نجوم أريحا

بقلم : د . محمد أيوب

دراسة نقدية


تقع رواية نجوم أريحا في 237 صفحة من القطع الصغير، وقد صدرت عن دار الهلال في ديسمبر 1993. وتتكون الرواية من عشرة فصول تحمل عناوين تتكون من جمل اسمية، والجمل الاسمية تقدم وعي الكاتب، بينما تقدم الجمل الفعلية الحركة الخارجية للشخصية، ويلاحظ القارئ أن العناوين تحمل أسماء معادن أو أحجار كريمة، باستثناء الفصل الأول الذي يحمل اسم خشب وياسمين ، ولعل ما يلفت الانتباه هو الشكل الذي يكمن داخله مضمون العمل الأدبي.

وقد أطلقت الكاتبة عناوين تحمل أسماء الأحجار الكريمة أو المعادن النفيسة على الفصول التي تتحدث فيها عن ذكريات الطفولة أو المواقف الطافحة بالأمل ، بينما استخدمت أسماء المعادن الرخيصة أو السامة الصدأ عند الحديث عن الذكريات المؤلمة ، مثال ذلك ما نجده عند حديثها عن حرب حزيران، فقد استخدمت العنوان “حجر رصاص 1967 “، فعناوين الفصول تعكس الحالة النفسية التي تقدمها الراوية .

ونلاحظ أن الرواية عبارة عن لوحةٍ فسيفيسائية، فكل فصل من فصول الرواية هو قطعة خاصة بلون وطعمٍ خاصين ، ومما يؤكد ما ذهبت اليه أن الراوية لجأت إلى استخدام الألوان وقد ركزت على درجات اللون المختلفة.

والرواية تأخذنا بين قطبين متلازمين لا يلتقيان ولا يفترقان. كما قدمت لنا الراوية هذا الاستقطاب على شكل حرب بين “محطتي البنزين القديمة والجديدة التي استخدمت غسيلا أتوماتيكياً للسيارات، بين رواد الجامعين، القديم الصغير ،والجامع الأحدث والأكبر مساحةً ، بين القابلة الجديدة المؤهلة قانونياً وبين الست أم روبين التي لم تحمل من الشهادات غير خفة يديها وبراعتها في سحب المواليد من البطون ، حتى من تمرد منهم ورفض الخروج أو الغوص إلى أسفل، حروب لم تختلف عن صراع شركتي الباصات القديمة والجديدة.”

كما تتأرجح الراوية بين الطفولة وسن النضج، تجذبها سنوات الطفولة بذكرياتها فتنثرها علينا بين الفينة والأخرى، وتغوص الراوية في عمق الذاكرة الإنسانية ، كما تغوص في عمق الزمن ذهاباً وإياباً بحثاً عن أشياء تدغدغ المشاعر وتسلب الألباب بلحنها الحزين والممتع في الوقت ذاته، وستعرض هذه الدراسة لعدة زوايا منها:

-الشخصيات:
جاءت معظم شخصيات الرواية مسطحة غير نامية، فقد انصب التركيز في الرواية على الحدث وتفاعله مع كل من الزمان والمكان ومدى تأثير هذا الثالوث على الأشخاص، صحيح أن هناك بعض الشخصيات التي تترك بصمات واضحة على الحدث والمكان وحتى الزمان، ومع ذلك فإننا لم نجد في الرواية مثل هذه الشخصيات، حتى تلك الشخصيات التي قد تبدو نامية لأول وهلة، نجد أن نموها كان محدوداً جداً، وأنه جاء نتيجة لفعل الزمان والحدث وتأثيرهما على الشخصية، ومن الشخصيات الواردة في الرواية:

الراوي: والراوي في نجوم أريحا شخصية أنثوية تتطابق مع شخصية المؤلفة. ولكن الراوية لا تسير على وتيرة سردية واحدة، فقد تقطع السرد بضمير المتكلم لتنقله لنا باستعمال ضمير الغائب، حيث يتحول الراوي من راوٍ مشارك في صنع الحدث إلى راوٍ مشاهد يرقب الحدث ولا يشارك في صنعه، تقول:” كانت لوسي الأرمنية ترددها بذعر: خبيبي احنا دبحوا الأرمن.” لتعود في نفس الفقرة إلى السرد بضمير المتكلم ، فتقول لنا:” وأنا لا أفهم عليها.

والراوية لا تترك السرد على سجيته، فقد تتدخل أثناء السرد بالشرح والتعليل والتفسير، وفي ذلك استهانة بعقلية القارئ، فالقارئ لديه القدرة على اكتشاف ما وراء النص دون تدخل من الراوي.

شخصيات أخرى :

1ـ الشخصيات البسيطة :

شخصية لوسي الأرمنية:

وقد حاولت الراوية من خلال تقديمها لهذه الشخصية أن تدفعنا إلى المقارنة بين مأساة الشعب الفلسطيني ومأساة الشعب الأرمني، وقد أوجزت ما تريده في عبارة مختصرة كررتها أكثر من مرة على لسان لوسي: ” خبيبي احنا دبحوا الأرمن.”

وتصف الراوية لوسي بأنها : ” وحيدة ترتجف ويرجف شالها البني المخرم بثقوب الصنارة، وأنها تحدق في عينيها كي تفهم عليها فلا ترى سوى نقطتين مائيتين على وشك الجفاف، بقية ماء أزرق في قعر زجاجة على وشك النضوب. فقد تسرب الذبول والجفاف إلى عيني لوسي وجسدها بسبب بعدها وإبعادها عن الوطن.

شخصية خدوج :وقد عرضت الراوية للجيل القديم وأثر التطور العلمي عليه من خلال شخصية خدوج ذات المائة عام، والتي تحاول الهرب ناجية بحياتها عندما ترى القطار في السينما وتظن أنه متجه نحوها وأنه سيدوسها بعجلاته، وبعد أن تطمئنها الراوية تقف على رءوس أصابعها وتناشد المسافر في القطار أن يحمل سلامها إلى
ابنتها. وشخصيات مثل عايدة و غزالة وأبو الريش وغيرهم. كما تطرقت المؤلفة إلى العادات والتقاليد المعروفة والمتوارتة.

الحدث : يشغل الحدث حيزاً هاماً في الرواية، فقد تنقلت الراوية بين الأحداث كما تتنقل الفراشة بين الأزهار رغم اختلاف رائحة الأزهار بعبقها وأريجها عن رائحة تلك الأحداث الملوثة برائحة الدم، فمن اقتحام السموع وهدم بيوتها إلى أحداث عام 1967ورجال الأمن الذين ذابوا كالملح، ومفاوضات سفينة العودة والحلم برؤية شواطئ يافا، إلى أحداث مخيم البقعة ومخيم تل الزعتر، سلسلة من المآسي يربطها الإنسان الفلسطيني بلحمه ودمه.
وفي الختام يمكننا القول إن هذه الرواية تشكل لوحة فسيفسائية وتقدم لنا بانوراما للقضية الفلسطينية كما عاشتها الراوية من خلال وعيها، فقد تنقلت بنا هذه الراوية من سني الطفلة إلى سنوات النضج، ومن الوطن إلى المنفى، ومن المنفى إلى الحلم بالعودة إلى الوطن حيث اقتنعت الراوية بمقولة ” أريحا ولا العدم”.

Share This