تغطية الصحافة العربية حول الموقف التركي من الأحداث في سوريا (حزيران 2)

في أثناء تصاعد حدة التوتر بين الجارتين تركيا وسوريا، وعلى خلفية الانتخابات التي جرت في تركيا تركزت مقالات هذا الاسبوع في الصحف العربية على دور تركيا في المنطقة، وحقيقة نواياها ومساعيها، والقناع الذي سقط…

فقد كتبت رنا خطيب في صوت الوطن بعنوان (مؤتمرات إنقاذ للشعب السوري وأين ؟ في أحضان الغرب ؟!!!! ) عن احتضان تركيا للمعارضة وقالت:وهنا يحق لنا أن نذكّر كل من غفل عن الحقيقة مالذي يجعل تركيا التي احتلت العرب أربعمائة عام والتي ما زالت تحتل مدن من سورية، والتي كانت سورية سببا في تهدئة العلاقات بينها وبين الدول الجوار كالعراق وأرمينيا والتي لديها ملفا ساخنا حول القضية الكردية يتركز في احتلالها لقسم كبير من كردستان، وتعامل الأكراد معاملة سيئة وتحرمهم من حقوقهم على أرضهم، والتي ارتكبت المجازر بحق شعب أرمينيا و الأكراد ايضا، أن تحتضن مؤتمر المعارضة السورية بحجة التغيير ..بل مالذي يدفع الدول الأوربية و التي كانت وما تزال تعبر عن عنصريتها تجاه العالم العربي، و الذي ما زال العربي يذكر حروبها الصليبية العسكرية وما حصدته من أرواح عربية، وكذلك يذكر سيطرتها الاقتصادية التي ما تزال قائمة حتى الآن في العالم العربي، أن تهتم بالشأن السوري الداخلي و تسعى مع المغردين خارج الوطن لفرض تدخلا أجنبيا بحجة حماية المدنين من الطغيان.


أما ميدل ايست أونلاين فنشرت بقلم غسان يوسف مقالاً بعنوان (طعنات تركية قطرية لقلب العروبة النابض!) وكتبت أن “أردوغان والقيادة العالمية للإخوان المسلمين في مصر أعطا الضوء الأخضر لإخوان سوريا بأن يلقوا بثقلهم في المعركة ضد النظام…. إن سوريا تنتظر لتخرج من أزمتها وعندها سيكون لكل حادث حديث حيث سيتم حينها الفرز بين الصديق الصدوق والصديق الذي يترك صديقه لأول هزة يتعرض لها بعد أن كانت هذه العلاقات توصف بالإستراتيجية على الصعيد السياسي. أما على الصعيد الشخصي فكانت العلاقة بين الأسد وأردوغان توصف بالعائلية ومن ثم لتصبح العلاقات السورية التركية في أحسن حال وتلغى تأشيرة الخروج ويقام مجلس أعلى للعلاقات السورية التركية على المستوى الاقتصادي في حين دخل الرئيس الأسد في وساطة مع أرمينيا لتبييض وجه تركيا في العالم وهي التي تتحمل وزر مجازر الأرمن – الأبشع في التاريخ – لا بل استطاع الرئيس الأسد أن يُدخل تركيا إلى كل الوطن العربي بعد أن كانت هذه العلاقات تصطدم بالصخرة السورية. فعدا عن كونها في نظر العرب وريثة الاحتلال العثماني، هي اليوم تحتل أراض سورية (لواء الاسكندرونة) أي أنها في نظر العرب محتلة لأراضي عربية. لكن مسألة صراع الوجود مع إسرائيل جعل سوريا تعض على الجراح وتطوي صفحة اللواء إلى ما شاء الله ما فتح شهية أردوغان ليكون السلطان العثماني الجديد ولينقلب على سوريا في أول فرصة.

وهنا يصح التذكير بأن الرئيس بشار الأسد كان هو من أصر على أن تلعب تركيا دور الوسيط في المحادثات غير المباشرة مع إسرائيل على الرغم من المحاولات الإسرائيلية الكثيرة لإبعاد تركيا! أما اليوم فتسرب الاستخبارات الإسرائيلية أن ما تشهده سوريا جاء نتيجة لصفقة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والقيادة العالمية للإخوان المسلمين في مصر، التي أعطت الضوء الأخضر لإخوان سوريا بأن يلقوا بثقلهم في المعركة ضد النظام، وهو ما فعلوه في منطقة شمال غرب سوريا أيضا، وبشكل خاص منطقة جسر الشغور وجبل الزاوية حيث يتمتعون بنفوذ تاريخي قوي يوازي نفوذهم في حماة.

والسؤال ماذا لو فعلت سوريا مع المعارضة التركية وخصوصا الكردية ممثلة بحزب العمال الكردستاني ما فعلته تركيا في أنطاليا وعقدت مؤتمرا في طرطوس أو اللاذقية أو دعمته بالمال والسلاح؟ هل كان أردوغان وطاقمه سيسكتون؟ لكن الحكمة السورية وكما هو معهود “تمهل ولا تهمل!”

أما عن الانتخابات التركية فكتب غسان يوسف بعد أيام في ميدل ايست أونلاين تحت عنوان (أردوغان يبني حلم العثمانية بدماء السوريين)! أن أردوغان لن يكون سوى الفزاعة التي يستخدمها الغرب ضد سوريا والعرب متى أرادوا باعتباره قائدة الدولة الإسلامية المنضوية بكاملها تحت جناح الغرب وإسرائيل. بعد نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات وقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ليقول إن نجاحه يعني نجاحا للشام وبيروت والقدس!

للوهلة الأولى من سمع أردوغان ظن أننا نعيش في القرن التاسع عشر أو بدايات القرن العشرين. لكن وجود التقنيات الحديثة من فضائيات وانترنت وغيرها جعلنا ندرك أن الرجل هو من يعيش في عصور غابرة خارج الزمن والتاريخ وأن ذكره للشام وبيروت ذكّر العرب كلهم بإعدام شهداء السادس من أيار من قبل جده جمال باشا السفاح في ساحات دمشق وبيروت ليترافق ذكره لهاتين المدينتين بمجزرة جسر الشغور التي نفذتها العصابات الإرهابية بسلاح تركي وبشكل لم يسبق لسوريا أن شهدته في تاريخها اللهم إلا على يد الدولة العثمانية نفسها أثناء احتلالها للبلاد العربية عام 1516 أي قبل ما يقرب الخمسمائة عام!

حتى أن مشاهد المجزرة التي وثقتها وسائل الإعلام العربية والعالمية شكلت صدمة لكل من كان عنده أدنى شك بوجود إرهابيين مرتبطين بأجندات خارجية على الأراضي السورية لتصبح سوريا وعلى أيدي هؤلاء ومن يدعمهم مثل أفغانستان وباكستان والصومال والعراق واليمن، حيث تقطع الرؤوس ويمثل بالأجساد وترتكب الفظاعات وتحفر المقابر الجماعية، في وقت نسمع فيه نباح قادة الغرب من أوباما إلى ساركوزي إلى كاميرون عبر محطات عبرية بلسان عربي (والعياذ بالله) متعامية عن كل ما يُرتكَب ملقين اللوم على سوريا وجيشها وكأن المطلوب من الدولة أن تنكفئ لتترك لهؤلاء الإرهابيين إكمال مخططهم في القتل والتقطيع والتمثيل وتنفيذ إماراتهم الموعودة. وهذا ليس كلامنا إنما كلام المعارض محمد سعيد حمادي الذي كشف كم كان مخدوعا بهؤلاء حيث لم يتقبلوا منه كلمة واحدة لدرء الفتنة والحوار والإصلاح! لا بل ضُرب وهُدد وعُذب من قبل من يسمون أنفسهم “قادة الثورة” وفروعها الأمنية ليكونوا بذلك يبنون دولة طالبان الجديدة ولكن هذه المرة في سوريا وبدعم واضح من الغرب. حركة طالبان التي شنت الولايات المتحدة من أجل ملاحقتها حربا سفكت فيها دماء ملايين الأبرياء في كل من أفغانستان وباكستان! لا بل لفقت كذبة القاعدة في العراق وكذبة أسلحة الدمار الشامل تماما كما يفعلون اليوم مع سوريا.

لكن المفارقة أن سورية في حينها فتحت بيوتها ومدنها وقراها – يوم احتلال العراق – لكل الشعب العراقي دون تفريق بينهم لدين أو عرق أو طائفة في حين أن تركيا جهزت الخيم والمعسكرات منذ بداية الأحداث، لا بل أعلنت أنها ستقيم منطقة عازلة، ليتأكد تورط أردوغان المسبق بما يجري في سوريا وهو الذي احتضن مؤتمر مرمرة بحضور الأميركيين والإسرائيليين ومن ثم أعلن وزير خارجيته احمد داود اوغلو رفض نظرية المؤامرة الخارجية التي تحدث عنها الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب ليأتي نفيه بمثابة الهروب إلى الأمام بعد انفضاح المؤتمر المذكور ومن ثم ليعقبه المؤتمر الصحافي الذي عقده المراقب العام للإخوان المسلمين في استانبول محمد رياض الشقفة ومن ثم مؤتمر أنطالية الذي حضرته عصابة من القتلة والمجرمين والمتعاملين مع إسرائيل والذين طالبوا من خلاله بإسقاط النظام دون ترك أي مجال للحوار!

إذن أردوغان هذا متورط في أحداث سوريا سواء من حيث دعم الإرهابيين بالسلاح والمال أو باحتضان من يحركهم سواء من جماعة الإخوان المسلمين التي تتخذ من تركيا مقرا لها، أو من خلال مؤتمر أنطاليا الذي قطع فيه أردوغان شعرة معاوية مع الرئيس الأسد إضافة إلى تصريحاته الوقحة التي كان يطلقها بين الحين والآخر حتى أنه لم يوفر فيها الجيش العربي السوري الذي يعتبر جامعا ورمزا لكل السوريين!

كان على أردوغان الالتفات لمشكلاته الداخلية وتبييض صورة تركيا أمام العرب والأرمن والأكراد الذين أُرتكبت بحقهم مجازر لن تمحوها ذاكرة الشعوب!

إن فوز أردوغان يعني فوز الإرهاب في المنطقة والبداية كانت من جسر الشغور ولعل وزير الخارجية البريطاني كان صادقا عندما قال إنه اتفق مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوعان على العمل معاً لاستصدار قرار في مجلس الأمن الدولي حول سوريا. ما يدل على أن الغرب مصمم على تنفيذ مخططه انطلاقا من تركيا وهذا ما يؤكد حقيقة ثابتة وهي أن تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي الداعم الكبير لإسرائيل وليتأكد أن بعبعة أردوغان في دافوس وأثناء الاعتداء على قافلة الحرية ومن ثم إهانة السفير التركي في إسرائيل لم تكن إلا جعجعة بلا طحين ما دامت تركيا دولة تقيم تحالفا استراتيجيا مع الكيان الصهيوني وتحتضن القواعد الأميركية وتلهث خلف الاتحاد الأوروبي من أجل مناقشة انضمامها له وليس الانضمام ذاته ما يعني أن تركيا المتورطة في ليبيا والحليفة لإسرائيل والمنفذة لأوامر الحلف الأطلسي لن تكون سوى رأس حربة ضد العرب ولن يكون أردوغان سوى الفزاعة التي يستخدمها الغرب ضد سوريا والعرب متى أرادوا باعتباره قائدة الدولة الإسلامية المنضوية بكاملها تحت جناح الغرب وإسرائيل!

وبشأن رد النظام السوري على تركيا نشرت الوطن مقالاً بعنوان (النظام السوري يهاجم قطر وتركيا) وأوضحت أن صحيفة “الوطن السورية“: “إنّ الانقلاب الحاد في موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان وتهديده بتخلّي بلاده عن النظام السوري لم يكن مفاجئا تماما كانقلاب قطر على كل شيء له علاقة بالوفاء والشرف، وبالتالي فقد عادا ليغرّدا داخل سربهما الأصلي، فلا أردوغان من منابت ثوروية ولا قطر حرّرت الجزر العربية، بل كلاهما يقيم في بلده قواعد أميركية هي الأكبر والأخطر في الإقليم”.

واعتبرت أنّ “من يستمع إلى أردوغان يعتقد أنه يمثل غطاء أمان لسوريا وقيادتها والحقيقة عكس هذا، ومع تقديرنا للدور التركي في السنوات الأخيرة تجاه القضية الفلسطينية، إلا أنّ كل ذلك لم ينطلق من قناعات سياسية راسخة بقدر انطلاقه من ترتيبات للمنطقة تضع المصالح التركية والأميركية في مأمن، وتعطي تركيا في الشرق ما عجزت عن الحصول عليه في الغرب”.وختمت: “يقول المثل : إحذر من عدوك مرة، ومن صديقك ألف مرة”.

ولننتقل الى السفير التي نشرت هذا الاسبوع للكاتب ساطع نور الدين مقالاً بعنوان (أردوغان الجريح.. والجريء)، حيث كتب ساخراً من خطاب أردوغان أن بيروت ولا دمشق ولا رام الله او غيرها لم تشعر أنها انتصرت في الانتخابات التركية، على ما جاء في خطاب النصر الذي ألقاه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في انقره ليل الأحد. الديموقراطية في تركيا إنجاز باهر لا جدال فيه. لكن تقاسمه مع الناخبين الأتراك، او حتى مع نصفهم شأن آخر، يحتاج الى كسر المزيد من الحواجز النفسية والسياسية مع الجار التركي العائد حديثاً الى العالم العربي.

كانت لحظة انفعال عابرة، بدا اردوغان كأنه يؤدي نشيداً أكثر مما كان يقدم وقائع، عندما اورد اردوغان اسماء الكثير من الدول والعواصم التي وجّه إليها التحية، او دعاها الى المشاركة في احتفالات النصر الانتخابي البارز.. وعندما ركز في كلمته الحماسية على مغادرة الحدود التركية ليتفادى التسليم بأن حاجزاً جديداً قد ارتفع امام مشروعه لتحديث تركيا وتولي حكمها بدستور معدل غير موروث من العسكر.

كان اردوغان جريحاً. شعر بظلم القانون الانتخابي النسبي، الذي حرمه من ترجمة غالبيته الشعبية الساحقة الى غالبية برلمانية مؤاتية لإكمال الانقلاب الإسلامي الأبيض على الجمهورية الاتاتوركية، واقامة بديلها في موعد لا يتخطى الذكرى المئوية الاولى لتأسيسها في العام 2023، على ما جاء في أحد أهم شعارات الحملة الانتخابية. ولعله خشي من ان المشروع الاسلامي كله في تركيا بلغ ذروته، وبات من الآن فصاعداً في مرحلة الانحدار الذي لن يوقفه تصويت 21 مليون ناخب تركي مع حزب العدالة والتنمية.

التحدي الداخلي صار أكبر. لن يقبل اردوغان بسهولة أنه بات مضطراً الى التحالف والتفاهم مع ألد أعدائه القوميين والسياسيين من اجل تشكيل الحكومة المقبلة، ومن اجل تعديل الدستور.. وسيكون الخارج الذي خاطبه بالأمس وسيلته الرئيسية للدفاع عن منجزاته السياسية والاقتصادية، وستصبح تركيا بزعامته في السنوات الاربع المقبلة، اشد اضطراباً في الداخل، في البرلمان وفي الشارع، وأكثر جرأة وحيوية في سياستها الخارجية المتعددة الجبهات. ليس هناك تعويض آخر عن الخذلان المحلي. وليس هناك مجال لإعادة فتح الباب الاوروبي، سوى بالمزيد من المكاسب في العالم العربي وفي آسيا الوسطى.

لكن اردوغان لم يكن في السنوات الاربع الماضية يفتقر الى الجرأة، بل الى الدبلوماسية. النجاحات الخارجية لم تكن مدهشة. ثمة في تركيا ما يصنف التجربة العراقية ثم الفلسطينية ثم الليبية، والآن السورية، باعتبارها نكسات متتالية لدور سياسي طموح جداً، ولبرنامج استثماري مغال في الفصل بين الاستقرار والازدهار في العالم العربي. والتصويت الشعبي التركي الساحق، لم يكن ولن يكون تفويضاً مطلقاً للمضي قدماً في هذا الطريق الوعر. كان مجرد تعبير عن استقطاب داخلي حادّ، يدور حول الإسلام والهوية والدستور، ولا يتصل بما يدور في دمشق من أزمة داخلية تطرق أبواب تركيا، ولا طبعاً بيروت التي لا تحتلّ أي مكانة في الذاكرة السياسية التركية.. ولا يمكن أن تقاسم الأتراك فرحتهم بانتخابات محلية جداً.

أما خليل حرب فكتب تحت عنوان (أردوغان … هل بدأ زمن التعثر؟) أن نصف الناخبين الأتراك اختاروا تفويض حزب العدالة والتنمية قيادة البلاد للسـنوات الأربع المقبلة، للمرة الثالثة على التوالي، تماماً مثلما اختاروا رفع عدد النساء في البرلمان من 44 إلى 74، أو مثلما ادخلوا 3 شخصيات لا علاقة لها بالسياسة، إلى قلب الديموقراطية التركية، هم مخرج سينمائي ولاعب كرة قدم، ومغنية علوية محافظة. منذ الثمانينيات، هي المرة الاولى التي كان يبدو فيها حزب الشعب الجمهوري قادراً على تخطي حصة الثلاثين في المئة، لكنه لم ينجح. هذه هي مرارة علمانيي الحزب المعارض. فوتت فرصة تاريخية ليستعيد مكانته على الحلبة السياسية، ولا يبدو انه سيعمق جراحه بمنح اردوغان مكاسب تاريخية سهلة. ربما يكون اردوغان نال نسبة اكبر من اصوات الناخبين، لكن مقاعده البرلمانية تراجعت، وكذلك قدرته على المناورة سياسياً. اردوغان هذا، بطموحاته الكبرى، ربما يكون مقبلاً على اكثر سنوات حكمه السياسي تعثراً.

وجاء في صحيفة الحياة بقلم جهاد الخازن بعنوان (“سلطان” جديد أو تشافيز)، فكتب متسائلاً: ربما كان أردوغان النموذجَ الذي يحتاج إلى الاقتداء به الإسلاميون العرب، فهو إسلامي معتدل (لايت)، يعرف حدوده، ثم يملك الجرأة لخوض معارك، وقد انتهت المواجهة مع الجيش بسجن جنرالات اتُّهموا بتدبير محاولة انقلابية، وهو ما لم يحدث منذ أيام أتاتورك.
أردوغان سعى لدخول تركيا الاتحادَ الأوروبي، وعندما تعثرت المحاولة ركَّز على الشرق الأوسط، وأعرف من حديثي معه ومع المسؤولين المصريين (السابقين) والسوريين، أن تركيا كانت وراء مشاريع التعاون الاقتصادي الإقليمي، التي ضمت أيضاً الأردن، وكان يفترض أن يزاد عليها العراق لولا الأحداث السياسية الأخيرة في بلادنا. وربما قدّرنا أهمية الإنجاز التركي بالمقارنة مع إيران، فأردوغان سعى إلى لَمِّ شمل شعوب المنطقة عن طريق تطوير أداء الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية لكل الناس، ونجح، ومحمود احمدي نجاد استعدى الجيران وأخافهم، وانتهى وبلادُه تتعرض لعقوبات دولية متتالية وحصار، حتى أصبح بلد رئيسي منتج للنفط يستورد البنزين، وعلاقاته متوترة مع الجيران، وتحالفاته مع أحزاب محلية بدل شعوب.

أردوغان ليس منزهاً عن الانتقاد، وقد لاحظت أن خصومه يتهمونه بأنه يحاول بناء نظام رئاسي، مثل فرنسا أو روسيا، وأنه “سلطان” جديد، أو تشافيز، وهم يشيرون إلى محاولته المستمرة السيطرة على حزب العدالة والتنمية وإخضاعه له، ففي الانتخابات السابقة غيَّر ثلثي البرلمانيين من الحزب، وفي انتخابات هذا اليوم غيَّر 220 عضواً، وأصبح بعض المراقبين السياسيين يحذِّر من ديكتاتورية برلمانية إذا فاز الحزب بغالبية مطلقة تعفيه من الحاجة إلى طلب تحالفات مع الأحزاب الأخرى في القضايا المهمة، مثل وضع دستور جديد.
الانتخابات النيابية التركية مهمة لذاتها، ومهمة أيضاً لانعكاساتها العربية، فللمرة الأولى منذ عقود، هناك علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع حكومة تركية يمكن أن تنمو تدريجاً لخير شعوب المنطقة. وعلاقات تركيا مع إسرائيل كانت متوترة، وزادت سوءاً بعد الهجوم في عرض البحر على أسطول الحرية السنة الماضية وقتل تسعة من دعاة السلام الأتراك غير المسلّحين. ولعل الإسلاميين العرب يستفيدون من الدرس التركي بدل أن يعارضوا أحمدي نجاد ويقلِّدوه.؟

وجاء على موقع عكس السير السوري تحت عنوان (مازال الأتراك يطلقون علينا تسمية ” شام شريف ” .. تركيا العثمانية وحلم العودة إلى سوريا) بأن المراقبين أكدوا ان تحول اللهجة التركية ضد سوريا، واستخدام سياسة ” الشد والرخي” واللعب على المصطلحات، بين مشجع على الاصلاحات، ومندد” بالجرائم ضد الانسانية” يشكل تمهيدا واضحاً لمشروع أوروبي، ستستعمل فيه الورقة التركية ضد سوريا.

واستدل المراقبون بعدة دلائل، أهمها التسليط الاعلامي الكبير الذي حظي به أردوغان في بعض القنوات العربية، وبث أفلام وثائقية عنه، وعن حزبه، والتركيز على بعض الأعلام التركية التي رفعت في مظاهرات سورية، في محاولة لرسم صورة  لأردوغان، كرجل نبيل، يحظى بحب السوريين، وبثقة المجتمع الدولي، كتمهيد للمشروع الذي اعتبره المراقبون الورقة الأخيرة التي ستستعمل ضد سوريا، بعد فشل ورقة مجلس الأمن، وورقة الملف النووي السوري، الذي يجري العمل عليه في الوقت الحالي. وتساءلوا عن سبب عدم ذكر أية وسيلة إعلام عربية لصفقة الأسلحة المتطورة التي اشترتها تركيا مؤخراً من اسرائيل !!. وفي سياق متصل، نقلت صحيفة ” راديكال” عن أردوغان الديمقراطي قوله “ما دام أوجلان حياً فلن يحدث تقدم في حل المشكلة الكردية، ولو كنا نحن في الحكومة حينها لكنا نفذنا حكم الإعدام به”.

ومن جهة أخرى كتب بسام القاضي على موقعه تحت عنوان (أردوغان باشا: حتى في أحلامك سورية لن تكون شأنا داخليا لعثمانيتك البغيضة) أنه يبدو أن أردوغان باشا قد أصيب بجنون العظمة بعد أن صفق له بعض العرب في تمثيلياته المتعلقة ببعض مواقفه من إسرائيل، فصدق فعلا أنه “عثمان بن ارطغرل” آخر (أول سلطان عثماني)، وأنه سيعيد احتلال سورية مثلما ما زال يحتل جزءا منها، وأنه يمثل وصيا على بلد دفع ثمن طرد العثمانيين الذين جثموا على صدر بلدنا لخمسمئة سنة أفرغوه فيها من كل طاقة وامتصوا خيره كما تمتص العلقة الدم…

فأردوغان باشا، العثماني الجديد، أطلق مؤخرا جملة من التصريحات التي تخلى فيه عن ورقة التوت التي غطت سابقا حقيقة نظرته لسورية والسوريين بادعاءاته الحرص والقلق على حقوق الإنسان في سورية، فيما جيوشه تغتصب حقوق الإنسان في شرق تركيا، مثلما اغتصبت جيوش أسلافه دماء الأرمن والأشوريين والسريانيين في مجازر ما زال هو شخصيا يدافع عنها، ومثلما اغتصبت دولته حقوق الإنسان في دعمه وإشعاله معارك دامية حصدت الآلاف بين أذربيجان وأرمينيا في حلم لتمديد الدولة العثمانية فتقضم أذربيجان، ومثلما سحقت دولته الشيوعيين اليساريين حتى القتل، ومثلما سحقت سجونه مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين عانوا من تعذيب وصل حد الخوزقة في الماضي….
وفيما لم تتردد حكومته في أن تستخدم جيشها العرمرم لقتل وتشرد في شمال العراق، بل أنها سبق أن دفعته ليقتل ويشرد في شمال سورية أيضا، حرصا على “حقوق الأكراد” في… الآخرة!..

قال أردوغان باشا، بالبذلة السموكن التي لا تليق به: “ما يحدث في سورية يهم تركيا وكأنه شأن داخلي”، ويقصد طبعا: وكأنه شأن داخلي تركي!! فأية وقاحة بلغت بهذا العثماني الجديد؟ لم يتجرأ أحد من عتاة الطامعين بسورية على أن يستخدم هذا التشبيه يوما، لا في الماضي، ولا في أزمة الحاضر، فكيف تمكن من أن يفعل ذلك عثماني جديد يحلم بدولة خلافة يسكن فيها قصور هارون حافلة بالجاريات والأطايب؟!

في الواقع أن ما حدث بسيط وسهل: فالعثماني الجديد صاحب بدلة السموكن تهيأ له أنها فرصة تاريخية الآن ليؤكد أنه دركي جيد في المنطقة، خادم جيد وعبد مطيع للناتو والاتحاد الأوربي، وبالتالي فإن على أسياده أن يفكروا به كقوة حقيقية في المنطقة موازية لإسرائيل، بل ربما أقدر منها على ضبط الرعاع وقيادتهم إلى المراعي الغربية..

ومع إضافة ثلة من المجرمين الذين يخططون لديمقراطية تسحق نصف سكان سورية النساء تحت تصوراتهم الدينية المريضة، وتعتبر كل من هو ليس على مقاسها المسيحيين مواطنين درجة ثانية سيدفعون جزية بهذه الطريقة أو تلك (الأخوان المسلمون)، ويسنون الأسلحة لذبح كل من لا يطابق تصوراتهم فيكون عبدا لدين ما (اللاديينين مثلا)، ويشيعون قتل النساء باسم الشرف (هو ما دافعوا عنه علنا)، ويشرعون جعلهن حيوانات جنسية منجبة وممتعة لهم (وأيضا دافعوا عنه علنا)، و.. و.. هذه الثلة التي باعت وطنها للعثماني الجديد مقابل أن يسمح لها بعقد مؤتمر تآمرية تحاول من خلالها استجلاب الدبابات الغربية فتنصب كراسي سلطتها على إيقاعها..

ومع حقائق أعلنتها الجيوش الغربية بأن صراعها مع النظام السوري ليس من أجل حقوق الإنسان ولا الديمقراطية، وإنما هي فك علاقته مع إيران، وتخليه عن حزب الله وحماس، وجلوسه مباشرة على طاولة الاستسلام مع إسرائيل بدون شرط أو قيد، وفتح سورية لشركات “بلاك ووتر” التي عرفنا إنسانيتها جيدا عبر العالم خاصة في العراق، وفتح أسواقها على مصراعيها للبنك الدولي الذي بتنا نعرف جيدا أهدافه الحقيقية في تنمية الشعوب…

“تبدو اللوحة واضحة تماما: مهازل أردوغان باشا في قضية أسطول الحرية، ثم مهازله اليوم بادعائه البكاء على ضحايا العنف في سورية، ليس لها سوى حقيقة واحدة: “سورية هي شأن داخلي تركي”! هي “ولاية” تركية! هي “سنجقدار” تركي! هي جزء من الامبراطوية العثمانية البغيضة! فهنيئا لكم أيها الديمقراطيون من ميريلاند إلى استكهولم إلى باريس وبيروت.. هنيئا لكم أيها المجرمون باسم الدين وباسم الديمقراطية وباسم الحرية بيعكم سورية لسلطان جديد مقابل كرسي لن تحصلوا عليه أبدا.. هنيئا لكم تحولكم من تجار شعوب وتجار دماء شعوب. هنيئا لكم أيتها “النخبة” الفارغة فراغ الطبول وأنتم تصمتون عن ما يجري في بلدكم وحوله، غارقين في تصوراتكم التأملية عن ما بعد التاريخ… وهنيئا للسوريين والسوريات أنهم سيبنون سورية ديمقراطية وحرة وآمنة ومستقرة، بعيدا عن الغيلان التركية والفارسية، الأمريكية والفرنسية، وخاصة بعيدا عن غيلان الدين ووحوشه التي بدأت تسن أسنانها التي ستلتهم أجسادها الخاصة حين تكتشف نهائيا أن سورية ليست للبيع”.

ملحق “أزتاك” العربي

14 حزيران

Share This