مسيحيّـو الشرق الى أين؟


المسيحيون في العراق، عراقيون اصلاء عاشوا على هذه الارض منذ آلاف السنين متآخين متحابين مع الطوائف والأجناس الأخرى ليس خوفاً وإنما ايماناً منهم بالوطن والإخلاص لتربته.

ما حدث فجر امس من انفجار سيارة مفخخة امام كنيسة العائلة المقدسة للسريان الكاثوليك في كركوك، شمال العراق، وأدى الى اصابة 15 شخصاً بجروح، من بينهم ثلاثة من عناصر الشرطة. هو وحشي يدل على كره وحقد للطائفة المسيحية المسالمة التي لا تريد سوى ان تعيش في وطنها الام بسلام والاسلام بريء من هذه الاعمال الاجرامية فالذي يقوم بها هو خارج عن القيم الانسانية في الدين الاسلامي.

تعود بنا الذاكرة الى كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد فقد تعرضت لهجوم في 31 تشرين الاول 2010 ادى الى مقتل 44 مصلياً معظمهم من النساء والأطفال وكاهنين، تبنته «دولة العراق الاسلامية»، الفرع العراقي لتنظيم القاعدة وها هي اليوم تنفذ جريمة اخرى ومعظم الجرحى من النساء والاطفال كأن الزمن يعود الى الوراء والاحداث تتكرر ولا أحد يحرك ساكناً.

ان هذا العنف والارهاب ضد المسيحيين لا يمكن ان يبرر تحت اي اجتهاد ديني او مذهبي بل يجب على الدولة وعلى المؤسسات الدينية في العراق التصدي له وبشكل حازم وفاعل.

ان ما حدث ويحدث ضد المسيحيين في العراق، منذ عام 2003 وحتى الآن، من قتل وترويع وتفجير لدور العبادة وتهجير قسري واغتصاب للسيدات وتدمير ونهب للممتلكات، يشكل سلسلة من الجرائم الموثقة بموجب القانون الدولي والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، وقد أدت هذه الجرائم المستمرة منذ عدة سنوات الى تهجير وتشريد اكثر من 600 الف شخص من مسيحيي العراق، وهو ما يقارب 60% من تعدادهم، الى خارج البلاد. عندما نقرأ هذه الاحصاءات المخيفة عن احتمال وجود شرق بلا مسيحيين كأنك تقول ارض بلا خيرات.

ان المسيحيين ملح الارض، ولا يقع عبء حمايتهم والعمل على تكريس حريتهم الدستورية على الحكومة العراقيةو حدها، بل على المجتمع الدولي بأكمله حتى يستكمل بهاء وجوده وألوان مجتمعه الزاهية، وحتى يبرهن ويعكس ايمانه بالمساواة والحرية والأمن والكرامة الطريق الكفيل لتأسيس نظام ديموقراطي يضمن للفرد حرية الفكر والعقيدة والضمير، وهي مهمة يقع جزء كبير منها على الاحزاب السياسية وعلى منظمات المجتمع المدني، وأن يأخذ القضاء دوره في معاقبة من يرتكب بحقهم تلك الجرائم الارهابية بظروف مشددة ليكون عبرة لغيره ممن تسول له نفسه ارتكابها.

الى متى؟ الى متى ستهرق الدماء الا يكفي ما حصل في كنيسة سيدة النجاة واليوم كنيسة العائلة المقدسة؟ الى متى سنبقى متفرجين، صامتين؟

ان تردي وضع المسيحيين في العراق وصل الى ما هو اسوأ من نقص الحماية ليصل الى التطهير العرقي والديني والتهجير القسري وترويع وتدمير مقومات الحياة والبقاء لأقلية مسالمة. نحن بحاجة الى عدالة دولية لان الحكومة العراقية لا تحرك ساكناً.

فالذي ينظر الى الاحصاءات والتقارير وخاصة بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق يرى ان 44 الى 50 في المئة من العراقيين يطلبون اللجوء الى الدول الغربية وخاصة السويد واوستراليا وتركيا واميركا وكندا، فهذا الامر يشكل هجرة واسعة للمسيحيين العراقيين. وايضا يشكل خطورة عبر زوال المسيحية من العراق وبالتالي الشرق الاوسط.

ان المسيحيين الموجودين في العالم العربي والذي يبلغ عددهم حسب احصاءات غير رسمية نحو 15 مليون نسمة موزعين بشكل اساسي في مصر، حيث تعدادهم نحو 10% من اجمالي السكان، وفي العراق ونسبتهم 3%، وفي لبنان ونسبتهم 39%، وفي سوريا ونسبتهم 16% اضافة الى فلسطين والأردن ودول مجلس التعاون ودول المغرب العربي والسودان.
وكما في زمن الأزمات الكبرى كالتي يعبرها العالم عموماً والعالم العربي خصوصاً اليوم، لا بد من وقفة للمراجعة مع اسباب هذه الهجرة القاتلة للنسيج العربي.

لقد شكّل العرب المسيحيون احدى ركائز البناء العربي القديم والحديث على السواء. ففي فجر الإسلام كانوا ركناً ثقافياً وسياسياً وعسكرياً مفين الدولة العربية التي توسعت شرقاً حتى بلاد السند وغرباً حتى اسبانيا وكانوا احد عناصر القوة الدافعة التي حملت الإسلام الى خارج جزيرة العرب وبلاد الشام والتي شكلت احد العناصر الحاسمة في توسع هذه الدولة ونموها وسيادتها على معظم العالم القديم.

عندما نتحدث عن وجود المسيحيين في العالم العربي نعني بقاءهم فيه. فهم من عناصر التكوين الاولى التي يمنع بقاؤها قيام بيئة تفترش التعصب والتطرف وبالتالي العنف المؤدي الى كوارث تاريخية. بقاؤهم ترسيخ للدولة العصرية المتعددة العنصر والمتنوعة في وحدتها ونفي قاطع لعنصرية الدولة.

باختصار، ان هجرة العرب المسيحيين في حال استمرارها هو ضربة عميقة توجه الى صميم مستقبلنا. مهمتنا العاجلة منع هذه الهجرة، ترسيخ بقاء هذه الفئة العربية في شرقنا الواحد، والتطلع الى هجرة معاكسة اذا أمكن.


مارغريت خشويان

مديرة موقع طيباين الصادر عن الرابطة السريانية

الديار

Share This