نص الكلمة التي ألقاها هاروت صاصونيان في حفل توقيع كتابه “البروتوكولات بين أرمينيا وتركيا: حقيقة أم خدعة؟”

يسرني ان اكون هنا هذه الليلة بين هذا الحضور المحترم للاحتفال معا ً بمناسبة نشر كتابي  “البروتوكولات بين أرمينيا وتركيا: حقيقة أم خدعة؟”.

انه لمصدر سرور خاص لي ان ينشر هذا الكتاب في عاصمة لبنان العزيزة لقلوبنا والتي تركتها قبل ما ينوف عن اربعة عقود كتلميذ انهى الثانوية العامة لاعود اليوم واقدم اول خطاب لي باللغة العربية التي تعلمتها هنا في برج حمود، في مدرسة صوفيا هاكوبيان.

انني اكتب مقالا ً سياسيا ً كل اسبوع في جريدتي “كاليفورنيا كوريير” باللغة الانكليزية في مدينة غليندييل-كاليفورنيا، حيث تغطي مقالا ً في دائما ً الامور المعاصرة وما ينشأ من قضايا واحداث لها علاقة وتأثير على أرمينيا والارمن في جميع انحاء العالم. وبما ان جريمة الابادة الجماعية التي ارتكبتها تركيا ضد الامة الارمنية والتي ترفض ان تعترف بها، فإن غالبية مقالاتي تحلل الجهود المستمرة التي بذلتها وتبذلها تركيا لإنكار  هذه الجريمة الجماعية البشعة ضد الانسانية وكذلك حملتها المضللة للضغط على دول اخرى للإنضمام معها في طمس الحقيقة بينما ترفض ارجاع الاراضي المحتلة والاملاك المصادرة العائدة الى الامة الارمنية الضحية.

لقد جمعت كل مقالاتي التي كتبتها في السنين الاخيرة في هذا الكتاب خاصة فيما يتعلق بالبروتوكولات بين أرمينيا وتركيا. واعتماداً على ملاحظة وتحليلات لسنين طويلة، بألاعيب الدبلوماسية التركية منذ عهد الامبراطورية العثمانية فقد كان حدسي صحيحا ً حين ظهر لي بأن الحكومة التركية لم تكن صادقة النوايا في تطبيع العلاقات مع أرمينيا ولم تعتزم إزالة الحصار وفتح الحدود وتبادل العلاقات الدبلوماسية مع أرمينيا.

كانت نية الحكومة التركية استغلال هذه البروتوكولات للضغط على أرمينيا للتخلي عن ملاحقة الاعتراف الدولي المتزايد بالإبادة الجماعية الأرمنية وذلك بخلق حاجب ضبابي بالتفاوض السلمي مع أرمينيا وذلك حتى تدفع وتحث الدول الاخرى وخاصة الولايات المتحدة بعدم تعطيل هذه المصالحة الظاهرية والعلاقات الناشئة اذا ما اعترفت بالإبادة الأرمنية، وحتى تجبر أرمينيا على التخلي عن المطالبة بالأقاليم الأرمنية التي تحتلها تركيا وكذلك تقديم تنازلات حول         ” ناغورنو كاراباغ” لإصفاف عزم الأرمن بانشقاق أرمن الشتات عن أرمن أرمينيا الأم.

وبكل عناد تتابع الحكومة التركية بخططها غير المعلنة بانتزاع تنازلات اضافية من أرمينيا فقد رفضت التصديق على البروتوكولات التي وقفتها قبل سنتين وكذلك قام البرلمان التركي مؤخرا ً بالخطوة النهائية لتعطيل هذه البرتوكولات وذلك بسحبها من اجندته لأسباب تقنية. ان فشل البرتوكولات بين أرمينيا وتركيا يعتبر برهاناً واضحاً عن الالاعيب الدبلوماسية التي تقوم بها تركيا لخلق انطباعات زائفة وليس نقاشاً سلميا ً. لا يمكننا ان نأخذ التزامات الحكومة التركية بجدية. فإن تواقيع قادتهم على الاتفاقات الدولية لا تساوي ثمن الورق الذي وضعت عليها.

وقد ظهر المسؤولون الأتراك في السنوات الاخيرة على انهم المدافعون عن القضية الفلسطينية ومناصروا الشعوب العربية والاسلامية ، بينما هم لفترة طويلة وما زالوا الشركاء الاستراتيجيين لإسرائيل يتشاركون معها بأخطر أسرار الدول العربية العسكرية.

ان الفلسطينيين، والعرب على وجه العموم، لا يحتاجون الى صداقة المسؤولين الأتراك العثمانيين الجدد. فالشعوب العربية من زعمائها الوطنيين الدفاع عن مصالحهم الوطنية،  وليس الاجانب  الذي يخدمون فقط مصالحهم الخاصة.

وقد تبين مؤخرا ً كيف ان المسؤولين الأتراك كانوا بجانب الانظمة الدكتاتورية في مصر وليبيا فقط الى اللحظة التي ظهر لهم فيها ان هذه الأنظمة أيلة الى التداعي فتراجعوا. هذه المظاهر هي قمة الانتهازية وليست صداقة. لقد عان العرب والأرمن الكثير الكثير معا ً من وحشية الظلم العثماني ولا يمكن انجرارها بسهولة وراء اشارات الصداقة والمصالحة التركية الزائفة. بينما استفاد الناجون من الابادة الجماعية الارمنية من حسن احتضانهم من الشعب العربي في بلدان الشرق الأوسط. فلولا تلك الأفعال الانسانية لما كان الكثيرون من الحاضرين هنا اليوم، موجودين معنا.

اختم كلمتي هذه الليلة بتقديم جميل العرفان، لمعالي السيد الوزير ميشال اده الذي تلطف ومن علي بمقدمة عقلانية، ملهمة ومميزة لكتابي هذا. وكذلك اقدم شكري الى الدكتورة نورا أريسيان التي اعطت من وقتها الساعات الطويلة في ترجمة الكتاب من الانكليزية الى العربية وكذلك ترجمة كتابي السابق عن الابادة الجماعية الارمنية.

واضافة لذلك اقدم  شكري  للجنة الدفاع عن القضية الأرمنية في لبنان لرعاية هذا الحدث ولجريدة “أزتاك” للتعاون.

واذكر ايضاً دار نشر “هاماسكائين” والسيد هاكوب هافاتيان شاكرا ً لهم جميعا ً نشر هذا الكتاب. ولا انسى شكري الجزيل الخاص لصديقي الحميم والمحسن الوطني غابريل شامبرجيان رئيس مؤسسة “بيونيك” المميزة لكرم رعايته في ترجمة ونشر هذا الكتاب.

وشكراً جميعاً.

بيروت في 9/9/2011

Share This