بقرادونيان: تركيا مسؤولة عن كل ما يجري

وصل الارمن الى سوريا قبل نحو 1600 سنة بدليل كنائسهم الاثرية القديمة في أنحاء حلب ودير الزور، لكن العدد الاكبر منهم وصل اثناء المجازر الارمنية الكبرى هرباً من الابادة التي نفذها الاتراك مطلع القرن العشرين. واتخذ بعضهم من الديار السورية مسكناً له ولعائلته من بعده، في حين واصل آخرون طريقهم الى لبنان وفلسطين ومصر والاردن. وبين المهاجرين والمقيمين يمكن الحديث اليوم عن نحو 200 الف ارمني سوري يتوزعون على انحاء القامشلي وحلب ودمشق وكسب وحمص ويقيمون بين السوريين واكتسبوا عاداتهم وتقاليدهم ولا يمكن تمييزهم عن الاخرين.

ويضاف الى عديد الارمن المسيحيين مواطنون أرمن مسلمون يحملون الجنسية السورية، ويطلق عليهم اسم “عشيرة الشتات الارمني” ويبلغ تعدادهم نحو 25 الفاً ويتزعمهم ايلي كوفاكليان.

يصف النائب عن حزب الطاشناق اللبناني أغوب بقرادونيان وضع أبناء ملته في سوريا بأنهم يعيشون في طمأنينة، وان حريتهم الدينية والفردية مصونة وكذلك حقهم في التجمع وتشكيل النوادي والجمعيات، ولكن رغم ذلك لا تنظيم لحزب الطاشناق ولا فروع ولا مراكز حزبية ولا اذاعة ارمنية اسوة بالحال في لبنان. ويقتصر تمثيل الارمن في الحياة السياسية على نائب في مجلس الشعب السوري، ويفترض بقرادونيان ان اي اصلاح وتغيير في سوريا يجب ان ينعكس ايجاباً على حياة السوريين الارمن الذين يفترض ان يعيشوا اسوة بكل المواطنين السوريين. لكن هؤلاء السوريين الارمن يعيشون في قلق كبير”، على ما يقول بقرادونيان الذي يتحدث عن اخوانه المواطنين في سوريا بتحفظ كبير “خشية ان يلقوا مصير مسيحيي العراق، او ما يواجه مسيحيي مصر حالياً، وان يؤدي ذلك الى تهجيرهم ثانية من بلادهم سوريا بعدما عرف أجدادهم مرارة التهجير والمذابح على يد الاتراك.

ويحمّل الطاشناق “حزب العدالة والتنمية” الاسلامي التركي مسؤولية كل يجري في العالم العربي، بدءاً من تركيب قضية السفينة “مرمرة” التي هاجمتها البحرية الاسرائيلية وصولاً الى ما يجري في سوريا، ويعتبر ان في الامر “نزعة عثمانية للعودة الى السيطرة على الشرق الاوسط”.

انحراف الثورة؟

ولكن رغم مقاربة بقرادونيان الصريحة للوضع في سوريا، يقرّ من موقع المراقب بحاجة سوريا الى اصلاحات حقيقية ومقاربة جديدة تختلف عن الوضع السابق. وفي رأيه ان الادارة السورية ارتكبت اخطاء كثيرة خلال العقود الماضية بدءاً من سياستها في لبنان وصولاً الى سوريا، وان الرئيس السوري بشار الاسد اعترف بذلك علناً “فلماذا الاختباء وراء اصابعنا والادعاء ان الامور على ما يرام؟”.

ويضيف بقرادونيان: “ان ملفات حقوق الانسان والتعددية الحزبية والديموقراطية وحرية الرأي والتعبير تحتاج الى مقاربة جديدة، بدليل اعلان الرئيس السوري عن الاصلاحات التي تحتاج الى تطبيقها فعلياً، اما اذا استمرت التحركات الشعبية فهناك الكثير من علامات الاستفهام حول الموضوع وعندها سيكون الامر ابعد من الديموقراطية وحقوق الانسان”.

ويعترف بأن “قسماً من المحتجين يطالب بالاصلاح، وهذا حقه”، لكنه يشير الى ان “ثمة ظواهر بين المحتجين في سوريا لا تبشر بالخير، بل بتكرار تجارب العراق في التنكيل بالاقليات والبطش بها وتهجيرها”. ويضيف ان “أهداف الثورة غير واضحة وان نجاح الثورات لا يعني تطبيق أهدافها”، ويسأل: “ماذا يضمن عدم انحراف هذه الثورات؟ وما يجري في مصر لا يبشر بالخير للمسيحيين ولا لليبراليين، وما جرى في العراق كارثة على كل العراقيين”.

تجربة الوحدة العربية

ويجزم بقرادونيان بأن قادة الشعب الارمني يخشون على اخوانهم في سوريا وعلى كل الاقليات من التغيير، ويرى “أن وصول متطرفين الى السلطة في سوريا في موازاة سيطرة الاسلاميين على السلطة في تركيا واقتراب المتطرفين في مصر من الامساك بالسلطة، قد يؤدي الى تكرار ما جرى ابان تجربة الوحدة العربية بين سوريا ومصر 1958 – 1961 والتي انعكست سلباً على الارمن والاقليات وادت الى نزوح الالاف منهم من مصر وسوريا الى لبنان ومنه الى المغتربات نتيجة البطش الذي تعرضوا له على يد السلطات الحاكمة”.

ويشير بقرادونيان صراحة الى “ان المسيحيين لا يريدون التطرف ولا الفكر الآحادي وينبذون التجارب الشمولية، كما انهم لا يملكون المقومات السياسية ولا العسكرية ولا الاجتماعية للدفاع عن أنفسهم، وتالياً فإن أي تغيير غير واضح المعالم يثير خشيتهم ورعبهم ويعيد تذكيرهم بالمجازر التي ارتكبها الاتراك والتي يصرون على عدم الاعتراف بها وبنتائجها”.

بيار عطا الله

النهار 12 أيار 2011

Share This