جـمـهـوريـة أرمـيـنـيـا والـعـالـم الـعـربـي (1991-2016)

منذ أواخر عام 1991 اعترفت عدة بلدان عربية أيضاً باستقلال جمهورية أرمينيا ومنها على سبيل المثال سوريا ولبنان ومصر وتونس والإمارات العربية المتحدة والكويت والجزائر وسلطنة عمان وغيرها. ويدل هذا بدون شك على اهتمام البلدان العربية بالجمهورية الأرمنية وبالتعامل معها على الصعيدين  الدولي والإقليمي.

انطلاقاً من طبيعة العلاقات المتميزة بين الأرمن والشعوب العربية وسعياً نحو تعزيز العلاقات التاريخية والثقافية مع العالم العربي أعطيت الأولوية إلى البلدان العربية في السياسة الخارجية لجمهورية أرمينيا. وفي ظروف اقتصادية وسياسية عصيبة شرعت أرمينيا منذ عام 1992 على إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول العربية. وخلال العام نفسه وقعت أرمينيا إتفاقيات بشأن إقامة علاقات دبلوماسية مع سورية ولبنان ومصر والمغرب وسلطنة عمان والجزائر. أما في السنوات اللاحقة فقد وقعت إتفاقيات مماثلة مع دولة الكويت (1994) واليمن (1995) والمملكة الأردنية الهاشمية ودولة  البحرين (1996) ودولة قطر (1997) ودولة  الإمارات  العربية المتحدة (1998) والعراق وليبيا (2000).

ويمكن القول أنه خلال السنوات الماضية وقعت أرمينيا اتفاقيات ومذكرات بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية (عدا المملكة العربية السعودية). وبهذا تم وضع الأسس الشرعية للتعاون مع العالم العربي وفق مبادئ المعاهدات الدولية في جميع المجالات وعلى صعيد المنظمات الدولية والتعاون الإقليمي والخ. وهكذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ أرمينيا المعاصر، فتحت آفاقاً جديدة لتنمية وتوطيد العلاقات مع العالم العربي وفق مبادئ حسن الجوار والصداقة والتعاون والمنفعة المتبادلة. وأعربت أرمينيا مراراً وتكراراً عن استعدادها الكامل لتعزيز علاقاتها مع جميع دول منطقة الشرق الأوسط ومن بينها البلدان العربية.

بهدف تنسيق وتوطيد العلاقات مع العالم العربي قررت حكومة أرمينيا افتتاح أولى ممثلياتها الدبلوماسية في جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية. ففي خريف عام 1992 بعد أشهر قليلة من زيارة رئيس جمهورية أرمينيا لهذين البلدين الصديقين بدأت سفارتا أرمينيا في القاهرة ودمشق بأعمالهما. أما في فبراير/شباط من عام 1993 باشرت بأعمالها القنصلية الأرمنية العامة في مدينة حلب.

وانطلاقاً من أهمية الصلات التاريخية – الثقافية والودية بين أرمينيا ولبنان قررت حكومة أرمينيا افتتاح سفارة لها في بيروت في أوائل عام 1994. وتم في شهر يونيو/حزيران الافتتاح الرسمي لسفارة أرمينيا في بيروت بمشاركة الشخصيات اللبنانية وأعضاء الجالية الأرمنية. وبافتتاح الممثلية الأرمنية الدبلوماسية دخلت العلاقات اللبنانية-الأرمنية أيضاً في مجراها الطبيعي.

وتقديراً للسياسة الحكيمة والمتوازنة لدولة الإمارات العربية المتحدة وإثناءً لدور ومكانة هذه الدولة على الصعيدين العربي والإسلامي وخاصة في منطقة الخليج، قررت حكومة أرمينيا افتتاح سفارة اقليمية لها في أبو ظبي

بدأت السفارة الأرمنية بأعمالها في أبو ظبي في أبريل/ نيسان من عام 2000.

إن إقامة سفارة أرمينيا في دولة الإمارات العربية المتحدة لمس الترحيب من قبل الشخصيات الرسمية في الدولة، ولا شك أن نشاطها وضع أسساً جديدة للإرتقاء بالعلاقات الودية بين الشعبين وأعطى حقيقة زخماً قوياً لتعزيز العلاقات في شتى الميادين.

بعد افتتاح سفارة أرمينيا في أبو ظبي قررت حكومة أرمينيا متابعة مسيرة التمثيل الدبلوماسي في العالم العربي. وانطلاقاً من علاقات أرمينيا وجمهورية العراق التاريخية، قررت أرمينيا فتح سفارة لها في بغداد، والتي بدأت بأعمالها في شهر يونيو/حزيران عام 2000. أمافي حزيران عام 2010 بدأت سفارة أرمينيا أعمالها في دولة الكويت.

بافتتاح ممثليات أرمينيا في بغداد والكويت ارتفع عدد السفارات الأرمنية في العالم العربي إلى ست سفارات، إضافة إلى قنصلية عامة في حلب وقنصلية فخرية في دير الزور في عام 2010 وقنصلية فخرية في عمان في 2012. إن افتتاح السفارات الأرمنية في البلدان العربية بدون شك تعبير عن المشاعر التاريخية الطيبة للشعب الأرمني تجاه البلدان العربية وأكبر دليل على رغبة حكومة أرمينيا في تعزيز علاقات التعاون مع البلدان العربية في شتى الميادين. وكان هذا بحد ذاته حدثاً هاماً في تاريخ العلاقات العربية-الأرمنية. من ناحية أخرى مثّل افتتاح السفارات الأرمنية مناسبة سعيدة للجاليات الأرمنية التي تقطن في تلك البلدان والتي رأت في الممثليات الدبلوماسية الجديدة إحياءً لفكرة الوطن الأم وتحقيقاً لأمنية قديمة ورغبة في رؤية علم أرمينيا يرفرف عالياً، فنهضت مقدمة كل أنواع المساعدات المادية والمعنوية لتسهيل نشاط الممثليات الأرمنية إقتناعاً بأهمية دورها في خدمة مصالح الشعبين الصديقين.

وانخرطت البعثات الأرمنية بمهام جديدة تمثّلت في الإرتقاء بالأداء الدبلوماسي من خلال تذليل الصعوبات والسعي لحل المعوقات وتطوير قنوات الإتصال بما يخدم مصالح جمهورية أرمينيا والدول العربية الصديقة. وفي نفس الوقت قامت أرمينيا بتعيين سفراء غير مقيمين لها في أغلبية الدول العربية.

وبناءً على المذكرات المتعلقة بإقامة العلاقات الدبلوماسية قامت بعض الدول العربية بتفعيل التبادل الدبلوماسي مع أرمينيا. وكانت جمهورية مصر العربية أول دولة عربية تفتح سفارتها في يريفان، عاصمة أرمينيا، وبدأت بممارسة نشاطها في مايو/ أيار من عام 1993 أما في مايو من عام 1997 باشرت سفارة لبنان بأعمالها في يريفان. وإبتداءاً من نفس العام بدأت بأعمالها في أرمينيا سفارات الجمهورية العربية السورية 1997، العراق 2001، دولة الكويت 2012 ودولة الإمارات العربية المتحدة 2015.

وبلغت عدد السفارات العربية ست سفارات مقيمة في أرمينيا. وخلال السنوات الماضية عينت بعض البلدان العربية أيضاً سفراء غير مقيمين لها في أرمينيا.

إن علاقات أرمينيا مع الدول العربية، كما رأينا، مرت عبر3 مراحل: مرحلة الاعتراف باستقلال أرمينيا، مرحلة توقيع مذكرات حول إقامة العلاقات الدبلوماسية ومرحلة تبادل السفارات. ولذا يمكن القول أنه خلال السنوات الماضية جرت تغييرات ملموسة في مجال إحياء العلاقات الارمنية-العربية من خلال تبادل التمثيل الدبلوماسي والإتصالات الرسمية المباشرة.

أعقبت  اقامة الممثليات الدبلوماسية لجمهورية أرمينيا في البلدان العربية تبادل الزيارات الرسمية والحوار السياسي مع هذه البلدان. مهدت هذه الزيارات لعقد مفاوضات مباشرة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتعرف على امكانيات التعاون ودراسة المواقف السياسية المستجدة.

خلال السنوات الماضية تم تبادل الزيارات على مستوى الشخصيات الرسمية والبرلمانية وأصحاب الاختصاصات المختلفة ورجال الأعمال والفرق الثقافية وغيرها.

إن القيادة الأرمنية خلال السنوات الماضية على اتصال دائم مع نظرائهم في البلدان العربية، منتهزين جميع المناسبات للإعراب عن رغبة أرمينيا الصادقة في تطوير العلاقات السياسية والثنائية مع بلدانهم. وأكدت أرمينيا على عدم تغيير سياستها الخارجية تجاه العالم العربي خلال حكم الرؤساء الثلاث: ليفون دير بيدروسيان، روبيرت كوتشاريان وسيرج سركيسيان، واستمر الحوار السياسي بين أرمينيا والبلدان العربية على عدة مستويات وتتابعت الزيارات الرسمية المتبادلة على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية والمسؤولين الدبلوماسيين.

وفضلا عما قيل أعلاه نستطيع أن نؤكد على استمرار الحوار السياسي والاتصالات المباشرة والدائمة بين أرمينيا والبلدان العربية على مستوى السفارات والممثليات الدبلوماسية لمناقشة القضايا الإقليمية والعالمية ذات الاهتمام المشترك والقيام بالمشاورات السياسية الدورية والتعاون في إطار منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية. وهناك توافق وتفاهم تام بهذا الصدد بين أرمينيا والدول العربية حول القضايا المهمة، ومن بينها قضية السلام في منطقة الشرق الأوسط. وتحث أرمينيا على تنفيذ قرارات منظمة الأمم المتحدة حول حقوق سيادة الشعب الفلسطيني وحل النزاع العربي-الإسرائيلي بالقنوات الدبلوماسية والوسائل السلمية.

إلى جانب النشاط السياسي، تحقق خلال الزيارات المتكررة، حوار على مستوى الرؤساء الدينيين ومسؤولي مكتب الشؤون الدينية في أرمينيا وبين وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية والشخصيات الروحية في الدول العربية.

إن لقاءات رجال الدين الأرمن والمسلمين جاءت لتساهم في تعزيز العلاقات الأرمنية-العربية وإعطائها طابعاً مميزاً. وفي الختام، يمكن القول بأن العلاقات الأرمنية-العربية السياسية مرّت خلال السنوات الماضية بمراحل مختلفة، ساعدت على الوصول إلى التفاهم التام بين الطرفين والتحضير لمواجهة كافة الظروف، توطيداً للعلاقات الأرمنية-العربية التاريخية الودية.

المصدر: كتاب “أرمينيا ماضياً وحاضراً – (بمناسبة مرور 25 عام على الاستقلال)”، بقلم: أرشاك بولاديان، الدكتور – البروفيسور في العلوم التاريخية، سفير جمهورية أرمينيا لدى الجمهورية العربية السورية، دمشق، 2016.

Share This