“عش العصافير” و”آرام بزيكيان”.. أرواح ضحايا الإبادة الأرمنية تطوف بالمكان

 

أزتاك العربي- كتب الشاعر والكتاب مصطفى الأعصر من مصر مقالة على موقع ( ultra صوت) حول متحف “آرام بيزيكيان” للإبادة الأرمنية، حيث بدأ المقال قائلاً أنه في أواخر الحكم العثماني نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تعرض الأرمن إلى مذابح ومجازر ترقى لمستوى الإبادة لعرق كامل، وأكثر تلك المجازر وحشية ومأساوية هو ما حدث إبان الحرب العالمية الأولى عام 1915 حيث اتهمت الأمبراطورية العثمانية جموع الأرمن بالتواطؤ مع الجيش الروسي ضد العثمانيين وأجبرت ما يقدّر عددهم ما بين المليون والمليونين من الأرمن الموجودين بتركيا، في مسيرات جماعية، بالرحيل إلى الشام، وخلال تلك الرحلة الطويلة تعرض الأرمن للانتهاكات والاعتداءات البدنية والجنسية والخطف والتعذيب من الأتراك والأكراد الذين تم تحريضهم ضد الأرمن، فكان طريقهم أشبه بمسيرات تقودهم نحو حتفهم ليموت أغلب السائرين جراء الجوع والمرض والتعذيب.

“عش العصافير”.. شاهد على المذبحة

بشمال العاصمة اللبنانية بيروت تقع مدينة جبيل الأثرية وفي قلبها مبنى تاريخيًا يلقب بعش العصافير يعود أصله إلى زمن المجزرة الأرمنية، حينما احتمى به آلاف الناجين من المذبحة في 1915 ليتحول فيما بعد لدار أيتام للضحايا من أطفال الأرمن الذين فقدوا أهلهم، وفي 11 شباط/ أبريل 2015 تاريخ الذكرى المئوية الأولى للمذبحة، أُعلن عن مشروعين في أرجاء دار أيتام عش العصافير، منتجع سياحي استثماري بالجانب الساحلي، ومتحف يؤرخ للمذبحة، ليصبح متحفًا لضحايا أطفال الأرمن بعد أن تبرّع شخص يُدعى “أليكو بزيكيان” من أجل إقامته تكريمًا لوالده وآلاف الأيتام الذين عاشوا أيام الإبادة وتربوا في دار أيتام عش العصافير، وأطلق اسم والده على المتحف “آرام بزيكيان”.

متحف “آرام بزيكيان”.. الموت مرّ من هنا

يقع متحف “آرام بيزيكيان” على مسافة قريبة من القلعة الصليبية، وهو مكان عصري يؤرخ لفترة موجعة من تاريخ شعب تعرض لجرائم وانتهاكات في حقه، مبنى حجري مصمم بشكل خاص يجعلك تشعر أنك في تلك اللحظة التاريخية بالذات، منذ اللحظة الأولى التي تطأ فيها قدماك مدخل المتحف تشعر بتجسد روح التاريخ في تلك اللحظة، كل التفاصيل الصغيرة أخذت بالاعتبار، أرضية الساحة الخارجية أمام المتحف محفور بها آثار أقدام صغيرة لأطفال يلعبون ويلهون، قبل أن تدلف بوابة المتحف لتجد تماثيل لأطفال صغار، جوعى يلتهمون الطعام من أطباق شبه فارغة.

تُفتح الأبواب لتبدأ الموسيقى الخفيفة في العزف مختلطة بأصوات أطفال يضحكون ويلعبون، الصالات مزوّدة بشروح مفصّلة وموثقة بالصور ومقاطع الفيديو عمّا حدث في تلك المذابح. لم يتجاهل متحف آرام بزيكيان المزج بين عراقة التاريخ واستغلال الحداثة والتكنولوجيا من أجل إيصال المراد، فالصالات مزودة بالوسائط المتعددة لمن يرغب في مشاهدة أفلام وثائقية طويلة ترصد المأساة، هكذا تشعر أنك تحاكي الإبادة وقد تشعر قليلاً بما عاناه هؤلاء.

ينقسم متحف آرام بزيكيان إلى ثلاثة أقسام أساسية، القسم الأول هو بهو واسع به جرس ضخم معلق بالسقف وتبدو عليه آثار التدمير والطلقات النارية التي اخترقته من كل الزوايا، في ذلك القسم تتعرف على حياة الأرمن وعائلاتهم ومدارسهم وجامعاتهم ودور العبادة، يرصد ذلك القسم حياتهم في تلك الفترة التاريخية من الحكم العثماني مرورًا بعشية الحرب العالمية الأولى وصولاً إلى الإبادة في 1915.

أما القسم الثاني في متحف آرام بزيكيان فتم تخصيصه من أجل الناجين من الأطفال اليتامى ممن شهدوا المآسي الإنسانية وجمعتهم المنظمات غير الحكومية في مراكز بالشرق الأوسط ولبنان وبالطبع في “عش العصافير”، في ذلك القسم ترى صورًا لأطفال من تلك الحقبة وشهادات موثقة وتماثيل لأقدام صغيرة نحتت بعناية تجد فيها الجروح والندوب. أما القسم الثالث والأخير من متحف آرام بزيكيان فخصص لمحاولات إعادة تأهيل الناجين في مخيمات خاصة لتقبل حقيقة حياتهم الجديدة واستقرارهم الأخير في لبنان.

“ماريا جاكوبسون”.. الماما!

بعد الانتهاء من الأقسام الثلاثة الرئيسية لمتحف آرام بزيكيان، تجد مساحة مختلفة ومميزة، خصصت بنهاية المتحف لتكريم المنظمات غير الحكومية التي ساعدت في تجاوز المأساة، وبالأخص تخليدًا لذكرى سيدة تُدعى ماريا جاكوبسون ولقبت بالماما.. فمن هي الماما؟

ماريا جاكوبسون، ممرضة دنماركية من مواليد عام 1882، لقبت بالماما لآلاف الأيتام من ضحايا الإبادة ممن تولت رعايتهم وكرست حياتها من أجل خدمتهم في عش العصافير. الفضل يرجع لماريا جاكوبسون في إنقاذ آلاف الأرواح البريئة. تذكر في مذكراتها أن قلبها يتحطّم عندما يجلب رجال الشرطة فتاة عارية بأقدام جريحة إلى بابها، قالت إنها اعتقدت أنها لا تستطيع الابتسام مجددًا بعد أن ابتعد صبي عن الدار ثم وُجد فيما بعد ميتًا جراء الجوع!.

Share This