تغطية الصحافة العربية حول الموقف التركي من الأحداث في سوريا (حزيران 1)

تحت عنوان “بضـــاعة أردوغــان .. الــدور التــركي المقبل” كتب ساطع راجي في الفيحاء أن “رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان تحول الى ايقونة للسياسة التركية الراهنة، وتريد هذه الايقونة ثانيا تسويق دور تركي أكبر في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ومناطق أخرى ملتهبة بأزمات مزمنة، وبشكل ما أصبحت تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية محط اهتمام ومركزا يجذب الأنظار، وفي كل الأحوال تحاول تركيا أن تسوق نفسها كلاعب مهم في السياسة الدولية. وعندما أرادت تركيا في حالات محدودة تبنّي خط خاص بها يبتعد عن الناتو سرعان ما وجدت نفسها في ورطة تدفعها الى محاولة التراجع وبصيغة متطرفة كما حدث في الموضوع الليبي وايضا انعكس الأمر على الموقف التركي القوي من الاحتجاجات السورية، فقد تبنى أردوغان موقفا صلبا من أقرب أصدقائه العرب (بشار الأسد) طاويا بسرعة صفحة العلاقات الجيدة، وبرر أردوغان ذلك بالتلميح الى القضية الكردية من بعيد حيث لاتريد تركيا ان تصحو على اقليم كردستان آخر في سوريا بعدما ضغطت على نفسها كثيرا للتعامل مع حقيقة وجود كردستان العراق..”.

مضيفاً أن تركيا ليس لديها الكثير مما تحاول تسويقه خارجيا، مشاريعها الاقتصادية هي من النوع الآسيوي الذي لا يحتاج الى مظلة سياسية سميكة، وليس هناك خطر إقليمي يهدد تركيا، وتركيا لا تحمل راية ايديولوجية تريد لها ان ترفرف في بقاع العالم المختلفة، ولذلك نرجح الدافع الثاني، اي ان الدور الإقليمي لتركيا هو جزء من استحقاق الشراكة الاستراتيجية التركية الغربية وهي شراكة ضامنة لاستقرار داخلي سواء بمنع الانقلابات او بمنع الانفصال الكردي، ويبدو وجود حزب إسلامي معتدل في السلطة بتركيا مهماً من عدة جوانب، في مقدمتها انه سيكون عاملا مشتركا بين الناتو والاتحاد الاوربي من جهة والدول العربية والاسلامية من جهة أخرى، لكننا يجب ان لاننظر الى تركيا على انها مخلب قط غربي في المنطقة فهي في كل الاحوال جزء من نسيج هذه المنطقة لكن هذه الجزئية لا تبرر بالضرورة الدور الكبير الذي تحاول تركيا ان تلعبه.

“تركيا أردوغان تمثل من جهة وجها معتدلا للاسلام السياسي وايضا وبالاخص الاسلام السياسي السني الذي يحتاجه الغرب للتخلص اولا من الزعامة السعودية التقليدية التي اصبحت مضرة بعدما انتجت مكائنها تيارات سلفية متطرفة شكلت مركزا لظاهرة الارهاب في المنطقة وليكون الدور التركي ايضا المعادل الحقيقي للدور الايراني بعدما فشلت دول الخليج العربية في القيام بهذا الدور،

فعودة تركيا الى «هويتها الاسلامية» ستعني ضمنا الدور التركي في زعامة الاسلام السني وهو ما يؤكده أوغلو في المقالة نفسها حينما تحدث عن جهود تركيا لدفع سنة العراق للمشاركة في العملية السياسية وأيضا ذلك الدور الذي حاول اردوغان القيام به في أزمة البحرين حينما زار العراق والتقى بالمرجع السيستاني، اراد اردوغان ان يسحب ملف الازمة من أيادي ايران ودول الخليج العربية على السواء، وان يجعلها بين زعيم الشيعة (السيستاني) وزعيم السنة (أردوغان)، وبذلك تمكن من توجيه ضربة قوية لايران والسعودية، لكن لا احد يعلم بما دار بين الرجلين لكن مشروع الوساطة الذي اشيع لم يتحقق منه شيء بل التزم الجانبان بعد ذلك الصمت تجاه القضية، ودور تركيا المقترح كمعادل او بديل للدور الايراني سعى للتوغل في لبنان وفلسطين ايضا.

التمكن من فنون الكلام جزء أساسي من صفات العمل السياسي الاسلامي، لكن لا نفع لهذه الفنون عندما لا يريد السياسي تلطيخ يديه بالعمل الحقيقي، لذلك تبدو بضاعة اردوغان الكلامية بضاعة كاسدة في المنطقة، وتحديدا في الشرق الاوسط فالناس سيصفقون دائما للكلام الذي يعزف على اوتار قلوبهم وأمانيهم لكنهم ايضا سينتظرون الافعال والناس في الشرق الاوسط بعامة وفي البلدان العربية بخاصة، سأموا اللعب بالكلام وسأموا الحركات الاستعراضية على منصات المؤتمرات او عمليات خرق الحظر بسفن يركبها اناس صادقون في عواطفهم او تسيطر عليهم الحماسة، هل نحن بحاجة الى استذكار اسماء الحكام العرب الذين استهلكوا كما هائلا من هذه الاستعراضات؟، المسألة مسألة وقت قبل ان يطالب الناس اردوغان بأفعال وقد تساعد اردوغان براعته الاعلامية لكن الحاجة الى نتائج واقعية ستبقى قائمة”.

وعلى هذا الاساس يمكن القول ان تركيا أردوغان تعرض في الشرق الاوسط بضاعة تريد بيعها للولايات المتحدة واوروبا، وان كل ما قامت به تركيا حتى الان في سياستها الشرق اوسطية هو تقديم عروض عن خدماتها الممكنة في ازمات المنطقة سواء في العراق او ايران او القضية الفلسطينية او في لبنان او سوريا او ليبيا او غيرها من الازمات الصاعدة نتيجة الاطاحة بالنظم.

“دور تركيا يمكن ان يكون جوهريا مع توقعات بصعود الاسلاميين كبدلاء عن الانظمة المنهارة ويبدو ان الغرب سلم بحقيقة هذا الصعود لكنه يريده مخففا قريبا من النموذج التركي، اسلام سياسي معتدل ديمقراطي متعاون مع الغرب لا يسعى لفرض الشريعة على طريقة طالبان او ايران لكن هذه المهمة تتطلب من تركيا الكثير من الجرأة والتضحيات بينما سيتحمل الغرب كلفتها المالية.

لو تجرأت انقرة على القيام بهذه الخطوة ونجحت فيها فإنها ستكون فعلا طرفا اساسيا في العــلاقات الدولية حيث ستلعب في العديد من عواصم المنطقة بحرية كاملة على ما تبقى من دول ممزقة بالصراعات الحزبية والاثنية والطائفية تبدو معها تركيا املا منقذا للشعوب حتى وان كانت تركيا حلا غربيا صنعتـــه اوربا والناتو لأزمة الاسلام السياسي، لكن هل ستتحمل تركيا اردوغان ثمن هذا الدور”.

وجاء في (أخبار الشروق) تحت عنوان “الدور التركى فى العالم العربى” “وحدها تركيا بادرت إلى التدخل لمواجهة هذه العواصف أحيانا باستدعائها اليها، وغالبا بمبادرة منها. آخر هذه العواصف هبت على سوريا. ومن دون طلب أو استئذان تحركت تركيا لإقناع الرئيس بشار الأسد بالمبادرة إلى التعجيل فى تحقيق الإصلاحات السياسية لتجنب الانزلاق فى نفق مسدود (على النحو الذى عرفته مصر وقبلها تونس) لا تعرف له نهاية إلا باستقالة رئيس الدولة وبكيفية تفتقر إلى الحد الأدنى من الكرامة.

ولعبت تركيا دور الوسيط بين سوريا ولبنان، وبين لبنان وإيران أيضا حيث حققت بعض الإنجازات. لكن هذه الإنجازات لم تعش طويلا. وقد استندت فى ذلك كله إلى علاقة مميزة لها مع إيران قامت على أساس الرفض التركى للعقوبات الدولية التى فرضت على ايران على خلفية ملفها النووى. هنا أيضا توسطت تركيا بين إيران والمجتمع الدولى، ولكن من دون أن تتوصل إلى اى نتيجة. فلا ايران أعادت النظر فى مشروعها النووى، ولا المجتمع الدولى رفع العقوبات المفروضة عليها.

لم تحقق دبلوماسية احمد داود أوغلو مع كل من اليونان وارمينيا والبلقان ما حققته مع العالم العربى. فالصراع لا يزال على أشده مع اثينا حول بحر إيجه. ولا تزال اليونان ترفض حتى اليوم السماح ببناء مسجد فوق أراضيها. أما الصراع مع أرمينيا فقد عاد إلى ما يشبه نقطة الصفر بعد أن رفض البرلمان الأرمينى إبرام اتفاق المصالحة التاريخية مع تركيا، مطالبا أولا باعتراف تركيا بالمجزرة التى تعرض لها الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، وتاليا بحق الأرمن بالحصول على التعويضات.

أما مع العالم العربى، فقد طوى ملف لواء الاسكندرونة وأزيلت الألغام التى كانت مزروعة على طول الحدود مع سوريا. وامتنعت تركيا عن استخدام سلاح مياه نهرى دجلة والفرات للضغط أو للابتزاز. واصبح بناء السدود يتم بالمشاركة السورية ــ التركية.. ويجرى الآن العمل على اعادة الحياة إلى خط السكة الحديد الذى يربط اسطنبول بالعمق العربى حتى مكة المكرمة والمدينة المنورة. وفوق ذلك كله تقدم تركيا نفسها نموذجا للعالم العربى يحتذى به، سواء من حيث التوفيق بين الاسلام والديمقراطية، أو بين الأصالة والحداثة.. وهى تحاول أن تعزز ذلك بمبادراتها السياسية التوفيقية المتعددة والتى تصورها وكأنها تجاوزت هذا النوع من الصراعات والأزمات التى تهب اليوم على العالم العربى من أقصى مشرقه فى الخليج وبحر العرب إلى أقصى مغربه على المحيط الأطلسى.
وفى خضم هذه الأعاصير السياسية، فإن من السابق لأوانه تصور استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع الانفتاح التركى، الا من خلال مقارنته بالقلق العربى من الدور الإيرانى!!.”.

أما سمير صالحة فكتب في الشرق الاوسط تحت عنوان “من أنقرة إلى دمشق الفرص تهدر والوقت يضيق” أنهفالأصوات المنبعثة من دمشق، تتحدث عن محاولات الطعن من الوراء، وتراجع الصعود التركي الإقليمي، بعدما أغلقت في وجهه البوابة السورية. قبل أسابيع، استضافت تركيا قيادات الإخوان المسلمين السوريين ليعلنوا رأيهم من إسطنبول حول ما يجري في بلادهم، فكان ثمن ذلك حملة إعلامية وسياسية رسمية واسعة ضد قيادات العدالة والتنمية، اليوم لن يكون من الصعب جدا تصور ما سيحدث حيال استضافة أنطالية الترآية لقيادات ورموز في المعارضة السورية شكروا أردوغان مطولا على فتح الأبواب أمامهم باسم الحرية والديمقراطية والتغيير.

تركيا حريصة على العلاقات الاستراتيجية مع سوريا… التمييز بين سوريا الجار وسوريا النظام معادلة جديدة بدأت تتشكل في صفوف صناع القرار الترآي، وكلمة الحسم هي عند الرئيس الأسد وحده لإسقاط آل هذه الاحتمالات.

خارطة الطريق التركية باتجاه سوريا، التي يتحدث البعض عنها، لا وجود لها، وهي مجرد محاولة لإشراك أنقرة في الأخطاء المتلاحقة التي تُرتكب هناك… لكننا مع ذلك نأمل أن لا يتحول النقاش إلى أبعد من ذلك في المستقبل القريب، فنجمع بين مصالح البعض في تل أبيب، الذين آانوا وما زالوا يبحثون عن الفرص والحلفاء الذين يدعمونهم في إسقاط حكومة العدالة وإبعادها عن السلطة في تركيا، وبين مصالح أصوات ارتفعت مؤخرا في دمشق تلوح بمعادلة الربط بين الاستقرار في سوريا والأمن في إسرائيل، التي قد تتحرك هي الأخرى لمحاربة حكومة أردوغان ومحاولة الإطاحة بها، على طريقة عدو عدوي هم صديقي.

أما صحيفة الحياة فانفردت بمقالة بعنوان “اردوغان: أبواب تركيا مفتوحة أيضاً أمام داعمي الأسد” حيث أوردت معلومات لوكالة أنباء “الأناضول” التركية عن اردوغان قوله في مقابلة تلفزيونية إن المعارضة السورية عقدت اجتماعاً في انطاليا، ولم يسأله الاسد عن سبب هذا الاجتماع في تركيا، مضيفاً “وإن سألني فإن جوابي واضح. إن أبوابنا ستكون مفتوحة إن أراد داعموه (الأسد) الاجتماع أيضاً في تركيا”.

وتحت عنوان “مفكرة العقد المقبل أردوغان الثالث” كتب أمين قمورية في الكفاح العربي “تعيش تركيا هذه الايام لحظات مفصلية ينتظر من خلالها رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ان يحظى بتفويض شعبي ساحق في صناديق الاقتراع لا تحقق فقط طموحاته بأن يكون زعيما تركيا تاريخيا يؤسس لتركيا جديدة، بل تعزز أيضاً احلامه بأن يصير «فاتحا عثمانيا» جديدا يعيد الى اسطنبول امجادها الغابرة في الشرق الاوسط الجديد”.

وعن دور الأخوان المسلمين قال: “والتفكير التركي الجديد بدأ يأخذ منذ فترة شكلا عمليا واضحا. يوماً بعد يوم يتضح أَن الفكرة الّتي طرحت للنقاش في مواقع صنع القرار الاميركي منذ نحو سنتين وأكثر حول الموقف من تنظيم «الاخوان المسلمين» في المنطقة، بتشجيع من تركيا التي قدمت نموذجا في الحكم يقوم على التعايش بين الانخراط في الحلف الاطلسي والعلاقة مع اسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وتبني خطاب سياسي يأخذ في الاعتبار نبض الشارع التركي في شأن قضية فلسطين، من دون التورط في مبادرات تذهب الى ما هو ابعد من الحدود المطلوبة لضمان الاولويات الاستراتيجية الاميركية من جهة اخرى.”

أما عن الاحتجاجات في سوريا وتركيا فكتب: “والتحرك السياسي التركي يبلغ ذروته في التعامل حركة الاحتجاجات التي شهدتها سوريا. فقد اعتبرت انقرة ما يجري في جارتها الجنوبية «مشكلة داخلية تركية» واستنفرت كل اجهزتها الامنية والسياسية لمتابعة ما يجري هناك، ونقلت الملف السوري من يد الحكومة الى مجلس الامن القومي التركي، اعلى هيئة في البلاد، تأكيدا منها على اعطائها اولوية مطلقة للقضية التي اثارت مواقفها المتأرجحة منها حساسية دمشق ومخاوفها، مع ان سوريا الرسمية التزمت الصمت حيال المواقف التركية رغم انزعاجها الواضح منها. فقد تحول «صديقا سوريا» اردوغان ووزير خارجيته احمد داود اوغلو فجأة الى «استاذي مدرسة» يعطيان «التلميذ» السوري دروسا في ضرورة الاصلاح وكيفية الاصلاح وادارة شؤون الدولة.

وفي محاولة لقراءة التبدلات في الموقف التركي والتخفيف من حدتها، عزت مصادر سورية الموقف التركي من الأزمة السورية، بالحاجة الانتخابية التي تلزم حزب العدالة والتنمية الى فعل أي شيء وقول أي أمر لقطف أي صوت في استحقاق 12 حزيران. هذه المواقف لن تلبث ان تتغير بعد مرور القطوع الانتخابي. بيد ان هذه النظرية السورية والرائجة في الاوساط القريبة من سوريا لا تجد صدى لها في الاوساط السياسية والاعلامية التركية، لأن اتخاذ انقرة هذه المواقف غير المتوقعة من اصدقائها في دمشق له حسابات اخرى لا تتعلق بالصناديق الانتخابية وتمرير «القطوع» الانتخابي على سلامة بل تتعلق بالمصالح الاستراتيجية العامة للدولة التركية والمشاريع الاقليمية الطموحة التي يحملها حزب اردوغان.
وفي المنظار الغربي والاميركي، تعتبر سوريا المفصل الحاسم في مسار الخطة الاميركية لاعادة وضع اليد على المنطقة، وليس غريبا ان تحشد واشنطن كل «اصدقائها» للتدخل في الشأن الداخلي السوري وأن يتلاقى التورط السعودي والقطري والتركي بكل تفرعاته مع الضغوط الاميركية والاوروبية ضد النظام السوري”.

أما اسكندر شاهين فكتب في الديار تحت عنوان “هل يسعى أردوغان للثأر من النظام العلماني في سوريا ؟” وكتب متسائلاً : “ما هي خلفية الموقف التركي من الاحداث في المنطقة، وكيف تقاطعت مصلحة انقره مع مصالح الغرب، وخصوصاً الاوروبي منه، لا سيما ان اول سبب لرفض الاتحاد الاوروبي انضمام تركيا اليه، يعود الى ان السلطة في تركيا بيد «حزب العدالة والتنمية» المنبثق عن افكار وطروحات الاخوان المسلمين، فكيف يُفسَّر تقاطع مصالح الغرب العلماني مع تركيا اردوغان وغول اللذين فضلا حتى اللحظة في الاطاحة بتركيا العلمانية التي اسسها مصطفى كمال اتاتورك، ربما هذا الامر يجعل المراقبون يميلون الى ان فشل حزب العدالة والتنمية في اقتلاع العلمانية التركية، يتم التعويض عنه بحضانة السلطات التركية للاحزاب الدينية وفي طليعتها «الاخوان» في تونس ومصر وحالياً في سوريا، حيث فتحت تركيا ابوابها لاستقبال مؤتمر المعارضة السورية في انطاليا.

يُعتبر الاخوان عصب هذه المعارضة التي قامت بالتمرد على النظام السوري في مطلع الثمانينات انطلاقاً من مدينة حماة ونجح الرئيس حافظ الاسد في القضاء على الفتنة وارسى نظاماً علمانياً تطمح تركيا الى اسقاطه من خلال تسويقها للفكر الاسلامي المعتدل كبديل للتطرف والتكفير الذي سعت الى تعميمه القاعدة، وما تضعه تركيا اليوم هو تطبيق الهندسة الاميركية للشرق الاوسط الجديد بمواصفات عثمانية وبمشاركة واشراف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بعدما اقنع الاخير الادارة الاميركية بأن الاعتدال الاسلامي المتمثل بحزب «الاخوان المسلمين» هو البديل العملي لارهاب «القاعدة» والمعروف ان الحزب المذكور لعب دوراً بارزاً في تونس ومن ثم في مصر لاقامة محور اسلامي يشكل فسحة خلفية للحزب التركي الحاكم في صراعه مع نظام «العلمنة» الذي ارشده مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال اتاتورك”.

وجاء في الجمهورية بقلم أسعد بشارة بعنوان “الأسد – أردوغان: أكثر من مُجرّد عَتب” ما يلي: “سينتظر السوريون، المعارضون منهم وأهل النظام، تاريخ الثاني عشر من حزيران الذي سيشهد إجراء الانتخابات التركية.

أصبح هذا التاريخ بعد الثورة السورية استحقاقا ترتبط نتائجه وتنعكس على الداخل السوري، وربما تؤشّر المواقف التركية المتصاعدة ضد النظام في سوريا الى مرحلة مختلفة من هذا التصاعد، وصولا الى الدخول العلماني التركي على خط الأزمة في سوريا.

ولا يزال النظام السوري وأركانه يأملون بألاّ يذهب الموقف التركي الى المزيد من دعم الثورة السورية واحتضانها، ذلك مع عِلم النظام بالتواتر وبالمباشرة، بما بذلته تركيا من جهود لتنظيم المعارضة السورية وللتحضير لمرحلة ما بعد الرئيس الاسد، في خطوة بَدَت وكأنها كانت محضّرة للحظة محتومة، ولقَدَر لم يَعُد بالإمكان الهروب منه.

وفي حسابات النظام في سوريا، أن تركيا، ومن ورائها الولايات المتحدة الاميركية، بدأت تقرأ جيدا التقارير الميدانية التي تفيد بأن النظام يستعيد السيطرة رويدا رويدا على طريقة القضم… في حسابات النظام السوري، وفي توقعاته ايضا ان تستمر تركيا في سياسة العودة الى الوراء في سلوك التصعيد تجاهه، حيث أشارت معلومات عن جهات مطلعة على ما شهدته الدوائر القيادية العليا في سوريا أن الاتصالات لم تتوقف بين الرئيس السوري ورئيس الوزراء التركي، قبل المؤتمر الاول للمعارضة السورية الذي عقد في تركيا وبعده، وقبل عقد مؤتمر انطاليا.

وفي هذه الاتصالات تكرار روتيني من اردوغان لضرورة الاتجاه الى الاصلاح، وإصرار من الاسد على توضيح الموقف التركي وَصلَ الى حَدّ قول الرئيس السوري لأردوغان: رعَيتم عقد المؤتمر الاوّل وسَكتنا عن ذلك، وأنتم مستمرون في رعاية عقد المؤتمر الثاني، فيما أنتم تعلمون أن لكلّ مِنّا خطوطه الحمر في التعامل مع الآخر، وتنظيم هذه المؤتمرات يخرق هذه الخطوط الحمر (في إشارة الى أن موقف النظام السوري من حركة “الاخوان المسلمين”، هو نفسه موقف تركيا من حزب العمّال الكردستاني)، وقد ردّ أردوغان بأن القيادة التركية حرصت على ألاّ تعقد المعارضة السورية مؤتمرها في اسطنبول او انقرة، بل أصرّت على عقده في انطاليا (في اشارة ايضا الى التخفيف من وقع المؤتمر).
وفي معلومات هذه الجهات أن المكالمة التلفونية هذه أعقبت اكتشاف قوى الامن السورية لشاحنة سلاح عبرت الحدود التركية الى الداخل السوري، وان هذه الحادثة كانت أيضا مادّة نقاش بين الرجلين، تَلتها وعود والتزامات تركية بضبط امن الحدود.

في الحسابات السورية والقراءات أن القيادة التركية تتمهّل في اتخاذ مواقف في الوضع السوري لأسباب عدة، أحدها يرتبط بتوَجّس هذه القيادة من موقف الناخبين الأتراك المنتمين الى الطائفة العلوية التي يفوق تعدادها عشرة ملايين ناخِب، وهؤلاء يخشون من التوجّه الإسلامي المتطرّف، ويميلون اكثر الى تأييد الأحزاب العلمانية، وسيكون لهم في الانتخابات التركية دور مؤثر، على رغم أن حزب العدالة والتنمية يَتجه لتحقيق الفوز. ولهذا، فإنّ أردوغان يعيد النظر في سرعة تصاعد مواقفه دعما للثورة السورية، على الأقل قبل الثاني عشر من حزيران، وهو يراقب ديناميّات الثورة على الارض، لتحديد الاتجاه الذي سيسلكه.
ويبقى السؤال: هل تتفق قراءات النظام السوري للموقف التركي مع الواقع؟
وهل سيعيد حزب العدالة والتنمية تقييم موقفه باتجاه وقف الضغط على النظام والسماح له باستكمال مَسار قَمع التمرّد الشعبي؟

الأكثر وضوحا في الموقف التركي حتى الآن انه ينتظر ما بعد الثاني عشر من حزيران كي يبلور موقفا لا عودة عنه، دعما للثورة السورية، وما مؤتمر انطاليا سوى بداية التدابير على طريق رسَمَته قيادة العدالة والتنمية تصل نهاياته الى فتح افق الخيارات أمام الثورة السورية، هذه الخيارات التي تجزم اكثر من جهة دولية على انّ تركيا ستضعها في متناول الثورة السورية في المدى القريب المقبل”.

4 حزيران 2011

Share This