قراءة لفيلم “الوعد” في النادي السينمائي

 

أزتاك العربي- كتبت الصحفية ميلدا شويكاني في صحيفة البعث أن النادي السينمائي عرض في سينما كندي دمشق بالتعاون بين وزارة الثقافة ومؤسسة أحفاد عشتار، فيلم “الوعد” وتحليله ومناقشته بمشاركة السفير الأرمني د. أرشاك بولاديان ود. نورا أريسيان والمخرج باسل الخطيب وحضور نوعي، لمشاهدة فيلم الوعد الذي جسد جزءاً من حقيقة ما تعرض له الشعب الأرمني على يد العثمانيين.

عرض الفيلم أثار ردود فعل متباينة وأظهرت المناقشة رفضه من قبل كثير من الأرمن وغيرهم، ليشيد الجميع بالدور التوعوي لوزارة الثقافة ومؤسسة أحفاد عشتار بإدارة د.أيسر ميداني بإظهار الجوانب الإيجابية والسلبية بالفيلم وإظهار حقيقة الإبادة الأرمنية، وليتساءل كثيرون لماذا الوعد وما علاقة معنى الوعد بالفيلم؟ لنرى من خلال ساعتين أن الوعد بدأ من الالتزام الشخصي لميكاييل بالزواج من خطيبته، رغم حبّه لآنا إلى الالتزام بالوعد لكل شهداء القضية الأرمنية بالاستمرار، يبدأ الفيلم من قرية سيرون ليفرد المخرج الأمريكي مساحة للحياة الأرمنية الآمنة ويقترب أكثر من العادات الأرمنية بدفع الفتاة المهر للرجل كي يتزوجها، فيأخذ ميكاييل أوسكار إسحق المهر من خطيبته ويسافر إلى القسطنطينة ليدرس في كلية الطب، ومن هنا تبدأ القصة مع نغمات موسيقا الوتريات التي ترجمت مشاعر مؤثرة عاشها شخوص الفيلم لتتقاطع مع تراتيل الأب كوميداس وهو يناجي الله بأن يحمي الأرمن، لتتصاعد الأحداث حينما يقع بحبّ آنا الفتاة الأرمنية العائدة من باريس والمرتبطة بقصة حبّ مع الصحفي الأمريكي كريستوفر، فاعتمد المخرج على التسلسل المنطقي لبداية المجازر الأرمنية بملاحقة الأرمن الذين كما كُتب على الشاشة” الآشوريون والأرمن على المحك” مركزاً على توصيف الصورة البصرية بالسرد السينمائي لبداية التهجير والإجبار على الالتحاق بالجيش التركي كما حدث لميكاييل، ومن ثم الاعتقالات التي طالت الأب كوميداس، ولتتوقف الكاميرا عند مشاهد الإعدام الجماعي واقتحام البيوت لتمضي الأحداث مع سير قوافل المهجرين الذين حملوا أمتعتهم ليتخلوا عنها لاحقاً إثر ملاحقة الأتراك.

المنعطف الأول بالفيلم كان هرب ميكاييل ليلتحق بالقطار الذي حمل الكثير من الأرمن لتعذيبهم بالعطش والاختناق، ليمرر المخرج جزءاً مما جرى حينما يصرخون ماء ماء في الوقت الذي تهطل فيه الأمطار، ليستغيث أحدهم افتح لي الباب لاأستطيع أن أتنفس.ويمضي المخرج بمسار آخر وتتوقف الكاميرا عند اعتقال كريستوفر وقراءة تقاريره الإنسانية، فيدافع عن نفسه”يجب أن تعلم أمريكا لتحدد موقفها من الحرب” برمزية لتسويغ موقف أمريكا دولياً، يتابع المخرج الرسالة بمشهد السفير الأمريكي اليهودي الذي يطلب إخلاء سبيل كريستوفر ليختزل الحوار بجملة السفير”أنا يهودي لكنني أمريكي” وتتضح الرسالة أكثر حينما يطالبه المسؤول التركي بأموال التأمين عن قتلى الأرمن والتي يجب أن تعود إلى خزينة الدولة العثمانية، يرفض السفير بشدة، وتكتمل الصورة برفض كريستوفر التوقيع على أنه جاسوس بقوله “هذا ينافي كل ماكتبته” ليدخل المخرج بمسار ثالث بإقحام شخصية الرجل التركي المسلم “آمران” صديق ميكاييل ليساعده بالإعفاء من الجيش في بداية الفيلم ومن ثم مساعدة كريستوفر بالهرب فيعدم.

المنعطف الثاني حينما يضطر ميكاييل للزواج من خطيبته وتمضي آنا مع الأطفال الأيتام وقوافل المهجرين، لتتوقف الكاميرا عند مشهد صراخ ميكاييل لرؤية جثث والده وزوجته وأفراد عائلة خاله، لنصل إلى المشهد الحاسم بقصف المدفعية قوارب الأرمن لحظة وصول البارجة الفرنسية لأخذ الناجين إلى مصر، لتغرق آنا ويتمكن ميكاييل من إنقاذ بيفيا، في المشهد الأخير يخبرنا ميكاييل أنه تبنى بيفيا وتابع دراسة الطب، وبأن كريستوفر مات أثناء متابعته الحرب الأهلية الإسبانية، ليلتقي الأيتام في حفل زواج بيفيا التي مات جميع أفراد عائلتها بالإبادة لتتزوج من ملازم أمريكي كرسالة واضحة للاندماج بالمجتمع الأمريكي.

إنكار الإبادة

وقبل عرض الفيلم ألقى السفير د.أرشاك بولاديان كلمة أشاد فيها بالمشاعر الإنسانية التي هيمنت على مجريات الفيلم لقصة تهجير وقتل الشعب الأرمني و بأداء الممثلين الرائع لاسيما الممثلة الأرمنية أنجيلا سارافيان، وبأداء الممثل ميكاييل الذي استطاع إيصال الرسالة باستمرار الشعب الأرمني رغم أنه ليس أرمنياً إلا أنه تفاعل مع الدور البطولي والإنساني، كما تطرق إلى التقنيات السينمائية الفنية الرائعة وإلى دقة التصوير، منوّهاً بتضخيم الدور الأمريكي واليهودي الواضح بالفيلم كون إنتاجه أمريكياً وتمويله من قبل رجل أعمال أرمني كيريك كريكوريان.

إعادة القضية الأرمنية

وتحدثت د. نورا أريسيان عضو مجلس الشعب عن أهمية عرض فيلم الوعد الذي عُرض في أمريكيا وكندا ويعرض في عواصم العالم الأوروبية والعربية، وتستعد صالات باريس لعرضه في هذا الشهر، واستعرضت بعض الأخطاء التاريخية الواردة في الفيلم مثل مدينة طرطوس السورية التي لم يكن لها علاقة بمسار الإبادة، مركزة على التمازج الأرمني العربي من خلال ذكر مدينة حلب التي تمركز فيها عدد كبير من الأرمن، وإلى الصحراء الممتدة إلى دير الزور والحسكة، لتتوقف عند مقولة التاريخ يعيد نفسه مستشهدة بما كتبته الصحافة الأوروبية عن الممثلة الأرمنية أنجيلا سارافيان التي أدت دور”آنا” بأن الأجداد الأرمن فروا من بطش الأتراك ووصلوا إلى سورية ليذبحوا على يد العثمانيين، واليوم يفرون من الإرهاب الذي تمارسه تركيا في سورية.

رفض التمريرات

وأوضح المخرج باسل الخطيب بأن الفيلم بمساره العام كان شائقاً وشدّ المتلقي على مصائر الشخوص في ظل مأساة إنسانية كبرى، مؤكداً بأن جيل الشباب السوري على درجة عالية من الوعي ويستطيع أن يكتشف ويحلل أبعاد الفيلم ويفصل بين الإيجابيات والسلبيات، مشيداً بالجماليات الفنية والتقنية التي اتسم بها الفيلم الذي يتصف بلغة سينمائية عالية.

في حين فتح الناقد الإعلامي ملهم الصالح باب النقاش حول التسييس الأمريكي الواضح للفيلم، وإظهار الدور البطولي للصحفي كريستوفر وللمواقف الإنسانية بمساعدته الأيتام وإظهار حقيقة الجرائم المرتكبة من خلال تقاريره الصحفية، وفي النهاية موته في الحرب الإسبانية الأهلية، فبدا هو بطل الفيلم وليس ميكاييل الذي تابع حياته.

وتباينت آراء الجمهور فبعضهم أكد ضرورة الفصل بين المشاعر والمواقف الإنسانية للأفراد وبين موقف الحكومات، بينما أكد بعضهم  الآخر التسيس الأمريكي للفيلم، وامتعض كثير من الأرمن من الفيلم لاسيما مشهد النهاية الذي يدعو إلى الاندماج بالمجتمع الأمريكي، ليخلص المخرج الخطيب إلى أننا قد نتفق أو نختلف بمناقشة الفيلم، لكن الأهم هو أن نعيش الحالة السينمائية وبأن نأخذ ما نريده من الفيلم وليس ما يمرر فيه، مشيداً بالرجل الأرمني كريكريان الذي موّل الفيلم في الوقت الذي لم يبد أيّ رجل أعمال مبادرة تمويل فيلم عن الحرب السورية الكارثية التي نعيشها.

Share This