مسلسل” فاتنة بغداد” وتشويه الحقائق التاريخية

بغداد – مازن لطيف: عندما يعرض اي مسلسل عراقي يتناول قضايا تاريخية معاصرة، يبدأ السجال بين الكتاب والباحثين والمؤرخين والصحفيين والمشاهدين، كون ان الكثير من الحقائق لا تذكر او توظف بشكل اخر وان كاتب النص لايعرضه لمختصين او من لهم دراية في تاريخ العراق المعاصر، فاتنة بغداد” عنوان المسلسل الذي يعرض حصرياً على شاشة الشرقية الفضائية، يروي سيرة حياة الفنانة الكبير عفيفة اسكندر، المسلسل فيه الكثير من الاخطاء التاريخية حسب قول الباحثين، والكتاب، بابنيوز اجرى استطلاعاً حول هذا المسلسل:
بكر صدقي والهاشمي هم بؤرة الحديث

الناقد علي حمود الحسن كان اول المتحدثين حيث ذكر ان الدراما التاريخية التي تتناول تاريخنا المعاصر تستهوي ، مشاهدي الشاشة الصغيرة، لذا يعمد المنتجون الى اختيار مواضيع سير شخصيات او احداث مازال صداها موجوداً أو على الاقل قريباً، وهي مهمة صعبة على أية حال، ومسلسل “فاتنة بغداد” والذي يتصدى لواحدة من المطربات التي منحت العراقيين إضافة الى فنانين كبار المتعة والمسرات، انها عفيفة اسكندر التي مازالت تعيش في ظروف لاتليق بتاريخها الذي عاصر تاريخ العراق الحديث.

ان المسلسل الذي كتبه المبدع علي صبري وأدت دور عفيفة الفنانة ايناس طالب، يستحوذ على اهتمام المتفرجين منذ الحلقة الاولى، إلا ان الاحداث ابتعدت عن ابراز تاريخها الفني الذي يعرفه الكثير، وركزت على الاحداث السياسية التي القت بظلالها على الاحداث، وصار بكر صدقي والهاشمي هم بؤرة الحديث بدلاً عن اغاني الفنانة وملحنيها وكيفية انتاجها، ومن المعروف عن الفنانة التي اشتهرت بخفة دمها وحركاتها الاستعراضية حتى اصطلح البعض عليها” الوبلي” لايقاع اغنياتها السريعة وحركاتها التي لا تهدأ على المسرح، فيما بدت ايناس طالب متفائلة، وبعيدة كل البعد عن الشخصية،وثمة شخصيات فنية أسست للمشهد الموسيقي العراقي وبلورة شخصياتها بدت غير معروفة ومموهة وهذه مقارنة، فصالح أفندي لا تعرفه الاجيال اللاحقة بأنه صالح الكويتي الذي أسس مع اخرين الموسيقى العراقية واعطائها طابعها المميز، وكذلك الدور الكبير الذي اوحى لنا المسلسل لشخصيات سياسية عراقية من خلال الملهى، ومبالغة تجاوزت الضرورة الفنية.

هناك اقحاما متعمدا لشخصية الفريق صدقي في حياة عفيفة
الكاتب والصحفي المخضرم شامل عبد القادر يقول ان مسلسل (فاتنة بغداد) للكاتب المبدع علي صبري وتمثيل نخبة من الفنانين المبدعين لم يكن من المتخيل ان تدور اغلب احداث المسلسل حول علاقة الفنانة عفيفة اسكندر بالفريق بكر صدقي ويبدو لي ان هناك اقحاما متعمدا لشخصية الفريق صدقي في حياة عفيفة الضاجة بعشرات المعجبين بها طوال مسيرتها الفنية!

لايزال هناك جدل بصدد مسقط راس عفيفة وسنة ميلادها فمن قائل انها من مواليد1927 او عام 1920 او 1921 والاغلب انها من مواليد 1920 في الموصل وماقيل انها جاءت من حلب فقد انكرت عفيفة ذلك شخصيا في مقابلة اجرتها معها الدكتور سلوى زكو وانها في عمر خمس سنوات غنت في ملهى في اربيل وليس في الموصل وان اول حفلة احيتها كانت بعمر 8 سنوات في اربيل ايضا وبالعكس مما جاء في المسلسل عندما وقفت امها (ماري) او (مريم) وهي من اصل يوناني ضد توجهات ابنتها ورفضها العمل في الملاهي نجد ان العكس هو الصحيح فامها كانت تعزف خمس الات موسيقية وتتذوق الموسيقى وكانت المشجع الاول لها ولااعرف كيف قلب علي صبري في المسلسل مواقف ام عفيفة من حاضنة لمواهب ابنتها ومشجعة لها لاحتراف الغناء في الملاهي الى محاربتها ومعاكستها !!
من خلال متابعتي الدقيقة لسيرة الفريق بكر صدقي والفنانة عفيفة اتضح لي ان اصحاب المسلسل تعمدوا اقحام شخصية الفريق بكر صدقي في حياة عفيفة للاساءة اليه واظهاره بمظهر اجتماعي لايليق بمكانته كضابط كبير في الجيش العراقي وقتذاك ، بينما اغفل المسلسل شخصية اللواء علي خالد الحجازي عشيق عفيفة الحقيقي وبطل الانقلاب الفاشل عام 1950ضد وزارة توفيق السويدي!!

في عمر 12 سنة تزوجت عفيفة من موسيقار يعمل معها في ملاهي الموصل يدعى اسكندر اسطيفان وعمره (50 سنة) وهو رجل ارمني وله ابنة اسمها انطوانيت من زوجة اخرى واخذت عفيفة اسم زوجها (اسكندر اسطيفان) وليس من والدها اسكندر.
قيل في روايتين ان عفيفة ومعها امها وزوجها وابنته جاءوا الى بغداد في عام 1935 وقيل في رواية اخرى انهم جاؤوا في عام 1939 للعمل في ملاهي بغداد ..اي انها كانت بعمر 19 سنة وفي هذا الوقت يكون قد مرت سنتان على وفاة بكر صدقي واذا اخذنا بالرواية الاولى اي انها جاءت الى بغداد عام 1935 اي بعمر 15سنة مع افتراض وجود بكر صدقي في الحياة فاين هي مصادر المؤلف عن حقيقة علاقة الفريق بكر صدقي بعفيفة ونحن نعرف ان عفيفة ارتبط بها ضابط كبير اخر من اقارب العائلة الملكية ويدعى العقيد او اللواء علي خالد حجازي مدير الشرطة العام الذي شغل هذا المنصب خلال 1948و1950 وكان مدمنا على الخمر وعاشقاً ولهاناً لعفيفة حتى انه اجبر ليلة محاولته الانقلابية عام 1950 ضد رئيس الوزراء توفيق السويدي صاحب سينما روكسي وهو تاجر يهودي يدعى رحمين سوداني بدفع الف دينار لعفيفة التي كانت تجلس في مكتب سوداني مع حجازي الذي كان ثملا وان حجازي كان (يتخورد!!) على عفيفة من جيب اليهودي!!

لم يكن حجازي هو الشخص الوحيد في حياة عفيفة فثمة اسماء كثيرة من امثال الشاعر حسين مردان الذي اشار اليه غائب طعمة فرمان في روايته (خمس اصوات) ومن المعجبين بعفيفة والمسحورين بجمالها نوري السعيد والصحفي صادق الازدي والمصور حازم باك ومصطفى جواد الذي كان يصحح لها الاشعار التي تغنيها وعبدالمجيد لطفي وفائق السامرائي وحطاب الخضيري واكرم احمد وجعفر الخليلي وابراهيم علي وعباس البغدادي المحامي ومحمود شوكت ومن العرب عبدالوهاب والطيب صالح ومن الاجانب الفنان العالمي موريس شيفاليه الذي اغرمت به عفيفة وافصحت عن مشاعرها تجاهه علانية في مقابلاتها الصحفية!!

تم اقحام اسم الفريق بكر صدقي وليس اسم اللواء علي خالد الحجازي في المسلسل لدوافع سياسية ومن موقف معاد لشخصية بكر الذي يعود الى اصول كردية ومتهم باحياء مشروع دولة كردية في الشرق الاوسط وهو الرجل الذي قاد انقلابا عام 1936 ضد الزعيم القومي ياسين الهاشمي وقتل الفريق جعفر العسكري مؤسس الجيش العراقي وقبله قاد مذبحة الاثوريين عام 1933اعتقد لهذه الاسباب واخرى جرى زج شخصية الفريق صدقي في حياة عفيفة برغم مااشاع عنه خصومه وهم كثر روايات وحكايات عن ولعه بالراقصات والمغنيات والعاهرات والحفلات لتبشيع صورته بين العراقيين!

اشاعة روح التوثيق التاريخي

الروائي والمسرحي عباس لطيف تحدث ل “بابنيوز” قائلاً: بدءاً من استهلالية العنوان والمشاهد المبعثرة الاولى، يضعنا مسلسل” فاتة بغداد” في خضم رؤية تبدو في مجملها بحاجة الى التروي واشاعة روح التوثيق التاريخي، فالكثير من الوقائع والاحداث كانت تميل الى الافتعال المجرد بغية الاثارة، واسهمت النزعة الكاريكتيرية الى ضياع ملامح المرحلة واضطراب ملامح الشخصيات التاريخية والسياسية، وكان التركيز هامشية الحياة وليالي الطرب والخمر، مما أضعف التوظيف التاريخي بوصفه الخلفية للخطوط الدرامية وربما بالغ المسلسل في وضع هذه الهالة التمركزية حول شخصية عفيفة اسكندر، والسقوط الى عرض السيرة بعيداً عن اية دلالة تاريخية الى جانب اخطاء في اللهجة والازياء وطقوس تلك المرحلة. وقد بدت الشخصيات ضعيفة وغير معتنى ببنائها الدرامي من اجل ان تبقى البطلة ذات نرجسية ومركزية الى جانب الترهل الذي اتسمت به الحلقات الاولى، واعتقد ان تناول الشخصيات التارخية تحتاج الى التوثيق وإلى لجان متخصصة حتى لا نقدم التاريخ وفق منطق الفاتنة…

www.Aliraqnet.net

Share This