تغطية الصحافة العربية حول موقف تركيا من الأحداث في سورية (ايلول 1)

نبدأ مع مقالة تحليلية من قسم الدراسات والترجمة في موقع الجمل بعنوان (تركيا بوصفها ذراعاً للناتو باتجاه دمشق وطهران ) حيث كتب:  تداولت وسائل الإعلام التصريحات الرسمية التركية الأخيرة، والتي حملت المزيد من الإشارات التي تفيد لجهة انخفاض حدة التوترات على خط علاقات دمشق ـ أنقرا، ولكن برغم ذلك، فقد برزت بشكل متزامن مع هذه التصريحات المزيد من المعلومات والتسريبات التي تحمل الإشارات المتعاكسة: فما هي الإشارات المتعاكسة، وإلى أين سوف تمضي التوجهات السياسية التركية إزاء دمشق خلال الفترة المقبلة؟

* الإشارة الأولى: ما مدى مصداقية النوايا التصعيدية؟ تحدث بعض الخبراء الأتراك المعنيين بالشأن الشرق أوسطي عن نوايا تركية رسمية لجهة المضي قدماً في مسار المزيد من التصعيد إزاء دمشق، وفي هذا الخصوص كشفت هذه التسريبات عن جهود تركية تجري حالياً لجهة وضع مخطط إستراتيجي تركي من أجل التعامل مع دمشق ضمن ثلاثة مستويات مرحلية، ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:

•    المستوى المرحلي الأول: يركز على استخدام الضغوط السياسية، بما يتضمن الإجراءات الدبلوماسية السلبية، مثل سحب السفراء، وما شابه ذلك، وتقول التسريبات بأن أنقرا سوف تسعى لحشد الدعم وتعبئة بعض العواصم الشرق أوسطية لجهة الانخراط معها ضمن هذه المرحلة.

•    المستوى المرحلي الثاني: يركز على استخدام الضغوط الاقتصادية، وبالذات فيما يتعلق بالإجراءات المالية والتجارية السلبية مثل تجميد الأرصدة، وتجميد المبادلات التجارية وتجميد حركة نقل الأموال والتحويلات.

•    المستوى المرحلي الثالث: يركز على الإجراءات العسكرية، وتقول التسريبات بأن هذا المستوى يعتبر هو الأكثر خطورة، وصعوبة بسبب التداعيات المترتبة عليه إضافة إلى التحديات والمخاطر الكبيرة والتي سوف تهدد مدى مصداقيته.

حتى الآن وبحسب التسريبات مازالت هذه المستويات المرحلية ما تزال في طور التخطيط والمشاورات، هذا وتقول التسريبات بأن التفاهمات تجري على قدم وساق على خطوط أطراف مثلث أنقرا ـ واشنطن ـ الرياض.

* الإشارة الثانية: تحركات معطيات نظرية المؤامرة
كشفت بعض المصادر الأوروبية الرفيعة المستوى، والوثيقة الصلة بحلف الناتو، بأن قيادة الحلف، قد بدأت نقل قوات الحلف البرية من مقرها الحالي في قاعدة حلف الناتو الموجودة في مدينة هايدلبيرج في جنوب غرب ألمانيا إلى مقرها الجديد، والذي هو قاعدة حلف الناتو العسكرية الجوية الموجودة في مدينة أزمير التركية، وأضافت المصادر إلى أن قوات حلف الناتو البرية الموجودة في أحد القواعد الإسبانية سوف يتم أيضاٌ نقلها إلى قاعدة الحلف الجوية الموجودة في مدينة أزمير التركية، وأكدت المصادر بأن قيادة حلف الناتو قد اتخذت هذا القرار قبل بضعة أيام. هذا وتقول المعلومات والتسريبات بأن قرار نقل القوات سوف يؤدي إلى الآتي:

•    يوجد حالياً في قاعدة الحلف الجوية الموجودة في مدينة أزمير حوالي 400 عنصر متخصص في مجال الأنشطة الفنية والعملياتية، وبوصول القوات البرية من القاعدة الألمانية والقاعدة الإسبانية من المتوقع أن يرتفع العدد إلى بضعة آلاف.

•    أكدت التسريبات بان أمين عام حلف الناتو الجنرال فوغ راسموسين قد برر عملية نقل القوات البرية إلى تركية على أساس اعتبارات أنها تهدف إلى تقليل تضخم وجود قوات الناتو في القارة الأوربية، إضافة إلى أنها تتيح لقوات الحلف التعامل بمرونة أكبر، وعلى النحو الذي يتماشى مع طبيعة التهديدات ومسارح عمل حلف الناتو الجديدة المتوقعة.

•    أشارت المصادر إلى أن قيادة الحلف قد أكدت على أن نقل قوات الحلف البرية بحيث تتمركز في قاعدة أزمير العسكرية الجوية، هو أمر يهدف إلى تحقيق مبدأ إعادة هيكلة قيادة الحلف، وإلى تحقيق كفاءة عمل قوات الحلف، إضافة إلى تعزيز القدرة على قابلية الانتشار وإعادة الانتشار وخوض المواجهات.

•    أبرز المهام الجديدة التي سوف تقوم بها قوات حلف الناتو البرية بعد اكتمال تمركزها في قاعدة مدينة أزمير سوف تتضمن: استطلاع المسارح العملياتية الجديدة وتحديد المسارح الشرق أوسطية المحتملة، إضافة إلى إجراء التدريبات والتمرينات والمناورات العسكرية بما يتيح لهذه القوات تحقيق التكيف العسكري المطلوب مع بيئة المنطقة.
هذا، وأشارت المصادر إلى أن توقيت صدور قرار قيادة حلف الناتو بنقل قواته العسكرية الموجودة في ألمانية وإسبانية إلى قاعدة الحلف الجوية بمدينة أزمير التركية هو أمر بحمل أكثر من دلالة بسبب تزامنه مع توترات الحدث السوري، إضافة إلى تزايد المزاعم التي تحدثت عن نوايا أنقرا لجهة القيام بعمل عسكري ضد سورية، وأضافت هذه المصادر بان المسارح الشرق أوسطية التي سوف تقوم قوات الناتو باستطلاعها تتضمن بلا شك المسرح السوري ـ المسرح الإيراني ـ والمسرح اللبناني.

على أساس الاعتبارات التحليلية السياسية، نلاحظ أن تركيا قد بدأت إن لم تكن قد شرعت فعلاً في إنفاذ بنود مشروع تحويل أنقرا لجهة القيام بدور “الباب العالي” في منطقة الشرق الأوسط والأدنى إضافة إلى القوقاز والبلقان وآسيا الوسطى.
وبرغم أن مصداقية قيام أنقرا عملياً باستهداف سورية، ما تزال غير مؤكدة بسبب الشكوك واللايقين، فإن الأكثر وضوحاً يتمثل في معطيات جدول أعمال الإستراتيجية التركية الجديدة، والتي سوف يضم من بين بنود أخرى: تعزيز موقف تركيا كموازن لصعود قوة الإستراتيجية الإيرانية، استعادة مكانة تركيا كممر استراتيجي لجهة تهديد وردع العراق. ومنع بغداد من التمادي لجهة الانخراط في أي تحالف استراتيجي سوري ـ عراقي ـ إيراني، إضافة إلى إفساح المجال أمام حلف الناتو لجهة القيام بتهديد وردع روسيا. إضافة إلى الاحتمالات المؤكدة لجهة تعزيز سيطرة الناتو على البحر الأسود ونفط بحر قزوين وآسيا الوسطى، إضافة إلى تهديد استقرار روسيا عبر نافذة مناطق القوقاز الشمال، وبالتالي، وإن كان البعد المعلن لعملية نقل القوات هو بعد استراتيجي يتعلق بعملية إعادة انتشار قدرات حلف الناتو بما يتناسب مع مذهبية الحلف الجديدة المتعلقة بمواجهة التهديدات والمخاطر الرئيسية، والتي تقول كل الحسابات الإستراتيجية بأنها تتمثل في صعود القدرات الروسية المتزايدة.

ونشرت النهار اللبنانية مقالة بعنوان هل ينهي الفشل دور تركيا السياسي في الشرق الأوسط؟ بقلم مالك ابي نادر حيث كتب: هل تؤتي الجهود التركية ثمارها في سوريا؟ ألا يعتبر النجاح السوري في الخروج من الأزمة الحالية فشلاً ذريعاً للادارة التركية، الامر الذي يضعف دورها السياسي في الشرق الأوسط.

خلال اخر زيارة قام بها الرئيس السوري بشار الاسد الى ايران طُرح في اللقاء تشكيل محور استراتيجي يضم كل من ايران وسوريا وعراق ما بعد الاميركي وتركيا ولبنان. محور لو قدر له ان يتشكل لأسس لجبهةٍ اقليميةٍ كبيرة تستند الى تنوع طائفي يضم اطيافاً مذهبيةً لطالما راهنت على خلافاتها الدول العظمى للتدخل في شؤونها الداخلية ووضع اليد على مقدراتها الجيوسياسية، وقوة اقتصادية تتمثل باكبر احتياط نفطي في العالم وميزة جغرافية فريدة تتوسط اكبر تجمعات اقتصادية ضخمة من الصين والهند وغربي آسيا الى شواطىء المتوسط وبوابة منطقة الأورو التي تتمتع بمميزات صناعية واستهلاكية تعتمد بشكل اساسيٍ على الذهب الاسود ومشتقاته.

تلقفت تركيا العرض برضى مشوب بحذرٍ وخشيةٍ. فالرضى اسبابه اثنان: الاول عودتها الى الخريطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشرق الاسلامي الذي طردت منه، بعد اربعمئة سنة من حكم العثمانيين، كانوا خلالها في صف الكبار الكبار، الذين شاركوا في صنع الاحداث الدولية التي مهدت للحروب العالمية ولانشاء عصبة الامم ومجلس الامن، ونهاية الحقبة الاستعمارية وتكوّن حقبة القطبين.

والثاني دخولها “شريكاً مضارباً” في تكتل اقتصادي يطفو على اكبر بحيرة ٍ نفطيةٍ في العالم، لا تساهم في مقدراته الا بوجودها المعنوي من خلال علاقاتها المميزة مع كل مكوناته. فعلاقاتها مع ايران الشيعية حافظت على تميزها بالرغم من الخلاف السني- الشيعي الذي يطبع علاقات ايران بدول الخليج العربي، لابل شاركت بمساعٍ دوليةٍ للتوسط بين الغرب وايران في الملف النووي. وعلاقاتها مع سوريا التي مرت بشهر عسلٍ طويل زادت حلاوته الصداقة الشخصية والزيارات العائلية التي ربطت بين اردوغان والاسد بالاضافة الى تغييب بند خليج الاسكندرون من ملف العلاقة بينهما.

اما في الشأن العراقي فقد آثرت تركيا الابتعاد عن التدخل المباشر في مجريات الازمة والصراع بين الاطراف العراقية باستثناء حساسية ظاهرة في ما يخص الملفين الكردي والتركماني عمل كل من العراقي والتركي على استبعاد البحث فيهما وابقاء الوضع على ما هو عليه. يبقى اخيراً لبنان حيث تحتفظ بعلاقات وثيقة معه منذ فترة طويلة تُرجمت أخيراً بمشاركتها الرمزية بقوات “اليونيفيل” وباتفاقية الغت التأشيرات بين البلدين بالاضافة الى ما يحكى عن شراكة تجارية تربط بين الحريري واردوغان موضوعها احدى اكبر شركات الخليوي في تركيا.

اما الخشية والحذر فمردهما الى الحجم الذي تشكله تركيا في هذا المحور، فمقدراتها الذاتية تعطيها حجماً لا يتعدى الثلث في هذا التحالف ديموغرافياً وجغرافياً ولكنه لا يتخطى الخمس اقتصادياً، بالاضافة الى موقعها المحايد والذي لا يؤمن لها حق نقض قراراته، لان ما هو مطلوب من انشاء هذا المحور يكتمل بانخراطها او ببقائها خارجه، فالتواصل بين غرب آسيا والخليج العربي والبحر المتوسط لا يقطعه ابتعاد تركيا عن تكوينه وكل ما تستطيع تقديمه هو مخزونها المائي الهائل، الذي لا تستطيع ابتلاعه او الامتناع عن ضخه في مجريي دجلة والفرات لسببين: الاول جغرافي تفرضه الطبيعة والثاني سياسي. فمواجهة تحالف مشكّل من ايران والعراق ولبنان وسوريا يحسب له حساب معاكس لما درجت ان تمارسه في مواجهة كل من سوريا والعراق عندما كانت تطرح اية اشكالية في الملف المائي. ما يدل ان عضوية تركيا في هذا المحور قد تكون لزوم ما لا يلزم.
اضف الى ذلك ان انخراطها في تحالف يضم دولاً كانت في “محور الشر”، كما روج له الاميركيون في تسعينات القرن الماضي، ساعد على تبخرٍ نهائيٍ لاحلامها في ان تُقبل في نادي الأورو بعد ان ساهمت الردة الاسلامية فيها منذ عقد حتى الان في تراجع حظوظها بذلك.

لم توفر هذه الوقائع والمعطيات للإدارة التركية خيارات كثيرة فالمحور الاستراتيجي وُضع على نار حامية ولم يعد ينقصه سوى الانسحاب الاميركي، القسري، من العراق. فالمستنقع العراقي الدموي الذي يلاحق جنودها وشبح الازمة المالية لم يوفر للادارة الاميركية ايضاً خيارات عدة، ونتائج التطورات السياسية فيه اثبتت انه لا يمكن تجاهل الدور الايراني المتعاظم الذي توفره لها الاكثرية الشيعية العراقية وسيطرتها على مناطق غنية بالنفط، بالاضافة الى تناغم سياسي وامني سوري – ايراني سيستتبع بتواصل اقتصادي توفره الانابيب التي سيوقع اعضاء الحلف على مدها لتُوصل الى شواطىء المتوسط النفط والغاز باسعارٍ منافسةٍ.

فبعد الرضى السوري على اطاحة الحريري وفشل الوساطة التركية – القطرية في اعادة وصل الخطوط الواهنة بينه وبين “حزب الله”، ايقنت القيادة التركية بأن موقعها وموقفها حيال المحور الاستراتيجي اصيبا بنكسة جديةٍ تمثلت بأمرين، الاول التزام سوريا بتبني المقاربة الايرانية واعتبارها مصلحةً عليا لها على الرغم من العلاقات الاخوية المميزة التي تربط بينها وبين القيادة السورية. والثاني الاخلال بالتسوية الاقليمية في لبنان التي بنيت على توازنٍ مذهبي، ما اطاح سعد الحريري وما يمثل على الساحة اللبنانية من نفوذ خليجي سني يدعم وضعها غير المتكافىء مع ايران على الصعيد الاقليمي لمصلحة النفوذ الايراني المتعاظم في هذه المنطقة. وهنا حمّلت القيادة في تركيا المسؤولية المباشرة لسوريا في اسقاط هذه المعادلة، الامر الذي عزز إعتقادها برغبةٍ سوريةٍ في اضعافها واستهداف دورها في العالم العربي والاسلامي الذي ضحت من اجله بعلاقاتها المميزة مع اسرائيل وبتبدد احلامها الاوروبية بشكل يكاد ان يكون نهائياً.

امام هذه الوقائع ومنعاً لدول المحور الاستراتيجي من فرض امرٍ واقعٍ اقليمي يقضي على احلام القيادة التركية في ان تشارك بوضع الأجندات الجيوسياسية والاقتصادية للمنطقة، لجأت الاخيرة الى العمل على تخريب المعادلة القائمة في سوريا منذ اكثر من اربعين عاماً من خلال استثمار موجة “الربيع العربي” لاسقاط التوازن السياسي والمذهبي السوري لمصلحة تركيبة “اسلامية معتدلة” قوامها الشركة المرحلية بين اليسار السوري الداعي للاصلاح السياسي والاخوان المسلمين الذين شكلوا الصورة المعتدلة للسلفية السنية في مواجهة السلفية الجهادية التي ظهّرتها “القاعدة” في السنوات العشرين الاخيرة والتي يعتقد بانها انكفأت تنظيمياً وتمويلياً وأخيراً بعد مقتل زعيمها.

معطيات كثيرة ساعدت الاتراك في مخططهم لضرب الاستقرار في سوريا اهمها: عدم رضى اميركي وخليجي واسرائيلي عن موقفها من ملفات اقليمية كفلسطين ولبنان والعراق. خشية دولية من تكتل اقتصادي سياسي، قد يملك قوة نووية، يمكن ان يفرض اجندة خاصة به في كل ما يتعلق بملفات الشرق الاوسط وحتى آسيا. فلجأوا الى التوتير الداخلي السوري من باب اللعب على الوتر المذهبي والاحادية السياسية الممسوكة امنياً، مقدمين الدعم العلني للتحركات الشعبية المطالبة بالديموقراطية، والسري للمجموعات المسلحة التي تهاجم القوى الامنية والمقار الحكومية على خلفيات مذهبية، من جهة ، ومن جهة اخرى مقدمين النصائح للقيادة السورية لتحذو حذو الديموقراطية التركية متناسين دفاعهم التاريخي عن الابادة الارمنية والسريانية، والتفرقة العنصرية التي يعاملون بها الاكراد وباقي الاقليات التي تعيش في الاقاليم التركية.

ولكن هل ستؤتي الجهود التركية ثمارها في سوريا؟

وما هو مصير الدور التركي في الشرق الاوسط في حال فشل هذه الجهود؟

كثير من التحليلات والتقارير والوقائع تفيد بأن الحراك الداخلي السوري يتنازعه تياران الاول اصلاحي ديموقراطي يسعى لانتزاع اصلاحات جذرية في بنية الحياة السياسية السورية وهو ما تسعى القيادة السورية الى مسايرته واستيعابه باطلاق سلسلة من التعديلات القانونية والدستورية بشكل “لا يموت معه الذئب ولا يَفنى الغنم” مقدمةً بذلك لحلفائها الدوليين اوراقاً يضعونها على الطاولة في المحافل الدولية معارضين اي تدخل دولي. والثاني مسلح يعتمد الخطاب المذهبي والتكفيري، واسلوب السلفيين الجهاديين في الذبح والقتل والتمثيل بالجثث لبث الرعب وتتعامل معه السلطات السورية بالحديد والنار بدون اية ضوابط، معلنةً للمجتمع الدولي انها تقود حرباً ضد الارهابيين.
توازنٌ لطالما اتقنه السوريون اقليمياً في ما مضى في لبنان وفلسطين والعراق ولا ما يمنع ان يستعملوه في ملعبهم ولو كلفهم بعض التنازلات والتسويات الداخلية والاقليمية. فهل سينجحون في التخلص من المؤامرة التركية؟

اذا نجحت الحكومة التركية في تدمير التركيبة السورية الحالية، فهل تضمن تركيبةً تؤمن الاستقرار السياسي والامني لسوريا المؤلفة من تعدديات واتنيات تتفاعل بشكلٍ مباشر مع ما يحصل في كل الدول المحيطة بها وحتى في تركيا نفسها؟

وهل ستضمن، بعد ذلك، علاقات عادية وتعاوناً اقتصادياً وسياسياً مع كل من ايران وعراق ما بعد الاميركي ولبنان ما بعد الحريري؟

والا يعتبر النجاح السوري في الخروج من الازمة الحالية فشلاً ذريعاً للادارة التركية الامر الذي سينهي دورها السياسي في الشرق الاوسط بعد ان انهت ردتها الاسلامية اي دور لها في اوروبا؟ انه الفشل في كلتا الحالتين!!!

ونشرت جهينة نيوز مقالة بعنوان (تشابه كبير في قيامهما.. إسرائيل وتركيا احتلالان إلى زوال..!) وكتبت: قبل أن يتبجّح رجب طيب أردوغان وبوقاحته المعهودة، بحرصه على السوريين في جسر الشغور، وأنه أقام مخيمات لجوء لاستقبالهم، كنا نتمنى عليه أن يتذكر أن هذه المخيمات إنما أقيمت على أرض سورية محتلة، أي أن السوريين مازالوا في أرضهم، ولم تشملهم بعد مظلة أردوغان الوارفة!!.

وإذا نسي السيد أردوغان أو تناسى الحقيقة التي لم ينسها السوريون جميعاً فإننا نقول له: إن المنطقة التي بنى مخيماته فوقها هي جزء من لواء إسكندرون المنطقة السورية التي سلختها تركيا في 29 تشرين الثاني 1939، بمؤامرة دولية معروفة، وأن سورية لم تعترف بذلك ولا تزال تعتبره جزءاً من أراضيها وتظهره كذلك على خرائطها.
تبلغ مساحة اللواء 4800 كيلومتر مربع، ويطلّ على البحر الأبيض المتوسط ويقع في شمال غرب سورية. ومن أهم مدنه أنطاكية، الاسكندرونة وجبل موسى والريحانية. اللواء ذو طبيعة جبلية، وأكبر جباله أربعة: الأمانوس، الأقرع، موسى، والنفاخ، وبين هذه الجبال يقع سهل العمق. أما أهم أنهاره فهي: نهر العاصي الذي يصب في خليج السويدية، نهر الأسود يصب في بحيرات سهل العمق، نهر عفرين يصب في بحيرات سهل العمق.

وكي نزيد معلومات السيد أردوغان نضيف: عام 1921 كان الأتراك يشكلون أقل من 20 في المئة من سكان الإقليم، إلا أن السياسة الفرنسية المنحازة للأتراك، والتخطيط القديم لسلخ اللواء لإرضاء أتاتورك، (رغبة في التقليل من الخسائر التركية في معاهدة سيفر) أرسى سياسة تتريك مقنعة خلال فترة الانتداب الفرنسي في العشرينات للإقليم، ومع فصل الإقليم حسب قرار عصبة الأمم كان عدد سكان اللواء 220 ألف نسمة، 105 آلاف منهم من العرب، وتوزع الباقون حينها على العرق التركي (85 ألفاً) والكردي (25 ألفاً) والأرمني (5 آلاف).

وقامت فرنسا بغض النظر عن دخول عشرات الآلاف من الأتراك إلى اللواء بغرض الاستفتاء. حيث أملت بأن يساهم ذلك في دخول تركيا إلى جانب الحلفاء في الحرب على ألمانيا النازية. كما قامت تركيا بنشر جيشها داخل اللواء وطرد معظم سكانه من العرب والأرمن.
وحالياً يسكن الإقليم حوالى مليون نسمة، ولا يوجد أي تعداد للنسبة العربية من سكانه بسبب السياسة التركية القمعية للأقليات القومية، ويشكو سكان الإقليم العرب من القمع الثقافي واللغوي والعرقي الذي تمارسه تركيا عليهم والتمييز ضد الأقلية العربية لصالح العرق التركي في كل المجالات وهو متابعة نحو التتريك الكامل للواء. وهناك تواصل مستمر في مناسبات خاصة كالأعياد بين سكان اللواء وبين أقربائهم في الأراضي السورية المجاورة.

إن ما يحدث في تركيا الآن هو أن أردوغان يعاني عقدة نفسية من الجيش التركي، ويعلم جيداً قساوة الدرس الذي تعرّض له نجم الدين أربكان ونهايته المأساوية مازالت ماثلة في ذهنه.. حين حلّ الجيش التركي حزب الرفاه ووضع زعيمه في السجن مدة ثلاث سنوات.

أردوغان يمضي بالمخطط المرسوم أمريكياً، فقط ليبعد عن رأسه الحذاء العسكري للجيش التركي.. غير أننا نبشره بأن تركيا التي مارست وتمارس كل أشكال الطغيان ضد الإثنيات والأقليات المضطهدة فيها ستؤول إلى الانقسام، لأن ما بُني على باطل فهو باطل، ومثلما إسرائيل إلى زوال فإن تركيا ستواجه المصير نفسه، بسبب التشابه الكبير بين تاريخي قيام الدولتين، إذ إن الأتراك هم قبيلة أتت من أواسط آسيا إلى هذه المنطقة، حيث ذبحوا الأكراد والتركمان والأرمن والآشوريين واحتلوا أراضيهم كما احتلوا أرضنا السورية في لواء اسكندرون، وأقاموا ما يسمّى الدولة التركية “العثمانية” على أنقاض قوميات وأعراق متعددة لن تقبل يوماً ما إلا أن تستعيد أرضها.

وتحت عنوان (أردوغان بين الحقيقة والدعاية) كتبت الشرق الأوسط: قبل عامين سطع في سماء العرب نجم هذا الإسطنبولي رجب طيب أردوغان، في منتدى دافوس، عندما أخذ الميكروفون من الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس وكال له أقسى الكلام ردا على الجرائم الإسرائيلية في غزة، ثم ترك المنصة وأعلن أنه لن يعود إلى دافوس بعد اليوم.

طبعا، احتفل العرب المحبطون، وهم الأغلبية، الذين يتمسكون بأي قشة إن وجدوا فيها أملا للخلاص من الوضع السياسي المزري الذي يعيشونه. يبحثون دائما عن الأبطال لكن غالبا ما يكتشفون أنهم أبطال من ورق، مجرد دعاية إعلامية؛ عبد الناصر، الأسد، صدام، نصر الله، وغيرهم من النجوم الذين انتهوا أخيرا إلى مزبلة التاريخ.

هنا، على أردوغان الذي ركب الموجة الشعبية العربية منذ دافوس وحتى اليوم أن يفكر مليا قبل أن يستمتع طويلا بصورة البطل المنقذ، وآخرها عندما طار وعائلته إلى الصومال داعيا لإنقاذ الجياع.

ما حقيقة هذا الدعائي الكبير؟

أعتقد أن أردوغان يملك الكثير ليقدمه للمنطقة؛ أوله أنه قادر على تقديم نموذج الإسلامي المعتدل في زمن غلب فيه الإسلاميون المتطرفون. ودولته تركيا، الدولة الإسلامية الكبيرة، قادرة على أن تقدم نفسها نموذجا أيضا للدولة الإسلامية الحديثة. هناك الكثير يستطيع أردوغان وتركيا فعله، لكن هل توجد النية والعزيمة أم لا؟ دافوس كان مسرحا فقط. والشجار مع إسرائيل حول «قافلة الحرية» التي هاجمها الإسرائيليون وقتلوا فيها نحو تسعة أتراك انتهى مثل غيره، مجرد وعيد كلامي، كما كان يفعل النظام السوري ببيانه المكرر؛ «يحتفظ بحق الرد في المكان والوقت المناسبين».

إخفاقات تركيا أردوغان في الذاكرة كثيرة، في معالجة الأزمة الإيرانية حيث ساند موقف طهران نوويا. في ليبيا ساند نظام العقيد في البداية ثم قال إنه فهم خطأ. ساند الحركة البحرينية وسمى قمعها بكربلاء ثانية، ثم أعلن لاحقا أنه أسيء فهمه. ثم أخذ موقفا حماسيا ضد النظام السوري بلغ مرحلة التهديد، رفع شعبيته إلى أقصاها، ورُفعت صوره في معظم المظاهرات السورية، وبكل أسف كان كل ذلك الضجيج قبيل الانتخابات البرلمانية التركية. وبعدها تبدلت لغة تركيا، حتى المواقف الكلامية الإنشائية. ووصلت حكومة أردوغان لمشاركة الروس موقفهم المعادي للشعب السوري، والإعلان صراحة أنهم ضد التدخل الدولي، وأنهم ضد حتى بيان دعوة الرئيس بشار الأسد للتنحي. كان الأولى بتركيا الصمت على الأقل، بعد أن هيجت تصريحات أردوغان الانتخابية الشارع السوري.

لا أريد أن أرسم أردوغان كزعيم إسلامي خائب آخر، لأنني أعتقد أن أمامه الكثير من الوقت لتوضيح حقيقة مشروعه. لا أحد يريد من تركيا أن تفعل ما لا تستطيع أو لا تريد فعله، لكن أيضا عليها ألا تبيع الناس أحلاما لأغراض دعائية. لقد مر من هنا كثيرون من باعة الأحلام، كما عددتهم في بداية المقال.

في خضم المواقف الدعائية لا ننسى أن لأردوغان تجارب حقيقية رائعة، منها تصالحه مع الأكراد في تركيا، ودعمه حقوقهم. نعرف أنه حقق سلاما سياسيا تاريخيا مع عدوة تركيا الأولى، اليونان. نعرف أنه رعى نهضة اقتصادية كبيرة في بلاده أعفتها من التسول على باب الأوروبيين طلبا لعضوية الاتحاد الأوروبي. حقق الكثير وهناك الكثير مما يستطيع أردوغان أن يفعله، لكن ننصحه ألا يقول ما لا يعنيه في منطقة شعوبها عاطفية سريعة الحب، سريعة الكراهية، تملك ذاكرة قوية.

كتب محمود الفقيه تحت عنوان (حين يدين أردوغان نفسه بلسانه): من يطلع على مواقف رجب طيب أردوغان وتعليقاته على الازمة السورية يكتشف بأن أردوغان اليوم يختلف عن اردوغان العام الماضي . بعدما كان اردوغان يؤسس لشراكة تركية سورية ايرانية عراقية في المنطقة مالت موازينه عن الكفة السورية.

وكأن رئيس الوزراء التركي يعود الى موضعه في حديقة إسرائيل الخلفية ليمد البساط الاحمر للاخوان المسلمين السوريين كي يطلقوا عبر الاراضي التركية السموم نحو بلادهم العصية.

لعل ابن العدالة والتمنية (احد فروع الاخوان المسلمين في العالم) شعر بأن بلاده لن تكون بمنأى عن الاحتجاجات الشعبية وان رياح شرق و جنوب شرق الأناضول باتت على مشارف أنقرة و اسطنبول رغم فوز حزبه في انتخابات ايلول/سبتمبر.

ومن جملة ما قام به ذلك “الطيب”هو الطلب من سوريا بالا تعيد احداث حماه وحمص لان قائد اسطول الحرية والمجتمع الدولي لن يسكتان.إلا ان رئيس الوزراء التركي أخطأ بما أصاب.

و يتحدث رجب عن الاحتجاجات الشعبية مطالبا بأزالة القمع في سوريا.فهل يمكن ان يخبرنا الرجل الوقور عن قمعه للاحتجاجات في دياربكر على مدى شهور متاتلية وسنين حتى.

فهل يخبرنا عن الجنود الاتراك الثلاين الذي سقطوا بنيران حزب العمال الكردستاني.. وهل عناصر حزب العمال الكردستاني هم مدنيون ومتظاهرون؟.أليس الجنود الاتراك اشبه بالجنود السوريين الشهداء الذي يقتلون في كمائن مسلحة إرهابية؟

ماذاعن القمع المتواصل لسكان هكاري ،باطمان ،ﻭﺍﻥ، وشرناخ ، ﻫﻜﺎﺭﻱ و مردين وبقية المناطق؟ لما يكتفي سليل العثمانيين حسبما يدعي بالتكلم عن مجازر بحق الشعب السوري!!!

والسؤال يطرح نفسه على اردوغان:اليس الأكراد هم جزء من الشعب التركي؟فهل مسموح ان يقوم اردوغان في العام 2007 باقتحام الاراضي العراقية ليجزر بأبناء الشعب الكردي الأعزل؟ هل مسموح ان يغير الطيران التركي على جبال قنديل ليقصف القرى الامانة ويروع النساء والاطفال مدعيا ملاحقة المتمردين الاكراد من حزب العمال الكردستاني؟اليس اردوغان هو بنفسه من هدد الاكراد ببحار من الدم في العام الماضي؟اليس هو من يقصف شعبه بالطائرات كلما شعر بخطر؟

اليس اردوغان و حكومته ومن سبقه صنعوا المجازر بحق الشعب الكردي الأغزل وحرموه أدنى حقوقه كالتلفظ باسمه أو القول كلمة”كورد او اكراد “و استبادلها بكلمة “سكان الجبل”.

هل يمكن ان يقول لنا لما رفع الاتراك الاعلام التركية على شرفاتهم في ايلول/سبتمبر 2007؟

ويرفض اردوغان في في خطاباته تقسيم تركيا وقال أنه سيحارب”الارهابيين” الذين لن ينالوا اهدافهم حسب قوله. لعله لا يعلم أنه اذا سقط النظام في سوريا فان التقسيم واقع لا محال وان جنوب شرق الاناضول سيكون ممتدا الى اقليميّن ذات اهمية في الداخل العراقي و الداخل السوري ما يهدد وحدة تركيا.

اليس من الاوجب ان يسعى اردوغان في بلاده لتطبيق الاندماج بين مختلف الشرائح الاجتماعية كما هو الحال في سوريا ؟فعلى الاقل لم نرى سوريا واحدا يحذ حذو الترك حين يغنون ” لاوجود للاكراد والجبال للاتراك ” انها قمة العنصرية وهي ليست موجودة في جنوب افريقيا اليوم.

اما عن حرية الصحافة ليخبرنا اردوغان عن مصير رئيس تحرير جريدة آزاديا ولات (حرية البلاد) وطاقهما وعن صحيفة يوروم الاسبوعية وماحل فيها . وليحدثنا عن العاملين في وكالة DIHAوعن الصحافيين المحكومين بألاف السنين من السجن و عن الصحفيين الذين وجدوا جثة هامدة على قارعة الطريق امثال الصحافي متين آلاتاش .

ليخبرنا أردوغان عن الاف الاطفال القابعين في السجن بتهمة اهانة الدولة التركية ؟ ليطلق أردوغان معتقلي الرأي لديه كما ليطلق المسجنونين السياسيين في بلاده ولا سيما رئيس حزب العمال الكردستان عبدالله اوجلان المسجون والمحكوم بالسجن لمدى الحياة والمسجون وحيدا فريدا في جزيرة اميرلي في بحر مرمرة.

كما يتحدث أردوغان على قناة التركية واثقا من نفسه مصدقا لكلماته معتقدا بأنه اذا ناصر يوما قضيتنا المركزية (فلسطين) و استعرض عضلاته على شمعون بيريس في دافوس سنغض طرفنا عما يرتكبه من جرائم بحق الانسانية في بلاده ونسينا بأن هو و بلاده مطالبان بألاعتراف بإبادات جماعية حصلت على أيدي اجداده والتي نحتفل بذكراها سنويا نحن و اخواننا الارمن و السريان ولا سيما ما جرى بحقنا نحن العرب.

ونشرت الحياة اللندنية مقالة بعنوان (الأتراك والوصاية على سورية) بقلم: عمر قدور حيث كتب:  لم يتردد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قبل أسابيع قليلة في وصف الأزمة السورية بأنها قضية تركية داخلية، متذرعاً بالحدود الطويلة بين البلدين وبالقرابة بين الشعبين والتاريخ المشترك!. وعلى رغم استدراك هذا التصريح، وقد قرئ حينها بمثابة تحذير، بالزيارة التي قام بها أوغلو إلى دمشق، وما أشيع إثرها عن تراجع في الموقف التركي لمصلحة النظام، إلا أن الموقف التركي ظل غامضاً لجهة مَن ينتظر توجهاً نهائياً حاسماً. وقد يُرى في الظاهر أن السياسة التركية قد خيبت آمال الكثيرين، بدءاً بالنظام السوري الذي راهن على دعم غير مشروط من أردوغان مروراً بالإدارة الأميركية وانتهاء بالمتظاهرين السوريين الذين سبق لبعضهم أن رفع الأعلام التركية وصور أردوغان تعبيراً عن الامتنان.

القراءة المباشرة ربما لا تفي الموقف التركي حقه، فهو موقف منسجم ومتماسك أكثر مما توحي به التصريحات التي تختلف نبرتها بين الحين والآخر. في العمق الاستراتيجي ليس ثمة تناقض بين استضافة مؤتمر «للإخوان» السوريين قبل الانتفاضة، ثم استضافة مؤتمر أنطاليا وفي ما بعد مؤتمر إسطنبول للمعارضة السورية، وبين «التفهم» النسبي الذي تبديه القيادة التركية تجاه النظام. ذلك لا يعني أبداً أن الأتراك يلتزمون الحياد أو أنهم يحتفظون بمسافة واحدة مع أطراف الأزمة السورية، هم بالأحرى باتوا ضالعين بالملف السوري إلى حــد لا يــقدرون معه على التزام الحياد، فضلاً عن أن الحياد لا يلبي مصالحهم الإستراتيجية التي تتطلب في هذه المرحلة توازناً دقيقاً يقضي بالإمساك بكافة خيوط الملف ما أمكنهم ذلك.

تصريحات أردوغان خصوصاً تعيد إلى الأذهان المقولات التي عرفها اللبنانيون أثناء عهد الوصاية السورية، ومع أن هذا القياس قد يبدو مستبعداً الآن إلا أن الكثير من المؤشرات يشي برغبة القيادة التركية في لعب دور الشقيق الأكبر تجاه سورية. ضمن هذا التصور تأخذ التناقضات الظاهرية في الموقف التركي طريقها إلى الحل، فالأخ الأكبر يعدّ نفسه للعب دور الشرطي والقاضي معاً، هكذا يكون الحياد عسيراً وفي الوقت ذاته يكون الانحياز إلى طرف موقتاً وتكتيكياً، ولكي تسهل الوصاية من المستحسن أن تضعف الأطراف جميعاً ويصبح دور الوصي مطلباً لها. لا يسعى الأتراك إلى إقامة منطقة نفوذ في سورية على غرار النفوذ الإيراني في العراق، فحزب العدالة أقل أيديولوجية من الملالي وأكثر براغماتية، لذا يمكن فهم «الازدواجية» التركية في إطــار الحــنكة التي تبتغي كسباً سياسياً مضموناً.

أبرزت الانتفاضة الدورَ التركي في سورية لكنها لم تؤسس له، فالنظام كان سبّاقاً في طلب الود التركي تزامناً مع التفات الأتراك إلى الشرق، ومن الخطأ التركيز هنا على العلاقات الاقتصادية بين الــبلدين على رغـــم تصاعدها، لأن العامل الاقتصادي بالنسبة إلى النـــظام لم يكن يحتل الأولوية حينها. لقد توسّل النظام دور تركيا بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان والعزلة الدولية التي فُرضت عليه آنـــذاك، وعــلى وجه خاص العزلة العربية التي واجهها بعد اغتيال الحريري؛ وقتها قامت سياسة النظام الخارجية على كسب القوى الإقليمية العظمى، وباستثناء الحليف الإيراني كانت الرسائل والـــمفاوضــات غيــر المباشرة تسير على قدم وساق مع الإســـرائيليين في الوقت الذي شهدت العلاقة مع تركيا تــطوراً غير مسبوق.

ضماناً لبقائه ضرب النظام بعرض الحائط التوازنات الإقليمية التقليدية فأدخل تركيا، بعد إيران، إلى العمق الاستراتيجي العربي، ولعل الكثيرين يذكرون حماسة النظام لضم إيران وتركيا إلى الجامعة العربية.

أي أن النظام البعثي غلّب مصالحه على الأمن القومي العربي، وكان عقب آخيل الذي تعاظم من خلاله النفوذ الإقليمي لإيران وتركيا، ومما يجدر ذكره أن السياسة الخارجية السورية سجلت طفرة استثنائية في تلك المرحلة، بخلاف ما سبقها وما تلاها، ما قد يدفع إلى الظن بأنها لم تكن جهداً خالصاً للنظام، أو على الأقل بأنها كانت تعمل تناغماً مع توجهات إستراتيجية إقليمية تفوقها خبرة وحنكة. خلاصة الأمر أن النظام الذي ظهر كجزء من منظومة إقليمية طموحة تبين لاحقاً أنه الحلـــقة الأضــعف فيها، وأن ما بُني في فترة ضعف سابقة كان في جانب منه ارتهاناً مستحق الثمن.

أدرك الأتراك مبكراً بحكم تطلعاتهم ما لم يدركه النظام، لذا أتى أردوغان قبل اندلاع الانتفاضة ناصحاً الرئيس السوري بإجراء إصلاحات، ولعل أهم ما كان في جعبته حينذاك هو إدخال الإخوان إلى الحلبة السياسية السورية، ولو تم الأمر كما اشتهاه أردوغان لتعاظم النفوذ التركي من دون المرور في برزخ الانتفاضة. أما وقد اندلعت الانـــتفاضة فإن فرصة الأتراك ما زالت قائمة، ولعلها تكبر مستقـبلاً، من أجل لعب الدور الذي يتحفزون له، بخاصة إن صار دورهم مطلوباً على صعيد الداخل السوري وعلى الصعيد الدولي. في الواقع لا توجد قوة إقليـــمية أخرى مرشحة للعب الدور التركي، وفي غياب المنافسة الإقليمية لن يكـــون على الأتراك الإسراع في حسم موقفهم، بل قد يكون الــتريث هو السبيل الأنسب لكسب أكبر ما يــمكن مــن الســاحة السورية قبل القطاف النهائي.

حالياً يطغى هم إسقاط النظام على ما عداه، فيحجب الصورة المستقبلية لسورية، لكن من المرجح أن تخرج البلاد من هذه المعركة ضعيفةً إلى حد غير مسبوق على الصعيدين الاقتصادي والسياسي؛ هذه النتيجة ستكون أكثر كارثية في حال بقاء النظام مع عزلته الدولية. لاعتبارات عدة لا توجد قوة عربية مهيأة لملء الفراغ في سورية، المسألة هنا لا تتعلق بالمعونات الاقتصادية بل تذهب أبعد إلى الدور الإقليمي السوري برمته.

لآن ثمة فقط الأخ الأكبر الذي لا يتردد في التصريح بأن المسألة السورية قضية داخلية، في وقت لا يخرج أي تصريح عربي ينص على واقع تأثر الأمن القومي لدول عربية أخرى بمستقبل سورية. ليس منتظراً أن يجرب السوريون وطأة الأخ الأكبر التركي على غرار وطأة الأخ الإيراني في العراق، لكن التجارب تدل على أن التخلص من ظل الجار الأكبر لم يكن بسهولة التخلص من القوى العظمى الأبعد جغرافياً.

أما يوسف الشريف فكتب في الحياة تحت عنوان (تداعيات الأزمة السورية على الشارع الترآي سياسياً واجتماعياً): فاجأت الثورات العربية الشارعَ التركي وجذبت اهتمامه وبدأت تؤثر باتجاه تغيير الصورة النمطية القديمة للعالم العربي المحفورة في الذهن الترآي، والأهم أنها جاءت في وقت يناقش فيه الشارع الترآي هويته وانتماءاته من جديد في ظل حكم حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية وبعد تسع سنوات حافلة، وأربع باقية حاسمة، وعلى عتبة خط دستور جديد يُعتقد بأنه سيكون نموذجاً للديموقراطيات المحافظة في المنطقة، وسيكون الاختبار الأهم للحكم على تجربة رجب طيب أردوغان وعبدالله غل ورفاقهما التي بدأت بالانشقاق عن حزب السعادة الإسلامي والأب الروحي لحرآة الإسلام السياسي في تركيا الراحل نجم الدين أربكان.

باغتت الثورة السورية ترآيا فيما كانت حكومة أردوغان تواجه اتهامات بالسعي لأسلمة ترآيا والقضاء على الارث الأتاتوركي بعد سقوط قلاع الأتاتورآية واحدة تلو الاخرى، ابتداء من القصر الجمهوري الى الهيئة العليا للقضاة فالمحكمة الدستورية وأخيراً الجيش. بالنسبة الى آثير من الأتراك، وبالأخص المؤيدين للحكومة، وصل الاهتمام بالأزمة السورية الى حد وصفها بالشأن الداخلي، وبدا امتداداً طبيعياً لسياسة خارجية رآزت على الشرق الاوسط في الفترة الماضية، وصنعت هذه السياسة لترآيا صورة جديدة كقوة اقليمية لها وزنها وآلمتها، فيما دق هذا الاهتمام ناقوس الخطر لدى البقية الباقية، خصوصاً من الأتاتورآيين والقوميين، الذين اعتبروا أن هذا الاهتمام سيجر تركيا الى مستنقع الشرق الاوسط الذي نجحت تركيا في عزل نفسها عنه لعدة عقود.

والأهم أن هذا الاهتمام وما سيترتب عليه من نتائج، سيعني إسدال الستار على مشروع الاتحاد الأوروبي وإرث أتاتوركي حاول أن يرسم لتركيا القرن العشرين هوية غربية أوروبية، من هنا يمكن أن نفهم تحذيرات زعيمي حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي والحركة القومية لرئيس الوزراء أردوغان من الانسياق وراء الأزمة السورية، من باب أنها تؤثر على الامن القومي التركي…

لكن، على الاغلب، لن يغير داود أوغلو من إستراتيجيته هذه بسبب شخصيته وفلسفته السياسية الثابته وشخصية رئيس الوزراء أردوغان، وربما يتم إجراء بعض الرتوش عليها مستقبلاً.

إن سورية ديموقراطية ستفتح الباب على مصراعيه أمام تركيا في الشرق الاوسط من أجل تثبيت قدميها وتوسيع دائرة تأثيرها، لكن حرباً أهلية فيها ستعيد تركيا الى المربع الاول في رحلتها مع الشرق الاوسط، لذا فإن أنقرة ستسعى قدر المستطاع لتجنب هذا السيناريو، وعلى الأرض تشكل الأزمة السورية عملية تدريب وصقل مهمة جداً للتيارات الإسلامية في تركيا وجمعياتها، حتى باتت نشاطات هذه الجمعيات أمراً لا يمكن اغفاله أو تركه خارج الحساب، من مغامرة سفن مرمرة وحتى استضافة أكثر من مؤتمر للمعارضة السورية في تركيا.

Share This