أروميـة: ســهول وكنائـس وراعيــات تفصــل الزائـر عـن العـالـم

تصل من طهران إلى أرومية بالطائرة، فتشعر بانفصال كامل عن العالم، ولا ترى أمام عينيك سوى سهول شاسعة، تحيط بها جبال ساراه خوي وساراه أوأوغلي وآرارات التي اتخذ رجال الدين الأرمن شكل قلنسواتهم من قممها المروسة.

تشكل مدينة أرومية مركز محافظة اذربيجان الغربية، وتقع المحافظة عند حدود أذربيجان وأرمينيا وتركيا، تبلغ مساحتها ما يقارب سبعة وثلاثين ألف كيلومتر مربع، يعيش عليها بين سبعمئة وثمانمئة ألف نسمة فقط، وغالبية السكان من الأكراد، بالإضافة إلى أرمن وأشوريين وعددهم ثلاثون ألف نسمة.

وقد امتدت الرحلة في السهول مسافة أربع ساعات ذهابا ومثلها إيابا، وكان يلزم أربع ساعات إضافية للاقتراب من الجبال. وعلى الطريق انتشرت بضع قرى ومدن صغيرة، بينها مدينة خوي مسقط رأس الإمام الخوئي.

وقد أقيمت في قلب القرى والمدن حدائق، يستريح فيها مواطنون غالبيتهم من الفلاحين، ويتناولون طعامهم البلدي في أيام العطل في المطاعم.

بعد أربع ساعات من المسير وصلنا إلى كنيسة تداوس، وهي من أقدم كنائس الأرمن الأرثوذكس في المنطقة، بنيت قبل ثمانمئة عام. وحدها الكنيسة ترتفع وسط التلال والسهول، بحجارتها الصخرية المرصوفة من دون باطون، وحولها تنتشر راعيات الغنم مع أولادهن من بنات وصبيان، كانت كل الراعيات من النساء اللواتي يرتدين ملابس الكرديات الطويلة والملونة، فبدا المشهد كأنه نقل عبر الزمن عن المسيح وأغنامه.

وللكنيسة حكاية عبارة عن أسطورة، يروى فيها أن القديس تداوس وهو أحد تلامذة المسيح قدم إلى المنطقة لمعالجة ملكها الفارسي، فاعتنق الملك المسيحية مع عائلته خلال فترة العلاج، لكنه عندما شفي ترك المسيحية وعاد إلى عبادة الشمس، فلم ترض ابنته بتراجعه وبقيت مسيحية، فقتل الملك ابنته والقديس معا. وقد أعاد ترميم الكنيسة حديثا مهندس إيراني رافق الوفد اللبناني في الرحلة، وقدم عملية الترميم كأطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الهندسة المعمارية.

على بعد نصف ساعة بالسيارة تقريبا من مدينة أرومية تقع بحيرة الملح، و تعتبر مياهها الأكثر ملوحة في العالم، بعد البحر الميت في الأردن، ولا تزال البحيرة خاماً، إذ أقيم عند ضفتها فندق سياحي فقط، يمكن السير منه مسافة مئتي متر على الملح الذي تحول إلى حجارة، قبل الوصول إلى المياه.

وتنوي الحكومة الإيرانية تحويل البحيرة إلى واحد من المنتجات العلاجية. وبسبب الجفاف هذه العام، أقرت مشروع مد البحيرة بالمياه من نهر زارينا الذي يصب جنوبها.

وفي سهول أرومية، يتربى النحل، ويجمع العسل الطبيعي الذي يعتبر من أجود أنواع العسل الإيراني، كما يوجد فيها سوق مسقوف من عهد الصفويين، وحمامات من عهد الزندية والقاجارية، وتصنع فيها الأدوات النحاسية المنقوشة يدويا.

30 أيار 2011

زينب ياغي – “السفير”

Share This