إلغاء الامتيازات.. وإعلان جمعية الاتحاد والترقي عن الأرمن في دير الزور

 

يعرف كل خبير أنه كان لدول أوربا ولاسيما للدولة الفرنساوية امتيازات شتى في تركيا غايتها صيانة حقوق النصارى وحرمة الاقليرس وعدم التعرض للكنائس والمدارس واقتضى لاستحصالها أزمنة طويلة ومبالغ جسيمة وأتعاب كثيرة.

غير أنه ما مرّ الشهر على اعلان هذه الحرب الضروس حتى ألغت تركيا تلك الامتيازات وعادت إليها الكلمة فأقامت أنور وطلعت لينفذا هذا المشروع ويعلنا به. فاجتمعا باحزابهما وحواشيهما وبثَّاهم ما يكنّه صدرهما من الحزازات على النصارى ولا سيما الأرمن قاصدين بذلك على رأيهما الفاسد خير الدولة وسعادتها ومن جملة مانطق به أنور أن جلّ مرامه هو أن يُري الطرق للتملص من عبء ذلك الحمل. والتخلص من رق العبودية. حتى قال »إن العبودية صعبة تلجئ صاحبها ان يعيش مهدداً مخوفاً محتقراً لا يتيسر له أن يبدي رأياً او يبتّ حكماً دون مشورة أو مراجعة. فدولة كهذه وجودها وعدمها على حدّ سوى. وإلا فمن يجهل أن البصير خير من الأعمى والحر أفضل من العبد«.

فصفق الحضور لخطابه استحساناً واستصوبوا رأيه وبعثوا الأخبار إلى الولايات بأن تركيا أُعتقت وأن امتيازات الأجانب الغيت. فدقوا الطبول وبوقوا في الأبواق ورفعوا اللواء العثماني الاحمر المشير الى سفك الدماء.

اما جمعية الاتحاد والترقي فاعلنت قائلة: “بما أن الأرمن يأتون اموراً تخالف السنن ويغتنمون الفرص لازعاج الحكومة ويخزنون اسلحة وقنابل ومواد منفجرة ليسعروا نيران الثورة داخل البلاد ويفتكوا بالمسلمين ويعضدوا روسيا فاستدراكاً لمشاغبهم نقرر ان يساقوا جميعاً الى ولايتي الموصل وسوريا ولواء دير الزور على ان تكون اعراضهم وانفسهم واموالهم في أمان من اعتداء المعتدين وتسلط المجرمين. وقد اصدرنا الاوامر لاسكانهم في تلك البلاد ريثما تضع الحرب اوزارها”.

هذا كان البيان الرسمي العلني في شأن الأرمن فقط. اما البيان الخفي والحقيقي فكان يرمي الى تأليف العسكر الخمسيني (المليس) ليساعدوا الجنود على قتل الأرمن وسائر المسيحيين ويتلفوهم ويستحوذوا على اموالهم وارزاقهم والسبب في ذلك على مارووا ان أرمن مصر واوربا واميركا اوفدوا خفية عشرين رجلاً ليفتكوا غيلة بطلعت وأنور.

وبعد هذا نصبوا وعزلوا من احبوا ثم أَمروا بجمع اسلحة النصارى والقبض عليهم وتعذيبهم وسوقهم وقتلهم وانعموا على من جاراهم ببراءة عمومية وحرية تامّة ليقتلوا ويخطفوا ويختلسوا ويفحشوا كما يبتغون ويهوون. ومن المقرر ان السمكة اذا فسدت فسدت اولاً هامتها وقد قيل:

لما رأيت الرأس وهو مهشم                                           ايقنتُ منه تهشم الأعضاء

المصدر: من فصل (القصارى في نكبات النصارى، للعلامة الأب اسحق أرملة السرياني، الطبعة الأولى- 1919) الجزء الثالث، الفصل الثاني،(8).

مقتطف من كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق تاريخية)، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

 

Share This