تغطية الصحافة العربية حول موقف تركيا من الأحداث في سوريا (تشرين الأول 1)

نشرت صحيفة الوطن السورية مقالة بعنوان (ديمقراطية.. وسلجوقية!!) بقلم نزار سلّوم، حيث يقول فيها : وأخيراً، تمكّن الفتى الذهبي للسياسة التركية أحمد داوود أوغلو من ابتكار عقيدة ذات قوة تبشيرية للنموذج التركي في طبعته الراهنة (العدالة والتنمية)، بعد أن كان هذا النموذج موصوفاً بافتقاره إلى (عقيدة ما) – بخلاف النموذج الإيراني – رغم نعته بالجاذبية الناتجة بالأصل من حياديته المفترضة التي مكّنت أوغلو نفسه ذات يوم من وضع أساس إستراتيجي لعلاقة تركيا مع جيرانها عبّر عنه بعبارة ذائعة الصيت: صفر مشاكل مع الجيران!

ولم يجد أوغلو أفضل من نيويورك تايمز الأميركية كـ(منصّة) ذات معنى خاص لإطلاق عقيدته التي ليست سوى تلك الكلمة السحرية، التي لقوّتها وبريقها ورغم أنها من القاموس اليوناني اللدود، لم يستطع أوغلو تجاهلها؟! بلى إنها الديمقراطية وليس غيرها، وهي وحدها عارية دون إضافة أو شرح أو تفسير يعطيها معاني خاصة، فليست شعبية وفق النعت الشيوعي لها، وليست ليبرالية وفق النعت الرأسمالي، كما أنها ليست إسلامية أيضاً وفق مقاربة (الشورى) لمعناها، بل هي ديمقراطية حقيقية؟ كما يقول أوغلو حرفياً.
على أن هذا التجريد الذي يفترض أن يسجل ابتكاراً باسم أوغلو، ليس للأسف الشديد، سوى نقل حرفي لعنوان السياسة الأميركية في أحد أطوار حكم المحافظين الجدد الذي لقموا جورج بوش كلمة الديمقراطية لتحملها وزيرة الخارجية آنذاك كونداليزا رايس في حقيبة الخارجية – كما يفعل أوغلو للتو – وتنتقل بها بين عواصم (الشرق الأوسط) الذي بفضلها سيصبح جديداً!!

غير أن ذلك كله ذهب هباءً منثوراً، فحقيبة رايس كانت محكمة الإغلاق في عواصم الخليج من الرياض إلى الدوحة، بينما الديمقراطية ذاتها هي ما مكّنت حزب اللـه من أن يكون جزءاً رئيسياً من النسيج السياسي اللبناني، في الوقت الذي تجاوزت فيه دمشق آنذاك ثقل حقيبة رايس التي هددتها ولكن لم تستطع الاقتراب منها. كان (محور الاعتدال العربي) هو البديل السياسي الأكثر انطباقاً على ما تحمله رايس في حقيبتها من حمولة ديمقراطية بدت كثوب مرقط في ساحة الحرب، ولذلك هزمت الديمقراطية البوشية كما يهزم جيش في معركة، وتلاشت نهائياً مع حرب تموز 2006.

يفترض الآن، أن اللحظة السياسية الإقليمية تتوافر فيها المزايا المثالية التي جعلت داوود أوغلو يعلن قيام محور الديمقراطية الذي يرتكز على حاضنتين كبريتين: تركيا ومصر. ويعقّب موضحاً بأن هذا المحور ليس موجّهاً ضد إيران ولا ضد إسرائيل. وإذا كان بهذا الإيضاح يحاول المحافظة على (وسطية مفترضة) بين عدوين، غير أنه وبسبب من شروحاته بأن الديمقراطية تحتاج إلى اقتصاد قوي، يتوجه أساساً إلى واشنطن برسالة مفادها بما معناه: نترك ما لإسرائيل لإسرائيل، وما لإيران لإيران وما لكم (للأميركيين) لكم، والباقي لنا؟ لكن، ما هذا الباقي؟

ليس سوى المجال الجيو- سياسي المستعصي على الإستراتيجية الأميركية، وغير القابل للانضواء في اتفاقية سلام مع إسرائيل، مع ذلك الذي يشهد تحولات غير موثوق من خواتيمها، مضافاً إليه المجال السياسي الخالي من العناوين الصدامية الكبرى. يفترض أن يضم هذا المجال دولاً مثل سورية ولبنان ومصر وليبيا وتونس وربما لاحقاً السودان والجزائر، وطبعاً العراق باعتباره مجالاً تشاركياً بين واشنطن وطهران.

ينقض أوغلو أحد أهم كلاسيكياته عندما يستعير الاتجاه الرسالي الادعائي من القاموس الاستعماري ويوضّبه في حقيبته تحت عنوان الديمقراطية، ربما ليناسب الطموحات الإمبراطورية التي يحاول رجب الطيب أردوغان دفع تركيا للسير على إيقاعها. طموحات جعلته في القاهرة يستذكر متفاخراً أًصله السلجوقي واضعاً أمام أوغلو لغزاً جديداً أطاح بتجريده، وبحاجة إلى تفكيك: ديمقراطية سلجوقية! هل يفعلها أوغلو…. ويشرح؟

كما كتب حسين مرتضى في الوطن أيضاً تحت عنوان (أين أنتم من اغتصاب الحرائر في تركيا؟) حيث بدأ يقول: تبدو الأحلام الأتاتوركية ومحاولات العودة إلى الطربوش التركي التقليدي، ومقولة (إن التاريخ يعيد نفسه)، الأكثر دقة في توصيف السياسة التركية تجاه المنطقة العربية، ولكن هذه المرة لم تكن سياسة النصائح الملزمة هي المتبعة في السياسة التركية بحق سورية، بل كان المستهدف النساء السوريات في مخيمات المهجرين السوريين على الحدود التركية السورية الذين هجرتهم المجموعات المسلحة من جسر الشغور للضغط على القيادة السورية. بكل تأكيد الجميع علموا بالممارسات التي تؤكدها الوثائق، عن اغتصاب 400 فتاة و250 امرأة من السوريات داخل مخيم (بوينويوغون) في منطقة التن اوز، ونشرت في صحيفة اطلاعات وباريف وايدلك التركية، تلك المأساة الإنسانية التي تدل على استهداف هذا المشروع لسورية بكاملها، شعباً وقيادة، ورأى العالم أجمع نفاق حكومة «العدالة والتنمية» التي تنتهج وتنظر للمشروع «الإسلامي» في المنطقة، ولم تحرك ساكناً، ضمن كوميديا سياسية فجة، عند توزيعها وصفات جاهزة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، على من كانت تعتبرهم في يوم من الأيام الشريك والجار، واكتفائها بدور الكومبارس للغرب بعد أن فشلت في إتقان دور المايسترو في الشرق الأوسط.

والمستهجن في الأمر، أن من يسمون أنفسهم المفكرين الإسلاميين، وحماة «الربيع العربي»، لم يهمس أحدهم في أذن أردوغان، الذي يقف أمام الإعلام، مطالباً سورية بمزيد من الإصلاحات، أن ما اقترفه الأتراك وعملاؤهم من جريمة ومأساة إنسانية لا يغفرها التاريخ، الذي سجل حالات مماثلة في فترة الاحتلال العثماني لمنطقتنا، والأكثر استغراباً أن هذه الجريمة لم تحرك النخوة العربية، لدى من سموا أنفسهم «الثوار»، وهم أنفسهم الذين أطلقوا تسمية «جمعة حرائر سورية» على أحد أيام الجمع، وكأنهم في غيبوبة، ولا يشغلهم إلا إدارة الفوضى، بعد أن فرغت جعبتهم من القضايا المطلبية التي تم اللعب عليها بكثير من الدهاء، وتفضيل المصلحي على المبادئ والقيم، فضلاً عن المضي في تحطيم البنى العليا وتهديم النماذج الحضارية والإنسانية للإنسان السوري، وتقزيم المنجزات والإساءة إلى الهامات والشخصيات التاريخية والوطنية على السواء، وفوق هذا كله لم نسمع لهم موقفاً واحداً حول تلك الجريمة، كل تلك المسميات التي تخالف مضامينها، فمن أطلق تسمية «جمعة حرائر سورية» كان الأحرى بهم اتخاذ مواقف مبدئية من حليفهم التركي الذي فتح لهم أرضه، فأقاموا مؤتمراتهم و بثوا إشاعاتهم، وهناك تم اغتصاب بناتهم ونسائهم. والسؤال الملح حول تداعيات هذه الجريمة، ترى ما موقف رزان زيتونة ومرح الأتاسي ولمى الأتاسي وبسمة قضماني وسهير الأتاسي وبهية مارديني وخولة يوسف وغيرهن من «حرائر» المعارضة بهذا العمل المدان بكل الشرائع؟!

ولكن على ما يبدو أن شريعة «الثورات» المدعومة من قوى الاستكبار العالمي، والتي تحاول فرض الحلم الصهيوني على الواقع العربي، وبالذات عبر استمرارها في محاولات كسر ثالوث المقاومة والممانعة المتمثل بسورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة الفلسطينية واللبنانية.

أما النشرة الالكترونية اللبنانية فنشرت مقالة بعنوان (لقاءات نيويورك تكشف التباينات السورية التركية) لأنطوان الحايك حيث يقول فيها: تشهد أروقة الامم المتحدة نشاطات ملحوظة تركزت في معظمها على الاوضاع في الشرق الاوسط والعالم العربي، وبرز منها في خلال الساعات القليلة الماضية اللقاء الذي جمع الرئيس الاميركي باراك اوباما ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في نيويورك، حيث رشحت معلومات قليلة عن توافق بين الرجلين على اكثر من ملف شرق اوسطي ليس اولها توحيد وجهة النظر حول البحث في إطاحة الرئيس السوري بشار الاسد، ولا آخرها العلاقات التركية الاسرائيلية في ظل التزام واشنطن امن وسلامة اسرائيل ولو على حساب العلاقات الاميركية التركية، مرورا بالبحث في سبل تحقيق المزيد من التعاون حول الملف السوري بشكل خاص.

وافادت المعلومات التي رشحت عن اللقاء أنّ أوباما أعرب عن اعتقاده أمام أردوغان بأن النظام السوري ليس على وشك السقوط وإن كان قد أصبح أضعف من ذي قبل، وذلك على اعتبار أنّ تفاعلات الداخل السوري لم تكن على قدر التطلعات ولا العقوبات التي فرضتها المحموعة الدولية، إضافة إلى أنّ سقوط النظام السوري اكان عاجلا ام آجلا سيؤدي إلى تهديد مباشر بحصول اضطرابات اقليمية وإلى انهيارات خارج سوريا، وبالتالي فان الاوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة واوروبا قد لا تسمح بالتورط بعمل عسكري على غرار ما حصل في ليبيا. غير ان وجهة النظر التركية اكدت على ان النظام بات في حكم الساقط والمسألة قضية وقت قد يطول او يقصر، ولذلك فمن الضروري ان يعمد المجتمع الدولي إلى تشديد العزلة السياسية والدبلوماسية على سوريا كما مضاعفة العقوبات الاقتصادية التي ستؤدي إلى تفاعلات سلبية على مستوى الشارع.
الا ان الصورة التي ينقلها من التقوا بالمندوب السوري هي مناقضة بالكامل لذلك. ففي وقت يرى فيه الاتراك وبعض الدول الغربية ان نظام الرئيس بشار الاسد بدأ مرحلة بداية النهاية، يعتبر النظام ان المرحلة الراهنة هي في اطار بداية نهاية الاحداث التي تشكل عنوان الازمة. فالقوى الامنية استطاعت بفضل تماسكها تحقيق اكثر من انجاز على صعيد تصفية ما يصفه النظام بالمؤامرة، كما ان السياسة التي انتهجتها الحكومة ادت إلى نتيجة مباشرة عنوانها شرذمة المعارضة الخارجية والحد من اندفاعة معارضة الداخل التي لم تجد اصلا القواسم المشتركة في ما بينها لعدة اعتبارات ابرزها ان منسقيات المعارضة تضم في صفوفها تنظيمات اصولية ومتطرفة إلى جانب المعارضة العلمانية التي تطالب بالمشاركة في الحكم وليس تبديل وجه سوريا وتحويل البلاد إلى يمن او ليبيا جديدة.

يضيف هؤلاء ان العمليات الامنية التي نفذتها قوى النظام اثرت بشكل مباشر على اداء المعارضة العسكري والامني، وذلك بعد القضاء على بعض الرؤوس الكبيرة التي كانت تدير الانتفاضة وتقوم بتسليح الشارع في محاولة مكشوفة لاشعال نار طائفية تأكل النظام ولا توفر المعارضة، وبالتالي فان انتقال النظام من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم يؤكد بان الوقت يلعب إلى جانب النظام وليس كما تعتقد تركيا او واشنطن، خصوصا ان بعض الدول التي تشكل رأس حربة الهجوم السياسي والدبلوماسي على سوريا، مثل فرنسا واميركا، تتحضر لانتخابات رئاسية قد تطيح بالمعادلة الجديدة وتصرف هذه الدول عن الاهتمامات الخارجية لتنصب تحركاتها على تمرير الانتخابات وفق تطلعات شاغلي القصور.

ننتقل الى الديار حيث كتب رضوان الذيب تحت عنوان (أردوغان كاريكاتوري كالصحّاف وسوريا تجاوزت مشكلتها والتركيز الاعلامي منصبّ على تضخيم عدد القتلى) حيث قال ان كل التقارير الاعلامية وتحديداً الاجنبية والمؤيدة للمعارضين السوريين، تؤكد وتجزم ان التظاهرات في سوريا الى انحسار، وتراجع وهجها وبريقها، وان النظام السوري بادر منذ بداية شهر رمضان الى الهجوم، ونجح في استيعاب الامور وتحديداً في المدن الرئيسية. وعزت وكالة رويترز في تقريرها الاخير عن سوريا، بأن قوة النظام تعود الى الالتفاف الشعبي حوله وتماسك الجيش، ووقوف البرجوازية السورية والتجار والطبقة الوسطى وفئات واسعة من الشعب السوري وعماله ومثقفيه واصحاب المهن الحرة مع الدولة، وهذا ما يفسر قوة النظام السوري وبأن الحالة السورية ليست مشابهة للحالات الليبية والتونسية واليمنية والمصرية

وتقول المعلومات «ان شعارات المعارضة وعناوين تحركات الجمعة كشفت هذا التراجع، فبعد ان كانت المعارضة تدعو الى «جمعة النصر» وجمعة «إسقاط النظام» تحولت هذه العناوين مؤخراً الى جمعة «الصمود والثبات» وجمعة «الحماية الدوليةَ» وجمعة «وحدة المعارضة» وان شعار المعارضة حول جمعة طلب الحماية الدولية شكل ضربة للمعارضين في ظل رفض كل الشعب السوري للتدخلات الخارجية وتكرار المشهدين الليبي والعراقي.
وهذا التراجع الشعبي دفع المعارضين الى تغيير خطة تحركاتهم عبر اللجوء الى العمل المسلح والقيام بنصب كمائن للجيش السوري اضافة الى التقارير الاعلامية عن تضخيم عدد القتلى دون ذكر للاسماء، وتتولى ادارة هذه المواجهة القنوات الفضائية العربية وتحديداً الجزيرة العربية، وهذا ما ادى الى تناقض بالارقام بين «تنسيقيات المعارضة» والفضائيات العربية.

وتشير المعلومات الى «ان ارتفاع الضغط التركي تحديداً يعود الى تراجع التظاهرات، علماً ان سوريا لا تقيم وزناً لتصريحات اردوغان والتي تشبه تصريحات محمد سعيد الصحاف اثناء الغزو الاميركي للعراق ورغم ان تصريحات الصحاف نابعة من منطق وطني، لكن “الكريزما الشخصية» بين اردوغان والصحاف متشابهة وبهلوانية”.

وتضيف المعلومات «كل تصريحات اردوغان لا قيمة لها حتى على الورق، وهي متناقضة وتعبر عن «غرور» ورجل غير مسؤول مطلقاً، وقد ورط حزب العدالة والتنمية تركيا بمشاكل مع قبرص، واثينا، والاتحاد الاوروبي وروسيا، والصين، وايران، بالتزامن مع انحياز للموقف الاميركي. فكيف يمكن لأردوغان الذي يطلب دعماً أميركياً للمساعدة في التصدي لحزب العمال الكردستاني، ويقوم بالموافقة على نشر درع الصواريخ في مواجهة المقاومة وايران، ان يبرر دعمه للقضية الفلسطينية، والسؤال، ما هو موقف اردوغان من الفيتو الاميركي على الطلب الفلسطيني بطلب العضوية في مجلس الامن فيما تصريحات ساركوزي والان جوبيه لا تأخذ بها الشركات الفرنسية المصرة على الاستثمار في سوريا وفي مجال النفط، خوفا من دخول الشركات الصينية للاستثمار في هذا القطاع، وبالتالي الخطر الاقتصادي يضر بالشركات الفرنسية اولا، اما ساركوزي فهو يحاول من خلال الملف السوري وتصريحاته عن الحريات وغيرها تحسين صورته الانتخابية عام 2012 بعد تراجع شعبيته للحد الادنى، وعلى ساركوزي ان ينتظر حتى عام 2012 ليرى من سيرحل ساركوزي عن الاليزيه او الرئيس الاسد عن قصر المهاجرين.

وعلى موقع البعث ميديا نشر مقال بعنوان (انعطافات السورية… أردوغان وقارئة الفنجان؟) بقلم نارام سرجون. حيث تقول: كلما استمعت الى المعارضين السوريين والى أميرهم الأكبر رجب طيب أردوغان تذكرت قصيدة قارئة الفنجان حيث يجلس المعارضون السوريون على الفضائيات منذ 7 أشهر ويقرؤون لنا فناجين قهوة الثورة السورية فيما يذهب أردوغان بعيدا في قراءته للفنجان السوري حيث يبصّر لنا ويقول: ان الربيع العربي سيحط رحاله في سوريا حتما وأن من وصل بالدم لايستمر الا بالدم !! وأن النظام سيسقط..  وكلما تجولت على محطات الأخبار والفضائيات طالعتني وجوه جديدة ..ووجوه قديمة .. مؤيدة ومعارضة ..وغني عن القول انني لم أعد أستمع للكثيرين لأنني صرت أعرف ماسيقوله قرّاء الفنجان السوري.. وأكاد أحيانا أوفر على المتكلم عناء الشرح وأتحدث نيابة عنه في سري.. وربما أعرف مفرداته التي يستعملها كل مرة (نفس العبارات والمفردات عن النظام والوحشية والديكتاتورية والفساد والحاجة للتغيير والعائلة الفاسدة ومخلوف و40 سنة والحل الأمني وو..وبالطبع حمزة الخطيب).

كم من فناجين القهوة قرأ لنا المعارضون، وكم فنجان قهوة شربنا وقلبنا في كل مساء وعقب كل مؤتمر للمعارضة لنعرف مصيرنا وقدرنا واتجاه الأحداث في سوريا ولم نصل الى نتيجة الا أننا كنا نطارد خيط دخان !!…في كل مساء.. وفي كل يوم جمعة، يجلس المحللون المعارضون ويتفننون في القاء الهلع والرعب من الناتو القادم كالقدر، ومن انهيار النظام الذي يترنح .. كم جلسوا (كما جلست قارئة فنجان عبد الحليم حافظ) ..يتأملون فناجين القهوة المقلوبة ..وليقولوا لنا ان الموت هو المكتوب على النظام السوري قبل رمضان وان الشعب السوري الثائر في الحارات والزنقات سينتصر قريبا .. وأن الجيش السوري سينشق مئات المرات ويضرب بعضه، وأن الملايين ستخرج الى الشوارع وأن الاقتصاد سينهار، وأن الناتو قادم، وأن المناطق العازلة قد انطلقت ..وأن الروس سيتغيرون وأن الايرانيين سيتراجعون وأن وأن وأن .. ومن يقرأ فناجين القهوة لدى المعارضة يكاد يعتقد أن برهان غليون صار يجري مقابلاته مع الجزيرة وهو يشرب فنجان قهوته في قصر الشعب في دمشق !!…أوبعد هذا الفشل في استقراء الأحداث بربكم أليست أية قارئة فنجان بدوية تعرف في السياسة أكثر مما يعرف هؤلاء المعارضون والمحللون؟؟ أليس من حق جمهور المعارضة قبلنا أن يسأل قرّاء الفنجان الكثر: كيف لم تصدق كل قراءاتهم للفنجان السوري؟؟؟

والجواب هو أن الفرق بين قراءة الفنجان ياسادة وبين علم السياسة هائل كالفرق بين ضوء الشمس وضوء الشمعة وكالفرق بين دماغ ألبرت اينشتاين و دماغ عدنان العرعور وكالفرق بين جدول مندلييف الدوري في الكيمياء ومعادلات العطارين في الأحياء الشعبية …وكالفرق بين وطنية برهان غليون التي باعها بعشرين مليون يورو ووطنية أبطال جسر الشغور الذين قاتلوا حتى النهاية وهم يرقصون وترك أحدهم لنا وصية: اننا سنموت..لكن الوطن أمانة في أعناقكم

الجمهور السوري لايريد قراءة في الفنجان بعد اليوم بل يريد علما في السياسة وهو تواق الآن لأن يعرف الاتجاه بعد أن بدأت السفينة السورية انعطافة أخرى في هذا الجو العاصف ..ويريد البعض أن يتأكد أن الهزيمة قد ألحقت نهائيا بالمشروع الكبير الذي أراد تقويض النظام في سوريا والحاق البلاد بالفوضى والصراعات السياسية..ولكن وقع الرصاص هنا وهناك واستمرار التصريحات وتوالي العقوبات الغربية يلقي بظل من الريبة والقلق ويولد شعورا عاما أن الأزمة ستطول وأن لانور في الأفق..وفي كل مساء يردد السوريون السؤال الذي يقول: هل انتهت الأزمة؟؟ اذا لم تنته الآن فمتى؟

علم السياسة والتاريخ يغرقاننا بالدلائل ويرشقاننا بالاستنتاجات الغزيرة على أن الثورة تلفظ أنفاسها ..وهذا الضجيج والصخب هو حشرجات الموت في أسابيعها الأخيرة.. ومراجعة الأحداث تشير الى حقائق هي:

أولا: بالرغم من كل الهجوم الاقليمي والدولي ومليارات الدولارات فقد صمد النظام وتماسك 7 أشهر ويبدو من السخف الآن أن نتوقع سقوطه بعد هذا التماسك الاسطوري وبعد أن استرد زمام المبادرة حيث فشلت الثورة في تحريك الكتلة العظمى من السكان .. فما سمي بالثورة السورية كان يمكن لها أن تحظى بالنجاح فيما لو استمرت على نفس النمط من التصاعدية والاتساع في الأسابيع الأولى وهو كما يصفه بيل غيتس بالتحرك الحلزوني للنجاح..فالنجاح يستولد مزيدا من النجاح ..واذا كان التحرك متسعا باطراد سمي الحلزون الايجابي وان بقي ثابتا أو تراجع ليتضاءل ويموت سمي “الحلزون السلبي”..وماحدث أن الثورة فشلت في الاتساع بعد حد معين لعدم رفدها بالمزيد من المحتجين فغيرت اتجاهها نحو الحلزون السلبي ووقعت في الخطأ القاتل.. وهو العنف المبكر..

فالمعروف أن الثورات الجماهيرية وتحركات الشارع اذا لم تتصاعد وبقيت طويلا بنفس السوية فانها لاتملك القدرة على البقاء .. وقد كانت نصيحة الخبراء الغربيين الذين يقدمون النصائح الآن “لقيادة الثورة”  (وهؤلاء الخبراء هم شخصيات تتحرك في الظلام الدامس باستثناء هنري ليفي وسيتم الكشف عنهم لاحقا) أن الفشل في توسيع الاحتجاج المدني بسرعة سيتسبب باحباط مفاجئ لدى المحتجين وقد يتراجعون في بعض المناطق خاصة أن السلطة في سوريا لجأت للحل الامتصاصي وسحب الحل الأمني بالاستجابة غير المتوقعة لطلبات المعارضة فيما يلتقي الأسد بالناس بشكل مكثف وينشط مؤيدوه بالملايين وهذا بدأ يخلخل معسكر المحتجين مهددا اياه بالتفكك ..وكانت النصيحة هي التالية: يجب قطع الطريق على الأسد باجباره على استخدام القوة وليس هناك من طريقة الا السلاح الكثيف ..كانت الغاية من اظهار السلاح الكثيف للناس هو اقناع من لم يتظاهر أن الثورة وصلت الى مستوى الثقة بالنفس لتتحدى السلطة علنا وأن على الناس أن يصلوا الى نتيجة أن النظام انتهى فيلتحق المترددون والمنافقون الخائفون من النظام الجديد بالثورة التي ستوقف عملية تخلخل صفوفها وتتوسع من جديد ..وكانت استعراضات المسلحين العلنية في حماة وجسر الشغور وبانياس واللاذقية والتي تم تصويرها من قبل المسلحين رسالة الى بقية السوريين بأن الثورة واثقة الخطوات ولاتخشى النظام .. لتزيد من ارباك الأسد الذي سيتردد كثيرا في استعمال “قواه” الأمنية والعسكرية لأن اقتحام المدن سيكون غاية في الصعوبة والخطورة وسيجلب عليه نقمة داخلية وخارجية.. وعملت المعارضة على زيادة منسوب الثقة لدى الجمهور أن النظام يترنح عبر مسرحية الاستعداد التركي للتوغل في سوريا بتفويض الناتو والاستشهاد بالدرس الليبي…

ولكن حدث مالم يكن بالحسبان..!!

ثانيا: تمكن جهاز الاستخبارات من اثبات قدرات وكفاءة كبيرة في القاء القبض على معظم المجموعات والأفراد الذين قاموا بعمليات ارهابية كبيرة وشهيرة في تحد لسلطة الدولة وكل من تورط علنا بالقتل استحضر مقبوضا عليه ليعترف على التلفزيون ..

ثالثا: تحركات أمير قطر باتجاه ايران ومحاولته الضغط على السوريين لقبول توبته، واسقاط وضاح خنفر مع ماتحمله كل دلالات هذا السقوط ..واحتمال عرض اسقاط رأس آخر..

رابعا: تسليم الأمريكيين بأن لاأمل في تمديد بقاء قواتهم في العراق والتهيؤ لهذا الرحيل الذليل بعد استمرار عناد الرئيسين الأسد ونجاد بهذا الشأن دليل ثقتهما بالقدرات والامكانات لديهما وعدم وجود احتمالات تغيير كبرى

خامسا: ثبات الدعم الايراني والروسي واندحار تركيا وجعجعاتها ومناطقها العازلة بل ولجوؤها السريع لاستضافة الدرع الصاروخية الأمريكية لما سمعت من نية اغراقها بالصواريخ ان هي أقدمت على حماقة أطلسية..

أما مانسمعه من أردوغان هذه الأيام وماسنسمعه منه في قادم الأيام فهو بالضبط قراءة الفنجان من قبل رجل تركي عقله خربان يريد اثارة انتباه المخدوعين برواسب فناجين القهوة ويحب رؤية الدهشة في العيون والفضول من رموزه وعباراته الغامضة.. ولأن أردوغان يفهم في لغة الفنجان فسأهديه شخصيا هذا المقطع الجميل من أغنية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في قارئة الفنجان:

لكن سماءك ممطرة …وطريقك مسدود مسدود

فحبيبة قلبك ياأردوغان ..نائمة في قصر مرصود..

من يدخل حجرتها… من يطلب يدها.. من يدنو من سور حديقتها… من حاول فك ضفائرها..

مفقود ..مفقود ..مفقود …ياأردوغان

وسترجع يوما يا أردوغان… مهزوما مكسور الوجدان …. وستعرف بعد رحيل العمر

بأنك كنت تطارد خيط دخان.. ياولدي.. ياأردوغان

وكتب العميد الدكتور امين محمد حطيط تحت عنوان (خيبة اردغان وتخبط تركي يقابل النجاح السوري) أنه  في موقفه الاخير في واشنطن، وبعد اجتماعه بالرئيس الاميركي اوباما اعلن رئيس الوزراء التركي اردغان تصعيده للمواقف العدائية من سورية متوعدا بعقوبات سيفرضها (نفذ التهديد بعد 48 ساعة) معلنا وقف الاتصالات معها لانها خيبت آماله. وجاء بسلوك يطرح اسئلة عن سبب الاندفاع العدائي هذا، وعن الوجهة النهائية لتركيا في علاقاتها الخارجية، ثم هل ان تركيا تحتمل تداعيات العلاقات السيئة مع سورية؟. اجابة على التساؤلات هذه تطرح فرضيات منها:

أ‌. ان تركيا قررت الانخراط اخيرا في عمل عسكري ضد سوريا بغية اسقاط النظام واقامة “نظامها الاسلامي – العلماني مكانه” ليكون مدخلا الى ارساء العثمانية الجديدة وهي بحاجة لتوتير الاجواء والقطيعة من اجل التحضير لبيئة الحرب المقبلة.

ب‌. ان اردغان ظن انه حقق نجاحا في جولته العربية في شمال افريقيا حيث سقط الحكام تتاليا (بن علي في تونس – مبارك في مصر والقذافي في ليبيا) وهو يريد ان يوسع انتصاراته في سوريا ليتخذها مدخلا طبيعيا لاقامة العثمانية الجديدة.

ت‌. ان اردغان الذي صفعته سوريا بصلابتها، وخذله الشعب السوري بتوحده في اغلبيته الساحقة حول نظامه وانّبه اوباما لعجزه عن انفاذ المهمة في سوريا كما عهد بها اليه اسياده في الاطلسي، اراد ان يعوض الاخفاق والفشل فخرج بالصوت العالي ليخفي حقيقة خيبته.

ث‌. ان اردغان الذي يئن ويتخبط في مواجهة الاكراد يريد ان يظهر قوته وحجمه في الضغط على سوريا بوصفه قوة اقليمية ودولية كبرى لا يمكن ان يتجاوزها احد.

هذه هي الفرضيات فاين الحقيقة من كل ذلك؟ وفي دراسة موضوعية للواقع نرى: أولاً- بالنسبة للتدخل العسكري، نذكر بان تركيا لعبت هذه الورقة بجس النبض في جسر الشغور، ولم تكن النتائج كما تريد بل انقلبت عليها شرا تعدى ما يتوقع حيث انها بعد الفشل الميداني لمن احتضنتهم واغرتهم بالعمل المسلح ضد النظام حصدت خسائر استراتيجية بالغة الخطورة حيث كان تهديد ايراني لها وتحريك للعامل الكردي ضدها، وتدهور للعلاقة بين اردغان وحزب الشعب الجمهوري التركي على اساس طائفي اسقط اردغان في الساحة العلمانية التركية وسبب له متاعب مستقبلية لا يستطيع ان يتخطاها بسهولة، هذا فضلا عن تحمل اردغان وحكومته نتائج الفضائح الاخلاقية الشنيعة التي ارتكبت في المخيم التركي للسوريين الذين غرر بهم فاستدرجوا اليه. واخيرا يعلم اردغان ان سوريا لا تستفرد ففضلا عن جيشها القوي وشعبها الصلب هناك المنظومة الاقليمية والدولية التي تحتضنها وان الساحة التركية غير منيعة امام الرد العسكري لكل ذلك نرى بان اي تفكير تركي الان باللجوء الى الميدان العسكري لن يكون اقل من انتحار سياسي لاردغان، وفضيحة عسكرية لتركيا.

ثانياً – وبالنسبة للعقوبات يوحي اردغان بمقاطعة اقتصادية لسوريا وهنا نذكر بان الميزان التجاري للعلاقات السورية التركية هو لصالح تركيا بنسبة واحد الى خمسة على الاقل، وان سوريا تستطيع ان تستغني عن السوق التركي كليا اما العكس فليس ممكنا الا مع خسارة فادحة وبالتالي ستجلد تركيا نفسها قبل سوريا اذا قاطعتها، اما ما قررته من منع عبور الطائرات التي تحمل عتادا عسكريا لسوريا فانه فارغ المضمون، ويبقى ما اعلنه اردغان من اعتراض باخرة زعم انها تحمل اسلحة الى سوريا وفي هذا فتح باب نزاع لا يعتقد ان تركيا قادرة على مواصلة السير فيه وهي تعلم ذلك.

ثالثاً – وعن قطع الاتصالات، فان الامر مضحك ومثير للسخرية، فكيف يقطع المقطوع، الم توقف الحكومة التركية اتصالاتها بسوريا منذ اكثر من شهر تقريبا، والم يعلم اردغان ان في سوريا رجال لا يخضعون للابتزاز والتهويل وانهم ينشدون الصداقة مع رفضهم للاستتباع؟ وقد جربت تركيا القطيعة فمالذي حصدت منها؟

رابعاً – وعن الجولة الافريقية لاردغان، وتصويبا للصورة فان تركيا لم ولن تحصد ما تصبو اليه، حيث ان مصر في واقعها القائم وما يرتقب عليه ان تكون، لن تلتحق بتركيا تابعة لها، كما انها لن تفتح لها الباب لترسي عثمانيتها الجديدة (ومصر نازعت سلاطين بني عثمان وهم في اوج مجدهم) ولن تتخلى مصر عن دورها العربي الذي تستعد للعودة اليه. اما ليبيا فان الغرب لن يدع تركيا تستفيد من موطئ قدم فيه بعد وضع يده عليها (لم يقاتل الغرب من اجل تركيا). تبقى تونس وهي على اهميتها كدولة عربية ناشئة عل طريق ديمقراطية واعدة فانها في قدراتها الذاتية وموقعها الجيوسياسي لا يمكن ان تلبي الطموح التركي، الامر الذي يقودنا الى القول ان اردغان نفذ في جولته العربية في افريقيا عملا استعراضيا لن تتعدى نتائجه الصور والافلام التي التقطت.

وعلى ضوء ما تقدم، فاننا لا نرى في مواقف اردغان في نيورك انقلابا استراتيجيا ينذر “بمخاطر جدية تهدد سوريا” في المرحلة المقبلة، لان الانقلاب التركي حصل اصلا منذ ان ارتضت تركيا لعب دور الاداة للغرب ضد سوريا و رعت جماعات اسلامية العنوان للخروج على النظام، وقدمت الملاذ الامن لكل من عمل ضد النظام. لكل ذلك لا يبقى من تفسير لمواقف اردغان الا القول بان الرجل الذي احترف الاستعراض السياسي اضاف الى سجله استعراضا جديدا ولكنه جاء اجوفا واهناً، استعراض قام به لتغطية اخفاقه في تنفيذ التزامات قطعها لاميركا في الشأن السوري، فخرج يهدد ويتوعد مدعيا بان النظام السوري دفعه الى ذلك، تبريرا اثار السخرية، اذ رد عليه: ما الذي قامت به سوريا ضد تركيا حتى تناصبها العداء: هل اخطأت سوريا في التمسك بسيادتها وقرارها المستقل؟ ام اخطأت في رفض الاستذة التركية؟ ام ان فرض الامن والنظام في سوريا خطأ؟ ام ان دعوة الحكومة السورية الشعب للحوار على الارض السورية بغية اطلاق الاصلاح خطأ؟

فاذا كان في ذلك اخطاء دفعت اردغان الى المواقف السلبية العدائية من سوريا والتخبط في مواقفها الانقلابية، فعلى تركيا – اردغان ان تنتظر المزيد من هذه “الاخطاء” وتكون على تخبط اكبر في السياسة، خاصة بعد ان اقشلت سوريا المؤامرة الخارجية عليها وخرجت من دائرة الخطر ممسكة بثبات بالوضع الامني والقرار السياسي، لكن هل سينتظر الشعب التركي طويلا ليتخذ الموقف المناسب من المراهقين السياسيين الذين يسيئون اليه ولمصالحه مع الجوار؟

وتحت عنوان ( الأسد: انتقلنا من الدفاع إلى الهجوم.. ولا للعثمنة) كتب نبيل هيثم في السفير أن الاسد فاجأ زواره في المراجعة النقدية التي قدمها حيال الوضع في سوريا، و«التصرفات الخاطئة التي أدت الى الترهل السياسي والحزبي»، وفي إبرازه الحاجة الى الاصلاحات وسعيه الى التحديث في سوريا، على أساس عروبة جديدة حضارية نهضوية تلغي التفرّد، وتؤكد التنوع على كل المستويات، وليس على أساس «عروبة عنصرية» تفرض نفسها على صعيد قومي صغير، ولا تستطيع أن تفرض نفسها كعنصر احتضاني لكل التنوعات ومن منطلق حضاري واعتباري لكل تلك التنوعات”.

يؤكد الاسد على الطابع العلماني العام الموجود في سوريا، على رغم البيئة الإسلامية فيها، ومن هنا يأتي قوله أمام زواره: «لا فرق بالنسبة إلينا بين كردي أو علوي أو سني أو شيعي أو مسيحي، فكلنا نعيش معا، وانطلاقا من حرصنا على الجميع نحرص على المسيحيين وعلى حضورهم في سوريا ولبنان والعراق وفي كل المنطقة». واذ يلفت الانتباه الى ان هناك من ينادي بالتسامح بين هذا المسلم في سوريا وذاك المسيحي، فيقول: ان هذا الكلام مرفوض، نحن ذراعان لجسم واحد، ولا نقبل أن يقال بالتسامح لان التسامح هو بين قوي وضعيف، نحن واحد وجسم واحد.

وأما بالنسبة الى الهجمة على سوريا، فهي كما يراها، مستمرة لإخضاعها وهذا ما لن يحصل. وهناك استغراب كبير لاندفاعة قطر الى الاتجاه المعادي لسوريا، وثمة من يقول ان قنوات الاتصال بين البلدين ليست مقفلة بالكامل، وان هناك «اتصالا مهما» حصل في العيد الأخير، وأما بالنسبة الى الجانب التركي، فثمة رسالة واضحة يطلقها الاسد في وجه «الاردوغانيّة»: لا للعثمنة.

وكتب محمد نور الدين في السفير تحت عنوان (تركيا: من «القوة الناعمة» إلى «القوة الخشنة») أن السياسة الخارجية التركية اشتهرت في السنوات الأخيرة بمجموعة من العناوين الجذابة، التي تحولت إلى «ماركة مسجلة» لحزب العدالة والتنمية.

غير أن السياسات الجديدة لحكومة رجب طيب اردوغان في الأشهر الأخيرة، تجاه العديد من القضايا، أدخلت تركيا في مناخات مغايرة لتلك العناوين. فبعد اعتبار معظم المختصين الأتراك في الشؤون الخارجية أن سياسة «تعدد البعد» تحولت إلى سياسة «تعدد المشاكل»، وسياسة «تصفير المشاكل» إلى «تصفير سياسة»، ها هو أحد أبرز العناوين في السياسة الخارجية لتركيا يتعرض لنقاش وتشكيك من جانب الكتّاب الأتراك، وهو سياسة «القوة الناعمة» التي يعتبرها الرئيس التركي عبد الله غول احد أهم مصادر القوة لأنقرة.

يقول المحلل في الشؤون الخارجية في صحيفة «ميللييت» سميح ايديز إن الخطاب الذي أظهرته الحكومة التركية في الآونة الأخيرة يخلق مناخا من انه على تركيا الاستعداد لحربين في وقت واحد. ويضيف ايديز إن اردوغان قال في حواره مع الصحافية الأميركية تشارلي روز إن تركيا يمكن أن تذهب إلى الحرب مع إسرائيل إذا تطلب الأمر ذلك.

أما الرجل القوي الآخر في حزب العدالة والتنمية والناطق الرسمي باسم الحكومة بولنت أرينتش فقد قال، لقناة «اورونيوز» أثناء زيارته بروكسل مؤخرا، «أتمنى ألا تضطر تركيا إلى استخدام القوة» في ما يتعلق بالخلاف مع قبرص حول التنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط.
ويقول ايديز إن اردوغان وارينتش يقولان ذلك من اجل حل سلمي، لكن السعي لهذا الهدف كان يتطلب إشارة أقوى إلى النية السلمية لتركيا. ويقول ايديز إن تركيا مثل أي دولة أخرى لها الحق في حماية مصالحها، وما حققته من تعاطف بعد مقتل الأتراك على يد إسرائيل في سفينة «مرمرة»، يفرض عليها أن تدافع عن حق مواطنيها حتى النهاية.
لكن ايديز يقول إن القول إن قضية غزة هي قضية وطنية تتطلب الذهاب إلى الحرب مع إسرائيل، هو من الأمور التي تثير تساؤلات الرأي العام التركي. وقال إن على تركيا دعم القضية الفلسطينية بالدبلوماسية، لكن أن نذهب إلى الحرب مع إسرائيل ويسقط لنا شهداء معها في مرحلة ينفتح الصراع المسلح على مصراعيه مع حزب العمال الكردستاني فلا أظن انه أمر يحظى بتأييد الرأي العام التركي.

أما بالنسبة للقضية القبرصية، فمع أن الاتفاقيات الدولية تمنح تركيا حقوقا، غير أن أنقرة، يقول الكاتب، منذ العام 1974 تعيش عزلة في هذه القضية، و«أي حرب تنشأ بيننا وبين إسرائيل أو قبرص فلن يقف الغرب معنا فيها. حتى لبنان ومصر اللذان وقعا اتفاقيات مع قبرص اليونانية لن يقفا إلى جانبنا. كذلك روسيا فإنها تقف بوضوح إلى جانب الطرف القبرصي اليوناني. وفي حال قيام حرب مع إسرائيل فإن العلاقات التركية الأميركية ستتعرض لضربة كبيرة، بل انه ليس صعبا التكهن بمن سيكون معنا من الدول العربية المرتبطة بمعظمها، ولا سيما الدول الخليجية، بالولايات المتحدة.

وينتهي الكاتب إلى القول إن انتقال تركيا من سياسة «القوة الناعمة» إلى سياسة «القوة الخشنة» ليس تطورا صحيا لمصالح تركيا. وهنا لا يمكن أن نضع جانبا القلاقل التي تعيشها تركيا بسبب المسألة الكردية، موضحا انه «في لحظة ما لا يعود للكلمة معنى، بل إن منظّر الحرب المشهور كارل فون كلاوسيتز يقول إن الحرب نفسها هي إحد أدوات الدبلوماسية. نعم لسنا بعد في هذه اللحظة، لكنه من الخطأ الكبير أن يظهر الميل بهذا الارتفاع إلى خطاب الحرب في هذه المرحلة.

Share This