أرمينيا تحافظ على تقاليد نسج السجاد

أيشميادزين (أرمينيا) (أ ف ب) – يعبق الهواء برائحة الصوف في مشغل صغير في مركز ايشميادزين الروحي القديم في أرمينيا بينما تنسج نساء السجاد يدويا باستعمال طرق تناقلتها الأجيال.

وتقول امرأة صماء وخرساء تدعى نارين باداليان بلغة الاشارات مستعينة بمترجم “أحب نسج السجاد لأنه يأخذني بعيدا فأنسى كل شيء ولا تخطر على بالي إلا الأفكار الجميلة”.

أما زميلتها نازيك كارابيتيان فتضيف من دون أن ترفع عينيها عن السجادة التي تحيكها “عليك أن تركز كثيرا لئلا ترتكب خطأ. إذا أخطأت بحبكة واحدة تفسد التصميم كله”.

يعمل سكان أرمينيا في صناعة السجاد منذ ما قبل المسيحية، شأنهم في ذلك شأن السكان في بلدان أخرى من القوقاز وآسيا الوسطى. وتتميز التصاميم الأرمنية عادة بتعدد الألوان وبالأشكال الهندسية وغالبا ما تحمل رموزا يعتقد أنها تبعد الأرواح الشريرة.

أنشئ مشغل ايشميادزين في إطار مشروع خيري يهدف إلى توظيف النساء واللاجئين الفقراء الذين هربوا من أذربيجان المجاورة خلال حرب التسعينيات التي نشبت بين البلدين في ظل النظام السوفياتي السابق بسبب النزاع على اقليم ناغورني كاراباخ.

ولكن المشغل يحمل ميزة أساسية أخرى وهي أنه يهدف إلى استعمال طرق وأدوات تقليدية وتوخي الحفاظ على البيئة. وبالتالي، يعالج الصوف المخصص للسجاد من دون صبغات كيميائية على يد لاجئين كبار في السن في قرى نائية ثم يرسل إلى إيشميادزين حيث يتم نسجه لصناعة “سجاد بيئي”، وفقا لغريغور باباخانيان وهو أحد المشرفين على المشروع الخيري.

ويشرح باباخانيان أنه “بغية إنتاج سجاد يحترم البيئة، قررنا الاكتفاء بثمانية ألوان طبيعية من صوف الخراف وعدم صبغه”. ويضيف “هدفنا تأمين فرص عمل للنساء الطاعنات في السن اللواتي أصبحن لاجئات خلال حرب كاراباخ وتدريب الشبان على فن صناعة السجاد وإحياء التقنيات التقليدية في صناعة السجاد”.

وقد قامت الجمعية الخيرية لوحدة أرمينيا بتدريب عشرات اللاجئين على نسج السجاد ويأمل المعنيون أن تساهم مبيعات السجاد في تمويل برامج أخرى للاجئين.

وهناك شركات أرمنية كبرى تنتج السجاد بدورها باعتماد طرق وتصاميم تقليدية ولكن الطلب على السجاد المصنوع يدويا تراجع في السنوات الأخيرة بسبب كلفتها المتصاعدة التي دفعت المستهلكين إلى التوجه إلى السجاد الأرخص المصنوع آليا.

وقد منحت السلطات مصنعي السجاد اليدوي مهلا ضريبية قبل سنتين في محاولة لدعم هذه الصناعة. ويقول هايك ميرزويان من وزارة الاقتصاد إن “تنمية صناعة السجاد يحمل في أرمينيا أهمية ثقافية واجتماعية وليس اقتصادية فقط”.

وتزين النساء في ايشميادزين السجاد برموز مستقاة من المعالم الدينية والنصوص الدينية القديمة. ويقول باباخانيان “يعكس سجادنا الثقافة والتقاليد الوطنية”.

أما شقيقه غيفورغ الذي يبتكر التصاميم فيقول إن المواد الصافية والرموز الدينية التي تستعمل في صناعة السجاد تمنح المنتجات “طاقة ايجابية”.

ومع أن مفهوم “السجاد البيئي” جديد في أرمينيا إلا أن تقنيات صنع السجاد التقليدية لا تزال صامدة ولكنها تحتاج إلى حماية دائمة، بحسب عالم الجغرافيا الاثنية أشغونج بوغوسيان.

ويضيف أنه “ينبغي الحفاظ على تقاليد صناعة السجاد في أرمينيا ونقلها إلى الأجيال المقبلة لأنها جزء من إرث شعبنا التاريخي والثقافي وجزء من صورتنا الوطنية تماما كالأغاني واللغة والأبجدية”. أما باباخانيان فيعتبر أن ما يميز السجاد المصنوع يدويا هو تفرده فيقول “كل سجادة تحمل قصة مختلفة”.

Share This