ملف خاص عن العلاقات بين جمهورية أرمينيا والبلاد العربية بعد استقلال جمهورية أرمينيا

العلاقات بين جمهورية أرمينيا والجمهورية العربية السورية

ابتداء من ثمانينيات القرن العشرين ظهرت لأسباب عديدة بواعث انهيار السلطة السوفياتية التي كانت تضم 15 جمهورية على رأسها روسيا الفيدرالية، بعد أن دامت حكمها زهاء سبعين عاماً.

ورغبة في تحقيق آمال شعب أرمينيا في الحصول على الاستقلال وإعطاء “البيان” صيغة شرعية، قرر المجلس الأعلى إجراء استفتاء شعبي عام في الجمهورية بشأن خروج أرمينيا عن الاتحاد السوفياتي. وجرت في الجمهوريات السوفياتية الأخرى مبادرات مماثلة أدت إلى انهيار الحكم السوفياتي تدريجياً وظهور الدول المستقلة. وفي 21 سبتمبر/أيلول عام 1991 وبموجب نتائج الاستفتاء العام في الجمهورية أعرب الشعب في أرمينيا عن تصويته “نعم” للاستقلال. وبذا بدأت صفحة جديدة في تاريخ أرمينيا كجمهورية مستقلة ذات سيادة.

أما في مجال السياسة الخارجية أعلنت جمهورية أرمينيا عن مسيرتها المبنية على أسس ومبادئ حسن الجوار وأهداف ميثاق هيئة الأمم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان والقوانين والأعراف الدولية وإقرار مساواة الدول في السيادة وصيانة الأمم والأمن الدوليين. وانطلاقا من هذه المواقف قامت أرمينيا بتطوير علاقاتها مع دول العالم وأعربت عن استعدادها الكامل لتعزيز التعاون والمنفعة المتبادلة مع جميع الدول.

ابتداءً من أواخر عام 1991 اعترفت بسيادة أرمينيا الدول المجاورة لها مثل جورجيا وإيران وتركيا، تبعتها روسيا والولايات الأمريكية المتحدة وعدة دول أوروبية وآسيوية وأفريقية. وفي عام 1992 انضمت جمهورية أرمينيا إلى منظمة الأمم المتحدة وبعدئذ إلى المنظمات العالمية الأخرى وتلى الاعتراف الدولي لاستقلال أرمينيا عقد اتفاقيات حول إقامة العلاقات الدبلوماسية معها. وكان هذا دليل قاطع على رغبة العالم في التعامل مع أرمينيا كدولة مستقلة.

منذ أواخر عام 1991 اعترفت عدة بلدان عربية أيضاً باستقلال جمهورية أرمينيا ومنها على سبيل المثال سوريا ولبنان ومصر وتونس والإمارات العربية المتحدة والكويت والجزائر وسلطنة عمان وغيرها. ويدل هذا بدون شك على اهتمام البلدان العربية الصديقة بالجمهورية الأرمنية الفتية وبالتعامل معها على الصعيدين  الدولي والإقليمي.

انطلاقاً من طبيعة العلاقات المتميزة بين الأرمن والشعوب العربية وسعياً نحو تعزيز العلاقات التاريخية والثقافية مع العالم العربي أعطيت الأولوية إلى البلدان العربية في السياسة الخارجية لجمهورية أرمينيا.

وفي ظروف اقتصادية وسياسية عصيبة شرعت أرمينيا منذ عام 1992 على إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول العربية. تندرج في هذا السياق زيارة وزير خارجية جمهورية أرمينيا رافي هوفهانيسيان في مارس/آذار عام 1992 إلى منطقة الشرق الأوسط، وقع خلالها مع وزراء خارجية سوريا ولبنان ومصر اتفاقيات حول إقامة العلاقات الدبلوماسية، كما وقع في دمشق مع نظيره السوري فاروق الشرع اتفاقيات أخرى في مجال التعاون التجاري والثقافي وتنظيم المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية في البلدين.

ويمكن القول إن أرمينيا وقعت اتفاقيات ومذكرات بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية تقريباً مع جميع الدول العربية وبذلك تم وضع الأسس الشرعية وفق مبادئ المعاهدات الدولية للتعاون الشامل في جميع المجالات وعلى صعيد المنظمات الدولية والتعاون الإقليمي والخ. وهكذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ أرمينيا المعاصر، التي فتحت آفاقاً جديدة لتنمية وتوطيد العلاقات مع العالم العربي وفق مبادئ حسن الجوار والصداقة والتعاون والمنفعة المتبادلة. وأعربت أرمينيا مراراً وتكراراً عن استعدادها الكامل لتعزيز علاقاتها مع جميع دول منطقة الشرق الأوسط ومن بينها البلدان العربية.

ولتحقيق هذه الأهداف وتطوير العلاقات مع العالم العربي قام رئيس جمهورية أرمينيا السابق ليفون دير بيدروسيان بأولى زياراته في أبريل/نيسان من عام 1992 إلى سوريا على رأس وفد رسمي كبير ضمّ عدة أعضاء في الحكومة والبرلمان الأرمني وشخصيات رسمية أخرى. واستقبل الرئيس الأرمني بحفاوة من قبل رئيس الجمهورية العربية السورية الراحل حافظ الأسد والشخصيات السورية الرسمية وأعضاء الجالية الأرمنية. ولقيت زيارة دير بيدروسيان ترحيباً شعبياً حاراً في العاصمة دمشق وفي حلب – مسقط رأسه – خاصة، حيث جرت مسيرات شعبية كبيرة.

كانت زيارة رئيس جمهورية أرمينيا لسوريا، بدون شك، زيارة تاريخية ودليل على إرادة وعزم الطرفين على تمتين عرى الصداقة وتعزيز التعاون بينهما في شتى الميادين.

إن زيارة رئيس جمهورية أرمينيا بعد أشهر قليلة فقط من استقلال البلاد إلى سورية مثّلت دليلاً ساطعاً على إرادة أرمينيا لاستئناف العلاقات التاريخية التقليدية مع العالم العربي على مستوى رسمي بعد انقطاعها منذ فترة طويلة. واقتنع الجانبان خلال الحوار المباشر والمباحثات بأن للتعاون بين البلدان العربية وأرمينيا آفاق رحبة تعد ترجمة للمشاعر الطيبة وعمق العلاقات التاريخية بين شعبين عاشا في منطقة جغرافية واحدة ولهما مصالح وطموحات مشتركة. وأكد الجانبان خلال اللقاءات الودية على بذل جهودهما للارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى المستوى المرغوب به بما يعود بالخير والمنفعة على الشعبين الصديقين، وأعربا عن حرصهما على دعم الجهود من أجل تنمية وازدهار العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والفنية والثقافية والعلمية والخ.

بهدف تنسيق وتوطيد العلاقات مع العالم العربي فتحت حكومة أرمينيا إبتداء من عام 1992 أولى ممثلياتها الدبلوماسية في جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية ولبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة والعراق وقنصلية عامة في حلب.

وبناءً على المذكرات المتعلقة بإقامة العلاقات الدبلوماسية قامت بعض الدول العربية بتفعيل التبادل الدبلوماسي مع أرمينيا. ففي مايو من عام 1997 باشرت بأعمالهما سفارات لبنان وسوريا في أرمينيا. وخلال السنوات الماضية عينت بعض البلدان العربية سفراء غير مقيمين لها في أرمينيا.

إن علاقات أرمينيا مع الدول العربية، كما رأينا، مرت عبر3 مراحل: مرحلة الاعتراف باستقلال أرمينيا، مرحلة توقيع مذكرات حول إقامة العلاقات الدبلوماسية ومرحلة تبادل السفارات. ولذا يمكن القول أنه خلال السنوات الماضية الأخيرة جرت تغييرات ملموسة في مجال إحياء العلاقات الأرمنية-العربية من خلال تبادل التمثيل الدبلوماسي والاتصالات الرسمية المباشرة.

أعقبت إقامة الممثليات الدبلوماسية لجمهورية أرمينيا تبادل الزيارات الرسمية والحوار السياسي مع البلدان العربية. مهدت هذه الزيارات لعقد مفاوضات مباشرة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتعرف على إمكانيات التعاون ودراسة المواقف السياسية المستجدة.

خلال السنوات الماضية تم تبادل الزيارات بين أرمينيا وسوريا على مستوى الشخصيات الرسمية والبرلمانية وأصحاب الاختصاصات المختلفة ورجال الأعمال والفرق الثقافية وغيرها.

لقد أكدت أرمينيا على عدم تغيير سياستها الخارجية تجاه العالم العربي بعد استقالة الرئيس ليفون دير بيدروسيان وإعادة تشكيل الحكومة في أوائل عام 1998م. وبهذا الصدد أعلن رئيس جمهورية أرمينيا الأسبق روبيرت كوتشاريان الذي انتخب في مارس/ آذار من عام 1998م، وبكل صراحة وإصرار على ضرورة الحفاظ على العلاقات الأرمنية-العربية الحميمة وبذل كل الجهود للارتقاء بها.

ومن أولى الاتصالات التي تمّت بين الرئيس روبيرت كوتشاريان وقادة العالم بمن فيهم رؤساء الدول العربية، رسائل الشكر الصادرة بمناسبة ذكرى مرور عشر سنوات على الزلزال الأليم الذي أصاب أرمينيا في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1988م والموجهة إليهم تقديراً للمساعدات الإنسانية التي قدمتها حكوماتهم وشعوب بلدانهم إلى سكان المناطق المنكوبة. ومن ضمنها سورية التي أرسلت مساعدات عينية تلبية لاحتياجات المنكوبين.

وفضلا عما قيل أعلاه نستطيع أن نؤكد على استمرار الحوار السياسي والاتصالات المباشرة والدائمة بين أرمينيا والبلدان العربية على مستوى السفارات والممثليات الدبلوماسية لمناقشة القضايا الإقليمية والعالمية ذات الاهتمام المشترك والقيام بالمشاورات السياسية الدورية والتعاون في إطار منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية. وهناك توافق وتفاهم تام بهذا الصدد بين أرمينيا وسورية حول القضايا المهمة، ومن بينها قضية السلام في منطقة الشرق الأوسط. وتحث أرمينيا على تنفيذ قرارات منظمة الأمم المتحدة حول حقوق سيادة الشعب الفلسطيني وحل النزاع العربي-الإسرائيلي بالقنوات الدبلوماسية والوسائل السلمية.

ويمكن الاستنتاج بأنه بعد الاستقلال وخلال السنوات العشرين الماضية، تطورت العلاقات مع الدول العربية بشكل طبيعي. ورغم الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها أرمينيا تم افتتاح ممثلية لأرمينيا في عدد من الدول ومنها سورية، حيث افتتحت سفارة في دمشق في نيسان 1993.

كانت العلاقات مع سورية وطيدة منذ البداية، حيث وجدت الأرضية الخصبة لتلك العلاقات من فترة الاتحاد السوفيتي. وتجدر الاشارة الى تواجد الأرمن في سورية الذين عملوا على إعطاء صورة الأرمني بشكل حسن. وليس من باب الصدفة أن يتم افتتاح ثلاث ممثليات في سورية: عام 1992 سفارة بدمشق، وعام 1993 قتصلية عامة في حلب، وعام 2010 قنصلية فخرية في دير الزور.

لقد وقعت جمهورية أرمينيا مع الجمهورية العربية السورية العديد من الاتفاقيات في مجالات الزراعة والتعليم والثقافة والكهرباء والصحة والنقل والاتصالات والاعلام وغيرها.

فلا يمكن إغفال التعاون الناجح بين البلدين في مجالات الثقافة والعلوم والدراسات الجامعية والاقتصاد والتجارة.

بالحديث عن السنوات الأخيرة الماضية، فقد وقعت سورية وأرمينيا في أوائل أيلول عام 2010 عدة مذكرات تفاهم وبروتوكولات في مختلف المجالات الاقتصادية والعلمية، وذلك في ختام أعمال اللجنة المشتركة السورية الأرمينية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني في العاصمة الأرمينية يريفان. يذكر أن البلدين أسسا في عام 2007؛ اللجنة السورية الأرمينية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي، ومجلس أعمال مشترك بين رجال الأعمال في كلا البلدين, إضافة إلى توقيع اتفاقية توأمة بين غرفتي تجارة حلب وأرمينيا.

أما على صعيد الزيارات المتبادلة، فقد جرى العديد من الزيارات على أعلى المستويات. وتجدر الاشارة هنا الى الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد والسيدة عقيلته إلى جمهورية أرمينيا في حزيران 2009. حيث تم بحث العلاقات الثنائية والقضايا التي تهم منطقة الشرق الأوسط ومنطقة آسيا الوسطى والقوقاز .

وقد ألقى الرئيس الأسد كلمة خلال مأدبة العشاء أكد فيها أن هذه الزيارة ليست سوى خطوة على طريق ترسيخ وتعميق العلاقات بين البلدين .. وأنها امتداد لعلاقات تاريخية لا تنحصر فقط في مجال احتضان سورية لمواطنين من أصول أرمينية.. بل أن الشعب الأرميني أثبت أنه شعب عريق يتحلى بأسمى القيم الأخلاقية وهذا ما سهل اندماج أبنائه في جميع المجتمعات التي تواجدوا فيها حيث استحقوا شرف المواطنة في سورية وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من نسيج المجتمع السوري الذي يعتبر مثالا للتنوع والاندماج الحضاري. وأضاف سيادته .. ان هذا الاندماج الثقافي من دون ذوبان .. هو الرد على ما يروج من أفكار وايديولوجيات وممارسات عنصرية روجت لبروز بدايات لصراع الحضارات والثقافات والأديان والأمم .. الأمر الذي أدى إلى زعزعة الأمن والسلم العالميين في مناطق كثيرة من العالم .. ولاسيما في منطقتي الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا.

إذ شهدت زيارة الرئيس الأسد إلى أرمينيا توقيع اتفاقيتي تعاون في مجال تشجيع الاستثمارات والبيئة، إضافة إلى مذكرتي تفاهم بين مكتبة الأسد الوطنية والمكتبة الوطنية الأرمينية وبين الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون مع هيئة الإذاعة والتلفزيون الأرميني.

ومن الزيارات الهامة أيضاً، زيارة الرئيس الأرميني سركيسيان وعقيلته الى سوريا في 22 آذار 2010. فقد تم خلال زيارة الرئيس الأرميني إلى سورية التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم للتعاون في مجالات العدل والداخلية والتعليم العالي والبحث العلمي والصناعة والكهرباء والطاقات المتجددة والرياضة والاستشعار عن بعد إضافة إلى برنامج تنفيذي للأعوام 2010-2012 للتعاون العلمي والفني في المجال الزراعي.

وقد زار الرئيس الأرمينيا دمشق وحلب ودير الزور. بالاضافة الى لقاءاته الرسمية التقى سركيسيان بالأرمن في تلك المدن. ومن الجدير ذكره الكلمة التي ألقاها في باحة كنيسة الشداء في دير الزور، حيث قال “ان الصحفيين والمؤرخين يقارنون دير الزور بأوشويتس على أن دير الزور هي أوشويتس الأرمن. وأنا أعتقد أن الجدول الزمني يرغمنا أن نحدد الأحداث بحيث تكون أوشويتس هي دير الزور اليهود. وأنا كرئيس لجممهورية أرمينيا وطن جميع الأرمن أتساءل  أين ومتى ستقام محاكمة نورنبرغ للأرمن”.

ومن الزيارات الهامة أيضاً في العام الماضي زيارة هوفيك أبراهاميان رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية أرمينيا الى سوريا في 24 تشرين الثاني 2010.

ملحق أزتاك العربي



Share This