تغطية الصحافة حول موقف تركيا من الأحداث السورية

تصاعدت الأمور عندما حذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من احتمال وقوع ما سماها صدامات مذهبية في سوريا وأعرب عن مخاوفه من “احتمال انقسام سوريا على أساس مذهبي” على حد تعبيره. وكرر أردوغان وصف التطورات في سوريا بأنها بمثابة مسألة داخلية بالنسبة للأتراك قائلا “لدينا حدودا مشتركة وعلاقات نسب قوية”.

كما اعتبر أنه “من المبكر جدا” القول إذا كان على الرئيس السوري الرحيل. وأكد أن تركيا نصحت بإجراء إصلاحات في سوريا  قبل اندلاع الاحتجاجات في البلاد، واصفا الأسد بأنه “صديق”.

وقال أيضا “لقد تأخر في الإصلاحات، آمل أن يتخذ بسرعة تدابير مماثلة ويتحد مع شعبه لأنني في كل مرة أزور سوريا أشهد على العاطفة الشعبية الكبيرة تجاه بشار الأسد”.

وبهذا الصدد، وتحت عنوان “الربيع العربي يعيد خلط الأوراق التركية” كتبت راغدة درغام أن “رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان يجد نفسه مطوّقاً بين صداقاته مع القيادات العربية والإيرانية المرفوضة شعبياً اليوم وبين تأهب الرأي العام في الدول التي تعبر الى الديموقراطية لتوجيه اتهام الازدواجية إليه إذا بقي قابعاً في خانة التردد والانتظار”. تؤكد درغام أن أردوغان يدرك أن لا مناص من إعادة صوغ هوية ونوعية الدور الإقليمي الذي أرادت تركيا أن تلعبه، لكنه ليس واثقاً من مجرى التطورات في سورية أو ليبيا أو إيران، ويتمنى لو كان في وسعه تأجيل اتخاذ القرار. فأردوغان، والرئيس التركي عبدالله غل، ووزير الخارجية داود أوغلو، يراقبون «الربيع العربي» الذي أوصل التغيير الى السياسة الخارجية التركية، والى إعادة النظر في العقيدة التي اعتنقها الرجال الثلاثة والقائمة على علاقات مع الجيرة الإسلامية خالية تماماً من أية مشاكل أو صداقات حتى درجة «الصفر».

وتضيف أن “فمعطيات إعادة رسم السياسة التركية الإقليمية والدولية مختلفة تماماً عما كانت عليه عندما كانت بيئة الجيرة التركية راكدة في استقرار تضمنه السلطوية والاستبداد. حينذاك كان في وسع القيادة التركية غض النظر عن تجاوزات أصدقائها في الحكم في ليبيا وسورية وإيران، باسم الاستقرار. وكان في وسع أردوغان التمتع بركوب الموجة الشعبية بطلاً تحدّى الغطرسة الإسرائيلية وعوّض عن تقصير القيادات العربية. اليوم يجد أردوغان نفسه مخيّراً بين ارتباطه الشخصي والسياسي بالقيادات السلطوية وبين الشعوب التي تنتفض على تلك القيادات وتطالبه جهراً بأن يكف عن لعب الدرع الحامي لها. في ليبيا، أوضح أردوغان نفسه بعد التردد والانتظار، فاتخذ إجراءات وطالب العقيد معمر القذافي بالتنحي. في سورية، بدأ أردوغان بإرسال المؤشرات المهمة، لكنه ما زال متردداً ينتظر ما سيحدث على الساحة وماذا سيفعل الآخرون. والآخرون ليسوا فقط العرب أو إيران، وإنما أيضاً الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكذلك الصين وروسيا. فالذي يحدث في الشرق الأوسط نتيجة «الربيع العربي» أعاد خلط الأوراق التركية شرقاً مع الدول العربية وإيران وإسرائيل، وغرباً مع إدارة باراك أوباما ومع الاتحاد الأوروبي أيضاً. وقد يكون ذلك في المصلحة التركية وليس فقط في المصلحة العربية. فلقد كانت سياسة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا بُنِيَت على أسس تتناقض مع مبادئ دعم الديموقراطية وكانت وصلت الى حدود الإفراط بالثقة وبالفوز وبالنفوذ وبالتأثير. وكاد ذلك يدفع بها الى شبه غطرسة على الصعيد الداخلي ربما تزعزعت لاحقاً لأن الشعب التركي منقسم نحو إيديولوجية الحزب الحاكم وغاياته البعيدة المدى”.

تقارن درغام بين الوضع الليبي والسوري، وتقول أن أردوغان يجد نفسه في موقع أسهل في شأن الوضع الليبي مما هو في شأن الوضع السوري نسبياً. “حيرة أردوغان في أمره من كيفية التصرف مع الرئيس السوري بشار الأسد واضحة. نعم، لقد بعث إليه أكثر من رسالة علنية بأنه يخطئ وبأن تركيا لن تتمكن من توفير الغطاء له إذا استمر البطش بالمتظاهرين. ونعم، أبلغ أردوغان أكثر من مسؤول عربي وغربي أن الكيل طفح معه من عدم استعداد أو عدم قدرة بشار الأسد على الإصلاح الضروري أو على احتواء التظاهر عبر تنازلات وليس عبر القمع الدموي. وبالتأكيد، إن أردوغان يود لو أفلح في إقناع صديقيه، القذافي والأسد، إما باستباق الأمور وإصلاح سياساتهما بشمولية، أو بفهم الأمور واتخاذ قرارات ضرورية إما بالتنحي أو بشراكة في الحكم – إن لم يكن فات الأوان.
الآن، ليس في جعبة أردوغان أدوات سحر تغيّر عقلية أصدقائه من الحكام بما يتمنى. لذلك يجد نفسه مُحبطاً لكنه ليس في وضع يعطيه رخاء الوقت إما للتملص من اتخاذ القرار أو لركوب موجة. فـ «الشارع» الذي دب فيه زخم القيادة التي ينشدها هو «الشارع» نفسه الذي يراقبه بل يضعه تحت المحاسبة. فليس كافياً اليوم أن يرفع أي زعيم إقليمي راية التحدي والعداء لإسرائيل ليعوّض عن قصوره داخلياً كما يفعل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أو ليحصد شعبوية تمكنه من الزعامة الإقليمية. فالأولويات مختلفة الآن حتى وان كانت القضية الفلسطينية يقظة في الذهن العربي. ومقومات الحكم على الرجال الساعين وراء القيادة باتت مختلفة أيضاً”.

تشير المقالة على بوادر مؤشرات التغييرات، وبعض عناوينها الرئيسية:

* رئيس الحكومة التركية كان من أوائل، إن لم يكن أول من استعجل تنحية الرئيس حسني مبارك في خطوة اعتبرها البعض مثال الجرأة وحسن قراءة الخريطة السياسية، فيما اعتبرها البعض الآخر خطوة سياسية لاستغلال الفراغ في القيادة الإقليمية مع تغييب مبارك عن الحكم.

* مهما كان، أتى «الربيع العربي» في مصر بصفحة جديدة في العلاقة التركية – المصرية لعلها ساهمت في النصيحة التركية والمصرية لحركة «حماس» بأن تسير في طريق المصالحة مع «فتح» والعمل مع السلطة الفلسطينية نحو استراتيجية إقليمية ودولية جديدة.
* النصيحة التركية والمصرية ما كانت لتلقى الترحيب من «حماس» لو لم يأتِ «الربيع العربي» الى سورية ويبيّن لكل من «حماس» وتركيا أن انزلاق القيادة في دمشق بدأ ولن يكون في الإمكان إيقافه. فالنظام في دمشق اختار «السلطة» على «الإصلاح» وعقد العزم على الاعتقاد بأن «الربيع العربي» مجرد فصل عابر.

* رجب طيب أردوغان ذاق طعم حدود النفوذ مع كل من القذافي والأسد. فهم أخيراً أن من الصعب التحدث بلغة الديموقراطية مع الأصدقاء الذين ترعرعوا على الديكتاتورية. فهم أيضاً أن كلفة علاقاته مع القيادات السلطوية في زمن مطالبة الشعوب بالديموقراطية سيكون مكلفاً له ولحزبه ولتركيا.

* أردوغان ذاق أيضاً طعم سوء الاعتماد على أدوار إقليمية له عبر البوابة السورية. فهو استمر في صداقته الحميمة مع الأسد عندما كانت سورية في حالة عزلة تامة في أعقاب الغزو الأميركي للعراق وفي أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. مد أردوغان الى الأسد حبل الإنقاذ وعكف على إخراجه من العزلة حتى على حساب العراق ولبنان. ثم راهن على دور الوسيط بين سورية وإسرائيل، قبل أن يقرر أن الأفضل له لعب الورقة الفلسطينية لما تنطوي عليه من حصاد شعبوي على صعيد الشارع العربي.
* علاقة أردوغان بسورية تشكل امتحاناً كبيراً له ولحزبه بمعزل عن العلاقة التركية – الإسرائيلية. ففي المحطة السورية يقع اختبار التزام تركيا وحزبها الحاكم بالديموقراطية. وفي المحطة السورية يتم امتحان مدى صدق العلاقة بين أردوغان والشعب العربي وذلك «الشارع» الذي كان مهمشاً أثناء العلاقات الوطيدة بين الحكّام، وبات اليوم رأياً عاماً يُؤخذ في الاعتبار وينصب شبكات الرقابة. وفي المحطة السورية هامش لإعادة صياغة العلاقات مع تركيا وأوروبا، وليس فقط في المحطة الليبية.

* ترميم العلاقة مع إسرائيل وارد في ذهن تركيا إنما ليس عبر خلع المبادئ الرئيسية. فالحكومة التركية تدرك أهمية العنصر الإسرائيلي في علاقاتها مع الولايات المتحدة، لكنها تدرك أيضاً الأهمية المكتسبة للدور التركي الإقليمي وتأثيره في العلاقة التركية – الأميركية. فهناك مؤشرات على رسائل مشتركة الى إسرائيل، إقليمية وأميركية ودولية، فحواها ليس المواجهة وإنما سياسة المضي الى الأمام بها أو من دونها. وهذه رسالة فائقة الأهمية.

* دور تركيا الإقليمي اليوم ليس عبر البوابة السورية – الإسرائيلية ولا هو عبر تحدي إسرائيل للاستيعاب المحلي أو عبر شراكة تركية – سورية – إيرانية لدفع «حماس» الى الممانعة. أنقرة تدرك انه دور جديد يتطلب منها تمزيق الكثير من الأوراق التي كانت أساسية في العقيدة التركية كما شاءها حزب العدالة والتنمية.

* العلاقة مع إيران الحكومية وإيران الشعبية جزء من المعادلة الجديدة. فلقد حرص أردوغان في الماضي على إعطاء إيران فسحة التذرع والتملّص والحماية من الضغوط والاستحقاق. اليوم الوضع مختلف. فهناك مؤشرات على ربيع آخر على الساحة الإيرانية. وأنقرة تحاول الاستعداد لمفاجأة أخرى قد تنسف قاعدة سياستها القديمة.

ومن جهة أخرى أوردت “القدس” مقالة بعنوان “سورية وتركيا: من التحالف الاستراتيجي الى القطيعة”حيث أوضحت سبب انتقال العلاقات السورية التركية من التحالف الاستراتيجي المطلق الى قطيعة شبه كاملة، وهو التناقض الواضح في نظرة القيادة في البلدين الى الانتفاضة الشعبية المندلعة حالياً في العديد من المدن السورية للمطالبة بالاصلاحات الديمقراطية والسياسية منها خاصة.

“قبل الانتفاضة، كانت العلاقات التركية السورية تمر بشهر عسل طويل، حتى بات السيد رجب طيب اردوغان الشخصية الأكثر شعبية، ليس في سورية فقط وانما في جارتها لبنان، لدرجة ان زياراته ووزير خارجيته السيد داوود اوغلو للعاصمة السورية دمشق كانت شبه شهرية، بل اكثر من زياراته لاستانبول نفسها”.

فما الذي نقل العلاقات من مرحلة فتح الحدود واقامة مناطق حرة على جانبيها، والسماح لمواطني البلدين بالتنقل بالبطاقة الشخصية، وزيادة حجم التبادل التجاري بأرقام قياسية، الى توتر غير مسبوق مصحوب بحملات اعلامية شرسة من الجانب السوري على الأقل؟

أجابة على هذا الشؤال: تحدثت المقالة أن “السلطات السورية تريد من تركيا، والسيد اردوغان على وجه التحديد، الوقوف الى جانبها في مواجهة الانتفاضة الشعبية، لأن المشاركين فيها ينفذون اجندات خارجية تريد هز استقرار البلاد تحت عناوين الاصلاح السياسي، ولذلك شعرت بالحنق الشديد من جراء وقوف السيد اردوغان الى جانب الانتفاضة، ومساندته للاصلاحات، بل وانتقاده للرئيس بشار الاسد لعدم الاقدام على تنفيذها مبكراً لتجنب الانفجار الاحتجاجي الحالي، وبلغ الغضب الرسمي السوري ذروته عندما استضافت انقرة مؤتمراً للمعارضة السورية.

السيد اردوغان يرى ان لا خيار امامه غير الوقوف الى جانب المطالب الشعبية بالاصلاح السياسي، وكشف في اكثر من مقابلة صحافية كان آخرها يوم امس مع محطة تلفزة امريكية، انه عرض على الرئيس بشار استضافة كوادر سورية لتدريبها على كيفية الانتقال الى الحكم الديمقراطي، وادخال الاصلاحات السياسية”.

أما صحيفة ‘الوطن’ السورية المقربة من النظام عكست الغضب الرسمي السوري في افتتاحية نشرتها الخميس هاجمت فيها بشراسة السيد اردوغان وحنينه الى احياء العثمانية، ولم توفر في الوقت نفسه وزير خارجيته داوود اوغلو منظر هذه العثمانية، واعادت نبش التاريخ الاستعماري التركي للدول العربية، وحملته مسؤولية التخلف الذي يعيشه العرب حاليا. مثل هذا الهجوم غير المسبوق يعكس تحولاً في السياسات السورية تجاه الجيران، فالاعلام الرسمي السوري كان يلجأ دائماً الى الابتعاد عن مثل هذا الاسلوب بتعليمات من القيادة العليا التي تفضل ايكال هذه المهمة الى صحف او شخصيات لبنانية مقربة منها، فما الذي تغير الآن بحيث يتم التخلي عن مثل هذا التوجه الذي ميز سورية واعلامها في محيطها العربي؟

المؤكد ان القيادة السورية تعيش حالة من القلق والارتباك نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية المتعاظمة ضدها، ورجحان كفة الصقور داخلها، وهي معذورة في ذلك، ولكن النتائج قد تكون على غير ما تشتهي، والثمن ربما يكون باهظاً للغاية. فخسارة تركيا، الجارة الاقوى لسورية التي تشاركها حدوداً يزيد طولها عن ثمانمئة كيلومتر، ويمكن ان يكون لها دور مؤثر في تطورات الوضع داخل البلاد سلباً او ايجاباً.

وتختم القدس بالقول: “فعندما يقول السيد اردوغان انه ينظر الى الاوضاع في سورية من منظور نظرته للاوضاع الداخلية التركية ويذهب الى درجة القول بان الاوضاع في سورية هي شأن داخلي تركي تقريباً، فان هذا يعني تحذيراً لا يجب الاستهانة به من قبل القيادة السورية.
لا نعرف رأي الدبلوماسية السورية وزعيمها وليد المعلم حول هذه المسألة بالذات، ولماذا توارت عن الانظار، فسورية هذه الايام بحاجة ماسة الى الكثير من الدبلوماسية والقليل جداً من الحلول الامنية والهجمات الاعلامية اذا ارادت ان تتجاوز أزماتها”.

أما الكفاح العربي فقد ناقشت “قراءة في الانقلاب التركي على سوريا وليبيا” حيث اعتبرت “إنه الطلاق، بعد «شهر عسل» قصير، بين تركيا وسوريا من جهة، وتركيا وليبيا من جهة أخرى. والبحث عن أسباب هذا الطلاق والحسابات التي قادت إليه تطول ويمكن اختصارها في عبارة واحدة: انقلاب أردوغاني على دمشق وطرابلس، تمهيداً للعودة الى إسرائيل. كيف يمكن قراءة هذا الانقلاب؟”. وأوضحت عن الصفقات التركية ـ الاسرائيلية وآخرها صفقة تسلح بـ4 مليارات دولار عقدتها مصانع الأسلحة الاسرائيلية مع الحكومة التركية في مطلع ايار (مايو) الحالي.

معتبرة أن “المسألة هنا ليست مسألة حسابات فقط، وإنما مسألة معادلات استراتيجية جديدة يحكمها التوجه الاميركي الجديد، الذي يرمي الى “اعادة صياغة أنظمة المنطقة” اي تدجين الانظمة الممانعة او المقاومة، بصورة يسهل معها إدخالها في التسوية التي يتم اعدادها في مطابخ البيت الأبيض، بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي”.

و”ان رجب طيب اردوغان ينشط في ورشة جديدة الهدف منها جر الحركات الاسلامية المسماة «معتدلة» الى مسار جديد لا مكان فيه لأي نكهة اسلامية حقيقية، أي أنه يحاول استدراج  الحركات الاسلامية (انطلاقاً من تجربة العدالة والتنمية في تركيا) الى الارتماء في أحضان الولايات المتحدة والغرب، والاعتراف بإسرائيل. وهؤلاء «المسلمون الشطار» ماضون على ما يبدو في المغامرة، سعياً الى السلطة، حتى ولو تنازلوا عن كل ثوابتهم الايديولوجية. والعارفون يقولون إن أردوغان، الذي يرى أن تركيا تعتمد نموذجاً اسلامياً للدولة والمجتمع، حريص على اقناع دول المنطقة، بدءاً بمصر وتونس وسوريا وليبيا، بتقليد النموذج التركي مع مراعاة الظروف والمعطيات المحلية.
هل أدركت سوريا وليبيا هذه الحقيقة؟”.

وختمت المقالة أنه “وباختصار يرى المراقبون أن الالتفاف الأردوغاني الجديد يتمثل اليوم في الالتزام بالخطة الاميركية ـ الأطلسية الجديدة التي تحاول اعادة رسم الخريطة السياسية والاستراتيجية في المنطقة، عن طريق الوصل  بين “الاخوان الجدد” (اخوان أميركا) ودوائر صنع القرار العربي. والمفارقة أن وسائل الاعلام السوري لا تزال تتعامل مع أردوغان بما يشبه العتب، على أساس أنه “تسرّع” في اتخاذ مواقفه، وتصف الأداء التركي بأنه “على قدر من الارتجال” من دون أن تذهب الى قراءة الأبعاد الاستراتيجية للسلوك التركي الجديد…انه الانعطاف التركي الذي تتكثف علائمه في السلوك التركي الجديد مع دمشق وطرابلس، في مرحلة التمهيد ـ أو استكمال التمهيد ـ لإعلان العودة الى اسرائيل”.

ومن جهة أخرى طالعتنا السفير مقالة بعنوان “تركيا وسوريا: نهاية “العمق الاستراتيجي” لمحمد نور الدين. حيث يوصح أن ” العلاقات التركية السورية تعرضت لنكسة قوية في الآونة الأخيرة يمكن لها ان تعيد العلاقات بين البلدين الى المربع الأول الذي كان قائماً، ليس فقط قبل وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة العام 2002، بل إلى ما قبل بداية مسيرة التحسن الأمني أساساً، والسياسي، بين دمشق وانقرة ابتداءً من نهاية العام 1988 . والاهتزاز الأخير ليس مجرد محطة عابرة بل يسجل بداية مرحلة جديدة وفقا لقواعد مختلفة من غير الممكن رسم ملامحها منذ الآن”.

“لم يكن التقارب التركي السوري بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم مجرد انعكاس لرؤية جديدة وضع أسسها وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو في كتابه الشهير»العمق الاستراتيجي» في العام 2001، بل أيضاً محصلة تقاطع مصالح اقليمية ناتجة أساساً عن التهديدات والتحديات التي شكلها الغزو الأميركي للعراق ومخاطر الفتن المذهبية والعرقية والتقسيمية التي رافقته، وانتهت إليه فعلياً، ومخاطر وجود قوات الدولة الأعظم في العالم على حدود سوريا وتركيا. فتحت سوريا في المقابل أبوابها لتركيا بالجملة. وكان لذلك أهمية قصوى بل حاسمة في إدخال التركي الى كل بيت عربي. وأهمية سوريا مضاعفة في هذه النقطة حيث ان الايديولوجيا البعثية، التي تعكس النزعة القومية العربية المتشددة، والتي شن عليها داود أوغلو في كتابه هجوماً شديداً، تجاوزت موروثاتها السلبية ضد صورة تركيا العثمانية والأطلسية والمتحالفة مع اسرائيل، واتخذت مواقف جريئة لجهة «تبييض» صورة تركيا السابقة وبالتالي إدخالها الى كل بيت عربي”.

وعن صورة تركيا قال: “وبعدما كانت صورة تركيا لدى سوريا ومعظم العرب على امتداد عقود القرن العشرين هي «أخوة التراب»، باتت كل المسلسلات التركية المدبلجة تتم باللهجة السورية دون غيرها، وقد جاءت بعد نجاح «باب الحارة»، حيث يمكن القول إنه لو تمت دبلجة المسلسلات التركية بلهجة اخرى غير السورية، المصرية أو الخليجية على سبيل المثال، لما شهدت هذا النجاح الكبير برغم أن معظم هذه المسلسلات سطحي وسخيف ولا يستحقّ كل هذا الاهتمام فضلاً عن انه لا يعكس الواقع التركي الحقيقي باعتراف الأتراك أنفسهم”.

أما من الناحية السياسية: “قام السوريون بدور مهم على كل الأصعدة في «إعادة إنتاج» صورة تركيا الجديدة، ومنحوها بعد توقف عشر سنوات «شرف» ان تكون الوسيطة في المفاوضات بين سوريا واسرائيل. وفي وقت كانت اسرائيل ترفض استئناف الوساطة التركية بعد عدوان غزة، كانت سوريا ترفض اية وساطة غير الوساطة التركية.

وفي السياسة كان النجاح التركي الأبرز في سياسات الانفتاح وفي ترجمة استراتيجية «العمق الاستراتيجي» مع سوريا بالذات. وبات داود أوغلو يرى حلمه في منطقة اقليمية خالية من الحدود – التي وصفها مع اردوغان بأنها مصطنعة – واقعاً وحقيقة في الحالة السورية تحديداً. وما فشلت تركيا في تحقيقه مع الاتحاد الاوروبي جسّدته على ارض الواقع مع سوريا من خلال إلغاء تأشيرات الدخول وفتح الحدود ورفع الحواجز الجمركية واقامة مجلس تعاون استراتيجي أعلى برغم عدم التكافؤ بين إمكانات الاقتصاد التركي الكبيرة والاقتصاد السوري المتواضعة. في حين أن عدم التكافؤ بين اقتصادين هو الذي لا يزال يحول دون إقرار اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين تركيا والعراق في البرلمان العراقي. وكانت رغبة القيادة السورية في المضي قدماً من أجل التواصل مع دول الجوار، ولا سيما تركيا، تتقدم على أي اعتبارات أخرى”.

لكن مع بدء الثورات العربية، ووصول حركات الاحتجاج الى سوريا، كان المشهد بين البلدين مختلفاً. واجهت تركيا سابقاً ارتباكاً وازدواجية في المعايير مع الحراكات العربية السابقة لكن سوريا حالة مختلفة. سوريا تختلف عن الجميع بالنسبة لتركيا ليس فقط لأهميتها القصوى في نجاح إستراتيجية «العمق الاستراتيجي»، وتباهي تركيا بها، بل أيضاً لأن البنية الاجتماعية المذهبية والاتنية لسوريا مشابهة للبنية الموجودة في تركيا. بل أكثر من ذلك ان تركيا تختزن من عوامل التفجير الداخلي، وشهدته أكثر من سوريا، التي بالكاد مرت بحوادث محدودة كان لها طابع سياسي اكثر من اي شيء آخر، لا بل يفتخر السوريون بأن النزعة الوطنية لديهم تتقدم اي نزعة دينية او مذهبية او اتنية.

عندما بدأت الاضطرابات في سوريا كانت المواقف التركية على النحو التالي:

  1. تركيا مع التغيير والإصلاح الذي تراه حتمياً.
  2. التعامل بسلمية مع المتظاهرين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمفكرين وإلغاء حال الطوارئ وإقرار التعددية السياسية لتحقيق التحول الديموقراطي.
  3. الأفضل ان يكون التغيير بقيادة الأسد، وهذا وحده يمنع الانفجار الكبير ويحقق الاستقرار.

    وفي هذا السياق ارسلت تركيا وفوداً متتالية لتبحث مع الأسد كيفية تحقيق ذلك.
    لم تنتظر وسائل الاعلام التركية اتضاح الموقف في سوريا، فبادرت إلى حملة مفتوحة لا تزال مستمرة حتى الآن ضد الأسد شخصيا، عبر تصويره على انه الدكتاتور والسفاح الذي يشبه معمر القذافي. وما يفاقم علامات الدهشة ان وسائل الاعلام القريبة جداً من حزب العدالة والتنمية، مثل صحف «ستار» و«تركيا» و«يني شفق»، وغيرها.

وبرأي نور الدين أن “الخطورة الكبرى الأخرى، هنا، على تركيا، انها تعرّض علاقاتها وكل استراتيجيتها «العميقة» للانكسار، وعلى كل الأصعدة، ليس فقط مع سوريا بل مع كل المحور المذكور من طهران الى بيروت مروراً ببغداد. تواجه تركيا في الحالة السورية امتحاناً دقيقاً في سياستها الخارجية يختلف عن كل امتحاناتها السابقة مع الدول العربية الأخرى. وتطرح المواقف التركية الملتبسة من سوريا تساؤلات عن دوافع هذه المواقف.

تتعدد التفسيرات ومنها:

التفسير الأول ان تركيا تخشى بالفعل من تفاقم الوضع في سوريا وتحوله الى حرب اهلية ومذهبية واتنية ما يفتح باب تركيا على «جهنم» جديدة. لذلك هي تسعى الى نزع فتيل الانفجار الكبير في سوريا من خلال الإصلاح بقيادة الاسد ضمانة لاستمرار الاستقرار ومنعاً لتأثير ذلك على الوضع في تركيا. ومن هذه الزاوية ترى تركيا ان تكرار مواقفها وتحذيراتها وإملاءاتها بل حتى استضافة المعارضة السورية يأتي من باب الضغوط على النظام السوري للمباشرة الجدية في الإصلاح، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.

التفسير الثاني، أن تركيا في مواقفها المتتابعة والضاغطة، ولا سيما مواقف الاعلام الاسلامي فيها، ليست منغلقة على التعاون مع أي نظام بديل قد ينشأ في سوريا في حال سقوط النظام الحالي. واحتضان تركيا حركة الاخوان المسلمين والتشهير اليومي لوسائل الاعلام الاسلامية المقربة من حزب العدالة والتنمية بـ«السلوك الدموي» للنظام السوري قد يفضي الى الاعتقاد باستعداد تركيا بل دعمها لنظام بديل يكون الإخوان المسلمون فيه الركيزة الأساسية. وهذا برأينا يشكل خطراً على مجمل سياسة تركيا في المنطقة والعالم الإسلامي، إذ سواء سقط النظام السوري ام لا.

أما التفسير الثالث، من وراء المواقف التركية السلبية من سوريا فهو وقوع راسِمِي السياسة الخارجية في تركيا في «حسابات ورهانات غير دقيقة» في كيفية التعاطي مع الأحداث العربية عموماً، والسورية خصوصاً”.

وفي الختام يعتبر أنه “لا يمكن التجاهل او التعامي عن ان صورة تركيا السابقة التي كانت في خط تصاعدي وايجابي منذ ثماني سنوات وحتى الآن قد أصابتها تشوّهات وندوب. كما أن هذه الأخطاء العميقة قد نهشت من قوة الدور التركي وحضوره. وما عاد ممكناً القول ان قواعد اللعبة بين تركيا والمنطقة ستبقى على حالها، ولم تعد الأسس التي قامت عليها الشراكة التركية – السورية صالحة للمرحلة المقبلة مهما كانت نتائج التطورات في سوريا.
من المؤسف فعلاً، أن يسقط مبدأ «المسافة الواحدة» من الجميع في أول امتحان جدي للسياسة الخارجية التركية، وألا تصمد نظرية «العمق الاستراتيجي» أكثر من سنوات معدودة، كأن التاريخ لا يريد أن تستقيم العلاقات العربية التركية عشــية الذكــرى المئوية لانهيارها، والتي بدأت شرارتها بالسياسات والممارسات و«الأخطاء العميقة» لجمعية الاتحاد والترقي بدءاً من العام 1911”.

ملحق “أزتاك” العربي

22 أيار 2011

Share This