مصير الرياضيين الأرمن والنوادي الأرمنية فترة المذابح الأرمنية (1)

بقلم أفو كاترجيان

في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والسنوات اللاحقة، نُفّذت أول إبادة جماعية في القرن العشرين في أرمينيا الغربية وكيليكيا والمناطق الأخرى التي يقطنها الأرمن في الإمبراطورية العثمانية والحكومة الكمالية.

الإبادة الأرمنية هي إبادة الأرمن ونفيهم وتهجيرهم القسري والجماعي، نفذتها الإمبراطورية العثمانية وتركيا الكمالية بين عامي 1915-1923، وراح ضحيتها زهاء 1.5 مليون أرمني.

إن الإبادة التي ارتكبت بحق الأرمن والسكان المسيحيين في الإمبراطورية العثمانية ارتكزت على عقيدة التتريك التي باتت عقيدة الدولة.

فإبادة الأرمن التي تم التخطيط لها عن سابق إصرار وترصد من قبل قادة الاتحاديين، أي وزير الداخلية طلعت باشا، وزير الحرب أنور باشا، ووزير البحرية جمال باشا، وعضو اللجنة المركزية لحزب الاتحاديين بهاء الدين شاكر، وغيرهم، كانت تهدف إلى تصفية الأناضول من الشعوب غير التركية، وجعلها وطناً طورانياً، لخلق “طوران الكبير”، والذي يتحقق بنفي الأرمن.

كان أحمد جمال باشا أحد قادة حزب الاتحاد والترقي وعضو الثلاثي الاتحادي (طلعت وأنور وجمال) أحد أبرز مرتكبي الإبادة الأرمنية، وقد نعته العرب بجمال باشا السفّاح.

كان جمال بين عامي 1914-1918 قائداً للجيش التركي الرابع في سوريا، وموالياً للأفكار الطورانية والإسلامية العثمانية والتتريك. شارك بنشاط في تهجير الأرمن وقتلهم بشكل جماعي من أرمينيا الغربية وكيليكيا، وكذلك في عملية تتريك الأطفال الأرمن الأيتام الناجين من الإبادة، (من خلال خالدة إديب ونيكار خانم).

نشير إلى أن السفّاك جمال ضغط على الحركات التحررية الوطنية العربية في سوريا ولبنان وفلسطين.

وبهدف تنفيذ خطط القادة الاتحاديين، حاولت السلطات في البداية حرمان الأرمن من إمكانية المقاومة، وأنجزت مخطط الإبادة على ثلاث مراحل.

المرحلة الأولى: إطلاق النفير العام في بداية الحرب، وحشد 60 ألف جندي أرمني يتراوح أعمارهم بين 18-45، بعد الخسارة التي مني بها الجيش التركي قرب صاري قاميش، حيث تم تجريدهم من السلاح ونفيهم بقرار صدر من أنور في شباط 1915.

بدأت المرحلة الثانية من الإبادة حين اعتقلت الجهة المنظمة المفكرين الأرمن وقامت بنفيهم. فقد تم اعتقال حوالي 800 مفكر أرمني في إسطنبول في 24 نيسان 1915، وتم نفيهم إلى الأناضول في الأيام المقبلة، ومن بينهم الموسيقار كوميداس، والكتّاب كريكور زوهراب (كان نائباً في المجلس أيضاً)، وروبين سيفاك (تشيلينغيريان)، وتانييل فاروجان (تانييل تشوكّاريان)، وسيامانطو (أدوم يارجانيان)، وروبين زارتاريان، وآخرين، وتم قتل أغلبهم.

وامتازت المرحلة الثالثة بتهجير آلاف النساء والأطفال والشيوخ العزّل بشكل جماعي، حيث أبدى بعض الأرمن مقاومة خلال تلك العمليات في مناطق مختلفة.

لقد تم نقل الأرمن المهجّرين من أوطانهم وديارهم بالقوافل إلى عمق الإمبراطورية، ومنطقة ما بين النهرين وسوريا حيث نصبت المخيمات. فقد تعرضوا على الطريق إلى الأتراك الرعاع وهجمات العصابات الكردية. وبعد ذبحهم وصل عدد ضئيل من المهجّرين إلى المخيمات.

والمرحلة الأخيرة من الإبادة، تتمثل بالمجازر التي جرت بحق الأرمن في مناطق تركيا الغربية خلال الحرب التركية اليونانية بين 1919-1922. وبسبب الإبادة الأرمنية من قبل السلطات التركية، تم قتل 1.5 مليون أرمني من أصل 2.5 مليون، وتم تهجير 800 ألف أرمني انتشروا في الشتات، في أصقاع العالم. وبذلك، حُرمت أرمينيا الغربية من سكانها الأرمن الأصليين.

استمرت المجازر في السنوات اللاحقة، وانتقلت إلى سوريا، حيث تم قتل آلاف الأرمن في رأس العين ودير الزور ومرقدة وشدادة، وأماكن أخرى باتت مسالخ للأرمن.

لقد شهد العرب مثل الأرمن همجية الإمبراطورية العثمانية على مر التاريخ، وباتوا ضحية التتريك. وفي أيام الجوع والمجازر الكبرى، حين وجد الأرمن الملجأ لدى الشعب العربي في سوريا أصبحوا بشكل طبيعي وعبر وحدة المصير “أخوة في الخبز”.

في 8 تشرين الأول 1895 قامت تركيا بتنفيذ مخططها الوحشي بقتل الأرمن بأكملهم، وذلك طيلة فترة الإبادة الجماعية، بدءاً من المرحلتين في فترة ما قبل الإبادة. فقد بدأت المرحلة الأولى بمجازر عام 1896 التي توسعت لاحقاً، وراح ضحيتها حوالي 300 ألف أرمني، والمرحلة الثانية عام 1909 خلال مذابح أضنا.

بعد وضع الدستور التركي عام 1908، اعتقد الأرمن أن الأمور تغيّرت، لكن في عام 1909 بدأت مجازر أضنا، وانتشرت في المدن الأخرى في كيليكيا. لذلك، باتت المذبحة الكبرى 1915-1922 سبباً لقتل أبناء الشعب الأرمني المشرّف بشرائحه المختلفة وبوسائل مختلفة، وكذلك لمحو ذلك الشعب متعدد المواهب عن وجه الأرض بدءاً من المفكرين ورجال الدين والأطباء والمربين والعلماء والمعلمين، والحزبيين والسياسيين والدبلوماسيين، وصولاً إلى السكان البسطاء وغيرهم، حتى هؤلاء الذين خدموا في المجال الرياضي.

يمكن أن نلاحظ أن فترة تطور الحياة الرياضية، وتشكّل فرق كرة القدم الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية في عام 1908 مرتبطة بانقلاب تركيا الفتاة، لأن ممارسة الرياضة كانت ممنوعة بالقانون فترة السلطان عبد الحميد الثاني ومعرّضة للعقوبة الشديدة، لكن بعد إزالة العوائق تشكلت الفرق الأرمنية الأولى لكرة القدم في كل من القسطنطينية وأزمير ومدن أخرى في الإمبراطورية.

ويعدّ شافارش كريسيان (1886-1915)، ومكرديج مكريان، وفاهان تشيراز، والأخوة هايك وكريكور جولوليان وسيروفبي أريفيان، وسركيس تاريكيان، وغيرهم من أوائل الرياضيين الذين تلّقوا التعليم الاختصاصي.

كان الأرمن رواداً في المجال الرياضي في الإمبراطورية العثمانية وتركيا الكمالية، وأول من أنشأ الأندية والجمعيات الرياضية، وشكلوا فريق كرة القدم “بالطاليماني” في القسطنطينية عام 1904، و”سانترال” في غالاتا، و”كوم كابو”، وغيرها من الأندية الرياضية.

بعد الدستور العثماني عام 1908 تم تأسيس الجمعيات الرياضية “دورك” و”رافي” و”أراكس” و”أردافاست” و”ديدان” و”فاهاكن” و”بارتيف”. والجدير ذكره وجود أندية رياضية أخرى مثل “أردزيف” و”شانط”، وفريق كرة القدم لفرع “الجمعية العمومية الأرمنية ميسيني”، وفريق اليافعين بدير الزور، وفريق “كيليكيا” في أضنا، والفريق التابع لمدرسة القديس بوغوص في دارصون، وفريق الدفاع لنادي “هامازاسب” الرياضي وغيرها. كما قاموا بتنشئة العديد من الرياضيين لمختلف أنواع الرياضة من الجنسين.

يمكن القول إن عشرات الأندية الرياضية الأرمنية والمنظمات الكشفية تشكلت من القسطنطينية حتى فان، ومن درابزون حتى أضنا. ولعبت تلك الأندية الرياضية الأرمنية الى جانب الرياضيين الأرمن دوراً لافتاً في تطور تاريخ الحياة الرياضية في الإمبراطورية العثمانية، حيث نشط حوالي مئة نادي رياضي أرمني على كامل رقعة الإمبراطورية العثمانية.

من اللافت أنه في 1 أيار 1911 تم تنظيم الألعاب الأولمبية الأولى (على شاكلة ألعاب نافاسارتيان). وفي 20 أيار 1912 نظّمت الألعاب الأولمبية الثانية. وفي 16 حزيران 1913 نظمت الألعاب الأولمبية الثالثة برئاسة المعلم الخالد للموسيقى الأرمنية، كوميداس الذي وزع الجوائز شخصياً في نهاية الألعاب. وجرت الألعاب الأولمبية الرابعة في آب 1914، لكنها ما لبثت أن توقفت بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى.

وبين عامي 1911-1914 جرت الألعاب الأولمبية الأرمنية على التوالي بمشاركة كافة الأندية والجمعيات الرياضية الأرمنية.

على مر العقود، لمعت أسماء مئات الرياضيين البارزين والأبطال الرياضيين من الشعب الأرمني في الإمبراطورية العثمانية وتركيا الكمالية، الذين حازوا على لقب البطولة في مجالات متعددة، وأسهموا في رفع اسم مواطنيهم، والإنسانية، وخاصة تركيا، فقد بذلوا كل جهدهم ووضعوا كامل موهبتهم لكي يحصلوا على لقب البطولة.

بالنسبة لهم الإخلاص والوفاء لا يعرفان الحدود، ولا يميزون على أساس الانتماء، فهم يؤدون واجباتهم المواطنية والرياضية، وكانوا من الرياضيين المرموقين وفي الصفوف الأولى دائماً، ما كان يشعل نار الغيرة لدى الأتراك.

كان الرياضيون الأرمن في تركيا يعملون كمواطنين شرعيين في الإمبراطورية العثمانية، ويؤدون واجباتهم لصالح الدولة والوطن التركي، وقدموا كل مافي وسعهم في المجال الرياضي. وقد منح الكثيرون من بينهم أوسمة رفيعة من الدولة، لما قدموه من خدمات للدولة العثمانية في مختلف المجالات.

المصدر : كتاب “الرياضيون الأرمن الشهداء والمتوفون فترة الإبادة الأرمنية (بمناسبة الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية)” ، أفو كاترجيان، حلب، 2015.

Share This