غناء الأوركسترا الفيلارمونية بقيادة هاروت فازليان

كم كنا نود منه أن يطيل السهر معنا! مغنٍّ بارع شقّ دربه في “البل كانتو” وما يوحيه هذا الفن الغنائي من سفر في قلب الأوبرا الأيطالية .

إيليا فرنسيس التينور وعد منذ إطلالاته الأولى العام ٢٠٠٦ بصوت قدير، رخيم، قادر أن يبث المشاعر الأقوى على أساسات أكاديمية متينة، وقد شارك حتى الآن آمغنٍّ منفرد في مهرجانات جرش وأوبرا هاوس في دمشق والأردن وأرمينيا وفرصوفيا إلى المدن اللبنانية آافة وأعيادها. النجم المحلّق بأوتاره، والمغني الأوبرالي الرومنطيقي، كان مساء الجمعة في كنيسة القديس يوسف، وكان في كل دور من قائمته المختارة يقطر في النغم من مشاعره الملتهبة ما يقيم بينه وبين الجمهور تقاربا روحيا.

الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية بقيادة هاروت فازليان، استهلّت البرنامج بآية من الآيات الموسيقية، “الرابسودية المجرية” الثانية لفرنز ليزت، الملقّحة بموسيقى المجر الشعبية، المدهشة في تلاوينها الفانتازية.

الأوركسترا بعدّتها الوترية والخشبية والنحاسية، بعازفيها الماهرين في لفت انتباه الروح المستمعة إلى الشاردة والواردة، بحمية وتقوى، رفعت قبة الكنيسة عالياً تحت عصا فازليان الناطق في كل حركة كان يبعث بها إلى الأوركسترا بحرارة استيعابه لعبقرية ليزت وجنون غجريته. المغامرة في هذه الأشكال الحرّة كانت في الإيحاءات الشاعرية الرائعة التي اشعلها ليزت في موسيقى شعبية اعاد ولادتها في قوالب ماهرة. فكيف يمكن الاستماع إلى هذه التحفة بهناء وهدوء، وليزت يولع النار تحت كل عبارة فيعلو اللهب احتفاليا، تكريسيا للأرض الأم، والآلات من وتريات وترومبيت وهوبوا وكلارينيت، تتبادل في ما بينها رهجة الألوان وتجعل منها عرسا بوهيميا كان كل عازف في الأوركسترا مدعواً لإعطاء هذا المشهد الهائل وقوداً من ولعه، يرفع الخطاب الموسيقي إلى أوجّه.

بعد عرس ليزت، كان لنا عرس من مشاعر مختلفة مع إيليا فرنسيس الذي اختار أغاني وآريا، من بوشيني ودونيزيتي وفيردي في فقرة أولى. غناء مولود من حنجرة هي كجرن ماء يطفئ ظمأ. هكذا يغنّي إيليا فرنسيس جاعلاً من حزن الكلمات والنغم إكسيرا للنفس العطشى. الأوركسترا شريكة هذا الشجن اللذيذ، حتى إذا أدّى أدواره الثلاثة، مضى لاستراحة قصيرة، فيما الأوركسترا لم تسترح. من فيردي افتتاحية أوبرا جيوفانا داركو. فيردي الذي فرض نفسه مع فاغنر من أعظم ما أعطته الأوبرا الليريكية في القرن التاسع عشر، من دون أن يكون أي شبه إستيتي بين هذا وذاك، لا تزال أعماله الأوبرالية، من الأكثر رواجا على مسارح العالم. وإذا لم تكن أوبرا جيوفانا داركو من أعماله المعروفة، غير أننا استمتعنا بليريكيتها وبتوزيعها السمفوني الممهد إلى غناء وحوار.

عاد التينور بأربع أغان من ريبرتوار معاصر زيّنه بنفحات حنجرته الرومنطيقية. من دي كورتيس أدى أغنيتين إلى بيكسيو في أغنية واحدة، كلّلها بغرانادا، تاركا لصوته المديد العنان، ولغرانادا الأسبانية سفرا في رحاب الأندلس.

الختام لماركيز، مؤلّف مكسيكي معاصر في رقصة تتنوّع فيها المناخات، من هادئة، كرقصة عاشقة على شحنات إيقاعية بربرية، اهتزت لها عصا القائد كما جسده الذي كان يترنّح مدوزنا على موسيقى تجنّدت الأوركسترا لأعطائها إيقاعها المجنون .

٣١ أيار ٢٠١١

مي منسى

النهار

Share This