الأرمن الأردنيون

يرصد كتاب آردا فريج ديركرابديان بعنوان “الأرمن الأردنيون”، والصادر عن البنك الاهلي ودار ورد، واقع الأرمن الأردنيين، الديموغرافي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وربما تكون المرة الأولى التي تصدر فيها دراسة تتيح الإطلاع على جزء من النسيج الاجتماعي والتاريخي للمجتمع الأردني، وتمكن الأردنيين من معرفة عيانية شائقة بمواطنيهم الأرمن.

والكتاب يصلح أيضا مصدرا يستعان به في مسألة الهوية الوطنية الأردنية، التي تشغل سجالات سياسية وإعلامية، لأجل البحث عن هوية جامعة للأردنيين، تتيح أيضا المجال لهويات أخرى موازية أو فرعية.

والواقع أنه لم يكن لدى المواطنين الأرمن والأكراد والشوام والشركس والشيشان، في يوم من الأيام، أزمة شعور بالهوية والانتماء، واستطاعوا أن يقدموا نموذجا يمكن دراسته واقتباسه في الوطن العربي في تعدد الهويات وانسجامها معا. وهم بذلك يؤكدون أن التعددية يمكن أن تكون مصدرا للقوة والثراء وليس التفرق. ويؤكدون أيضا قدرة الشعوب والثقافات على التجاور والتفاعل والاندماج بدون أزمات خطيرة.

يعود استيطان الأرمن في الأردن إلى الحرب العالمية الأولى. والمعلومات المدونة تشير إلى مجموعة عائلات أقامت في دير ابي سعيد، بضيافة وحماية المرحوم عبد الله باشا الشريدة، النائب المخضرم وابن القائد المحلي المعروف كليب الشريدة. وتشير الروايات المحلية إلى أنهم وجدوا تعاطفا وتعاونا من سكان بلدات الشمال، لأجل مساعدتهم على الاستقرار والمعيشة في الأردن. وكانت أعدادهم في خمسينات وستينات القرن العشرين حوالي عشرة آلاف نسمة، لكن أعدادهم تناقصت بسبب الهجرة المتواصلة إلى الدول الغربية بخاصة؛ ويبلغ عددهم اليوم حوالي ثلاثة آلاف وخمسمائة نسمة، يقطن غالبيتهم في عمان، وبعضهم في الزرقاء والرصيفة ومادبا والكرك وإربد والعقبة.

عمل الأرمن منذ مجيئهم في مجالات عدة؛ في الزراعة، وقد أدخلوا زراعة بعض الخضروات إلى الأردن، كما برعوا على نحو خاص في بعض المهن، مثل الصياغة والتصوير الفوتوغرافي والخياطة وأعمال الميكانيك.

وللأرمن مؤسسات خاصة بهم، تعبر عنهم وعن ثقافتهم. فهناك مدرستان ابتدائيتان، وكنيستان، وناديان رياضيان، وجمعية خيرية.

وقد ولد حوالي ثلثا الأرمن (أو العينة التي أجريت عليها الدراسة) في الأردن. وهم مجتمع مديني، يشبه المجتمع المديني الأردني، وإن كانت نسبة البطالة بينهم اقل من نسبتها في المجتمع بعامة. وهم يتعلمون اللغة الأرمنية وتاريخهم الأرمني في المدارس، ويتحدثون الأرمنية إلى جانب العربية.

يميل معظم الأرمن إلى الزواج من داخل الطائفة نفسها، ولكن ثمة اتجاه للزواج من غير الأرمن (13%). كما أنهم يتمتعون بروابط داخلية قوية، لكنهم يقيمون علاقات اجتماعية وصداقة واسعة مع غيرهم من المسلمين والمسيحيين. ومعظمهم يشارك في المؤسسات الطوعية الارمنية، وقليل منهم من يشارك في مؤسسات طوعية أخرى، ربما بسبب طبيعة المؤسسات الأرمنية، التي تستوعب كثيرا من النشاطات وبدون تكاليف مادية تذكر.

ويتوزع الأرمن في جميع أحياء عمان. إذ لم يعد لهم حي خاص بهم، وإنما يعيشون في أحياء يختلط فيها جميع السكان. ومعظم عينة الدراسة يصنفون أنفسهم في الطبقة الوسطى من المجتمع، ومن فئة الدخل الشهري (401–600) دينار أردني.

وبرغم أن الأرمن يتحدثون لغتهم الخاصة ويتمسكون بها، فإنهم يتقنون العربية أيضا على نحو يفوق الأرمنية، ويقرأون الصحف والمطبوعات العربية أكثر من الأرمنية، ويفضل 38.5% منهم متابعة الفضائيات العربية.

ويشعر 95% من الأرمن الأردنيين بالاعتزاز كونهم أرمن، كما يشعر 90% منهم بالاعتزاز بمواطنتهم وهويتهم الأردنية، مما يدل على درجة عالية من الانتماء والاندماج الثقافي. وينظر معظمهم إلى الأردن على أنه وطنهم. وتظهر الدراسة أيضا اتجاها بنسبة عالية بين الأرمن نحو الاستماع إلى الأغاني العربية، وتناول الأطعمة العربية.

وقد بلغت نسبة الأرمن الذين شاركوا في الانتخابات النيابية العام 1997 حوالي 80%، وهي تعتبر نسبة مشاركة عالية، وتؤشر على اندماج سياسي بنسبة عالية. وقد اختار أفراد عينة الدراسة مرشحيهم دون النظر إلى كونهم مسيحيين أو مسلمين، وتبين أن ثلثهم قد اختاروا مرشحيهم بتشجيع الأقارب والأصدقاء. ويؤكد 83.6% من أفراد العينة أنهم لا يشعرون بأي نوع من التمييز ضدهم من قبل الآخرين.

وربما تعود نسبة الاندماج العالية للأرمن في المجتمع الأردني إلى نسبة التعليم العالية التي يتمتعون بها، ولأن معظمهم ولد في الأردن. ويلي هذين العاملين العمر، فالشباب أكثر ميلا للاندماج من كبار السن، وهذا يؤشر على تنامي وتزايد الاندماج الثقافي والاجتماعي. وتزيد نسبة الذين يعتبرون أنفسهم أرمنيين أردنيين بين الشباب، وتنعدم نسبة الذين يعتبرون أنفسهم أرمنيين فقط بين من يبلغ عمرهم أقل من 40 سنة.

وبالطبع، فإن للتوجه الإيجابي للدولة والمجتمع في الأردن نحو الأقليات والمجموعات الإثنية دورا مهما في تشجيعهم على الاندماج، وإنشاء بيئة من التسامح والانفتاح الثقافي والاجتماعي. وهي من الإنجازات والمزايا التي ساعدت الدولة والمجتمع على التنمية الثقافية والاجتماعية، وتحقيق قدر عال من الوحدة الوطنية والثقافية. ويعزز هذا التوجه الاجتماعي الإيجابي رسوخ الثقافة الإسلامية الوسطية والمعتدلة في الأردن.

إن كتاب كرابديان إضافة مهمة لمعرفة التاريخ الاجتماعي في الأردن. وهو في الأصل رسالة ماجستير في علم الاجتماع من الجامعة الأردنية. ولو أنه أضيفت إليه عند النشر بعض القصص والمعلومات التي لا تدرج عادة في رسائل الماجستير، مثل أعلام الأرمن في الأردن، وبعض القصص والحكايات والرموز الشعبية والثقافية، لكان أكثر فائدة ومتعة. ولا شك أن مبادرة البنك الأهلي لنشر مثل هذه الكتب والدراسات تستحق التنويه والشكر، وستؤدي إذا استمرت، ونرجو أن تستمر، إلى مكتبة أردنية كبيرة ومهمة.

ابراهيم غرايبة- جريدة الغد

Share This