الموقف التركي من الأحداث في سورية (آب 2)

تتابع الصحف العربية نقل موقف تركيا من الأحداث في سورية. ويبدو أن الأمور تفاقمت حينما انتقدت مستشارة الرئيس السوري للشؤون السياسية والاعلامية بثينة شعبان الموقف التركي تجاه ما يجري في سورية مؤكدة ان وزير الخارجية التركي سيسمع لدى زيارته سوريا “كلاما اكثر حزما”.

وانتقدت شعبان الموقف التركي الذي “لم يدن حتى الان جرائم القتل الوحشية بحق المدنيين والامن والجيش” بحسب الشريط الاخباري. وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان اعلن ان صبر تركيا “نفد” ازاء استمرار نظام الرئيس السوري بشار الاسد في قمعه الدموي للمتظاهرين ولذلك سيزور وزير خارجيته احمد داود اوغلو دمشق الثلاثاء لينقل اليها “بحزم رسائل” بهذا المعنى.

واكد رئيس الوزراء التركي ان بلاده “لا يمكنها ان تبقى تتفرج” على اعمال العنف الجارية في بلد تجمعها به “حدود طولها 850 كلم وروابط تاريخية وثقافية وعائلية”.

وكتب محمد شمس الدين في صحيفة البناء تحت عنوان شرق أوسط جديد.. نسخة تركية أن المنطقة تقف على مفترق طرق، ذلك أن الوضع في سورية سيحدد الاتجاه الذي ستسير فيه، ووفقا للنتائج التي سيصل اليها الوضع هناك، ستبدأ عملية تشكل جديدة قد تكون معالمها أصبحت واضحة، في وقت يقال فيه إن الحسم في سورية قد بدأ بالفعل ومن الممكن أن تظهر نتائجه قريبا، إن لم نقل خلال ايام فربما خلال اسبوعين على الأكثر، لأن المنطقة لم تعد تحتمل المزيد من الضغط في أكثر من بقعة فيها، وهي إن بدت منفصلة عن بعضها، إلا أنها في النهاية ليست سوى حلقات في سسلسلة واحدة مترابطة ستتأثر جميعها بالتغييرات التي تحصل مهما كان مستواها.

ماذا يعني رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان عندما يقول إن بلاده نفذ صبرها حيال الوضع في سورية؟ وهو كان قد رفع من سقف تهديداته غير مرة من دون أن يتمكن من التدخل الذي كان قد جهز نفسه له الى حدود أنه كان يحلم باجتياح الجيش التركي لسورية، تحت عنوان حماية المدنيين وتجنبا لارتدادات الأوضاع هناك على الأوضاع التركية الداخلية، وكان قد حدد ساعة الصفر له يوم معركة جسر الشغور التي خاضتها القوى العسكرية والأمنية السورية في مواجهة عصابات مسلحة وقفت تركيا في ظهرها وفتحت خيمها لاستقبال المهجرين.

لكن سورية ارادت من خلال تلك المعركة أن ترسل رسالة إلى تركيا مفادها أنها جاهزة للتصدي لأية محاولة عسكرية مهما كانت ذريعتها ففهمت أنقرة ذلك وانكفأت.

ما يريده أردوغان هو من باب تنفيذ رؤيته لما يمكن أن تكون عليه تركيا إذا ما سقطت سورية بين يديه، في استعادة لحلم التتريك الذي مضت عليه عقود طويلة، وليس من السهل العودة الى تطبيقه، ولو اجتمعت عليه بعض الدول ممن وعدهم أردوغان بتطويع العالم الإسلامي لقيادته، وفتح صفحة جديدة لهم معه، بعد أن يحكم سيطرته عليه من خلال الاحتلال بكل وجوهه سياسيا، اقتصاديا وثقافيا وصولا الى حد التطبيع، وهذا أسهل بحسب التفكير التركي من التطبيع مع “إسرائيل” بعد سقوط تجربة ما بعد اتفاقيات “كامب دايفيد” التي تعيش آخر فترات حياتها.

لقد اتفق اردوغان مع الغرب على أن يقود العالم الإسلامي مرة أخرى، مقابل أن يمنح الدعم اللازم من مال وسلطة، فهو بذلك يوفر على الغرب الدخول في متاهات ذلك العالم الذي بحسب رأيه (اي الغرب) كلفه الكثير حتى الآن، من دون أن يستطيع تطويعه، لا بل على العكس فقد تورط هذا الغرب في أزمات كثيرة نتيجة تدخله منذ أفغانستان وباكستان الى إيران إلى العراق إلى لبنان، وما دفعه من أثمان غالية لا يزال حتى الآن يحاول الثأر لها.
إذا، المشروع الجديد هو “شرق أوسط جديد” بعنوان تركي لا أميركي هذه المرة، و”إسرائيل” في هذه الحالة تقف في الوسط بين أنقرة وواشنطن لترى من يقدم لها الأفضل، علما أنها تراهن كثيرا على قدرة تركيا الحليف القديم – الجديد من أجل إحراز تقدم يعفيها من خوض تجارب أخرى، إن على مستوى لبنان تحديدا بعد تجربتي الـ2000 والـ2006، أو على مستوى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لم يستطع العالم إيقاف برنامجها النووي كما العقائدي – القومي الذي يستفز “إسرائيل” اكثر من مشروع قنبلة نووية تقول إيران بحرمة امتلاكها.

صيغة جديدة لـ”مشروع الشرق الأوسط الجديد”، أو إذا صح القول نسخة منقحة فرضتها التطورات التي حدثت وتحدث في المنطقة العربية منذ أكثر من سبعة أشهر، وهو مشروع مصادق عليه من قبل الولايات المتحدة وبعض الأوروبيين، وإن بدت الخطابات السياسية والمواقف متقاربة حيال ما يجري في المنطقة، لكن أوروبا في واقع الحال منقسمة في رؤيتها حول ما يحصل، وهي تخشى ان ينقلب السحر على الساحر في لحظة ما، فلا تستطيع بعدها تسوية الأوضاع بما يتلاءم مع مصالحها في هذه المنطقة الحيوية لكل اقتصادات العالم، عدا التأثيرات الثقافية والإجتماعية التي من الممكن أن تطاولها.

لقد هيأ أردوغان جميع فئات مجتمعه منذ اندلاع الأحداث في سورية ليكون جاهزا لتقبل فكرة التدخل العسكري هناك، بما في ذلك الصحافة التي عملت على تصوير أن الأزمة في المنطقة هي أزمة مع فئة “ضالة” من المسلمين، هم الشيعة، في محاولة لإخراج العدد الأكبر من الإتنيات أو الفئات المختلفة من الصراع بخاصة أولئك الذين يمثلون جزءاً من المجتمع التركي وهم العلويون، كما عملت الدوائر السياسية بالتعاون مع الإعلام التركي على تظهير الاختلاف بما يتوافق مع جعل الشيعة ومن يتبعهم من العلويين كـ”خوارج” يجب القضاء عليهم تمهيدا لتنفيذ خطة “جهنمية” لإعادة السيطرة على المنطقة، إلا أن الرياح لم تجر بما اشتهت سفن أردوغان، فقد برزت اليه المؤسسة العسكرية التركية التي رفضت الانصياع لفكرة تدخل عسكري غير محسوب في رأيها، ولا تجد فيه مصلحة لتركيا، لا على المستوى العسكري، ولا على المستوى السياسي، ناهيك عن النتائج غير المضمونة.
لم توافق المؤسسة العسكرية التركية على هذه الخطة بالرغم من أنها جزء من حلف شمال الأطلسي “الناتو”، لأنها ترفض أن تنفذ من دون أن تراعي مصالح المنطقة التي هي جزء منها، علما أن هذه المؤسسة التي تربطها علاقات وطيدة مع المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية”، بقيت محافظة على الخط الفاصل في قضايا الصراع الاستراتيجي الذي ما زال حيا في نفوس مختلف فئات المجتمع التركي، حيث لم يستطع النظام العلماني الذي يحكم تركيا أن يزيلها أو يقضي عليها وفي مقدمتها فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

الخلاف الذي نشب بين أردوغان والجيش وإن اتخذ طابعا وظيفيا، إلا أنه في الأساس قائم على خلاف سياسي عميق كان آخر فصوله قرار رئيس الوزراء التدخل العسكري في سورية.
يبدو أن الحذر بات واجبا من حراك تركي يحاول التمدد باتجاه جبهات ساخنة، في حين أن هذا التمدد يخدم بصورة مباشرة مشاريع عدوة للمنطقة وأهلها على مدى التاريخ الحديث، وهو يراهن على تحريك فتن في استعادة تاريخ قديم ليس من مصلحة احد نبشه من جديد.

أما محمد نور الدين الخبير بالشؤون التركية فقد قال لـ”دي برس” : مخطط أسلمة النظام السوري سقط . حيث أكد خبير الشؤون التركية محمد نور الدين في حديث لـ”دي برس” حول المواقف التركية الأخيرة تجاه الأحداث الجارية في سورية، أن أنقرة أنهت دورها بنفسها في المنطقة، لافتاً إلى أن مخطط أسلمة النظام السوري سقط.
وقال نور الدين “إن السياق والممارسة العملية التي انتهجتها السياسة التركية من خلال احتضانها للمعارضة السورية، والإملاءات اليومية والضغوط على النظام في دمشق من خلال التنسيق مع الغرب والأميركيين وبعض الدول العربية في ملفات متعددة ومنها ليبيا، كل ذلك يفضي إلى نتيجة واحدة وهي أن الأتراك كانوا مستعدين للتفريط بكل هذه العلاقة مع الجوار الجغرافي المباشر من أجل هدف كبير كانوا يراهنون عليه من أجل سقوط النظام في سورية بسرعة ليحل مكانه نظام بديل يكون منسجماً مع السياسات التركية في المنطقة والسياسات الغربية، وبهذه الطريقة تتحول تركيا إلى “أفندي المنطقة” أو باشا المنطقة ويكون لها اليد الطولة فيها”.

وفي سؤال عن النظام البديل الذي كان يسعى إليه الأتراك ومن ورائهم، قال نور الدين ” المسؤولون الأتراك لم يخفوا رغبتهم الشديدة في أن يكون الإخوان المسلمين جزءاً من السلطة السياسية في البلدان العربية التي حدثت فيها الثورات.. الرهان التركي كان على أن تكون هناك سلطات أن لم تكن بكاملها بيد حركات الإسلام السياسي فعلى الأقل يكون الإخوان هم عصب السلطة الجديدة .”

وحول موقع تركيا السياسي في المنطقة الآن قال الخبير في الشؤون التركية لـ”دي برس”: “إن أنقرة أنهت دورها بنفسها في المنطقة.. فعندما تقول على لسان منظر سياستها وزير الخارجية احمد داوود أوغلو انه لا بد أن تكون تركيا لاعباً مؤسساً في نظام إقليمي -دولي جديد فهذا يفترض أن تكون على علاقة جيدة مع كل دول الجوار التركي وهو ما عناه بسياسة تصفير المشكلة، لكن الموقف التركي والانقلاب للعلاقة مع الجوار الجنوبي للبلاد خلق حالة جديدة اسميها: سياسة تصفير الثقة بين تركيا والجوار هذا. والثقة ليست مسألة مادية اقتصادية، اعتقد أن السياسة التركية في هذه الحالة لم يعد بمقدورها أن تقوم بدور اللاعب المؤسس أو بدور مركزي”.

ملحق أزتاك العربي

13 آب 2011

Share This