تغطية الصحافة السورية حول موقف تركيا من الأزمة في سورية (تموز 2)

نبدأ من الموقع سيريا لايف الذي نشر مقالاً بقلم سهام يوسف تحت عنوان “أردوغان وأحلام الطربوش” التي كتبت أن المرء يُذهل أمام تطورات الأزمة السورية التي مضى على تحريكها ثلاثة أشهر ونيّف حيث مرّت بتبدلات ومتغيرات كثيرة مكانياً ومادياً من حيث الأفعال الإجرامية والمآسي الإنسانية التي خلّفتها المجموعات الإرهابية المسلحة التي تديرها القوى الظلامية وفق الأجندة الخارجية الإسرائيلية الأمريكية الغربية وأذنابها في المنطقة.

ويتوقف المراقب ليرى المشهد ويرصد متغيراته الحادة وتداعياته على المستوى الأمني والسياسي والاجتماعي ليحلل كل كلمة أو موقف لعدوٍ شامت , ويستغرب موقف كل صديق صامت , حتى غدا الموضوع كحجر أُلقيت في بركة ماء ساكنة أنتجت حركة دوائر تتابعت وتلاشت على السطح، غير أنها حركت ساكن أعماقها فأظهرت ماتخفيه من رواسب الماضي وتراكمات الأيام، لنُفاجأ بشناعة الأفعال الجرمية التي نفذتها مجموعات خبايا القاع الاجرامية ودناءة مُحركيها من المأجورين الظلاميين وأصحاب فتاوى الفتنة والمتآمرين الإقليميين وعربان النفط وأسيادهم .

ورغم صدمة السوريين بالأحداث، فقد كشفوا بحدسهم الوطني حجم المؤامرة وأهدافها بسرعة فائقة بالرغم من كل التقنيات وأساليب الإفتراء والفبركة الإعلامية الهائلة ومحاولة إظهار القاتل بأنّه الضحية , وأنّ الضحية هي الجلاد، مستفيدين من ضعف إعلامنا وارتباكه ونقص خبرته والذي عجز بدايةً عن تبني هدف واضح يجري العمل عليه , فغاب المنطق الإعلامي لغياب خلايا الأزمة التي كان من المفترض إحداثها بنفس الفترة التي بدأت مؤشرات الاضطرابات في الساحات العربية الأخرى تتعاظم .

غير أن الذي فاجأ المواطن السوري هو هذا الانقلاب التركي الذي دخل إلى الدار العربية من البوابة السورية التي هيئت له كل مقومات القبول والنجاح من خلال تبييض صورته السوداء الموروثة تاريخياً في نفس المواطن العربي وفتحت سورية أسواقها بنيّة صادقة مبنية على مبدأ حسن الجوار فأغرقت البضائع التركية السوق السورية على حساب المنتج الوطني ليتجاوز حجم التبادل التجاري ( 2 مليار دولار سنويا ) .

مما أدى إلى تراجع في الإنتاج الوطني وإلى أزمة في التصريف وزيادة في البطالة حتى تحولت واجهات المحلات واللوحات الإعلانية والشاخصات الطرقية وشاشات الدعاية إلى مطارح دعائية للسياحة في تركيا وترويج للمنتجات التركية، وأصبح الممثل التركي المسمى في المسلسلات التركية “مهند” غازياً لشاشتنا في كل منزل ,وبما تقدمه هذه المسلسلات من سطحية وابتذال وكاد أو أصبح بطلاً اجتماعياً  وكازانوفا المراهقات، مؤسّساً لثقافة واهتمامات جيل أقلّ ما يقال فيها تفاهتها وغربتها عن ثقافة مجتمعنا، وهذا ليس سوى أمثلة بسيطة على الغبن الذي لحق بسورية من هذه العلاقة بسبب صدق النوايا السورية وشفافيتها.

والأهم من ذلك كله هو ما أعطته سورية لتركيا من أهمية لم تكن تحلم بها  في المنطقة حيث منحت أردوغان دوراً كبيراً على المستوى الإقليمي , وحولته في نظر المواطن العربي إلى رمز وقائد مخلّص، حيث التقط هذا الجانب واستغلّ الناحية العاطفية الشعبية وأجاد دوره في ظل غياب الشك أو سوء الظن  به، واجتذب المشاعر العربية بما قام به من استعراضات في منتدى دافوس الاقتصادي بحركة مسرحية لم تكن سوى طعماً أكسبته قبولا شعبيا عربيا بسبب ملامسته المشاعر القومية للشعب العربي الذي يتماهى بصدقٍ مع كل من يناصره ضد اسرائيل الصهيونية .

كل ذلك لم يكن ممكناً لولا إصرار سورية على أن تكون تركيا وسيطاً في المباحثات غير المباشرة في عملية السلام مع اسرائيل .

لكن أردوغان وقيادة حزب العدالة والتنمية التركي انقلبا بلحظة حلمٍ قديم ليجرحا اليد العربية السورية الممدودة للتعاون , مستذكراً أسلافه العثمانيين ومشدوداً بالحنين إلى الطربوش والخازوق وسفربرلك وأعواد المشانق التي ما زالت ساحاتنا تُذكرنا بتلك الأيام السوداء من حكم العثمانيين المديد لوطننا العربي.

لقد نجح أردوغان باستغلال الدور الذي وفرته سورية له ليفاجئنا منذ بداية الأزمة صباحاً ومساءً بتصريحات ومطالب إملائية استبق فيها من يُسمون بالمعارضة الخارجية أو المجموعات المارقة على القانون في الداخل، ورفع سقف مطالبهم أكثر منهم واستنشق من نتانة الأزمة رائحة الزعامة الطائفية للمنطقة، وأخذ يسعى لإيجاد صياغة جديدة لمستقبل العلاقة والتعايش بين مكوناتها على أساس طائفي بغيض بما في ذلك قبول إسرائيل بمكون ديني واحد من اليهود الصهاينة وهو بيت القصيد الأردوغاني المكلف ماسونياً على ما يبدو بهذا الدور على خلفية  الوعود بدخول النادي الأوروبي وتنصيبه كزعيم اسلامي إقليمي لمنطقتنا .

غير أنه نسي أن الشعب السوري وقيادته الوطنية لن يمنحاه هذا الدور وسيفوتان عليه فرصة التهام قطعة الجبن التي حاول ابتلاعها وستسقط من فمه كليّا بعد أن كشف دوره وطموحاته المقيتة وستنهض سوريا وتخرج أقوى مما كانت عليه، وستعطي أردوغان وأمثاله دروساً في الوطنية والكرامة والديمقراطية، فالساحات التي عُلّق فيها أبطال الثورة ضد الاستبداد والظلم العثماني لا تزال شاهدة هنا  نابضة بدم الشهداء ,التاريخ الذي لا ينسى _ فهل  يحلم  أردوغان حقاً أن يحمل طربوش السلطان يوماً ؟.

وكتب ألبير داغر تحت عنوان “تركيا والدولة الوطنية في سوريا” عن تركيا العثمانية والعالم العربي والفشل في التصنيع المتأخر وتجربة محمد علي باشا في مصر وتركيا الكمالية، وخصص قسماً عن تركيا الحالية، أو بماذا يعدنا أردوغان.

حيث قال: “استفاد موظفو أجهزة وإدارات العلاقات الخارجية في الدول الغربية، كما استخبارات هذه الدول على نحو غير مسبوق، من الإسهامات النظرية في ميادين العلوم الاجتماعية، التي تؤكد دور الأفكار في بناء الواقع وفي تغييره. كان الخطاب الذي يراد للرأي العام في العالم العربي أن يتشرّبه ويعمل بوحيه، هو الذي يرمي إلى بناء هويات تكون نقيض الدولة الوطنية، وتكون مقدمة لضربها حيث هي موجودة بالفعل.

لم تكن تصريحات أردوغان بشأن سوريا، وخصوصاً دخوله علناً بازار تصنيف المواطنين، على قاعدة دينية ومذهبية، وليدة نقص في المعرفة، أو زلّات لسان. كان المراد إحلال طريقة جديدة في النظر إلى الأمور، يراد بها إنتاج أجندة سياسية محدّدة. اعتمد خطاباً ينتزع شرعية الدولة الوطنية. وقد استخدم لغة الشحن المذهبي والطائفي، في وقت كان فيه هذا الشحن هو أخطر سلاح يمكنه استخدامه تجاه سوريا.

لم يتوقف الأمر على تصريحات وإملاءات، بل تجاوزه إلى أفعال. تبيّن في مناسبة معركة جسر الشغور أنّ الأتراك كانوا قد أعدوا العدّة لتدخّل في سوريا ينطوي على إقامة منطقة عازلة، ويتضمّن تدخّلاً للحلف الأطلسي، على شاكلة ما حصل في ليبيا. تدخلت إيران بحزم، وهددت الأتراك بقصف القواعد الأميركية والوجود الأطلسي على الأراضي التركية .

هذا التهديد هو الذي جعل الأتراك ينكفئون عن تنفيذ السيناريو الذي جعل منهم أدوات التدخل الغربي، لضرب وحدة سوريا وتدمير الدولة الوطنية فيها.

رمت سياسة أردوغان المتعلقة بسوريا إلى استعادة أمجاد السلطنة، من خلال ممارسة نفوذ في المحيط العربي، يوضع في خدمة السياسات الغربية وإسرائيل، كما كان الأمر في القرن التاسع عشر. هناك بوصلة وحيدة يسترشد بها كلّ الشرفاء العرب، هي الموقف من الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وقد رسب أردوغان وحزبه في هذا الامتحان. من الآن فصاعداً، الحذر من الأتراك ينبغي أن يكون هو القاعدة”.

وكتبت صحيفة الجمهورية تحت عنوان (أنقرة ودمشق و”شعرة معاوية”) عن دراسة نشرها “المركز العربي للأبحاث” حول الموقف التركي من تطورات الوضع في سوريا للباحث علي حسين باكير تحت عنوان “محدّدات الموقف التركي من الأزمة السوريّة: الأبعاد الآنية والانعكاسات المستقبلية”.

وهدفت الورقة التي عرضتها قناة “الجزيرة” القطرية ،إلى دراسة محدّدات الموقف التركي من الأزمة السوريّة والظروف والعوامل المتداخلة في تحديد هذا الموقف، إضافة إلى أبعاده والانعكاسات التي سيتركها على العلاقة بين البلدين خلال هذه الأزمة وفي الفترة التي تليها.
وتحاول الدراسة الإجابة عن عدد من الأسئلة التي يطرحها الرأي العام العربي المنقسم الآن بين مشكّك في الدور التركي، ومتهم إيّاه بالازدواجية، ويائس منه، ذلك من خلال “العدسة التركية” للأحداث، كما تقدّم رؤية استشرافيّة للسيناريوهات المحتملة في تطور الأزمة والموقف التركي المرتقب منها.

ويرى الباحث أنّ على العكس من الاعتقاد السائد، فإنّ “الموقف التركي من الأزمة السوريّة يتحرّك في بطء، لكن في شكل تصاعدي في الضّغط على الأسد”.

وتسهم الكثير من المخاوف التركية في دفع هذا الموقف في اتجاه تصاعدي، منها المخاوف المتعلّقة بانهيار النظام والفوضى، التدخّل الدولي وتقسيم سوريا، الملفّ الكردي، الضغط الشعبي التركي، وملفّ المهجّرين أو اللاجئين.

وعلى رغم أنّ الموقف التركي لم يكن بالقوّة والشدّة اللتين يتمنّاهما كثيرون، ولذلك أسبابه الموضوعيّة، فإنّ النظام السوري بدَا شديدَ الغضب والاستياء من الموقف التركي، وتحديدا ما يتعلّق بتكذيب الرواية الرسميّة السورية، والحديث عن حلبجة وحماه جديدتين، واستضافة مؤتمرٍ للمعارضة السورية.

ولفتت الدراسة إلى أنّ أنقرة بدأت تطوّر مسارا مزدوجا يسمح لها بالضّغط أكثر على النظام السوري في المرحلة الأولى، وقد يساعدها على تأدية دور الوسيط بين النظام السوري والمعارضة في مرحلة ثانية.

وتشير الدراسة إلى أنّ أنقرة تحاول الحفاظ على “شعرة معاوية” مع النظام السوري، على أمل أن يدرك أنّ الطرح التركي هو خياره الوحيد للخروج من الأزمة.

لكنّها تشدّد في الوقت عينه على أنها ليست ضدّ أيّ نظام ولا مع أيّ نظام، بل هي دائما مع الشّعوب، وهي ترى أنّ بدل أن يُفرَض التغيير من الخارج، فليحصلْ ذلك من الداخل، مؤكّدة أنّها لا تخشى تغيير النظام في سوريا إذا حدث.

وتتوقّع الدراسة أن يتضاعف الضّغط التركي على الرئيس السوري بشار الأسد لاحقا، لكنّ ذلك سيرتبط، في كل الأحوال، بعدد من المعطيات مجتمعة، وأهمّها استمرار انتفاضة الشعب السوري كأساس لكلّ المعادلات الداخلية والخارجية، والمعطيات الدولية، والموقف الشعبي التركي والموقف الرسمي العربي.

ملحق “أزتاك” العربي

Share This