تغطية الصحافة حول العلاقات التركية السورية

كتب موقع شاكوماكو تحت عنوان (العلاقات السورية ـ التركية.. بين الغدر التركي والحلم السوري) !أنه ” لم تكد دمشق تنهي لقاءها التشاوري الذي يمهد لحوار وطني شامل حتى سارعت تركيا الى عقد ما سمته – مؤتمر رابطة العلماء المسلمين لنصرة ودعم الشعب السوري – وكأن (الجارة) تركيا لا تريد لسورية الدولة والشعب أن تنعم بالهدوء ولو ليوم واحد وهي التي كانت قد بدأت بالتآمر على – قلب العروبة – منذ الثاني عشر من نيسان عندما رعت لقاء بين كل من فيلتمان ورياض الشقفة المرشد العام للإخوان المسلمين وبمشاركة قطرية و»إسرائيلية» في فندق مرمرة على مضيق البوسفور ليتبعه وزير خارجيتها احمد داود اوغلو برفض نظرية المؤامرة الخارجية التي تحدث عنها الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب ! ليأتي نفيه بمثابة الهروب إلى الأمام بعد افتضاح المؤتمر المذكور ومن ثم ليعقبه المؤتمر الصحافي الذي عقده المراقب العام للإخوان المسلمين في اسطنبول محمد رياض الشقفة ومن ثم مؤتمر أنطاليا الذي حضرته عصابة من القتلة والمجرمين والمتعاملين مع «إسرائيل» والذين طالبوا من خلاله بإسقاط النظام دون ترك أي مجال للحوار!

وكان أردوغان قد استمر في إطلاق تصريحاته الوقحة، التي كان يطلقها بين الحين والآخر، حتى أنه لم يوفر فيها الجيش السوري الذي يعتبر جامعا ورمزا لكل السوريين ! والكل يذكر أنه عندما نجح أردوغان في الانتخابات، أعلن أن نجاحه هو نجاح للشام وبيروت .. الخ , للوهلة الأولى من سمع أردوغان في حينها ظن أننا نعيش في القرن التاسع عشر أو بدايات القرن العشرين. لكن وجود التقنيات الحديثة من فضائيات وانترنت وغيرها جعلنا ندرك أن الرجل هو من يعيش في عصور غابرة خارج الزمن والتاريخ وأن ذكره للشام وبيروت ذكّر العرب كلهم بإعدام شهداء السادس من أيار من قبل جده جمال باشا السفاح في ساحات دمشق وبيروت ليترافق ذكره لهاتين المدينتين مع مجزرة جسر الشغور التي نفذتها العصابات الإرهابية بسلاح تركي، وبشكل لم يسبق لسورية أن شهدته في تاريخها اللهم إلا على يد الدولة العثمانية نفسها أثناء احتلالها للبلاد العربية عام 1516 أي قبل ما يقرب الخمسمئة عام!

كلام أردوغان عن دمشق وبيروت ترافق أيضاً مع كشف العديد من المصادر في حينها أن تركيا جهزت الخيم والمعسكرات منذ بداية الأحداث، لا بل أعلنت أنها ستقيم منطقة عازلة، ولعل وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ كان صادقا عندما قال إنه اتفق مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوعان على العمل معاً لاستصدار قرار في مجلس الأمن الدولي حول سورية. ما يدل على أن الغرب مصمم على تنفيذ مخططه انطلاقا من تركيا وهذا ما يؤكد حقيقة ثابتة وهي أن تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي الداعم الكبير لـ «إسرائيل» وليتأكد أن «بعبعة» أردوغان في دافوس وأثناء الاعتداء على قافلة الحرية ومن ثم الاحتجاج على إهانة السفير التركي في «إسرائيل» لم تكن إلا جعجعة بلا طحين ما دامت تركيا دولة تقيم تحالفا استراتيجيا مع الكيان الصهيوني وتحتضن القواعد الأميركية وتلهث خلف الاتحاد الأوروبي من أجل مناقشة انضمامها إليه، وليس الانضمام ذاته ما يعني أن تركيا المتورطة في ليبيا والحليفة لـ «إسرائيل» والمنفذة لأوامر الحلف الأطلسي لن تكون سوى رأس حربة ضد العرب ولن يكون أردوغان سوى الفزاعة التي يستخدمها الغرب ضد سورية والعرب متى أرادوا باعتباره قائداً للدولة الإسلامية المنضوية بكاملها تحت جناح الغرب وإسرائيل.

ومن هنا تأتي خطورة تورط تركيا في هذا المشروع باعتبارها البلد المسلم الجار لسورية والتي حاول الرئيس بشار الأسد جاهدا نقلها من موقع المتحالف مع «إسرائيل» والغرب إلى موقع الرحى في تكتل إسلامي جديد تكون فيه العلاقة بين البلدين علاقة استراتيجية، فكان الرد وللأسف قاسيا ومؤلما فالاستراتيجيات وللأسف لن ترى النور إلا إذا ولدت من رحم دوائر صهيونية!

ربما يستغرب البعض كيف أن القيادة السورية تعاملت مع تصريحات المسؤولين الأتراك منذ بداية الأحداث بهدوء تام على الرغم من التصريحات النارية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو؟!

السبب برأي العارفين في الأمر يعود إلى أن سورية تنتظر لتخرج من أزمتها عندها سيكون لكل حادث حديث حيث سيفرز حينها بين الصديق الصدوق والصديق الذي يترك صديقه لأول هزة يتعرض لها، بعد أن كانت هذه العلاقات توصف بالاستراتيجية على الصعيد السياسي والاقتصادي .
والسؤال ماذا لو فعلت سورية مع المعارضة التركية وخصوصا الكردية ممثلة بحزب العمال الكردستاني، ما فعلته تركيا في أنطاليا واسطنبول وعقدت مؤتمرات في مدن سورية و دعمته بالمال والسلاح؟ وخالفت ( اتفاق أضنة 1998) الذي عقد بين الدولتين كما فعل القادة الأتراك، هل كان أردوغان وطاقمه سيسكتون؟ لكن يبدو أن سورية اختارت أن تقابل سلاح الغدر التركي بالحلم والحكمة حتى يحين الوقت المناسب وعندئذ لا ينفع الندم لمن غدر وتآمر !!

أما صحيفة الخليج فقد كتبت تحت عنوان (طهران وأنقرة والمأزق السوري) بقلم الكاتب محمد السعيد ادريس أنه قبل علاقة الشراكة السورية  التركية كانت علاقة إيران مع تركيا محصورة في إطار يمتد من التعاون  إلى التنافس، لكنه كان إطاراً محفوفاً بمشاعر الشك وعدم الثقة في ظل ارتباطات تركيا مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي ظل علاقة الشراكة الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني . لكن التقارب السوري  التركي، وتنامي الأداء التركي المميز في ملفات عربية ساخنة تهم إيران حفزا طهران على مزيد من الانفتاح نحو تركيا، تجاوز العلاقات الاقتصادية إلى التعاون الشامل الطامح في الشراكة الاستراتيجية، وتوحدت طموحات البلدين من خلال “المحفز السوري” لتأسيس محور استراتيجي رباعي يمتد من إيران إلى تركيا عبر العراق وسوريا .

هذا الطموح معرض الآن للتداعي بسبب اتساع فجوة الإدراك والتقييم الإيراني والتركي للأزمة السورية، خصوصاً بعد تفاقم هذه الأزمة ودخول قوى دولية وإقليمية أطرافاً في تطوراتها المتلاحقة والمتصاعدة . ففي حين التزمت إيران بتبريرات النظام السوري، ورأت أن ما يحدث فتنة ومؤامرة مدعومة من الخارج، حسمت تركيا موقفها بالانحياز إلى مطالب الشعب السوري بعد إخفاقها في إقناع الرئيس السوري بالتفاعل الإيجابي مع هذه المطالب والأخذ بمشروع سياسي وطني للإنقاذ، بدلاً من الاعتماد المفرط على القوة والحل الأمني .

ومع تفاقم الأزمة داخل سوريا أخذ الفتور يسيطر على العلاقة مع تركيا التي وجدت نفسها معنية بحماية المدنيين الهاربين من بطش أجهزة الأمن والجيش السوريين على الحدود بين البلدين، فضلاً عن استضافة مؤتمر للمعارضين في محاولة للضغط على القيادة السورية، لكن التحول الحقيقي في موقف تركيا جاء بعد إعلان رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية، أن بلاده لم يعد بمقدورها الدفاع عن دمشق في المحافل الدولية .

علاقات تركيا مع سوريا وصلت إلى مفترق طرق، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن مدى تأثير ذلك في علاقة إيران بتركيا، وهل يمكن أن تصل هذه العلاقات أيضاً إلى مفترق طرق؟

السؤال مهم لأنه يأتي في وقت بدأت تظهر فيه ملامح تنسيق تركي  أمريكي حول الملف السوري، وهو التنسيق الذي تزامن مع مؤشرات تقارب تركي  “إسرائيلي” .

فحسب تقرير نشره موقع “ديبكا” الاستخباراتي “الإسرائيلي” نقلاً عن مصادر أمنية واستخباراتية “إسرائيلية”، فإن وساطة أمريكية قادت مؤخراً للقاءات سرية بين مسؤولين “إسرائيليين” وأتراك اتفق خلالها على تحسين العلاقات بين البلدين من جهة، ومواجهة الرئيس السوري بشار الأسد من جهة أخرى . وبحسب المصادر أيضاً فإن اتصالات أجراها الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع رئيس الوزراء التركي أردوغان قادت إلى لقاء بين الأخير ونائب رئيس الوزراء “الإسرائيلي” موشيه يعلون الذي زار تركيا مؤخراً، والتقى أردوغان سراً، ورئيس الاستخبارات التركية فيدان جاكان المسؤول عن الملف السوري، واتفق في هذه اللقاءات على عودة التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين، وجاءت رسالة التهنئة “الدافئة” و”الحميمة” التي بعث بها نتنياهو إلى أردوغان بمناسبة الفوز الجديد لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وكذلك اعتذارات تركيا المفاجئة عن عدم المشاركة في “أسطول الحرية 2” الذي كان من المقرر أن يتوجه إلى قطاع غزة في مطلع الشهر الجاري، لتزيد ولتدعم من تكهنات بوجود تنسيق تركي  أمريكي، ربما تدخل “إسرائيل” طرفاً فيه بخصوص الأزمة السورية .

هل ستغير تركيا تحالفاتها مجدداً؟ وهل يمكن أن تكون إيران أول من سيدفع أثمان هذا التغيير في التحالفات التركية بعد سوريا؟

السؤال يزداد أهمية إذا أخذنا في الحسبان خيارات إيران الصعبة والمحدودة في حالة سقوط الحليف السوري، أو في حالة اضطرارها إلى التدخل العسكري المباشر لحماية سقوط هذا الحليف . البعض يتحدث عن العراق حليفاً بديلاً يمكن من خلاله محاصرة أي نظام سوري جديد بديل لنظام الأسد، في حال تبنى هذا النظام سياسات معادية للمصالح الإيرانية، ويمكن من خلاله أيضاً مواصلة أو مداومة التواصل الإيراني مع حزب الله . وهناك من يتحدث عن توجه إيراني نحو كل من أفغانستان وباكستان لتأسيس شراكة استراتيجية بديلة، يمكن من خلالها إرباك أي تحالفات يجري تدبيرها أمريكياً ضد إيران . وهناك خيار ثالث أو بديل هو أن تراجع إيران سياساتها وأن تتقارب مع دول محور الاعتدال العربي، في محاولة لإنقاذ الموقف في سوريا وضبط التداعي في السياسة التركية .

وفي جريدة المستقبل العراقية كتب كاظم فنجان الحمامي بعنوان (حقيقة السلطان الطيب أردوغان ) أنه “أردنا من خلال هذا الموضوع أن نزيل الغشاوة الضبابية, التي تخفي الحقيقة عن عامة الناس, ونسلط الأضواء على المخططات السياسية الخبيثة, ونكشف الملابسات التي رافقت التطلعات الأناضولية الأردوغانية, والتي يمكن إدراكها واكتشافها من دون عناء, بمجرد طرح الأسئلة الآتية, من مثل: هل يستطيع أردوغان اعتماد سياسات معادية لإسرائيل ويبقى في الوقت نفسه عضواً في حلف شمال الأطلسي وحليفاً حميماً للبيت الأبيض ؟, وهل يستطيع أردوغان أن يطرد القوات الأمريكية من قاعدة أنجرلك التركية ؟, وهل يستطيع أن يعمم مبادئه الداعية إلى تحرر الشعوب من قيود الظلم والاستبداد, فيشمل أكراد تركيا بهذه الحقوق, التي يزعم انه آمن بها وناضل من اجلها ؟, وهل يستطيع أن يكف عن خططه الرامية إلى تجفيف دجلة والفرات ؟, ويأمر الشركات الإسرائيلية المنفذة بالتوقف عن بناء سلسلة السدود الكثيرة (22 سداً) جنوب شرق هضبة الأناضول ؟.

ختاما نقول للسلطان أردوغان أن التاريخ لن ينسى عنجهية أجدادك في الأستانة, ولن ينسى جرائمهم التي ارتكبوها باسم الإسلام في الفترة المظلمة, التي أطفأ نورها رجال الجيش الانكشاري, عندما أشاعوا الطائفية والعشائرية والمذهبية, وقتلوا أهلنا في غزواتهم التوسعية المجنونة, فكانت مرحلة حكمهم من أقبح المراحل, وأكثرها انحطاطا في تاريخ العرب, فلا تتعب نفسك في استعادة عهد الإمبراطورية التركية السادسة بعد العثمانيين والسلاجقة وسلاطين دولة الخروف الأبيض والخروف الأسود والمماليك, الذين اشتركوا جميعهم في تهديم صروح الحضارة العربية في بغداد والشام والقاهرة ومراكش, وحرموا العرب من فرص التطور والنمو والارتقاء, وضربوا أمثلة سيئة في العصبية القومية المنحازة للعرق الآري والطوراني والمغولي. فلا مكان لك بيننا أيها السلطان المتحذلق, ولن تنطلي علينا الحيل والأكاذيب القديمة الملفقة والمواقف المفبركة, فنحن ننتمي إلى الأمة التي لا تلدغ من الجحر التركي الأناضولي مرتين. . .

ومن جهة أخرى كتب ألبير داغر تحت عنوان (تركيا والدولة الوطنيّة في سوريا) أن المتابعون فوجئوا للوضع الراهن بالتعابير التي استخدمها المسؤولون الأتراك حين كانوا يتحدثون عن الشأن السوري. وضع الأتراك شروطاً وسقوفاً زمنية، وامتلأ خطابهم بالإملاءات والاستعلاء. ما أعطاهم هذه «الداليّة» هو انفتاح النظام في سوريا عليهم، بدون حدود، خلال الفترة القصيرة الماضية. قبل سنوات، وصعوداً حتى الحرب العالمية الأولى وخروج السلطنة مدحورة من كامل المنطقة العربية، كانت تركيا عدواً للعرب، وعدواً لسوريا على وجه الخصوص.

وعن تركيا العثمانية والعالم العربي، كتب قائلاً : “حين احتل السلطان سليم الثاني المنطقة العربية في مطلع القرن السادس عشر، كانت هذه الأخيرة شبه فارغة بشرياً. خلال المئتي عام التي تبعت موجة الطاعون في 1347 و1348، استقر عدد سكان الهلال الخصيب بكامله على مليون شخص. يمكن مقارنة هذا الرقم مع عدد سكان فرنسا مثلاً، في منتصف القرن السادس عشر، إذ كان 15 مليوناً. تصلح المقارنة أيضاً مع فترات سابقة من تاريخ المنطقة. عند الفتح العربي، كان عدد سكان المشرق العربي خمسة ملايين. وهو أقل من عددهم خلال الحقبة البيزنطية، لأنّ النصف الثاني من القرن السادس شهد توالي فترات الطاعون والزلازل. وحين فتح العرب مصر، كانت هذه الأخيرة قد فقدت ثلث سكانها بالطاعون. وفي عام 900، أي بعد نحو 250 عاماً من الحكم العربي، كان عدد سكان سوريا الكبرى أربعة ملايين. حصل الانهيار الديموغرافي الشديد خلال القرون التالية، واستمر حتى مطلع الحقبة العثمانية.

عرف القرن الأول العثماني نمواً ديموغرافياً ملحوظاً. ثم توقف هذا النمو في مناطق عديدة. كان الطاعون لا يفتأ يضرب المدن الكبرى للإمبراطورية، كالقاهرة ودمشق وحلب، ويمحو ما حققته من نمو ديموغرافي.

تغيّرت الأمور كلها خلال القرن التاسع عشر. عرف ذلك القرن محاولات بناء الدولة ـــــ الأمة، أو الدولة الوطنية، في عموم العالم، نقلاً عن النموذج الأوروبي الأصلي. وكان القرن التاسع عشر العثماني، وصولاً إلى الحرب العالمية الأولى، حقبة محاولات فاشلة من قبل السلطنة العثمانية للتحوّل إلى دولة ـــــ أمة حديثة، وإن متعددة الإثنيات، على الطراز الغربي.

كمَن الفشل في العجز عن تحديث جهاز الدولة الإداري، وإعطاء الدولة دوراً في تحقيق «التصنيع المتأخر»، كما كان الأمر في العديد من البلدان الأوروبية، بالإضافة إلى اليابان، في تلك الحقبة. حاولت الدولة العثمانية إجراء عملية «تحديث دفاعية» من خلال «التنظيمات» التي أُقرّت صيغتها الأولى في 1838، وصيغتها الثانية في 1856. أعطت تلك «التنظيمات» حقوقاً متساوية لمواطني السلطنة، بصرف النظر عن الإثنية والطائفة والمذهب. لكن تطبيق ذلك المشروع الإصلاحي ووجِه برفض نخب كثيرة له، وعرقلتها لتنفيذه. وعجزت السلطة المركزية عن فرضه على الجميع. واستدرج حركات اجتماعية استقوت به. وقد جعل ضعف السلطة المركزية تلك الحركات تدفع الثمن، في مواجهة النخب المتضرّرة من الإصلاح. من بين تلك الأثمان مذابح 1860 في لبنان”.

الفشل في «التصنيع المتأخر»

اكتفت السلطنة على مدى أكثر من قرن بمحاولات الحفاظ على الوضع القائم وتأبيد نظام السيطرة (Social control) الذي يستفيد منه الأعيان، الذي كان بدون مردود (Zero sum) على صعيد التنمية. بقي الأعيان يجبون الضرائب قبل «التنظيمات» وبعدها، ويهدرون الفائض الاقتصادي في الإنفاق الاستعراضي للبقاء في الساحة. لم تهتم الدولة ببلورة استراتيجية تحويل اقتصادي (Economic transformation) على شاكلة الدول التي وجدت نفسها أمام تحدي تحقيق «التصنيع المتأخر» والخروج من التخلّف. وفي البلدان التي اعتمدت هذه المقاربة، تطلّب الأمر اعتماد حمائية متشدّدة، ووقوف الدولة إلى جانب المنتجين ودعمهم بشتى الوسائل، لبناء القدرة الإنتاجية الوطنية.

ظهر عجز السلطنة العثمانية في أوضح صورة بقبولها إبقاء حالة حرية/ تبادل، وتوسيع نطاق هذه الحرية، لمصلحة القوى الأوروبية التي كانت تهمها أراضي السلطنة، بوصفها مصدراً للمواد الأولية الزراعية، وكأسواق لصادراتها. طبّقت السلطنة مبدأ الدولة الليبرالية في الاقتصاد، ومبدأ «اليد المرفوعة» في علاقة الدولة مع المنتجين. تركت المنتجين المحليين، حيث كانوا موجودين، ينزعون شوكهم بأيديهم.

هؤلاء المنتجون كانوا كثرة في لبنان. جعلتهم حرية/ تبادل المفروضة قسراً على المنطقة، وتخلّي الدولة عنهم، يهاجرون بكثافة ضربت، في مطلع القرن العشرين، كل ما كان تحقق خلال القرن التاسع عشر من تراكم ديموغرافي. ودمّرت حرية التبادل المهن والحرف التقليدية في المدن السورية العريقة، وأحلّت محلها سلعاً مستوردة، وكانت وراء مذابح حلب ودمشق”.

وحول تركيا الحالية، أو بماذا يعدنا أردوغان كتب: “استفاد موظفو أجهزة وإدارات العلاقات الخارجية في الدول الغربية، كما استخبارات هذه الدول على نحو غير مسبوق، من الإسهامات النظرية في ميادين العلوم الاجتماعية، التي تؤكد دور الأفكار في بناء الواقع وفي تغييره. كان الخطاب الذي يراد للرأي العام في العالم العربي أن يتشرّبه ويعمل بوحيه، هو الذي يرمي إلى بناء هويات تكون نقيض الدولة الوطنية، وتكون مقدمة لضربها حيث هي موجودة بالفعل.

لم تكن تصريحات أردوغان بشأن سوريا، وخصوصاً دخوله علناً بازار تصنيف المواطنين، على قاعدة دينية ومذهبية، وليدة نقص في المعرفة، أو زلّات لسان. كان المراد إحلال طريقة جديدة في النظر إلى الأمور، يراد بها إنتاج أجندة سياسية محدّدة. اعتمد خطاباً ينتزع شرعية الدولة الوطنية. وقد استخدم لغة الشحن المذهبي والطائفي، في وقت كان فيه هذا الشحن هو أخطر سلاح يمكنه استخدامه تجاه سوريا.

لم يتوقف الأمر على تصريحات وإملاءات، بل تجاوزه إلى أفعال. تبيّن في مناسبة معركة جسر الشغور أنّ الأتراك كانوا قد أعدوا العدّة لتدخّل في سوريا ينطوي على إقامة منطقة عازلة، ويتضمّن تدخّلاً للحلف الأطلسي، على شاكلة ما حصل في ليبيا. تدخلت إيران بحزم، وهددت الأتراك بقصف القواعد الأميركية والوجود الأطلسي على الأراضي التركية (الأخبار، 24/6/2011). هذا التهديد هو الذي جعل الأتراك ينكفئون عن تنفيذ السيناريو الذي جعل منهم أدوات التدخل الغربي، لضرب وحدة سوريا وتدمير الدولة الوطنية فيها.

رمت سياسة أردوغان المتعلقة بسوريا إلى استعادة أمجاد السلطنة، من خلال ممارسة نفوذ في المحيط العربي، يوضع في خدمة السياسات الغربية وإسرائيل، كما كان الأمر في القرن التاسع عشر.

هناك بوصلة وحيدة يسترشد بها كلّ الشرفاء العرب، هي الموقف من الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. وقد رسب أردوغان وحزبه في هذا الامتحان. من الآن فصاعداً، الحذر من الأتراك ينبغي أن يكون هو القاعدة”.

من جهة أخرى كتبت نايلة تويني في النهار تحت عنوان (تركيا ليست النموذج للديمقراطية) أنه:” لعل الصورة الأبرز من زيارة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الى تركيا هي اللقاء الذي جمعها بالبطريرك المسكوني للارثوذكس برتلماوس الاول في دارة البطريركية حيث يقيم في ما يشبه الاقامة الجبرية من دون الحرية في استقبال من يشاء الا بعد اذن رسمي. لم يصدر اي تصريح عن كلينتون بعد تلك الزيارة بل اكتفت في وقت لاحق بالدعوة الخجولة الى “حماية حرية التعبير وحقوق الاقليات”.

فأي نموذج هذا الذي تريده الولايات المتحدة الاميركية لنا، اذا كان لا يعترف بوجود الاقليات، وقد اقفل تحت ستار العلمانية، المدرسة الوحيدة المخصصة لتنشئة الكهنة في تركيا، ومنع استقدام كهنة من خارج البلاد، كأنه يعمل لإنهاء الوجود المسيحي بعد وفاة رجال الدين المسيحيين الطاعنين في السن.

ألم تعلم الوزيرة الاميركية ان محكمة تركية قضت بأن البطريرك المسكوني “ليس الزعيم الروحي للارثوذكس في العالم وانه رئيس الطائفة الارثوذكسية اليونانية المحلية” وجاء في الحكم ان “البطريركية التي سمح لها بالبقاء على الاراضي التركية تخضع للقوانين التركية ولا اساس قانونياً لادعائها انها مسكونية”؟

وهل تعلم الوزيرة الاميركية بأوضاع الارمن الذين يعانون حتى اليوم عقدة المجازر التي ارتكبت بحقهم على يد الاتراك عام 1915، ولم تعتذر منهم تركيا الحالمة بالجنسية الاوروبية، علماً أن أوروبا ما زالت حتى اليوم تجدد اعتذارها من اليهود في ذكرى المحرقة كل سنة.

وأي نموذج للشرق الأوسط يحد من حرية الاعلام فيسجن نحو 60 صحافياً يعملون في مطبوعات يسارية او موالية للاكراد، تلك الفئة المهمشة أيضاً، والتي تتحرك من وقت الى آخر رفضاً لتهميشهما اولاً، ولاستئصالهما ثانياً، مما يولد حالة احتقان دائمة في الشارع التركي؟

هل هو النموذج الذي اتلف مخطوطة كتاب قبل ان يصدر لانه ينتقد الحكومة؟

من جهة ثانية صحيح إن تركيا فتحت الحدود للاجئين السوريين لكنها في الوقت عينه حاولت ان ترسم شريطاً حدودياً في الداخل السوري، ويقول المعارض السوري والناطق باسم اللجنة العربية لحقوق الانسان هيثم مناع ان اوضاع المخيمات في تركيا تتردى، وان السلطة لا تقوم بما يجب عليها ولا تفسح المجال امام لجنة حقوق اللاجئين للقيام بذلك، كما منعت وسائل الاعلام من متابعة هذا الملف من قرب.

صحيح أن المصالح تطغى على العلاقات كما يحصل مع الاتراك اليهود الذين يعيشون وضعاً مختلفاً عن غيرهم من الاقليات بسبب دورهم في التقريب بين تركيا وكل من اميركا واسرائيل، لكن المبدأ يظل واحداً، والحرية واحدة، والواقع التركي لا يؤكد ما ذهبت الى قوله الوزيرة الاميركية عن “النموذج”.

ملحق “أزتاك” العربي

Share This