مصير الرياضيين الأرمن والنوادي الأرمنية فترة المذابح الأرمنية (2)

بقلم أفو كاترجيان

وفي فترة الإبادة الأرمنية، أرسل العديد من الرياضيين الأرمن إلى ساحة القتال، للدفاع عن الدولة العثمانية، وهناك أراقوا دماءهم بشجاعة.

وأسهمت ألعاب نافاسارتيان وفعالياتها بين عامي 1911-1914 في النهضة الأرمنية ورفع الحركة الثقافية والاجتماعية.

غالبية الرياضيين الأرمن في تركيا كانوا أعضاءً في الأندية الأرمنية، وقادة حزبيين، ووطنيين، وثوريين، ورواد حركة التحرر الوطنية.

فقد كان شافارش كريسيان مربياً وكاتباً وصحفياً وأحد مؤسسي الاتحاد الأرمني العام للتربية البدنية (هومنتمن)، ومؤسس أول مجلة رياضية “مارمنامارز” (1911-1914) في الإمبراطورية العثمانية. بعد إصدار المجلة دخلت الحياة الرياضية الأرمنية مرحلة جديدة.

وقال كريسيان في العدد الأول: “هدفنا هو تنشئة الإنسان، وما أحوجنا الى الأناس”. في 1 نيسان 1912، تناول في مقال بعنوان “نهضة المرأة الأرمنية” في مجلة “مارمنامارز” المصورة قضية مشاركة المرأة في الحياة الرياضية لأن التربية البدنية ضرورة لتنشئة جيل سليم صحياً.

وبفضل جهوده شارك الرياضيان الأرمنيان فاهرام بابازيان ومكرديج مكريان في الألعاب الأولمبية الدولية الخامسة في صيف عام 1912 في ستوكهولم (السويد)، حيث تم تمثيل الإمبراطورية العثمانية لأول مرة في الألعاب الأولمبية، وأخذ الأرمن على عاتقهم كافة المصاريف لأن الدولة العثمانية لم تخصص مصاريف السفر.

حينها قال كريسيان إن أحداً لم يشارك من تركيا حتى الآن في أي فعالية رياضية، فلنكن آخر من يشارك في السويد. المهم أن الأرمن ينافسون الدول الكبرى، وهم معروفون على مدى ثلاثين عاماً في أوروبا على أنهم شعب مضطهد، وقد حان الوقت لكي يقولوا العكس، وليعلم العالم المتحضر عن إنجازاتنا ويتعرف علينا.

وشارك الرياضيان مكرديج مكريان وفاهرام بابازيان من تركيا في الألعاب الأولمبية من بين 28 دولة و2541 لاعباً.

وهناك حقيقة مثيرة في هذا الصدد، حيث لم يرفع السويديون علم العثمانيين بين أعلام الدول المشاركة بسبب المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن من قبل الأتراك في كيليكيا عام 1909. ودون معرفة ذلك، اعترض الرياضيون الأرمن على عدم رفع علم تركيا، لكن سرعان ما ندموا على فعلتهم بعد أن عرفوا الحقيقة. فنشرت المقالات في الصحف التركية عن نجاحات الرياضيين الأرمن، ما أدى إلى قلق الأتراك، لأنه حين يفوز الأرمن هذا دليل على قوة أبدانهم.

تعدّ سياسة نفي الأرمن من قبل تركيا الفتاة استمراراً لسياسة الاضطهاد التي تنفذها تركيا الاستبدادية باستمرار. وكان في أساس تلك السياسة دوافع تتعلق بجوانب اقتصادية وسياسية. فكان القادة الطغاة الأتراك لا يتحمّلون بأن تحرز الشعوب المسيحية في الإمبراطورية العثمانية ومن بينها الأرمن تقدماً في مجالات الحضارة والاقتصاد والثقافة والرياضة. لذلك، حيّدت الحكومة التركية الاتحادية كل الرياضيين الأرمن بين عامي 1913-1914، وأغلقت الأندية الأرمنية.

كان المرّبي الحالم برفعة الشعب وثاقب البصيرة، وكذلك الشباب المفكر المناصر له يشعرون بالخطوات المرعبة من الذئب الرمادي التركي رغم هذه الإنجازات الشاملة والعامة. لم يواجه الرياضيون الأرمن في تركيا مصيراً مغايراً لدرب الآلام الذي لاقاه الشعب الأرمني. فلم يوفر التركي السفّاح الرياضي الأرمني، الذي خدم وطنه والشعب التركي بكل إخلاص، فتم قتل الرياضيين بشكل جماعي على كافة الأراضي التركية.

وبين عامي 1915-1920 راح عدد من الرياضيين الأرمن ضحايا في الإبادة الجماعية، ومن بينهم رئيس تحرير مجلة “مارمنامارز” شافارش كريسيان، فتوقفت المجلة عن الصدور.

لقد تعرض الرياضيون الأرمن إلى جانب الأعيان الأرمن في الفترة الأولى من المجازر إلى الملاحقات والسجن والتهجير والتعذيب غير الإنساني على يد التركي الطاغية، فقط لأنهم من أصول أرمنية، ويحملون أسماء أرمنية.

وهكذا جاءت المكافأة التركية للرياضيين الأرمن الذين باتوا دعامة أساسية في مجال الرياضة في تركيا كلها، فشكلوا جزءاً من قوافل الشهداء. وكانت الاعتقالات بحق الرياضيين الأرمن تجري بشكل ممنهج ومخطط كما حصل للأعيان الأرمن والشعب الأرمني ككل.

لا نملك إحصائيات دقيقة وشاملة للرياضيين الأرمن الشهداء، لكن لدينا بعض الكتابات من تيوتيك، والمطران غريغوريوس بالاكيان، وهاكوب سركيسيان، ومجلة “مارمنامارز”، ومجلة “هاي سكاوود” (الكشاف الأرمني)، وغيرها من المراجع. فقد قام هؤلاء الأشخاص والمجلات بجمع ما استطاعوا من معلومات متوفرة من الناجين وشهود العيان على الإبادة الأرمنية، وسجلوا ما رؤوه وسمعوا به، حول الهمجية والجرائم التي ارتكبها الأتراك. كما قاموا بجمع السير الذاتية للرياضيين الشهداء وتلك المعطيات بصعوبة شديدة، فهناك شح في المعلومات عن آلاف الرياضيين الشهداء الذي راحوا ضحية المجازر.

المصدر : كتاب “الرياضيون الأرمن الشهداء والمتوفون فترة الإبادة الأرمنية (بمناسبة الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية)” ، أفو كاترجيان، حلب، 2015.

Share This