مذبحة أورفا ( الرها )

 

ما مر على المذبحة الاولى عشرون عاماً حتى نهض اعداء الانسانية لاقتراف الفظائع تكراراً في مدينة الرها. وقد شئنا أن نلخص لقرائنا اخبار تلك المذابح ليكون كتابنا شاملاً. ففي حزيران 1915 اصدر ذوو النفوذ اوامرهم الى جمهور المسيحيين لينقلوا ماعندهم من الاسلحة الى دار الحكومة فامتنعوا عليهم باديء بدء ولكن الحكومة الحفت في الطلب وتهددت المسيحيين باغلظ العقاب وافظع الميتات فاشأر عليهم الرؤساء الروحيون بتسليمها وهم لكذلك اذا بجيش عرمرم يتقدمهم قائدان المانيان في مدافع ضخمة وضعوها في القلعة وصوبوها نحو دور النصارى فدكوها واعدموا تحت الردم خلقاً كثيراً. ثم نشموا يكبسون الدور ويذبحون من تبقى.

واخيراً جردوا شرذمة من الجند الى كنيسة الأرمن الغريغوريين فقبضوا على الرئيس وكان شاباً لايبلغ الاربعين واستاقوه آعنف سوق الى دار الحكومة وابرموا عليه في الجدال ثم قضوا بشنقه. ولما وصلوا به الى منقع العذاب استاذنهم في الكلام فاذنوا له رغبة ان يصيبوا منه حجة تخفف عنهم فظيع جرمهم. ففتح الرئيس فاه وقال بالتركية ماشرحه:

»في ظني ان خطيئتي عظيمة لاني حرجت على جماعتي مقاتلة الاتراك مع علمي الوكيد بانهم لو قاتلوهم لغلبوهم.. بناء عليه اننا نموت لا لتقصيرنا عن مصارعة اعداءنا بل حباً للدين المسيحي حباً لارمينية المنكودة الحظ. والله العدل قادر ان ينصف لنا من كل ظليم غشوم« وما انهى كلامه حتى ثار به الخصوم وشنقوه. وقتلوا عامة الأرمن واستباحوا اموالهم وفتكوا بقسم صالح من السريان والكلدان واليعاقبة والأرمن الكاثليكيين. فقتلوا القس حنا قندلفت والراهب افريم السريانيين وظل سائر الكهنة منزوين في بيوتهم حتى تجددت اوامر العفو عنهم.

اما الورتبيد ورطان توماسيان رئيس الأرمن الكاثليك فاختفى ردحاً من الزمان عند احد الاصدقاء وصرف لذلك السبب المبالغ الطائلة ولما درى به ارباب الحكم اصدروا الاوامر بنفيه الى الشام ثم سيروه الى اطنه والقوه في السجن وحكموا عليه بالاعدام فرفع الامر الى العاصمة فقضوا عليه بمائة سنة وسنة فاستأنف فحكموا عليه خمس عشرة سنة فميز فانعموا عليه بالحبس سنتين. غير انه قبل دخول الانكليز والفرنسيس الى اطنه بيومين اوفد الوالي في استدعائه ولفق عليه الشكايات الكاذبة وقضى بشنقه وامر أن يوثق بالحبال ويجرّ في شوارع الولاية. فتوسل اليه كبار النصارى ان يخفف وطأة العقاب فادّعى انه اقسم بالطلاق ولا بد من تنفيذ الحكم. وبعد الالحاف والالحاح تمكنوا من اقناع الوالي في تخفيف القصاص. لكن الورتبيد ورطان سير بِه الى المشنقة فصعد الكرسي واوثق رقبته بيده وصاح بأعلى صوته »إنّي اموت حبّاً للدين المسيحي وحبّاً لارمينية وليعلم جميع السامعين إنّي بري لا ذنب لي البتة« وبعد أن خرّ شهيداً راح المسيحيون لينقلوه بالعربة الى المقبرة. غير أن الوالي ابى إلا أن يضعوا الزبل فوقه وتحته لئلا يحنث في يمينه الجورية وعلى هذا النسق شيعوه ولحدوه. انظر ياصاح الى اي حد يتصل الانسان من الكفر والخبث. ليت شعري هل يعتب علينا اذا استمطرنا على مثل هذا الزنديق وامثاله اللعنات الابدية والنيران الجهنمية؟

 

المصدر: من فصل (القصارى في نكبات النصارى، للعلامة الأب اسحق أرملة السرياني، الطبعة الأولى- 1919) الجزء الثالث، الفصل الثاني،  ص 335-343 (10).

مقتطف من كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق تاريخية)، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

Share This