تغطية الصحافة العربية حول موقف تركيا من الأحداث في سوريا (أيلول 2)

نشرت جريدة “الوطن” في باريس مقالة بعنوان “الحسابات الأوروبية التركية الخاطئة” بقلم عيسى الأيوبي، حيث كتب أن واحد من المشاركين في صنع المواقف الرسمية الفرنسية يقول للمقربين منه إن الغرب والولايات المتحدة قد استنزفت كل أوراقها ولم يعد لها مخزون من الأفكار لإحداث تغييرات في العالم العربي، حتى إن عمليات الالتفاف على الثورات وعلى “الربيع العربي” قد فشلت.

ويضيف هذا المقرب من صياغ المواقف وصناعها أن مؤتمر دعم ليبيا الذي استضافته باريس الأسبوع الماضي أظهر هشاشة الموقف الغربي وقد فضح هذا المؤتمر الغربيين جميعاً وأصدقاءهم العرب. حيث ظهرت المعركة أنها كانت معركة تقاسم مغانم لا معركة الطريق إلى الديمقراطية ليأتي إسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي الذي كان محظوراً في البداية صار ضرورة اقتضتها المصالح الاقتصادية والمالية واسترضاء لبعض الحلفاء الذين لا يرون أن «هم الدولة والدولة هم».

لكن الأغرب من ذلك هو قول هذا المشارك «إن صمود (النظام السوري) كان عاملاً حاسماً في خسارة المعركة في الشرق»، فمحاصرة الثورة الشعبية في تونس يتعثر واحتواء الثورة المصرية بالعامل الديني يتهاوى رغم الاتفاقيات المباشرة وغير المباشرة مع الفئات الدينية والطامحة بالسلطة على الدين والدولة والشعب فيها.

ويبدو أن هذا المشارك وقع في مطبات هوائية متعددة: أولها إن الذي صمد في سورية هو الشعب السوري ونظامه الفكري والمناقبي وليس النظام السياسي الذي بطبيعته قابل للتغيير والتطوير وفق مقتضيات المصالح القومية التي تشكل العمود الفقري للهوية السورية والذي خسر في سورية هو منطق الاملاءات والإذعان و«الأستذة».

ثانياً: إن المعركة التي يخوضها الغرب في الشرق اليوم هي معركة «كشاشي الحمام» يتقيؤها النظام الأخلاقي في الشرق والغرب معاً.

ويبدو واضحاً من خلال ما يردده المقربون من صياغ المواقف وصناع القرار في الغرب أن مرحلة جديدة قد بدأت جواباً عن سؤال بات مطروحاً هو: كيف سنكمل وكيف سنخرج؟

الآراء متضاربة جداً وتهدد وحدة الموقف الأوروبي في قضايا عديدة وليس حول الموقف من سورية فقط. فالملف اليمني الشبيه بالملف الليبي معكوساً لم يحسم بعد وكذلك الوضع في البحرين حيث تؤكد التقارير الفرنسية أن الجمر يكبر تحت الرماد رغم مظاهر الأمن والاستقرار المستوردين وخاصة أن الولايات المتحدة لم تظهر اهتماماً بقاعدتها البحرية المستأجرة في البحرين. ويرى فريق أن الانسحاب من الملف السوري بات ضرورة إستراتيجية لأوروبا إذا ما أرادت الحفاظ على ما تبقى من مصالحها هناك. ويذهب المحللون في تحليلهم للقول إن حصة أوروبا مجتمعة في الخليج لا تتعدى العشرة بالمئة من حصص باقي الأطراف الدولية. وإن الدول التي نعتبرها دولاً صديقة ليست كذلك في العمق عملياً ولن تستطيع أن تكون فعلاً صديقة بوجود الضغط الأميركي المباشر وغير المباشر. ومن ثم فإن على أوروبا إعادة صياغة موقفها من التطورات في الشرق الأوسط وفق منظور آخر ووفق معطيات عملية دقيقة أولها قراءة متأنية في خريطة المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية.

وتقول المصادر الفرنسية: إن تركيا أبلغت أوروبا وفرنسا تحديداً أنها لن تستطيع الاستمرار في موقفها تجاه الوضع في سورية وأنها قد تصبح في حل من التزاماتها تجاه الأوروبيين والعودة إلى مسارها السابق في حال لم تف أوروبا والولايات المتحدة بالتزاماتها غير المعلنة تجاه تركيا.

لكن المقربين من هذا الملف يرون أمرين إما أن تركيا قد أخطأت في البداية التقدير واعتبرت أن الأوروبيين سيحسمون الموقف في سورية ومن ثم فلا بد من «مواقف استباقية» أو أن الأوروبيين قد أخطؤوا تقدير حجم التأثير التركي واعتبروا أن أنقرة عامل فاعل في الوضع السوري يجب استرضاؤها و«تشغيلها» وإعادة صياغة الجغرافيا السياسية على البوابة الشرقية لأوروبا. لكن الحسابات الخاسرة طالت الجميع وتحولت سورية مجدداً إلى اللاعب الأساسي في الخريطة الجيو- سياسية للشرق الأوسط. وباتت المصالح التركية في المنطقة كلها مرهونة بعلاقتها بسورية وبات الأتراك بأردوغانهم أو غولهم يعرفون أن بوابتهم إلى أوروبا كما إلى العرب هي دمشق المستقرة.

كما نشرت صحيفة “البناء” مقالة بعنوان “رقص تركي على حبال المنطقة… والنتيجة؟” للعميد أمين حطيط حيث كتب أنه يكاد الكثير من المراقبين و الباحثين في سياسات دول المنطقة و استراتيجاتها يحارون في تصنيف الدولة التركية و تحديد موقعها الصحيح على  هذا المسرح الاستراتيجي المشرقي مع اربطه بالمسرح الاوسع دوليا. فتركيا – حزب العدالة او التنمية برعت في السنوات الخمس الاخيرة في اطلاق المواقف المتناقضة في و الزمان و المجلس ذاته . تلغي مناورات مع الناتو لان اسرائيل ستشارك فيها ثم تنفذ و في الاسبوع نفسه مناورات مع اسرائيل و تشترط حجبها عن الاعلام ، ترفض التدخل العسكري في ليبيا من اي جهة جاءت ثم تشارك بصيغة او باخرى في خطة الناتو العسكرية التي اودت بنظام معمر القذافي ، تغضب لاهانة سفيرها في اسرائيل ثم ترفض التعامل بالمثل او اتخاذ موقف يؤلم الدبلوماسية الاسرائيلية ، و قبل ذلك تعلن  و تشهر استراتيجتها القائمة على قاعدة “صفر مشاكل” ثم تتوجه الى الميدان بعد ” التصفير ” الى انتاج مشاكل جديدة مع احياء ذاكرة الاخرين بما كان من مشاكل معها ما يمكن من القول بان ادعائها ب “صفر مشاكل ” انقلب  الى  “صفر ثقة” تؤدي الى شل علاقاتها بدول المنطقة و مكوناتها السياسية و الاثنية  و تجميدها خلافا لمقتضيات استراتيجية الانخراط في المنطقة و الاقتران الاستراتيجي بدولها مع ما يفرضه من نسف المشاكل القائمة و بناء الثقة الثابتة والتراكمية

أ‌. و الان و بعد المواقف التركية من سوريا و اسرائيل فضلا عن ايران و القضية الفلسطنية ، يبدو السؤال الملح: اين تركيا في موقعها الحقيقي ؟ و هنا لانرى الاجابة صحيحة الا بالتعمق في المواقف التركية دون الاكتفاء بالتوقف عند ظاهر الكلام و سطحية المواقف .
1- مع استراتيجتها الجديدة اظهرت تركيا اهتماما بالقضية الفلسطنية الى الحد الذي فيه ظن البعض ان فلسطين ستحرر على يد الاتراك وحدهم تقريبا و كانت المواقف الاستعراضية التركية في الاروقة الدولية او في مياه المتوسط و ضفافه  توحي ” بانتفاضة تركية ” على التاريخ التركي في العلاقة مع اسرائيل ، لكن و بدون عذر مفهوم تراخت تركيا و لاشهر طويلة عن المطالبة الجدية بدماء ابنائها الذن قتلو بيد اسرائيلية على سفينة تركيا و لم تطرد سفير او تقطع علاقات دبلوماسية او سواها ، لكنها امتنعت لاحقا عن تكرار تجربة اسطول الحرية لتوحي عمليا لاسرائيل بانها استوعبت العملية التأديبية و تعد بعدم تركرارها ، ثم و تعود و تطرد السفير الاسرائيلي بعد اشهر طويلة .

2- و مع استراتيجيتها الجديدة انفتحت تركيا على سوريا التي تلقفت المسعى و شرعت الابواب و تناست التاريخ و بنت للمستقبل معولة على ان تصبح تركيا عمقا استراتيجيا مضافا الى عمق اخر باتجاه الشرق في ايران ، و لكن و ما ان تحرك بضعة مئات من المواطنين السوريين في شوارع درعا حتى انقلب الموقف التركي ضد سوريا بحيث بدت تركيا تمارس سلوك ” الاستذة ” و الامرة على النظام السوري كانه نظام قاصر فاقد الولاية على النفس و منعدم السيادة، و رغم ان سوريا افرطت في محاولة استيعاب المواقف التركية حتى لا تتسرع في خسارة صديق او حليف استراتيجي محتمل تفرض الجغرافيا افضل العلاقات معه، رغم هذا استمرت تركيا في لعب دور ” عدائي”  ضد الدولة السورية و نظامها دور تجلى في المواقف السياسية العلنية، و احتضان ما يسمون انفسهم معارضة سورية، ثم تبني مشروع تنظيم الاخوان المسلمين الذين يسعون بدعم اميركي  الى الاطاحة بالنظام السوري القائم، و لم تتورع تركيا في عملها ضد سوريا عن دعم الحركات المسلحة و توفير الملاذ الامن لاشخاصها و عائلاتهم عبر اقامة المخيمات فضلا عن التلويح بالتدخل العسكري ضد سوريا، و هو التدخل الذي ما كان ليصرف النظر عنه الا التهديد الايراني الحازم برد فعل قاسي يشمل كل المساحة التركية و ما عليها من قواعد اميركية و اطلسية .

3- و مع استراتيجيتها الجديدة انفتحت تركيا على ايران الى الحد الذي اتخذتها ايران فيه” وسيطا مأمونا” في المباحاثات الدولية حول الملف النووي السلمي الذي تعمل فيه، وكانت تغالي تركيا المرة تلو المرة باظهار حرصها على الامن الايراني و العلاقات البينية مع ايران كونها دولة مشرفية جارة لها و دولة اسلامية تتقاطع مع حزب العدالة والتنمية باحترامها وعملها بالشريعة الاسلامية. لكن الموقف العملي الاخير والمتجسد بقبول تركيا نصب الدرع الصاروخي الاطلسي على اراضيها نسف كل الكلام المعسول، اذ انه في الوقت الذي رفضت فيه دول عدة في اوروبا الشرقية منضوية في الحلف الاطلسي استقبال منظومة الرادارات العملاقة كجزء من الدرع الصاروخي ذاك، قبلت تركيا اقامة تلك المنظومة على اراضيها و لجأت الى حركة مسرحية تثير بها دخانا سياسيا تعول عليه لحجب هذا القرار الاستراتيجي البلغ الاهمية والخطورة على امن المنطقة و طبيعة النزاعات العسكرية المستقبيلية حولها. اذ انه من المضحك و المثير للسخرية ان تحاول تركيا اقامة التوزان بين قرار تكتيكي مرحلي يمكن العودة عنه في اي لحظة و يتمثل بطرد السفير الاسرائيلي من انقرة (و نعتقد انه سيعود في مهلة لن تتجاوز الاشهر الى السنة) و بين قرار استراتيجي يتمثل في نصب الدرع الصاروخي ضد كل من روسيا وايران وسوريا لحماية اسرائيل والمصالح الغربية. و تعلم تركيا ان الدرع الصاروخي هذا عندما يكتمل تفعليه سيشكل دافعا للغرب لمهاجمة ايران بعد ان يطمئن للمنظومة الدفاعية التي تحميه من الصواريخ الايرانية.

ب‌. بعد كل هذا نسال ما هي حقيقة تركيا و مواقفها و اهدافها، و هنا نرى الاجابة سهلة انطلاقا من المواقف و السلوك العملي بعيدا عن الخداع و الاستعراض الكلامي و يمكننا القول:
1- ان تركيا عضو اساس فاعل في الحلف الاطلسي (الناتو) ينفذ ما يقرره الحلف بقناعة تامة و ليس نتيجة قرار الاكثرية و انصياع الاقلية  لان نظام الحلف قائم على مبدأ القرار بالاجماع، ما يعني انه يكفي الرفض التركي حتى يمتنع صدور اي قرار.

2- ان تركيا الاطلسية وافقت على كل ما طلب و يطلب منها في اطار الحلف الاطلسي بما في ذلك المفهوم الاستراتجي العام للحلف و المعتد لعقد من الزمن يبدأ ب 2010 ، مع العلم بان هذا المفهوم يعتمد استراتيجية التدخل في الشرق الاوسط بالقوة الناعمة التي تتضمن انتاج الازمات و الفتن الداخلية لبلدانه المعارضة للسياسة الغربية ، وصولا الى تغيير الانظمة ، او تجميدها او حملها على الانكفاء الى الداخل بعيدا عن قضايا المنطقة وهمومها . و بالتالي تلعب تركيا في هذا المجال دور طليعة او راس القوى المتدخلة و بهذا يفهم دورها في جسر الشغور و تلويحها بالحاقه بالتدخل العسكري الكامل في سوريا

3- ان سياسية تركيا تجاه اسرائيل مهما تقلبت تبقى محكومة بسقف التحالف الاستراتيجي الذي تقوده اميركا ، و ان الصراخ و التهديد و المد و الجزر في العلاقة لا يعدو كونه تقلب في علاقات الافراد في البيت و العائلة الواحدة المتماسكة. و بهذا نفهم طرد السفير الاسرائلي من انقره على اساس انه “سورة غضب مزيفة” تخفي مناورة للتغطية على حقائق يراد حجبها.

4- ان تركيا ذات طموح اكيد بان تسيطر على المنطقة متكئة على فئات محلية سبق لها ان تحالفت مع الغرب واعادت تحالفها اليوم معه، وبهذا يفهم احتضانها للاخوان المسلمين الذين ستتخذهم اداتها في السيطرة، و لتكون هي يد الغرب في الامساك بالمنطقة .
وبعد هذا نعود الى السؤال: هل ستنجح تركيا في مهمتها الاطلسية؟

قبل الاجابة نسجل بان تركيا استطاعت ان تحدث خرقا كبيرا في العامين الماضيين لكن افتضاح امرها في سوريا ، و عجز الغرب عن الاطاحة بالنظام السوري سيرتد على تركيا خسائر استراتيجية وفق ما تتوقع و اكثر مما تحتمل و ستجد تركيا نفسها انها لم تكن لاعبا محترفا على حبال السياسة الشرق اوسطية، و بالمقابل ستبقى قافلة منظومة المقاومة التي جاءت تركيا لتقطع الطريق عليها ستبقى مستمرة  في مسيرتها لتمنع المشروع الغربي الذي تعتبر تركيا احدى ادواته، لتمنعه من تحقيق اهدافه ضد مصالح شعوب المنطقة .

كتب د. عصام نعمان مقالة بعنوان (من “تصفير المشكلات” إلى “تصفير الحلول” ؟) في صحيفة البناء حيث أشار الى أن عيون العرب، كما الصهاينة، شاخصة الى رجب طيب اردوغان. فقد شدَّ السياسي التركي الرحال الى مصر، فماذا يريد منها، ومن جاريها الفلسطيني (الغزّي) و”الإسرائيلي”؟

يدرك اردوغان ان سياسة “تصفير المشكلات” التي أقنعه بتبنيها وزير خارجيته احمد داود اوغلو، لم تؤدِ إلا الى تصفير الحلول المرتجاة لها. فلا هي نجحت مع ارمينيا ولا مع العراق ولا مع سورية ولا مع ايران، وها هي تتهاوى – لحسن الحظ – مع “اسرائيل”.

سياسة ” تصفير المشكلات” هي، في الأصل، من وحي الرئيس التركي الراحل تورغوت اوزال الذي كان يحلم بإحياء “العالم التركي” وقيادته من شواطىء الادرياتيك الاوروبية الى سور الصين الآسيوية. داود اوغلو استوعب الحلم ومدَّه الى العالم العربي، واشار على بلاده بأن تؤدي دور الوسيط بين دول الجوار المتنافرة والمتحاربة من اجل محو المشكلات العالقة بينها. المطلوب “صفر مشكلات” بين الدول التي تمثّل المدى الحيوي لتركيا ذات الموقع الاستراتيجي الحاكم بين اوروبا وآسيا، والمؤهلة لقيادة “العالم التركي” من بر الاناضول وجبال البلقان غرباً الى سور الصين شرقاً، ومن جمهوريات آسيا الوسطى شمالاً الى هضاب العراق وسورية جنوباً.

المدخل الى العالم العربي هو سورية. لذلك طرق اردوغان ابوابها وأقنع قيادتها بجدوى دوره كوسيط بينها وبين “اسرائيل” من اجل استعادة الجولان المحتل. كانت تركيا، آنذاك، على علاقة جيدة مع “اسرائيل”. غير ان حربها العدوانية على غزة اواخرَ 2008 ومطالع 2009، ثم اعتداءها على “اسطول الحرية “وهو في طريقه الى مساعدة اهالي القطاع المحاصر، ومقتل 9 على متنه من المناصرين الاتراك للقضية الفلسطينية، عكّرت العلاقات بين انقرة وتل ابيب. ثم ما لبث اردوغان، إزاء صَلَف “اسرائيل” واصرارها على عدم الاعتذار بعد صدور قرار لجنة “بلمار”، ان صعّد تدابيره العقابية ضدها بطرد السفير “الإسرائيلي”، وخفض التمثيل الدبلوماسي الى مستوى سكرتير ثانٍ، ووقف التبادل التجاري في قطاع الصناعة الدفاعية، وتعليق الاتفاقات العسكرية.

غير ان عدم رضوخ “اسرائيل” إلى المطلب التركي بالاعتذار، دفع اردوغان الى الإعلان عن المجموعة “ج” من الاجراءات التي تنوي بلاده فرضها عقاباً لـ”إسرائيل”، واهمها قيام سفنٍ حربيةٍ بمرافقة اي بواخر مساعدات تركية الى قطاع غزة، مشدداً على ان انقرة ستمنع “اسرائيل” من استغلال موارد البحر المتوسط بشكل منفرد، في اشارة الى حقول الغاز الممتدة الى المياه الاقليمية الى لبنان وسورية وقبرص التركية.

الى ذلك، ذكرت صحيفة “اكشام ” التركية، ان الخطة “ج” تتضمن ايضاً خطوات اخرى مؤلمة ضد “اسرائيل”، ومنها تقديم الدعم المطلق لمشروع قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وممارسة ضغوط على الامم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية لفرض عقوبات على “إسرائيل” جرّاء عدم الالتزام بالتعليمات، واخيراً رفض تركيا المصادقة على عضوية “اسرائيل” في حلف شمال الاطلسي.

هكذا تجد تركيا نفسها في خضم مشكلات جديدة ومعقدة مع “اسرائيل”. صحيح ان العرب يستفيدون بالتأكيد من اتساع فجوة الخلافات بين الدولتين. لكن اي فائدة يجنونها في هذا المجال تبددها خلافات متزامنة ومتصاعدة مع سورية وربما مع العراق ايضا. ففي مقابلة مع قناة “الجزيرة” جرى توقيتها، على ما يبدو، بالتزامن مع كشف إجراءات المجموعة “ج”، اشار اردوغان الى ان ظلالاً تخيم على شرعية الرئيس بشار الاسد ونظامه، مؤكداً انه ليس على إتصال بالاسد ولا يعتزم الاتصال به بعد الآن. اكثر من ذلك، خاطب اردوغان الاسد قائلاً : “لا يمكن بناء الحكم على الدم لأن الذين يبنون حكمهم على الدم، يذهبون بالدم”.
تهديدات اردوغان الحادة الموجّهة الى قادة “اسرائيل” وسورية، هل المقصود بها الضغط على تل ابيب ام التقرّب من القاهرة ؟ ام تهديد دمشق بتدخل عسكري كان لوّح به بعض اوساط المعارضة السورية من خلال اطلاق شعار “جمعة الحماية الدولية”؟

يبدو ان اردوغان يقصد هذه الاغراض مجتمعة. فهو يضغط على “اسرائيل” سياسياً ليغطّي امام العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً اي خطوات سلبية ميدانية يتخذها ضد سورية. وهو جاد في الضغط على “اسرائيل” اقتصادياً للحؤول دون استئثارها بالموارد البحرية، واهمها الغاز، التي تزخر بها منطقة شرقي البحر المتوسط التي تضم لبنان وسورية وقبرص التركية. فوق ذلك، لا مصلحة لتركيا في ان تنجح “اسرائيل” في الاستئثار بعائدات فلكية من الغاز والنفط في البحر المتوسط لأنها تمكّنها من التحوّل الى قوةٍ اقليمية كبرى منافسة لتركيا في المنطقة ومناوئة لها، وربما حائلة دون تحقيق حلمها في قيادة العالمين العربي و”التركي”.

ماذا يريد اردوغان من مصر؟

لعله يريد، اولاً، تأخير وربما تعويق ترميم العلاقات المصرية – الايرانية. ويريد، ثانياً، إقامة تفاهم استراتيجي بين تركيا ومصر لمجابهة تحالف طهران – دمشق والحدّ من نفوذه. ويريد، ثالثاً بناء محور اقليمي يكون حامياً للدول العربية المنتجة للنفط وبالتالي بديلاً من الامن المستعار الذي تتيحه لها، حالياً، الولايات المتحدة المتجهة الى سحب قواتها من العراق وافغانستان ، وربما من مناطق اخرى في المستقبل. الى ذلك، يريد اردوغان تشديد عزيمة مصر في تصحيح علاقتها بقطاع غزة، وفتح المعابر اليه لإضعاف الحصار “الاسرائيلي” تمهيداً لرفعه كلياً. مع العلم ان التعاون بين انقرة والقاهرة يُسهم في الضغط على “اسرائيل” والحدّ من نفوذها ويساعد تركيا على تنفيذ استراتيجيتها الكبرى في العالمين العربي و”التركي”.

ماذا عن ايران والعراق ؟

أثارت تركيا خشية ايران بموافقتها على وضع رادار الدرع الصاروخية الاميركي في أراضيها ما استوجب انتقاداً حاداً لها من وزير دفاعها. خشية ايران مردها، في الغالب، الى تصريحات ذات دلالة ادلى بها اخيراً وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا الذي اعلن ان ايام الرئيس بشار الاسد في السلطة باتت معدودة وان “الثورة في ايران تبدو مسألة وقت“.
قد تكون الغاية المتوخاة من وراء هذه التصريحات رفع معنويات حلفاء اميركا في المنطقة عشية قرارها المرتقب بسحب قواتها من العراق قبل نهاية العام الحالي. لكن صفة بانيتا كمدير سابق لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية “سي آي اي” تذكّر المراقبين بأن ثمة حرباً ناعمة تشنها واشنطن على كلٍ من سورية وايران، وانها قد تأخذ في قابل الايام شكل تدخلٍ عسكري في سورية واضطرابات أمنية أثنية في ايران.

اما العراق، فإن قيام تركيا بتصعيد هجماتها البرية والجوية على مقاتلي حزب العمال الكردستاني (التركي) المتمركزين في اقليم كردستان العراقي قد احرج حكومة بغداد، كما حكومة طهران، واستثار شكوكاً في العاصمتين العراقية والسورية من احتمال افتعال تركيا احداثاً دراماتيكية في سورية تُخرج شمالها الكردي من سيطرتها، وتفسح لحكومة انقرة مجال التدخل عسكرياً لفرض سيطرتها على الشريط الكردي السوري بدعوى الحؤول دون تشكيل بؤرة تهديد لتركيا بالتواصل والتعاون مع اكراد جنوب تركيا وشمال العراق، وبالتالي لمنع ظهور شريط كردي يمتد من شمال العراق مروراً بجنوب تركيا وصولاً الى شمال سورية والبحر المتوسط. لا تصفير للمشكلات، اذاً، في الحاضر المأزوم. أليس كذلك .

Share This