في تنفيذ مخططاته التي تحقق طموحاته السياسية. فبعد الفوز بمنصب الرئاسة في تركيا وتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي حيث يتولى  الرئيس السلطة التنفيذية وقيادة الجيش،  وحصوله على صلاحيات أكثر من صلاحيات أمراء الدولة العثمانية حسب المؤرخ التركي البروفسور ايلبير اورتالي(İlber Ortaylı) كما ورد في موقع (raseef22.com) في ايلول 2017م، وامله في الفوز بالانتخابات القادمة للبقاء في السلطة  لفترة طويلة نسبيا، حيث ان التعديلات الدستورية تسمح له بالاستمرار في الحكم حتى عام 2029م إذا ما فاز في انتخابات الرئاسة في عامي 2019م و 2024م ، واستنادا الى كل ذلك فانة يسعى بالمضي قدما لتاسيس سلطنة تتلائم مع معطيات القرن الحالي والبحث عن دور قيادي جديد لتركيا في المنطقة. فبدلا من التوسع العسكري والاستيلاء على اراضي الغير باسم الدين وضمها الى سلطنتة الجديده،  والتي لا يمكن تحقيقها في عالم اليوم، فانه يمهد للتوسع والسيطرة فكريا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا باسم الدين .

داخليا، يواجه أردوغان معارضة شديدة لمشاريعه من قبل حزب الشعب الجمهوري والاكراد وقوى اليسار والعلمانيين المستقلين والمفكرين المتنورين وغيرهم. وبالرغم من فشل هؤلاء في اسقاط مشروع أردوغان الرئاسي عبر صناديق الاقتراع،  فان حزب الشعب الجمهوري نجح بتنظيم “مسيرة العدالة” حسب موقع (http://www.bbc.com/arabic) في تموز 2017م والتي قادها زعيم الحزب كليجدار أوغلو والتي انطلقت من أنقرة إلى اسطنبول وانضم اليها المئات من المعارضين لأردوغان الذي اتهم المعارضة بأنها تقف في صف “الارهاب” ورد زعيم المعارضة على تصريحاته بأنها متوقعة من أي “ديكتاتور”. ولا ننسى بان المدن الكبرى مثل اسطنبول وانقرة وازمير وغيرها لم تصوت لصالح مشروع أردوغان ، وهناك أصوات الشباب المتنورين من الجيل الجديد التي تؤرقه. خارجيا خسر أردوغان الرهان على ما سمي بثورات الربيع العربي في مطلع عام 2011م قي تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية حيث كان يحلم بتزعّم المنطقة ولكن الحكومات الجديدة وقفت ضد حكومة أردوغان ذات الفكر الإخواني وطموحاته، وفي سوريا انقلب السحر على الساحر حيث ان تركيا مهددة اليوم بولادة كيان كردي على حدودها مع سوريا. والاسوأ من كل ذلك خسر أردوغان مصداقيته مع المملكة العربية السعودية والامارات العربية لاصطفافه بجانب قطر في ازمتها الخليجية  وعرض الاستثمارات التركية الضخمة في هذه البلاد للخطر علما بان سياسة السعودية والامارات تتعارض اصلا مع سياسة أردوغان الاخوانية حيث ان الفكر الوهابي هو الذي يحكم هذه البلاد ولا يخفى على المراقبين المنافسة الخفية بين السعودية وتركيا لقيادة العالم الإسلامي السني. اما عالميا فان اوربا بدأت باغلاق ابوابها الواحدة تلو الاخرى امامه بعد ان انقلب أردوغان على شركاء ألامس ونعت بعضهم بالنازية  وهدد الدول الاوربية بصورة غير مباشرة حيث اوصى الأتراك المقيمين فيها  بإنجاب خمسة أطفال لأنهم سيكونون مستقبل أوروبا وذلك إشارة إلى الفتح العثماني القادم لأوروبا.

أن النظام السياسي في تركيا اليوم هو نظام علماني وضع اسسها كمال اتاتورك ومنصب الرئاسة هو منصب فخري لا غيرحسب هذا النظام،  واليوم وبعد مضي أكثر من 90 عاما على ذلك أتي اوردغان ليقيم نظام اخر للرئيس بصلاحيات كبيرة، لا يمكن المساس بها، ولا سلطة عليا عليه، فهل يصبح أردوغان سلطانا جديدا، ويؤسس دولة خلافة جديدة، وخصوصا انه يعتبر نفسه حامي الاسلام السياسي ، مقابل العلمانية ؟ لقد الغى كمال اتاتورك الخلافة الاسلامية عام 1924م  ولكن فكرة “استعادة الخلافة الإسلامية مُجددا” دعا إليها مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا (فى العام 1928)، ‎ولكن مع سقوط المشروع السياسى للإخوان المسلمين في مصر عقب ثورة  يونيو 2013م ، عاد حُلم البنا ومشروعه إلى مهده مُجددا حسب موقع الاهرام (http://www.ahram.org.eg) في حزيران 2016م، ولكن التعاطف والتاييد والدعم المتبادل بين الاخوان وأردوغان مستمر الى الان ولعله السبب الرئيسي للخلاف بين تركيا أردوغان من جهة ومصر والسعودية والامارات العربية وغيرها من الدول العربية من جهة اخرى. ان أردوغان يلعب على الحلم القومي التركي وهو ان تركيا هي رأس الهرم في العالم الاسلامى وهي المؤهلة لقيادته واعادة تاسيس امبراطورية اسلامية دون الاخذ بنظر الاعتبار بان الزمن قد تجاوز عصر الامبراطوريات.

ستكون هناك انتخابات في عام 2019م والمرجح ان يفوز بها أردوغان الذي سيلغى منصب رئيس الوزراء وسيكون بوسعه تعيين 12 من أصل 15 قاضيا في المحكمة العليا واختيار أعضاء مجلس الأمن القومي وسيكون له دور أساسي في صياغة القوانين وسيتمتع بصلاحيات رئاسية واسعة، وبهذا سيتحول الرجل إلى ديكتاتور فعلي وسيكون كرسي الخلافة على مرمى حجر منه، وكل الدلائل تشير بانة  يتجه الى تاسيس سلطنة جديدة ويكون خليفة للمسلمين ولكن يطريقة عصرية. فهل سينجح في ذلك؟

لوس انجلوس – كاليفورنيا

ايلول 2017

Share This