التركي في أميركا

اهتم الأستاذ الجامعي الأميركي والباحث في المسائل السكانية (الديموغرافية) جوستن مكارثي بدراسة تاريخ الإمبراطورية العثمانية في الفترة الأخيرة من حياتها، وقدّم حولها الجزء الأكبر من مؤلفاته. لكن كتابه الأخير (التركي في أميركا)، كما يقوله عنوانه، مكرّس لدراسة (صورة التركي في أميركا والظلم المستمر) حياله.

إن المؤلف يدرس واقع الأتراك وصورتهم في الولايات المتحدة تشمل دراسة (تاريخية) الوجود التركي في أميركا منذ البدايات وانعكاسات التاريخ التركي نفسه على هذا الوجود، خاصة فيما يتعلق بعلاقة الأتراك مع الأرمن والبلغاريين والبريطانيين.

وكذلك على ضوء أحداث كبرى مثل الحرب العالمية الأولى التي شهدت (تتويج الأحكام الأميركية المسبقة) حيال الأتراك.ويشرح المؤلف أن موجة المهاجرين الأتراك الأوائل إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى كانوا من غير المؤهّلين مهنيا، وبالتالي مارسوا أعمالا يدوية بسيطة في المدن الأميركية الكبرى.

وكانت الموجة الكبرى الأولى منهم نحو أوروبا والعالم الجديد بعد الحرب العالمية الأولى عند انهيار امبراطوريتهم (العثمانية). وكان قد ساد الاعتقاد آنذاك أن ساعة (نهاية الأتراك) قد حانت. وشاعت بالوقت نفسه أدبيات كثيرة بذلك المعنى وكان اليونانيون والأرمن في مقدمة أصحابها. يتم التأكيد في هذا السياق أن تلك الأدبيات كانت مفعمة بـ (الحقد) وبـ (المشاعر العنصرية الحادّة) . ويرى المؤلف أن تدهور صورة التركي في الغرب عموما عرفت ذروتها في تلك الفترة من الزمن. بل وجرى الحديث عن الأتراك أنهم (عرق من نوع خاص) واتهامهم كـ (صنف أدنى) قام بضربات رهيبة للحضارة الغربية التي تمثل (صنفا أرقى) و(أكثر نبلا).

ومن الظواهر التي يؤكد عليها المؤلف أن الأتراك وبفعل الصدمة الكبيرة التي شكّلها لهم انهيار الإمبراطورية العثمانية عند نهاية الحرب العالمية الأولى، (تقوقعوا على أنفسهم في المهاجر)، كما كانوا قد (تقوقعوا تماما داخل الأرض التي استطاعوا الاحتفاظ بها من إرث الإمبراطورية العثمانية). وإذا كان الأتراك قد أظهروا بشكل واضح وصريح وعميق إرادتهم في الاندماج مع العالم الغربي، فإن (صورة التركي) بقيت سلبية رغم ذلك.

يشير المؤلف أن الأحكام المسبقة التي سادت في أميركا حيال الأتراك في أميركا والأميركيين من أصل تركي منذ القرن التاسع عشر واستمرارا حتى بدايات القرن العشرين قامت أصلا على نوع من (النفور) في أوروبا وفي أميركا حيال (غير المسيحيين)، وخاصة (حيال المسلمين) لأسباب تاريخية.

مثل ذلك (النفور) تغيّر قليلا (في الشكل) وليس (في العمق) حيال تركيا بعد انضمامها إلى الحلف الأطلسي إذ ظهرت في موقع الحليف الموثوق والمخلص الذي يحمي (الخاصرة الجنوبية) لأوروبا ويحمي مصالح الغرب الإقليمية.ما يؤكده المؤلف هو أن الأميركيين.

والأوروبيين، يقيمون فيما يخص (التاريخ المضطرب) للعلاقات التركية – الأرمينية على أساس مجموعة من الأحكام المسبقة وجهل رجال السياسة وصانعي الرأي العام بالوقائع التاريخية. ولا يتردد في الحديث عن وجود الكثير من الخطأ في الكثير من الأفكار المقبولة واعتمادها كـ(حقائق ثابتة) على أساس مجرّد أفكار شاعت لكن لا تدعمها وقائع التاريخ.

وإذا كانت هجرات الأتراك إلى الولايات المتحدة قد كانت حتى بداية سنوات الثلاثينات من القرن الماضي من العمّال غير المؤهلين، فإن الآلاف من الأطباء والمهندسين والتقنيين الأتراك هاجروا إلى أميركا للتخصص والتدريب ووصلت أعدادهم إلى أكثر من 20000 خلال سنوات 1948-1980. إن نسبة هامة من هؤلاء لم يعودوا إلى تركيا، خاصة أن تركيا قبلت ازدواج الجنسية، فأصبح عدد هام من الأتراك (مواطنين أميركيين).

هذه الهجرة الحديثة إلى الولايات المتحدة تقسم، قياسا إلى الهجرات السابقة، بارتفاع مستواها التعليمي ومستوى دخلها ومكانتها في المجتمع الأميركي. أبناء هذه الهجرة الجديدة يقدمون أنفسه دائما كأتراك يدافعون بوضوح وبنوع من الاعتزاز بثقافتهم الأصلي مع محاولة إيجاد القنوات والجمعيات التي تؤمن لهم وسائل ناجعة من أجل ذلك.

وهكذا أيضا قامت جالية تركية أميركية أثبتت تواجدها القوى وفاعليتها الاجتماعية في عدد كبير من الولايات الأميركية. لكن هذا كله لا يمنع واقعاً؛ أن هناك (رؤية مشوّهة للأتراك في أواسط نسبة كبيرة من الأميركيين، خاصة أولئك الذين يتواجد يوناني أو ارمني بين أصدقائهم).

إن المؤلف يدرس 250 سنة من تاريخ الأتراك في أميركا ويبيّن جذور (التضليل الإعلامي) المسؤول عامة عن الصورة السلبية للأتراك في بلاد العم سام.

الكتاب: التركي في أميركا

تأليف: جوستان هـ: مكارثي

الناشر: جامعة اوتاه2010

الصفحات: 400 صفحة

Share This