تغطية الصحافة العربية حول موقف تركيا من الأحداث في سوريا (أيلول 3)

ة نشرت على موقع محطة أخبار سورية تحت عنوان (أردوغان بين العلاقات العامة.. والسياسة الخارجية؟؟) نقرأ:  يجول رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان على عدد من الدول العربية التي أحبّ البعض تسميتها دول “الربيع العربي”. فقد قصد أردوغان تونس ومن ثم سيصل ليبيا، بعد أن أستهلّ جولته من العاصمة المصرية القاهرة التي ظهر واطلّ من على منبر جامعة الدول العربية في مقرها، على الدول العربية وكأنه حفيد السلطان العثماني أو السلجوقي الجديد.

رئيس الوزراء التركي يوزع ابتساماته وينشر وعوده ويطرح مشاريع “سلطانية” فضفاضة تمتد من الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية وافتتاح فعاليات منتديات اقتصادية ثنائية مع البلدان التي يزورها، وصولاً إلى إنشاء مجالس تعاون إستراتيجية كما جرى بين سورية وتركيا أو بين تركيا والأردن…الخ.

لا أحد بالطبع، يحزن لتحسين العلاقات العربية التركية والعربية الإيرانية وكلّ العلاقات الإقليمية في مواجهة المشروع الغربي في المنطقة وركيزته إسرائيل العدوانية المحتلة للأراضي والحقوق العربية.

ولكنّ من يتابع تصريحات القيادة التركية ولاسيما تصريحات السيد أردوغان ووزير خارجيته أحمد داؤود أوغلو منذ بعض الوقت وحتى الآن، ويقارن بين هذه التصريحات أو السياسات المعلنة وبين الواقع على الأرض، يستطيع أن يحدد فوراق مهمة تكشف أقلّه عن تناقض أو تعارض بين القول والفعل:

أولاً، أعطت الحكومة التركية رغم كلّ الحديث عن العلاقات الجيدة مع كلّ من سورية وإيران وحتى مع روسيا، الموافقة على نشر الدرع الصاروخية الغربية الأطلسية على الأراضي التركية رغم التهديد الصريح الذي تمثله هذه الصواريخ لكلّ من الدول الثلاثة. وفيما يشنّ السيد أردوغان حملة على إسرائيل، تبدو تحريضاً للمشاعر والنخوة العربية قبل جولته السلطانية، فإن الدرع الصاروخية تخدم أولاً الكيان الإسرائيلي الذي يدعي أردوغان مهاجمته. بل بدا ـ  وحتى للكثيرين من الأتراك أنفسهم ـ أن حملته على إسرائيل لم تكن سوى تغطية لتمرير نشر الدرع الصاروخي بأقل الخسائر. وبكلام آخر، بدا أن أردوغان ينفّذ السياسة الغربية الأطلسية والغربية تحت شعارات براقة وجميلة يدغدغ بها مشاعر الجماهير العربية التي يقصد دولها.

ثانياً، رفعت الحكومة التركية الأردوغانية شعار تصفير المشكلات مع دول الجوار، لكنّ ذلك لم يحدث أبداً، وما حدث على أرض الواقع هو العكس تماماً؛ فبعد الحديث عن تعاون إستراتيجي مع سورية، تسير الحكومة التركية بالعلاقات مع دمشق نحو القطيعة عبر محاولة التدخل والتأثير في الشؤون الداخلية لسورية؛ وليس الوضع أحسنُ حالاً في العلاقات مع العراق أو مع قبرص أو مع اليونان أو مع روسيا ناهيك عن العلاقات مع أرمينيا؛ إذ لم تعد مفهومةً للجميع أهداف السياسة الخارجية التي تنتهجها أنقرة. وحتى بالنسبة للمعارضة التركية لم تعد الساسة الخارجية التركية مقبولة ومفهومة، اللهم إلا إذا اعتبرت تنفيذاً لسياسات غربية في المنطقة.

ولعّل القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» المصرية عصام العريان وضع إصبعه على الجرح عندما حذّر السيد أردوغان من سعي تركيا للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط: «نحن نرحب بتركيا ونرحب بأردوغان كزعيم متميز من زعماء المنطقة ولكننا لا نرى أنه أو بلاده تستطيع لوحدها قيادة المنطقة أو رسم مستقبلها(السفير 15/9/2011)».

وبعد ما تقدّم نجد أن السؤال الحقيقي الآن هو من يستطيع بعد التحولات أو “التذبذبات” التركية أن يصدّق ويقتنع بالمواقف التركية، أو أن يثق بالقيادة التركية ووعودها و”إستراتيجية” العلاقات معها!! فمن يضمن ألا يبيع أردوغان صداقاته والدول التي يزورها الآن كما باع غيرها من قبل؟؟ ومن يضمن ألا يغيّر أردوغان مواقفه وينسى تواقيعه كما فعل من قبل، وكما فعل تحديداً مع ليبيا التي سيزورها في جولته الراهنة؟

بل وربما السؤال الأهم هو ماذا يعني أردوغان “بالعلاقات الإستراتيجية” عندما ينقلب ويغيّر مواقفه وينسف ما تمّ بناءه في أعوام خلال أيام أو أشهر؟؟

لا نريد أن ينجح أردوغان في حملة العلاقات العامة التي يقوم بها والتي تزهر فقط دون أن تثمر، ولكننا نريد أن ينجح أردوغان في الحفاظ على علاقات متوازنة أقامها مع سورية ودول المنطقة لتخدم هذه الدول وشعوبها، وألا يتقلب في مواقفه، وأن يطبّق فعلاً سياسة صفر مشاكل مع الجيران، لا نقيضها.. رغم أننا نعتقد أنه إن لم يخسر سورية بالكامل بعد، فقد خسر ثقتها على الأقل وسيحتاج وقتاً وجهداً كبيرين كي يستعيدها.

السيد أردوغان يتحدّث كثيراً عن “العلاقات الإستراتيجية” و”المجالس الإستراتيجية”، ولا ندري إن كان يحتاج لمن يذكّره أن من حوله أصبحوا مقتنعين أنه نادراً يعني ما يقول!! أما اللعب على الكره العربي لإسرائيل، فسوف يٌغلق مَجاله قريباً أمام بلاغة رئيس الوزراء التركي.

أما محمد نور الدين فيتساءل في السفير تحت عنوان (ما الرابط بين تدابير أنقرة ضد إسرائيل والعلاقات التركية مع سوريا وإيران وروسيا؟) ليقول : أثارت التدابير التركية ضد إسرائيل الجمعة الماضي بعد تسريب تقرير “لجنة بالمر” حول العدوان الإسرائيلي على “أسطول الحرية”، نقاشات وتساؤلات متعددة داخل تركيا نفسها.
وبقدر ما أظهرت الصحف التركية دعما لخطوات الحكومة، فإن ما يلفت أكثر من أي شيء آخر هو التزامن بين الإعلان عن التدابير التركية ضد إسرائيل والإعلان عن اتفاق لنشر الدرع الصاروخي في تركيا، والمستهدف منه أساسا إيران وسوريا وروسيا، مع ما تشهده العلاقات التركية من توترات مع هذه الدول في هذه المرحلة.

وقد ركزّت الصحف التركية في عناوينها على أن إسرائيل ستصبح أكثر عزلة على الصعيد الدولي بعد التدابير التركية. وتحدثت الصحف عن إمكان قيام رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان “بخطوة كبيرة” وهي زيارة قطاع غزة عبر بوابة رفح، ليكون أول رئيس حكومة يدخل القطاع من هذه البوابة.

وتقول الصحف إن مثل هذه الخطوة مرتبطة بمدى تجاوب الحكومة المصرية مع الطلب التركي، خصوصا أن العلاقات المصرية – الإسرائيلية تمر بدورها في فترة توتر. كذلك يتوقع أن تسعى تركيا إلى تقديم مشروع قرار إلى الأمم المتحدة يعتبر الحصار على غزة غير شرعي، وذلك ردا على تقرير لجنة “بالمر” الذي اعتبرته شرعيا.

وأعلن وزير الخارجية احمد داود اوغلو، لقناة “تي آر تي” امس الاول، ان تركيا ستبدأ الأسبوع المقبل إجراء قضائيا للاعتراض على قانونية الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة. وحذر من أن موقف السلطات الإسرائيلية سيؤدي إلى إثارة استياء القوى السياسية الجديدة الناشئة من “الربيع العربي”. وقال “إذا استمرت إسرائيل على مواقفها الحالية، فانها تكون تعمل على اثارة شعور قوي مناهض لها لدى من يقاتلون انظمتهم التسلطية في حركة الربيع العربي”.

كذلك ستقوم تركيا بتشجيع منظمة التعاون الإسلامي على التحرك وسط حملة إعلامية من جانب الصحف المؤيدة لحزب العدالة والتنمية على منظمة التعاون الإسلامي التي يرأسها التركي اكمال الدين إحسان أوغلو، بسبب ما وصفته “بلا مبالاة” المنظمة بمجاعة الصومال، وعلى “صمتها” إزاء تقرير “بالمر”. وتردّ أوساط تركية حملة حزب العدالة والتنمية على إحسان أوغلو بأنها تستهدف تقليل حظوظه للترشح ليكون أمينا عاما مقبلا للأمم المتحدة في حين يتم الإعداد سرا ليكون الرئيس التركي عبد الله غول نفسه أمينا عاما مقبلا للأمم المتحدة بعد أن يحل اردوغان محله في الرئاسة.

ولم تستبعد الصحف التركية أيضا تسخين الوضع في شرق المتوسط مع إعلان أنقرة أنها لن تترك البحر المتوسط رهينة بيد إسرائيل، بل ستضمن تركيا حرية ملاحة سفنها فيها عبر مواكبة قطعها البحرية العسكرية لها، وهو ما قد يضع تركيا وإسرائيل في مواجهة بعضهما البعض.

وإضافة إلى سعي تركيا لنقل قضية الحصار إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، فإن وزارة الخارجية التركية أنذرت السفير الإسرائيلي غابي ليفي وكل دبلوماسي أعلى من سكرتير ثان بمغادرة البلاد حتى الأربعاء، وإلا فستضطر أنقرة إلى إخراجهم بنفسها، غير أن ليفي قال انه سيغادر في الموعد المحدد وقد يعود إلى تركيا في المستقبل بصفة سائح.
واتهم اوزديم سانبرك، العضو التركي في اللجنة التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، رئيسها جيوفري بالمر ونائبه في اللجنة الرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي بأنهما مواليان لإسرائيل، وقد أعدا التقرير بالتعاون معها متجاهلين كل الطروحات التي قدمتها تركيا.

وبعيدا عن الضجيج العالي الذي أحدثته الخطوة التركية ضد إسرائيل، فإن صحيفة “ميللييت” توقفت مليا عند تزامن الخطوة التركية ضد إسرائيل بالإعلان عن موافقة أنقرة على نشر الدرع الصاروخي في أراضيها. وقالت الصحيفة، في مقالة كتبتها نوراي ميرت، انه “ليس مصادفة تزامن القرارين، فالضجيج والتركيز الآن على الخطوة ضد إسرائيل فيما كان يفترض أن يتم التركيز على علاقة تركيا بحلف شمال الأطلسي وتأثير الخطوة على العلاقات التركية مع إيران وسوريا”. وأضافت الكاتبة إن رد فعل تركيا على إسرائيل في هذه اللحظة بالذات كان للتغطية على قرار نشر الدرع الصاروخي وتمريره بأقل قدر من الضجيج.

وفي الاتجاه ذاته، يذهب الكاتب في الصحيفة نفسها سميح ايديز عندما يربط بين قرارات تركيا ضد إسرائيل أيضا بقرار نشر الدرع الصاروخي الموجه أيضا ضد موسكو، وبالدعم الروسي القوي للقسم اليوناني من جزيرة قبرص، وهو ما يعكس قول تركيا إنها ستسير دوريات بحرية لضمان حرية الملاحة في شرق المتوسط.

ويقول ايديز إن بدء قبرص اليونانية التنقيب قريبا عن الغاز في شرق المتوسط سيكون سببا آخر للتوتر. وهو ما عكسه وزير الدولة التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي ايغيمين باغيش بقوله إن الأسطول موجود لهذه الأسباب، أي بتحذير تركيا للقبارصة اليونانيين من التنقيب عن الغاز في مياه المتوسط، حيث ترى أنقرة أن شمال قبرص التركية معنية بها وقد تم تجاهل دورها.

ويضيف ايديز انه “سواء ارتبطت الخطوة التركية ضد إسرائيل بإيران أو روسيا أو سوريا فإنه مع عدم إيجاد حل للمشاكل الراهنة، فإن مشاكل جديدة تنشأ على هامشها. وفي حال لم يُظهر وزير الخارجية أحمد داود أوغلو وفريقه مهارة في إدارة الأزمة، فإن الطريق إلى صدام عسكري ستكون مفتوحة”.

ونشر موقع سيريانديز مقالاً تحت عنوان (الاستخفاف السوري بالحملة الكونية…أسقط قناع المارد عن وجه أنقرة….خفايا وأسرار المواجهة السورية مع ثلاثي الفشل السياسي “فرنسا قطر وتركيا”) ليكتب أن وتيرة الهجوم الدبلوماسي الفرنسي ضد سورية تتصاعد يوماً بعد يوم بالتزامن مع التصعيد الإعلامي الذي يتخذ شكلاً إرهابياً غير مسبوق في تاريخ وسائل الإعلام عبر قنوات العربية والجزيرة وغيرهما من القنوات المجندة لخدمة المشروع الغربي في سورية، وتؤكد تقارير إعلامية إن حدة التصريحات الفرنسية المتحاملة على السيد الرئيس بشار الأسد قد بلغت ذروتها في “الوقاحة السياسية” ووصلت إلى مستوى غير لائق دبلوماسياً، حيث أظهرت تلك التصريحات وجبة كافية من علامات الحقد والكره بعيداً عن علاقات الدول ومصالحها وفق ما قال المؤرخ الفرنسي فيليب بريفو، صاحب كتاب مسؤولية فرنسا في المأساة الفلسطينية.

وتقول التقارير إن هذا الحقد في التعامل يرجع إلى أسباب عدة تتعلق بمجملها بفشل الدبلوماسية الفرنسية في العالم العربي، وهذا الفشل اتخذ شكلاً كارثياً في ليبيا حيث تتحدث أوساط إعلامية ودبلوماسية فرنسية عن النموذج الليبي السيئ والقاتل للسياسة الفرنسية الخارجية الذي سوف يقضي حتما وفي القريب العاجل على كل مصداقية لفرنسا في العالم العربي.

ويأتي هذا التعامل غير الدبلوماسي أيضا مما يسميه البعض هنا في باريس بالحائط السوري الذي تلقت عليه فرنسا ساركوزي إهانات روسية لا تحصى خلال الأشهر الأربعة الماضية، إذ انتقلت التصريحات الفرنسية من المطالبة بعقوبات على سورية إلى إطلاق مصطلحات ضيق وتذمر من كل ما هو سوري أو له علاقة بالشأن السوري، وتشير إلى روسيا من دون أن تسميها، ولم تخلُ مواقف وزير الخارجية الفرنسي ورئيس الجمهورية أيضا من تعابير “لم تعد تطاق”، فعلى سبيل المثال “لم يعد محتملا”، “غير مقبول”،”على البعض أن يتحمل مسؤولياته”، وغيرها من المصطلحات التي لا تستخدم عادة في اللغة الدبلوماسية لدولة عظمى!.

آمر آخر وراء هذه الحملة الفرنسية ـ القطرية على سورية، وهو اقتراب أيلول/سبتمبر، وهو الموعد الذي حدده الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي للاعتراف بدولة فلسطينية بحدود عام 1967، وهو من أطلق هذا الموعد بصيغة الوعد للثورات العربية التي كانت باريس تسعى لركوب موجتها بعد تجربتي تونس ومصر المريرتين.

وتشير التقارير إلى أن هذا الوعد أصبح من المؤكد عدم إبصاره للنور، كما أنه لن يلتزم به الرئيس ساركوزي، ومن أجل هذا تحاول الدبلوماسية الفرنسية شراء الفلسطينيين والعرب عبر التسويق لمؤتمر دولي لمانحي السلطة الفلسطينية على غرار مؤتمرات باريس 1 و2 و3 التي كان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يعقدها لدعم الحريرية السياسية في لبنان ماليا.

وفي نفس السياق وبالتوازي مع ما يقال في هذا المجال، يقول الصحافي في إذاعة فرنسا الدولية كريستيان شينو “إن الرئيس الفرنسي لن يكون بمقدوره الالتزام بوعده بسبب الرفض الأميركي ـ الإسرائيلي الذي ليس لساركوزي ولا لفرنسا القدرة على مواجهته، خصوصا أن الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا ستبدأ قريبا، لذلك سوف يحاول ساركوزي تمييع القصة والالتفاف عليها.

وهناك سبب آخر يقف وراء الحملة، وهو الاستخفاف السوري الكبير بالضغوط الدبلوماسية والإعلامية لكل من فرنسا وقطر، خصوصا أن السوريين سحبوا ورقة التهديد العسكري التركي من الساحة عبر لعب حافة الهاوية مع تركيا وإرسال فرق النخبة في الجيش السوري إلى الحدود التركية، ما جعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وأركان حكومة العدالة والتنمية يبلعون ألسنتهم بعد التهديدات والمواعيد التي كانوا يطلقونها قبل ثلاثة أسابيع من الآن.

ومن المعروف أن أنقرة وحسب خطة وزير خارجية قطر هي الفزاعة التي أريد عبرها تهديد النظام السوري وتشجيع قطاعات من الجيش في سورية على التمرد وإعلان الانشقاق على غرار ما حدث في ليبيا، غير أن الحقل السوري لم ينطبق على حسابات البيدر الفرنسي ـ القطري ـ التركي، فاضطرت أنقرة إلى سحب كلامها التهديدي وبدأت حملة دبلوماسية عبر طهران حليفة دمشق الأساسية في المنطقة من أجل تسوية تحفظ ماء وجه أردوغان وحكومته وتبقي الدور التركي حاضراً خصوصا في المجال السياسي والاقتصادي بعد تدهور العلاقات بين انقرة من جهة وكل من دمشق وبغداد من جهة أخرى، وبعد التوتر الذي أصاب العلاقات بين انقرة وطهران على خلفية الموقف التركي من أحداث سوريا وعودة تركيا الأطلسية إلى الواجهة.

وبالنسبة لإدارة سورية للملف الكردي، تفيد تقارير إعلامية أخرى أنه ومنذ بداية الاضطرابات في درعا في آذار/مارس الماضي، وتصاعد الحملات الغربية والإقليمية على دمشق اتخذت بعض جماعات المعارضات السورية سياسة في الملف الكردي السوري ترمي إلى دفع الأكراد للواجهة في الاضطرابات والمواجهات التي خطط لها مع قوى الأمن السوري، خصوصا في داخل العاصمة السورية دمشق، حيث يسكن أكراد في حي ركن الدين. وقد شهد الحي بعض الاضطرابات وأعمال العنف في بداية الأزمة، كما أن المدن ذات الغالبية الكردية شهدت في شهر أيار/مايو تحركات خجولة تعاملت معها السلطات السورية بكثير من الحرص، غير أن الوضع الكردي تغير جذريا بالنسبة للمعارضة بعد الدخول التركي الفاضح والوقح في مجريات الأحداث السورية، حيث أثار ذلك خوف الأكراد في سورية ما جعل التحركات تشهد تراجعا كبيراً، وهذا ما أثر على خطط المعارضة في توسيع الصدامات وجعلها أكثر دموية وعنفا، وقد شهدت اجتماعات المعارضة السورية وجلساتها نقاشات واسعة حول الانسحاب الكردي وكيفية جعل الأكراد يعودون إلى الشارع. وقد شهد مؤتمر اسطنبول السبت الماضي انسحابا كبيراً لممثلي الأكراد بعد نقاش حاد مع هيثم المالح الذي هاجم رفع الأكراد للعلم الكردي في بعض المناطق، فما كان من المشاركين الأكراد إلا أن قالوا له وانتم ترفعون العلم التركي أيضا، وقد تعرض الوجود الكردي للتهميش في هذا المؤتمر فانسحب كافة الأعضاء الأكراد في ما يعتبر نهاية المطاف الكردي في تحركات الشارع السوري بعد خلافات شهدها مؤتمر انطاليا في بداية حزيران الماضي.

أما بالنسبة للجانب السوري الرسمي، أشارت التقارير إلى أن السلطات السورية تعاملت بحذر شديد مع محاولات تركية وإخوانية لخلق اضطرابات في المناطق الكردية خصوصا في مدينة القامشلي، وكان الأمن السوري شبه غائب في مجمل أيام الجمعة التي شهدت مظاهرات في بلدات ومدن كردية، في الوقت نفسه بدأت اتصالات بين السلطات في دمشق وأحزاب كردية منها حزب العمال الكردستاني ـ الفرع السوري، أثمرت عن تولي الجناح العسكري لهذا الحزب الأمن في المناطق الكردية لمصلحة الحكومة في دمشق في رسالة واضحة لتركيا بأن دمشق لديها أيضا أوراق تلعبها في الداخل التركي كما تلعب تركيا اردوغان في الداخل السوري تدخلا وتخريبا.

وقد ترافق هذا الأمر مع تصاعد التوتر بين أكراد العراق وتركيا على خلفية دعم الطالباني والبارزاني بقوة لسورية بعد التدخل التركي، وهذا أيضا كان الحال بالنسبة للتحالف الذي يدعم حكومة المالكي في بغداد، وقد انتج هذا الموقف تقاربا عراقياً ـ سورياً بدأت نتائجه الاقتصادية تظهر عبر دعم العراق لسورية بمئة وخمسين ألف برميل نفط شهريا في محاولة للتخفيف عن الاقتصاد السوري في هذا الوقت العصيب، فيما كان المالكي يستقبل حوالى مئة وخمسين رجل أعمال سورياً متعهداً بدعم الاقتصاد السوري وبعلاقات اقتصادية سورية ـ عراقية سوف تخفف الضغط الاقتصادي عن سورية.

وفي الداخل السوري أيضا بدأت عملية التجنيس للأكراد عمليا على الأرض، كما أن هناك حوارات بين الأحزاب الكردية المعارضة في سورية وسلطات دمشق لتوسيع الاعتراف بالهوية الكردية مع تعهدات بمشاريع إنمائية في مناطق الأكراد في المستقبل القريب، ويبقى للموضوع الكردي دوره في ردع الاعتداء التركي على سورية، فالمعلومات التي تتناقلها أوساط المعارضة السورية هذه الأيام تقول بأن الأسابيع القريبة سوف تشهد تحركات واسعة في الشارع التركي، وسوف يكون للأكراد دور المحرك الأساس فيها خصوصا لناحية الغضب الكردي من وعود أردوغان التي بان كذبها بعد سنوات من حكمه التي لم تأت سوى بعمليات عسكرية ضخمة ضد مناطقهم، كما أن الموقف العسكري في تلك المناطق الكردية أثبت أن الجيش التركي لم ينجح في هزيمة الأكراد، وهذا ما سوف يكون له تأثير مباشر على العلاقة بين الحكومة في أنقرة وأكراد تركيا…

وفيما يتعلق بدخول الجيش السوري الى المناطق الحدودية مع تركيا، تقول تقارير، لا شك أن دلالات الدخول العسكري السوري إلى منطقة جسر الشغور على الحدود السورية ـ التركية تتعدى الحالة السورية الداخلية لتشمل مجمل الوضع الاستراتيجي العسكري في المنطقة، خصوصا أن تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، انخرطت في المحور المعادي لسوريا عبر التحريض الداخلي للمعارضين وعبر احتضانها لمؤتمرات المعارضة السورية على ارضها، وفي خضم الدخول العسكري السوري للمناطق السورية المحاذية لتركيا، تراجعت التصريحات السياسية التركية التي اتخذت شكلاً استفزازيا في بعض المراحل، بينما ارتفع الكلام عن فرقة في الجيش السوري تتهمها أطياف المعارضة بالتنقل عبر الأراضي السورية من درعا إلى بانياس مرورا بالرستن وصولا إلى جسر الشغور.

هذه التصريحات والاتهامات التي ساقتها المعارضة الخارجية وخصوصا الجماعات الموالية لأميركا المتواجدة في واشنطن وباريس، هدفت إلى خلق موجة من الإشاعات والأخبار عن انقسامات في الجيش السوري وانشقاقات لم تحصل فضلا عن هدف آخر وهو الإيحاء بأن النظام في دمشق لا يثق إلا بهذه الفرقة من دون غيرها من الجيش ما يسهل في نظر هؤلاء اللعب على الوتر الطائفي لإحداث انقسامات في الجيش تؤمن منطقة على الحدود التركية مشابهة لبنغازي الليبية.

كل هذه الأهداف أسقطها تدخل الجيش السوري في منطقة جسر الشغور، وهناك مناطق دخلتها قوات النخبة من الفرقة الخامسة عشرة من الجيش السوري لم تطأها أقدام جندي سوري منذ سبعة عشر عاما عند الاتفاق السوري ـ التركي على قضية اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في تركيا.

ومن ناحية فرق وألوية الجيش السوري نقلت تقارير إعلامية عن معارضين سوريين على إطلاع لا بأس به على أوضاع الجيش وقطاعاته وفرقه وتوزيعه على كامل أطياف الفسيفساء السورية، أن القوة التي دخلت الى منطقة جسر الشغور والى الحدود السورية التركية لم تكن أبدا الفرقة الرابعة التي يشار إليها في كل تدخل للجيش السوري، حيث إن هذه الفرقة ليس لديها القدرة الديمغرافية والعسكرية لتغطية كافة مناطق سورية ولمعالجة كل الإشكالات والاضطرابات المسلحة التي شاهدناها ونشاهدها في مناطق سورية مختلفة وحدودية بالخصوص.

وتقول هذه المصادر السورية المعارضة ان القوات السورية التي دخلت مناطق الحدود التركية تتبع للفرقة الخامسة عشرة، وقد جاءت قوات هذه الفرقة من مدينة الرستن التي أمنتها قبل تمددها إلى الحدود التركية، وتضيف هذه المصادر بكل ثقة ومعرفة بالوضع أن غالبية ضباط وجنود هذه الفرقة هم من المسلمين السنة وليس هناك أية مصداقية لكل الإشارات والتلميحات التي قالت بغير ذلك.

ويقول بعض المعارضين السوريين “إن البحث عن انشقاق هنا أو بيان هناك لجندي أو ضابط احتياط، لن يفيد المعارضة ولن يسقط النظام الذي أثبتت الأحداث أن الجيش وقوى الأمن السورية ملتزمة به وبأوامره، ولا يمكن بأية حال من الأحوال الالتفات للحالة الليبية أو اليمنية في الانشقاقات لأن هذه البلدان لم يكن فيها جيش منظم يلتزم الأوامر على غرار الجيش السوري”.

من هنا جاء الدخول العسكري السوري إلى المناطق الحدودية مع التركية ليحقق هدفين استراتيجيين بالنسبة لسورية:

أ ـ سحب ورقة التهديد العسكري التركي من الواجهة الإعلامية والنفسية ما أثر على تحركات المراهنين على تركيا من المعارضة وشجع الموالين للحكومة في دمشق وأعطاها ثقة بنفسها.

ب ـ انتهاء التعويل والآمال على انشقاقات في الجيش السوري وذهاب الحملات الإعلامية والنفسية والسياسية في هذا الموضوع الى غير رجعة، وكلنا يذكر إعلان الجزيرة عن بدء تأسيس ما سمته لواء الأحرار الذي انتهى عند هذا الإعلان ولم نعد نسمع به أبدا.

Share This