في ذكرى الإبادة.. الأرمن الذين لا نعرفهم

 

أزتاك العربي- كتبت شادية يوسف في الأهرام أنه كانت الصورة الذهنية لدِّى عن الشعب الأرمينى أنه شعب مثقف جدا ومنظم ومسالم، وقد تأكدت من ذلك عندما دعيت مع وفد من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، للمشاركة بمؤتمر “العلاقات الأرمينية-العربية.. من الإبادة الجماعية إلى التحديات الحديثة”، والذى نظمته أكاديمية العلوم الوطنية في يريفان، بالتزامن مع الذكرى السنوية الثالثة بعد المائة لمذابح الأرمن.

عند وصولنا للعاصمة يريفان كان الجو متوتراً ومشحوناً بسبب استمرار رئيس الوزراء “سيرج” بمنصبه والذى كان رئيساً لأرمينيا من قبل، مما جعل الشارع الأرمينى غاضباً جدا.

وخرج زعيم حزب المعارضه “نيكول باشينان” يجول على المحافظات يحث الشعب على النزول لساحة الجمهورية بالعاصمة يريفان ولكن ما لاحظته في أثناء وجودى هناك، هو خروج طلبة المدارس والجامعات للتظاهرات بشوارع العاصمة وهذا ما لاحظنا فى جميع ثورات الربيع العرب، فمن قام بهذه الثورات هم الشباب، وكان الشباب الأرمينى متحضرا جدا فى تظاهراتهم حتى عندما وصل الصدام بين الشعب والشرطة، قاموا بوضع حواجز بالأسلاك فكان المشهد متحضرا من الطرفين.

والوضع لم يطل كثيرا بل استغرق يومين بعد زيارتنا ثم كانت استجابة “سيرج” رئيس الوزراء، سريعة بسبب حلول الذكرى ال١٠٣ يوم ٢٢ مايو، وهذا موقف يحسب له فإذا لم يستجب لطلبات حزب المعارضه والشارع الأرمينى، لكانت النتيجة ستكون سيئة جدا لأن يوم الذكرى كان سيتحول لثورة مشتعلة.

ومن لحظة إعلان “سيرج” استقالته تحول الشارع الأرمينى لعرس شعبى راق لشعب متحضر حتى فى فرحته، فكان الشباب هم الذين يتصدرون المشهد فى الاحتفالات التى ملأت الشوارع وأتى الأرمينيون من كل المحافظات إلى ميدان الجمهورية، حيث الرقص والغناء الذى لم نعرف معانى كلماته نحن لكن الفن ليس له وطن بل يصل للقلوب والعقول حتى لو كان غير مفهوم.

إنه مشهد رائع جدا بالسعادة التى رأيتها بعيون هذا البلد جعلتني أتذكر يوم فرحت فيه مصر بزوال حكم الإخوان فالمحطات السعادة لا هى واحدة مهما اختلفت الشعوب فتبقى الأحاسيس واحدة ، فقد كنّا سعداء الحظ بوجودنا فى هذا الانتصار الذى إن دل على شيء، فهو يدل على ” إرادة الشعب الأرمينى”.

وننتقل من انتصار الإرادة إلى اليوم التالى لهذا النصر، وهو مشهد ذكرى شهداء الإبادة أمام النصب التذكارى الذى حضرته أعداد كبيرة من الشعب الأرمينى.

خلال التجمع الشعبى المهيب لإحياء الذكرى، كنت أشعر أن كل شخص كان يرى أمامه مشهد الإبادة التى نراها بالأرشيف الوثائقي. نعم هى لحظات لذكرى قاسية تركها الأتراك لا يجد أى أرمينى سببا لها. كانت عيونهم تبوح بالكثير من المشاعر والكل يذهب ليشارك بوضع الورود أمام النصب حتى لو لم يكن له فقيد شهيد لكن هو إحساس وطنى تجاه هؤلاء الضحايا بل الأطفال يذهبون مع ذويهم حاملين الورود ليس هذا فقط بل يعنون ماذا هم فاعلون، حيث حضر الكثير من سفراء الدول المقيمين بأرمينيا ليشاركوا أشقائهم الأرمن، وفى الْيَوْمَ التالي يذهب الشباب والأطفال ليقوم بتجفيف الورود التى وضعت من قبل الزوار، حتى تستخدم أيضاً في صنع بعض التابلوهات، فهذا إن دل على شيئاً يدل على رقى ومهارة هذا الشعب.

Share This