معرض الفنانة ميراي غوغويكيان تماثلات الذاكرة الدرامية

ميراي غوغويكيان، فنانة تشكيلية غنيّة عن التعريف، نالت جوائز وميداليات شرف على العديد من أعمالها الفنية داخل لبنان وخارجه، خصوصاً في باريس تتسم تجربتها في الفن، بطاقة اختبارية مطردة العناصر، ومتوالفة التناغم. فريشتها تغوص في المماثلة مع الفكر والرؤية التأملية الباطنية للوجود وتحاآي المطابقة التفاعلية الداخلية للواقع، وتكاشف الوجد التفقدي للمكان خصوصاً اذا ما آان هذا المكان بلداً منفياً في ذاكرة الوجع حاضراً في حاضنة القلب، مترعاً بعذابات الشوق.

بتقنيات الزيت على الكانفا وعلى القماش، تعرض ميراي لوحاتها في غاليري هامازكايين، مفسحة للمتلقي المجال لمتابعة التقدّم الانسيابي في رسوماتها التي تجاوزت في الآونة الأخيرة الماديّات الخارجية لتمظهرات الحياة، لتسبر أغوار العمق الكموني لدواخل الأشياء، بدءاً من الانسان مروراً بالمكان تعرّجاً الى الزمان. فالمدلول الزمني في لوحات الفنانة يواكب بمؤثراته وإيحاءاته ما ورائية الصور. إذ ثمة تجريدية مخفّفة تجعل المدن والاشجار والبلاد تلوح من خلف الألوان. فثمة توشيحات متناغمة لإيقاعات الملونة الرومانسية، وللأشكال الظلالية التي تعكس دور المرايا الغائبة، او المرايا المفقودة في نظم الطبيعة.

وثمة ضربات انفعالية منضبطة، تضبط معها جمالية الاضواء في رحلة البحث عن بناء الذاآرة او اللحظات او النوستالجيا على حد سواء.

بعض جدارياتها، يمثل الهالة الاكتمالية لشكل الاشجار بألوان ومنمنمات خارجة عن المألوف محببة الى المخيّلة البصرية. آما يمثّل البعض الآخر منها مشهدية المدن والبلدات والمباني، وذلك من خلال كسر الاتجاهات في الخطوط والألوان لمصلحة الرؤية التوصيفية لمرثيات الحروب حيث تحضر الألوان النارية الغاضبة المتفجرة آنيران تزداد نيراناً ·· وحيث يغلب العصف التاريخي على بيوت جميلة وحارات انيقة، وسكن سعيد.

فتمتد صواعق الألوان، وشظايا الخطوط والأشكال الى زوايا اللوحة بأسطحها التصويرية، وانبناءاتها التأليفية وأبعادها الجمالية التي تتخذ من الرسائل الوطنية ملاذاً لها في التعبير عن الصورة، او عن الواقع وتماثلاته المؤلمة

من هنا، تغدو مدينة ميراي، في اغلب اللوحات، اشبه بظلال تاريخية تعكسها مياه الألوان، وأمواج التقنيات وأشبه بأطياف الوجود المسجونة خلف اسوار الذاآرة الدرامية.

تحاول أن تومض بأضوائها وترسل إشارات الى مختلف الاتجاهات ··إشارات مبللة بجمالية المشهديات التشكيلية.. معبأة بشحنات رؤيوية حالمة، قوية في الوقت عينه، وبتناغمات حسيّة رومانسية وصلبة في آن معاً حتى المذاقات والنكهات تسعى الفنانة الى تذويبها وخلطها داخل اللوحة لتقدم لنا طعم الصورة بملونتها وعناصرها وأشيائها ومنمنماتها وأحاديثها ايضاً عن شجون المنفى، ومتون المباني الراسية على شواطئ الحنين تحت هالات الاحمر والبرتقالي والاصفر الشديدة التسلط والاقامة والتحكّم باللغة الفلسفية في مقاربة الطلاء من جهة، وفي محاكاة الرسومات من جهة ثانية. فيما تبقى الرحلة البانورامية للمكان عند ميراي وامضة بالبهجة في عالم الخطوط والألوان والظلال والانعكاسات التأملية المتأتية عن الفكر والقلب على حد سواء.

غادة علي كلش

الأربعاء ١ حزيران ٢٠١١

اللواء

Share This