تغطية الصحافة العربية حول موقف تركيا من الأحداث في سورية

نبدأ التغطية بمقالة هامة بقلم المطران جورج خضر التي نشرت في جريدة النهار اللبنانية تحت عنوان (السيد اردوغان هل يقرأ؟). حيث قال: “في الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على وزراء الخارجية العرب في القاهرة أقف عند جملتين منه أولاهما ان “تركيا والعرب يشتركون في العقيدة والثقافة والقيم”. العقيدة، بلا منازع، هي الاسلام. هنا كلام يتضمن ان دولته لا يرى وجود اثني عشر مليون مسيحي عربي على الأقل وهؤلاء لا ينتظرون من اجنبي تحديد هويتهم القومية. في ما يختص بالثقافة اللغة التي كان لها أثر كبير في الأناضول هي اللغة الفارسية. بعد محمد الفاتح صارت القسطنطينية قطب جذب للشعراء العرب والفرس حتى تأصل التركي البسيط. ولكن بعامة لم يبقَ من تأثير عربي غير مختلط بالأثر الفارسي حول القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

بظهور التنظيمات في القرن التاسع عشر اتجهت تركيا ادبياً نحو الغرب. ثم مع حرب الاستقلال وإعلان الجمهورية التركية السنة الـ 1923 تصلّب الشعور التركي حتى جاء ناظم حكمت الثوري (1902-1963) ثم اتسع الأفق بدءًا بالسنة 1939 بالترجمات والاتجاه نحو الفكر المجتمعي والسياسي. ما هو حي الآن في الأدب لا علاقة له بالعروبة. اما القيم التي يشير اليها السيد اردوغان على انها مشتركة بيننا وبينهم فمنها القديم والحديث، فما من شك ان القديم غير ضاغط علينا واننا تواقون الى الحداثة وذائقون اوروبا بعمق في حين ان الأتراك متعلقون بالعتيق بشدة واوروبا عندهم أمل في الانصهار السياسي بها استكمالا لحلف شمال الأطلسي الذي يجمعهما ويجعل تركيا قوية في دنيا العرب على رجاء عثمانية ما العرب فيها حليف صغير لا شريك كبير.

اما الأكثر مخافة مما سبق فقول السيد اردوغان: “كان في التاريخ التركي شاب تولى انهاء حضارة سوداء وتدشين حضارة جديدة عريقة عندما فتح اسطنبول وهو محمد الفاتح”. انا لا اناقش عراقة الحضارة التركية وعظمتها. ولكن ابدأ بسؤال للسيد اردوغان لا ينبغي ان يصدمه وهو هل قرأ الحضارة البيزنطية التي يسميها سوداء. الأتراك عسكر اقوياء استطاعوا مع مؤامرة الأساطيل الغربية التي كانت تربض هناك ان يغلبوا اعظم فكر حضاري السنة الـ1453. ولكن كيف يريد السيد اردوغان ان يقنعنا ان الحضارة المتكاملة العناصر والخلاقة والسامية روحيا حتى السماء كانت سوداء. كيف لا يرى ان نهضة اوروبا ما اخذت تظهر الا بهجرة العقول البيزنطية الى الغرب الذي اقتبس منهم العقل الاغريقي وانشأ الفكر الحديث؟.

ويختم ليقول: “اذا قرأ السيد اردوغان كل هذا هل يقدر ان يقول ان كل هذا البهاء الذي وصفناه ما قدر لنا هو حضارة سوداء؟ انت لست معذورا ان قرأتنا وفهمتنا خطأ. انت لست معذورًا ان رأيت النور ظلاما. أجدادك اقتحموا المدينة التي كانت تعرف انها وحدها آنذاك مقر الحضارة في العالم. انصف ما كان قبلك جميلا واقرأ لأنك مسؤول”.

أما الكاتب والمحلل محمد نور الدين فنشر تحت عنوان (ثلاثة كتّاب أتراك يقيّمون سياسة أنقرة الخارجية: إعادة رسـم خريطة المنطقة وفقاً لما يريده الغرب) في السفير، وكتب يقول: “بعدما كانت الانتقادات لسياسة حزب العدالة والتنمية الخارجية تقتصر على الكتّاب العلمانيين واليساريين والإسلاميين الذين في أوساط حزب السعادة، اتسعت الدائرة لتطال الدائرة الأقرب إلى الحزب ورئيسه رجب طيب اردوغان. وطالت الانتقادات بشكل رئيسي الشعارات التي وضعها ورفعها وزير الخارجية احمد داود اوغلو على امتداد السنوات القليلة الماضية.

أولى العناوين التي انتقدها الكتّاب الأتراك الإسلاميون كانت سياسة تصفير المشكلات التي بات الجميع داخل تركيا يتساءل عن المصير الذي آلت إليه، بعد عودة المشكلات إلى علاقات أنقرة مع معظم جيرانها.

عبد الحميد بالجي، المقرب جدا من حزب العدالة والتنمية، يكتب عن «اتساع الجبهة المعادية لتركيا»، فيقول إن صورة تركيا كانت في السنوات الماضية تلك الواثقة من نفسها والقادرة على تجاوز الحدود والقيام بوساطات بين الجميع والقادرة على التحدث مع الجميع. وارتفعت شعارات مثل تعدد الأبعاد وتصفير المشكلات والقوة الناعمة والانتقال من بلد طرف إلى بلد مركز. وباتت تركيا بلدا ينظر إليه بإعجاب في كل العالم لتنميته الاقتصادية وتحوّله الديموقراطي وحيوية مجتمعه المدني.

ويضيف بالجي انه ما كان يمكن تحقيق انجازات مهمة لولا الجهود الكبيرة التي بذلها اردوغان ورئيس الجمهورية عبد الله غول ووزيرا الخارجية السابق علي باباجان والحالي احمد داود اوغلو. لكن بالجي يقول انه منذ حوالى سنة ونصف السنة بدأت تهب رياح معاكسة لهذا المناخ تفسد اللوحة التي ارتسمت لتركيا على الأقل في موضوعات السياسة الخارجية، وبات العديد من الدول التي كانت تحسب في خانة النجاح للسياسة الخارجية التركية في خانة المعادي لها، مثل القبارصة اليونانيون وإسرائيل وأرمينيا وسوريا وإيران واليونان.

ويتابع بالجي إن «أسباب العداء بين تركيا وهذه الدول تختلف من بلد لآخر، ولكل أسبابه. بعضها خارج عن إرادة تركيا، وبعضها ناتج من الأخطاء في السياسة الخارجية التركية، وبعضها من المواقف غير المحقة لأوروبا تجاه تركيا». ويقول، «مع أن التفاصيل مهمة لكنها لا تغير النتيجة، وهو أن تركيا التي كانت متقدمة في كسب الأصدقاء وحل المشكلات هي الآن وجها لوجه أمام جبهة معادية تتسع». ويأمل الكاتب أن تتمكن تركيا من تجاوز هذه المرحلة «وكما نجحت في تغيير المشهد السيئ سابقا يمكن لها اليوم، إن أرادت، أن تنجح».
وكانت المقالة التي كتبها في صحيفة «زمان» الكاتب الإسلامي المخضرم والمعروف بهدوئه واتزانه أحمد طوران ألقان مدار اهتمام الجميع، حيث وجّه للمرة الأولى انتقادا لاذعا لسياسة تركيا الخارجية. وكان عنوان مقالته معبرا عنها بالقول «أنا متوتر» («أو مشمئز وغاضب»). واعتبر ألقان أن السياسة الخارجية التركية مؤخرا عبارة عن سيارة تسير بسرعة 180 كيلومترا، وعلى يسار الطريق متجاوزة كل السيارات مطلقة زماميرها وأنوارها ومن دون كوابح.

وقال انه إذا كنا لا نطالب الحكومة بالسير على يمين الطريق حيث الشاحنات الثقيلة البطيئة الحركة، لكن كان يمكن لسيارة السياسة الخارجية أن تسير على الخط الوسطي في الطريق. ويضيف إن الحكومة بدأت بالسير على الخط الأيسر من الطريق بعد انتهاء الانتخابات النيابية. وبدأت تتبع سياسة لم نتعود عليها من المواقف الحادة والمتشددة.
ويقول ألقان «إن الشعور هو أن هذه المواقف ليست نتيجة تعرض تركيا لإحراج بل رغبة في تصفية الحساب مع البعض. وصورة تركيا لم تكن تلك التي تتعرض لتدخل بل التي تتدخل وتقوم بتوتير الأجواء». وأضاف «إن مثل هذه السياسة لا تطمئنني كمواطن»، منهيا مقالته بالقول أنا متوتر.

أما الكاتب علي بولاتش، فهو أستاذ جامعي وباحث معروف، وهو من الإسلاميين المستقلين الذين دعموا بقوة إصلاحات وسياسات حزب العدالة والتنمية لكنه وقف منذ مدة على مسافة منها. وفي سلسلة مقالات له في الأيام الأخيرة كان واضحا بل حادا في انتقاداته لسياسة اردوغان ـ داود اوغلو الخارجية، معتبرا أن سياسة تصفير المشكلات تحولت إلى مأساة، ومثالها الأبرز علاقات تركيا مع سوريا. وقال بولاتش انه مع الأسف تحولت العلاقات بين البلدين إلى حالة عداء. ويقول بولاتش إن الحكومة تعرض لنا سببين لذلك: الرئيس السوري بشار الأسد لم يقم بالإصلاح ولم يصغ إلينا. والثاني إن تركيا لا يمكن أن تقف متفرجة على قتل المدنيين هناك. أما الأسد، يقول بولاتش، فيقول «إن التغيير في تركيا استغرق 30 سنة، ولم يكتمل بعد فيما يطلبون منا التغيير خلال ثلاثة أشهر. نحن نريد أن نتمثل بالنموذج التركي، لكن، إذ كنا ننتظر المساعدة أرسلوا لنا تهديدات. ويقول بولاتش إن قلوب الجميع تنفطر للقتل في سوريا لكن هذا السبب وحده ليس مبررا للسياسات التركية الأخيرة. ففي العراق قتل المئات من المسلمين منذ العام 2003، ومن قاعدة اينجيرليك في أضنة كانت الطائرات تقلع وتقصف أهدافا في العراق. ولم تنبس تركيا ببنت شفة. واليوم يقتل المعارضون في البحرين واليمن بوحشية، ولا يخرج صوتنا ضد ذلك.

وتساءل بولاتش عن الذي حصل لكي ترفع تركيا من وتيرة خطابها ضد دمشق. وقال ألم يكن من الأفضل التعامل بليونة ودبلوماسية، ومن دون توتر مع نظام البعث لتغيير سلوكه بدلا من رفع الصوت؟ واعتبر أن للولايات المتحدة والغرب دورا أساسيا في رفض الحلول السلمية والدفع في اتجاه التصعيد في الأزمة السورية لأن واشنطن تريد إنهاء التعاون بين تركيا وسوريا وإيران. وأضاف «إن ما يقلقنا أن البعض يريد أن يدفع تركيا إلى تدخل عسكري في سوريا.

وفي هذا الإطار، يقول بولاتش إن تركيا انتقلت من مهمة القوة الناعمة إلى موضة القوة الناعمة إلى موضة القوة الصقرية. ويقول إن الأسد قال لوفد حزب الشعب الجمهوري برئاسة نائب الرئيس فاروق لوغ اوغلو الذي زار سوريا مؤخرا «إن الذين يأتون إلينا من تركيا يتحدثون كما لو أنهم ناطقون باسم (الرئيس الأميركي باراك) أوباما. أوباما يريد هذا واوباما يريد ذاك، في حين أن لأميركا سفيرا في دمشق يأتي ويقول لنا مباشرة. إن ما يؤسفنا أن أشقاءنا الأتراك يكررون الكلمات نفسها. ويقول بولاتش إن السياسة الخارجية التركية يمكن جمعها في ثلاثة عناوين: تصفير المشكلات وتعدد الأبعاد والسياسة الفاعلة.
ويضيف «إن هذا كان ظاهرا لكنه لم يكن كذلك في العمق. فتركيا عضو في التحالف الغربي وفي اللحظة الحساسة والدقيقة كانت تأخذ مكانها إلى جانب الغرب».
وقال إن سياسة «تعدد الأبعاد» لم تهدف إلى «الاندماج الإقليمي بمركزية خاصة للشرق الأوسط» بل لحظت «تعدد الأبعاد بمحور غربي»، وهو ما عنى وأدى لتكون تركيا إلى جانب الغرب وليس إلى جانب شعوب الشرق الأوسط. واعتبر أن «موافقة تركيا على انضمام إسرائيل إلى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وكان لها حق الفيتو لمنع ذلك، وموافقة تركيا على (أندرس فوغ) راسموسين كأمين عام لحلف شمال الأطلسي وكان لها أن تمنع ذلك، ونصب الدرع الصاروخي في ملاطيا، أمثلة على انحياز تركيا للغرب. هي تفعل ما يقوله الغرب. خيارها الغرب والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي و«الشراكة النموذج» مع الولايات المتحدة. وعلى هذا فإن أولوية تركيا إن تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط وفقا لما يريده الغرب. تركيا تقوم بكل هذا. وبما أنها لم تستخدم كفاية مبادراتها فلم تستطع أن تمنع المآسي الكبيرة في سياستها الخارجية. النموذج الأبرز على ذلك انهيار سياستها السورية.

ومن جهة أخرى، محمد نور الدين Your browser may not support display of this image. Your browser may not support display of this image. Your browser may not support display of this image. كتب بعنوان (هكذا تكلم داود أوغلو في لقاء مغلق مع صحافيين أتراك: أتوقع انقلاباً داخل النظام في سوريا كان بإمكاننا إسقاط الأسد عام 2005).

وقال: “أطلق وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو سلسلة من المواقف الحادة و«الرسائل النارية»، التي تصل إلى حد «التهديد المبطن»، تجاه الرئيس السوري بشار الأسد. ولم يوفر من انتقاداته إيران والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله. وكان حاسما بقوله إن تركيا هي جزء من المعسكر الغربي.

وجاءت مواقف داود أوغلو خلال لقاء خاص دعا إليه 12 كاتبا وصحافيا تركيا في اسطنبول منتصف ليل الخميس الجمعة، واستمر حتى الفجر.
وأجمع بعض الصحافيين من الذين شاركوا في الاجتماع على أن الهدف الأساسي منه لم يكن شرح السياسات الخارجية التركية التي عرض لها، بل الرد على الانتقادات الواسعة التي بدأت توجه إلى سياسة تركيا الخارجية، وانضم إليها مؤخرا العديد من الكتّاب الإسلاميين البارزين.

ولم يستهل الوزير التركي اللقاء على جاري عادته بتقديم عرض للتطورات والمواقف الأخيرة، بل بادر الصحافيين بالقول «هذه المرة لن أقوم بتقديم للقاء. أريد أن استمع إليكم». وبخلاف اللقاءات الدورية السابقة التي كان داود اوغلو يدعو إليها حوالى 30ـ40 صحافيا فقد كان عدد المدعوين هذه المرة محدودا بإثني عشر فقط، مع تشديد على عدم تسريب القسم الأول من الحوار إلى الإعلام.

ومما نشرته الصحف التركية أول من أمس، فقد أعرب داود اوغلو عن أسفه لانتهاء علاقات الثقة بين سوريا وتركيا. وقال إن ما يعزّيه أنه استنفد كل الوسائل كي يعود الأسد عن أخطائه. وقال إن قلبي مرتاح.

وروى داود اوغلو مراحل لقاءاته ويأسه من الأسد بالقول التقيت الأسد هذا العام ثلاث مرات في دمشق. الأولى في كانون الثاني، وقد لمست رغبة في الإصلاح لدى الأسد بنسبة 60 في المئة. اللقاء الثاني في السادس من نيسان واستمر ثلاث ساعات، وكان لقاء حادا وقد لمست رغبة في الإصلاح بنسبة 40 في المئة. وبعد هذا اللقاء لاحظت أن الأسد قد طغى عليه هاجس الأمن. أما آخر زيارة فكانت في التاسع من آب واستمر اللقاء ست ساعات ونصف ساعة. وفي هذا اللقاء قال الأسد انه سيسحب القوات من حماه بعد أربعة أيام فرفضت وطلبت منه أن يسحبها فورا، ويعطي السفير التركي في دمشق إذنا للذهاب إلى هناك والتأكد من ذلك. وقبل الأسد الاقتراح ولو بصعوبة.

وطلب داود اوغلو في ذلك اللقاء تحديد تواريخ محددة للانتخابات وتعديل الدستور والاستفتاء وإلغاء المادة الثامنة من الدستور وما شابه. واقترح وزير الخارجية أن يضع البرلمان المنتخب الدستور الجديد.

وهنا سأل الأسد الوزير التركي «وما الذي سيكون عليه وضع الأقليات؟» فأجابه داود اوغلو بإمكانية وضع مواد في الدستور تحمي حقوق الأقليات.

ويذكر داود اوغلو انه قال في اللقاء للأسد لا تجبرنا على الاختيار بينك وبين الشعب السوري. إذا اضطررنا للاختيار فسنختار من دون تردد الشعب السوري وسنتركك.

وقال داود اوغلو انه فكر حينها بوضع «خريطة طريق» للحل بعدما انسحب الجيش السوري من حماه وذهب إليها السفير التركي، لكنه تخلى عن الفكرة بعدما وجد انه بعد يومين فقط عاد الأسد إلى سيرته القديمة، وبدأ يهاجم مدنا أخرى. ومنذ تلك اللحظة فقدت تركيا ثقتها بالأسد وحسمت خيارها إلى جانب الشعب. وأضاف»لقد قلنا كل شيء يمكن قوله، وفعلنا كل ما يمكن فعله، وانتظرنا بما فيه الكفاية. نحن ناس أيضا من المنطقة، لنا في سوريا أقارب ومعارف كثيرون. وكدولة كل شيء يهمنا. واستخباراتنا قوية جدا. ونقوم بسياسة مبدئية. ونحن إلى جانب الشعوب في الشرق الأوسط وليس الأنظمة. ولتركيا مسؤوليات خاصة، ولن نهرب منها.

وقال داود اوغلو إن القلق الأكبر لتركيا هو من صدام مذهبي وإثني بين المجموعات السورية، وإن الأسد يلعب بهذه الورقة التي هي ورقته الأخيرة. وأضاف إن تركيا تسعى مع المجموعات السورية الإثنية للحؤول دون ذلك، وتركيا التقت بالفعل بممثلين عن الدروز والسنة والنصيريين (الاسم الذي يطلقه الأتراك على علويي سوريا ليميزوا بينهم وبين علويي تركيا. واتهم داود اوغلو دمشق بقيادة دعاية سوداء ضد تركيا لكي تضع أنقرة في موقف حرج وصعب، قائلا إن تركيا تتابع بالتفصيل هذه الدعايات. وأضاف إن سوريا لا تختصر جيران تركيا، حيث انه ستنعقد في الشهر المقبل اجتماعات مجالس إستراتيجية بين تركيا وكل من العراق واليونان وبلغاريا وأوكرانيا. وقال إن العلاقات أيضا مع إسرائيل لم تنقطع تماما، وقد صبرت تركيا 15 شهرا وفي كل مرة كنا نصل إلى حل ثم يتراجع عنه الإسرائيليون.
وحول العقوبات التي كان سيعلنها رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان من الاسكندرون ضد سوريا، قال داود أوغلو إن العقوبة الأكبر التي تلقتها دمشق هي خسارة صداقة تركيا لها. وأعلن أن العقوبات التي ستعلن لن تطال الشعب السوري بل إن هدفها النظام، تاركا الإعلان عن تفاصيلها إلى اردوغان.

وقال داود اوغلو إن الأزمة في سوريا امتحان صعب جدا للنظام الدولي وللجيران. وإذ أعرب عن قلقه من احتمال صدام مذهبي يشمل كل المدن السورية ومن حرب أهلية أضاف «من الممكن أن نشهد انقلابا داخل السلطة.

وقال إن تركيا فضّلت أن ينعقد اجتماع المعارضة في اسطنبول بدلا من أن ينعقد خارجها حتى «لا نكرر خطأ العراق عندما لم نستضف اجتماعات المعارضة العراقية» التي ذهبت إلى لندن بدلا من اسطنبول.

وبعد أن اعتبر أن موقفنا مبدئي من الوضع في سوريا، قال «لو أردنا إسقاط النظام في سوريا لفعلنا ذلك في العام 2005 في أكثر اللحظات صعوبة للأسد، وكان بإمكاننا ذلك». واعتبر ان الدعم الذي تقدمه طهران لنظام البعث ألحق الضرر بصورة إيران، معطيا مثالا على ذلك بقوله «قبل سنتين كانت صور (السيد حسن) نصر الله في كل بيت في حلب. الآن الناس يكرهونه. ويقول داود اوغلو إن سر ارتفاع نفوذ تركيا يأتي من ثلاثة أسباب: الديموقراطية المتنامية، الاقتصاد الصاعد ومعارضة الأخطاء في السياسة الإسرائيلية.
واختصر موقف أنقرة في الفترة الأخيرة من التطورات العربية بالقول إن «تركيا أخذت مكانها في المعسكر الغربي لكن بطريقة موضوعية.

وفي حوار تلفزيوني مع قناة «د» التركية، نفى داود اوغلو أن تكون في نية تركيا إقامة منطقة عازلة في سوريا، ولكنه قال إن الشعب السوري سيقوم بما يتوجب عليه.
وكانت نقطة الالتباس الأساسية والتي استدعت ردا من وزارة الخارجية على مقدم البرنامج محمد علي بيراند هي ما إذا كانت تركيا ستقوم بتدخل عسكري ضد سوريا. وقد عنون بيراند مقالته في اليوم التالي متسائلا «هل من تدخل عسكري ضد سوريا؟». ويقول إن قول اردوغان إن تركيا لن تبقى متفرجة، ثم يعطف عليها مناورات عسكرية على الحدود مع سوريا، ليس من معنى له سوى أن تركيا تستعد لتدخل عسكري ضد سوريا.
ويقول بيراند انه خرج من الحوار مع داود اوغلو بانطباع أن «اندلاع الحرب لن يكون على شكل تدخل عسكري، بل بشكل لن يبقي الأسد في موقعه». وأضاف إن انطباعه من الحوار أيضا هو أن قلق تركيا من صدام مذهبي ومن موجة هجرة لاجئين سوريين كبيرة يستدعي إجراءات عسكرية بهدف منع حصول هذه الموجة.

ونقرأ لنفس الكاتب محمد نور الدين تحت عنوان (تركيا و”الربيع العربي”: انهيار استراتيجيا): “لقد تقدمت السياسة الخارجية التركية في المنطقة العربية وفي البلقان والمتوسط والبحر الأسود والقوقاز من خلال سياسات تعدد الأبعاد وتصفير المشكلات والعمق الاستراتيجي والقوة الناعمة والدور الوسيط .

وهذه مرتكزات الاستراتيجية التركية الجديدة مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 . ولقد بذل قادة تركيا الكثير من الجهد وأبدوا حنكة عالية لتحقيق هذا الهدف . وقد كان لهم ذلك من تصاعد التأثير التركي في المنطقة وتقدم صورة تركيا المتعاونة والمتفاعلة مع دول المنطقة من دون استثناء بما في ذلك “إسرائيل”، ما أفضى إلى بناء شبكة قوية من العلاقات والثقة بين تركيا وجميع جيرانها، بمن فيهم أرمينيا التي وقعت أنقرة معها بروتوكولاً تاريخياً، وإن لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ لاحقاً . غير أن حدث الثورات العربية تحديداً كان عاملاً في وضع السياسات التركية أمام امتحان جِدي وحقيقي للمرة الأولى منذ عام 2002 .

وربما من تعاسة الأقدار أن يتحول “الربيع العربي” – كما يفضل الأتراك تسمية الثورات العربية – من فرصة لمزيد من الحضور التركي إلى مجموعة من التطورات والأحداث التي تكاتفت لتضع تركيا في مأزق لا يعرف أحد في تركيا كيف ستخرج منه.  وسوف يثير هذا الكلام دهشة واعتراضاً على أساس أن القيادة التركية كانت من مؤيدي الربيع العربي، وبطبيعة الحال يفترض أن تكون هي من أكبر المستفيدين منه .

في صورة المشهد الحالي، فإن علاقات تركيا مع ما يسمى “محور الممانعة” قد انهارت . مع سوريا، حيث النجاح التركي الأبرز في السياسة الخارجية، بلغ التدهور ذروته مع الانتقال من سياسة “فتح الحدود” إلى سياسة “فتح فوّهات المدافع”، مع تهديد تركيا باستخدام عقوبات متنوعة قد تصل إلى الضغط العسكري، مع بدء مناورات عسكرية في لواء الاسكندرون تمتد إلى 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري .

ومع العراق، كانت حكومة نوري المالكي حاسمة في وقوفها مع النظام السوري، كما رفضت إلغاء تأشيرات الدخول بين العراق وتركيا والتصديق على اتفاق التعاون الاستراتيجي مع تركيا في البرلمان العراقي . أما مع إيران فإنه الخلاف الأبرز مع نصب تركيا الدرع الصاروخية المستهدفة منه إيران ومعها روسيا وسوريا كلها هذه المنظومة .وجاء التدهور الآخر المثير مع روسيا بسبب الخلاف مع أنقرة حول سوريا وقبرص وأرمينيا . ومن تعبيرات هذا الخلاف إلغاء تركيا اتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من روسيا، وهي خطوة نوعية ولها دلالات كثيرة في تحول التوجه التركي من الشريك التجاري الأول لتركيا في العالم، أي روسيا، إلى دول أخرى . وفي المقلب الآخر، لم تتمكن تركيا من أن تكون شريكاً جديداً ذا ثقة ومصداقية لدول مثل مصر وليبيا وتونس وبعض الدول العربية في الخليج “الفارسي”. ذلك لأن الموقف التركي من ليبيا كان متذبذباً، ومع أنها شاركت في النهاية في عمليات إسقاط النظام غير أن ما ستكسبه من النظام الجديد لن يكون سوى فتات ما سترميه لها فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا، بينما كانت تركيا ومصالحها طفلاً مدللاً لدى معمر القذافي .

وإذا أضفنا سقوط مقولة “القوة الناعمة” مع قرع طبول الحرب بين تركيا وقبرص، وبين تركيا و”إسرائيل”، وبين تركيا وسوريا وسقوط نظرية “تصفير المشكلات” مع معظم الدول المحيطة بتركيا، وبالتالي انهيار “الدور الوسيط”، لكنّا أمام صورة انهيار مذهل وسريع لمرتكزات استراتيجيا (بالألف) لم تستطع الصمود أكثر من سنوات بعدد أصابع اليد الواحدة . أما أسباب هذا الانهيار فلنا موعد آخر معه .

ونشر موقع جهينة نيوز مقالة بقلم د. رغداء مارديني بعنوان (الدست العثماني.. والمغرفة الفرنسية) كتبت فيه: “ في استطلاع تلفزيوني ميداني مباشر، أجرته القناة الفرنسية (24) قبل أيام، عن رجع صدى حمل «كارلا» عارضة الأزياء بجنين نيكولا ساركوزي، وولادتها قريباً،. بعد أن اختاروا له اسم (ساركو)، وما إذا كان هذا الحدث السعيد سيعطي الرئيس شحنةً شعبيةً في الحياة السياسية (بعد إخفاق)، مثلما أعطى سابقاً لتوني بلير، وكاميرون شعبية عندما رزق كل منهما بطفل أثناء فترة حكمهما. ‏سألت القناة مواطنةً فرنسية عابرة عن ذلك، فأجابت بعفوية: إن ذلك سيهدّئ من روعه كثيراً وسيعرّفه على عالم الحفاضات!! ‏

لم تثر هذه الإجابة أيّ رد فعل عند ساركوزي المهدد بالسقوط في الانتخابات القادمة، والذي خسر شعبيته بسياساته الرعناء، مثلما أثارت كلماته غضب تركيا عند زيارته لأرمينيا، عندما قال: تبدو الفترة 1915 وحتى2011 كافيةً للتفكير، حتى تقرّ تركيا بأن ما جرى للأرمن تحت حكم السلطنة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى كان إبادةً جماعية. ‏

ولم يوفر داود أوغلو – الذي جاء رده سريعاً وغاضباً- بحسب وكالة الأناضول- قوله: بأنه سيكون من المفيد جداً لفرنسا مواجهة تاريخها الخاص، وعلى مَنْ يطلبون من تركيا مواجهة تاريخها أن ينظروا قبل كل شيء إلى أنفسهم، ولا يحقّ لدولة أو مجتمع ذي تاريخ استعماري إعطاء دروس لتركيا لمواجهة تاريخها، وأن الذين يطالبون تركيا بالمصالحة مع ماضيها عليهم أولاً أن ينظروا إلى المرآة..!! ‏

ومع أن غضب أحفاد السلاطين السافر، لم يكن بقذف البيض الذي قام به مئات المحتجين على المسلسل التركي (القرن الرائع)، وعلى رأسهم أردوغان الذي وصف هذا المسلسل بأنه: (يقلل من احترام السلطان القانوني، ويسيء إلى التاريخ التركي أمام الأجيال الشابة).. وذلك أولاً انطلاقاً من تشبهه به، وبفتوحاته العظيمة، ولذلك، لا يجوز أن تتضمن حياته مشاهد مسيئة عبر علاقاته بالنساء وشرب الخمر، لأن السلطان القانوني (وإن كانت المشاهد صحيحةً) فهو من أهمّ السلاطين الذين مروا في تاريخ العهد العثماني، حيث توسعت السلطنة العثمانية في عهده، لتشمل ثلاث قارات: (أوروبا- إفريقيا- آسيا)، وتأثير (روكسان) شاهد عليه، في الوقت الذي نسي فيه أردوغان أثناء احتجاجه أنه الآن يسيء إلى الشعب التركي بالسياسات اللاأخلاقية نفسها تجاه الشعوب، والتي لا تخلو من وقاحة استعمارية جديدة يطمح فيها إلى اسم (الفاتح الجديد).. ‏

ولعل السجالات الممتدة بين الطرفين المستعمرين (بكسر الراء) والمتفقين تاريخياً فقط على مشروعات أطماع قهر الشعوب، واستعمارهم، يعرفان كيف (يعيّران) بعضهما، وليس أولها، إلا هدية أردوغان إلى ساركوزي أوائل آذار (شهر تحريك آلة القتل والاضطرابات في سورية)، تلك الهدية كانت رسالةً كتبها السلطان سليمان القانوني (الذي يزين نقش صورته بهو مجلس النواب الأميركي اليوم مع 23 نقشاً لمشرّعين مشاهير مروا في التاريخ) عام 1526، رداً على رسالة استغاثة بعث بها فرنسيس الأول ملك فرنسا، عندما وقع أسيراً في يد الإسبان يطلب العون من الدولة العثمانية، يطمئنه فيها أنه سيخلّصه من الأسر، وذلك عندما رفض ساركوزي أن يقوم بزيارة رسمية لتركيا كرئيس لفرنسا، فضلاً عن موقفه الرافض لانضمامها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.. ‏

وليس ثانيها، إلا التاريخ الاستعماري الطويل والعريق لكلا البلدين اللذين عليهما أن يشاهدا بوضوح ماذا تفعل سياساتهما بالعالم، وإلى أين تجرّ شعوبهما أولاً، بدلاً من التراشق وإعطاء شهادات سلوك لما يقومان به اليوم.. بما يذكرني بالمثل الشعبي الشهير: (الدست قال للمغرفة: يا سوداء يا مقرفة، فقالت له: نحن الاثنين في المطبخ سوا).. ولأن السياسات الفرنسية والتركية في المطبخ الاستعماري سواء، فعليهما أن يخططا لقرن يحلمان بروعته، يجمعهما فقط على أشلاء اغتصاب الصبايا، ودعم الإجرام وآلته، في حلم عودة بإنتاج مسلسل يفضح منتج قبحهم (أمام الأجيال الشابة)، ويعرّفهم أكثر كيف ينظرون إلى المرآة في عالم الحفاضات… المستعملة!! ‏

ونعود لجريدة الوطن التي نشرت تحت عنوان (من شرفة الغزل .. سورية هدف أردوغان) بقلم بسام رجا الذي قال أن خطاب العداء تصاعد مؤخراً على لسان رئيس الوزراء التركي أردوغان – وليس الشعب التركي الصديق – ضد سورية مغلفاً بلهجة تهديد.. ودفع مراقبين سياسيين كثراً إلى إعادة قراءة الخط التنازلي الذي اعترى السياسة التركية وتخبطها في تحديد موقف واضح وصارم من الأزمة التي تمر بسورية وقد نشهد قريباً خواتيمها.. فمنذ بداياتها ظن كثيرون أن تركيا ستقف إلى جانب سورية بعد مرحلة من علاقات وطدها الطرفان وأسسا وفقها تفاهمات مشتركة سياسية واقتصادية، غير أن (براغماتيا) الموقف التركي أعربت عن نفسها.. وبدل أن تكون طرفاً محايداً في أقل الاعتبارات غدت شريكاً في التحريض على سورية.. ولن ندخل في حديث الدور التركي في استغلال من هُجروا من أرضهم لتبني لهم خياماً وتفتتح بازار المزايدة السياسية وفي كل هذا المشهد الكبير تتضح تفاصيل التدخل في الشأن السوري.

ورغم المعرفة الدقيقة للحكومة التركية بواقع الحقيقة على الأرض واصلت النفخ في كير التضخيم.. لتظهر أمام العالم أنها حريصة على مستقبل سورية.. وبالتالي تقدم نفسها على أنها دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وعين منها على الاتحاد الأوروبي وأخرى على المساعدات الأميركية.. وبين هاتين العينين تاريخ من المجازر بحق الأرمن والأكراد ومصادرة الحريات.. لكن تركيا أرادت أن تقول إن ما تقوم به اليوم سيشفع لها – ولم يشفع على حد تصريحات أوروبية – قائلة إنها لم تَعبر بعد إلى الشراكة في الاتحاد الأوروبي، وهذا يوضح أن القيادة السياسية في تركيا لم تزل في دائرة الاختبار وعليها أن تكون محل ثقة خاصة بعد الأزمة التي مرت مع كيان الاغتصاب- وجاء نشر الدرع الصاروخي الأميركي على أراضيها- بطاقة حسن سلوك في المنطقة.

كثير منا فوجئ بالتطور الدراماتيكي للموقف التركي وتصاعد تهديدات أردوغان لسورية.. والتنسيق مع واشنطن برئيسها أوباما (لقاء واشنطن).. ورسائل الود إلى من يضغطون بعقوبات على سورية.. وهذه التطورات جعلت من القارئين للسياسة يعودون إلى عقود ماضية في عقلية الهيمنة التركية على دول الجوار.

قد يكون انفلت العقال التركي.. لكن قد يخسر كثيراً بعد أن تغير المزاج الشعبي العربي ونظر إلى تركيا بعيداً عن الهيمنة الأميركية.. وليس صحيحاً أن شعوبنا عاطفية.. بل تقرأ سياسة وتميز بين الحليف المستند إلى قراءة الواقع والمتمرس على الارتماء في أحضان المصلحة والدور المشبوه.

كما نشرت جهينة نيوز مقالة بعنوان (تركيا غاضبة” بعد فضح مخططاتها ضد سورية..اردوغان يقود “الاخوان” نحو السلطة) حيث نقرأ : “غضبت أنقرة، فردت على تقرير بثته «وكالة الأنباء الفرنسية» الخميس الماضي وكشف حقيقة ما تحضر له أنقرة لسورية وما طالبت به من مشاركة لتنظيم الأخوان المسلمين في الحكومة السورية ورفض سورية لهذه الطلبات وذلك نقلاً عن دبلوماسيين غربيين في سورية، ما أدى إلى تحرك تركيا على الساحة الإقليمية والدولية في محاولة للتأثير على الداخل السوري وعلى المجتمع الدولي، وها هي تستعد لفرض عقوبات على سورية بالتنسيق مع دول أجنبية لها مطامع في الشرق الأوسط باتت تركيا وكيلها المعتمد على ما يبدو.

وكان تقرير بثته وكالة الأنباء الفرنسية أشار بوضوح إلى معلومات يتداولها دبلوماسيون غربيون في دمشق أنه منذ حزيران الماضي دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الرئيس بشار الأسد إلى تشكيل حكومة يكون فيها ربع أو ثلث الوزراء من الأخوان المسلمين مقابل التزامهم باستخدام نفوذهم لوضع حد لحركة التمرد التي تهز البلاد»، لكن «الرئيس السوري رفض ذلك الاقتراح. وأضاف التقرير نقلاً عن دبلوماسي أوروبي فضل عدم كشف هويته إن «الأتراك اقترحوا أول الأمر أن يتولى الإخوان المسلمون أربع وزارات كبيرة موضحاً أنهم يشكلون طيفاً من الأطياف السياسية في البلاد».

وفي التاسع من آب نقل وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو رسالة من الرئيس عبد اللـه غل طلب فيها من زميله السوري عدم الانتظار حتى فوات الأوان لإنجاز إصلاحات ديمقراطية. وقال للرئيس الأسد «إن قيادتكم للتغيير سيجعلكم تتبوؤون مكانة تاريخية بدلاً من أن تعصف بكم رياح التغيير». وأفاد مسؤول سوري مطلع على الملف أنه خلال محادثات استمرت ست ساعات طلب أحمد داوود أوغلو «عودة الإخوان المسلمين إلى سورية، وأضاف إن «الرئيس الأسد رد عليه بالقول: إنه يمكنهم كأشخاص العودة كأي شخص يتمتع بالجنسية السورية لكن ليس مطلقاً كحزب، لأنه تشكيل طائفي لا تتلاءم أفكاره مع الطابع العلماني لسورية».

وإضافة لما أوردته «فرانس برس» علمت «الوطن» أن بين الشخصيات التي طلب كل من أردوغان وداوود أوغلو عودتها شخصيات تركية لكن من أصل سوري، وتتمتع بنفوذ واسع في حزب العدالة والتنمية» نظراً لملاءتها المالية ومشاركاتها التجارية لمؤسسات السلطة في تركيا. لكن وزارة الخارجية التركية نفت بشدة أمس، أن تكون أنقرة اقترحت على السلطات السورية إشراك الأخوان المسلمين في الحكومة مقابل تقديم الدعم لها لوقف حركة الاحتجاج. ووصفت الوزارة هذه الأنباء بأنها من باب «الدعاية السوداء»، وقال المتحدث باسم الوزارة في بيان هذه المزاعم لا تمت إلى الواقع بأي صلة.

إلا أن الخبر أعاد تأكيده أكثر من مصدر أوروبي في دمشق، ولاسيما من ممثلي دول تقيم علاقة جيدة مع أنقرة وطاقم سفارتها في دمشق. وتشكل هذه المعلومات مصدر «قلق» بالنسبة لأوروبا التي تراقب عن كثب طبيعة الدور الذي تقوم به تركيا «الإسلامية» على حساب تركية «العلمانية» في المنطقة، خصوصاً أن معلومات كثيفة تحدثت عن اتفاق كل من الإدارة الأميركية وحركة «الإخوان المسلمين» في المنطقة على علاقة مستقبلية، يكون «الوسيط والراعي الموثوق به» هو حزب العدالة والتنمية.

وطلب الرئيس الأميركي باراك أوباما، وفقا لهذه المصادر، من أردوغان أن يتولى عملية تنظيم صفوف المعارضة السورية «في الخارج طبعاً»، والتي تشكل حركة الإخوان المسلمين عمودها الفقري، وإن كان الاتفاق يجري على «تطعيم» هذه المعارضة بوجوه معتدلة ومنح الرئاسة لعلماني «على الأرجح المعارض برهان غليون» لتخفيف مخاوف العلمانيين وتغليف المعارضة الإسلامية بطابع «تعددي» الأمر الذي بات مكشوفاً للغرب قبل السوريين أنفسهم.

وتشكل سورية الحلقة الأعقد بالنسبة لتركيا وللإدارة الأميركية في هذا التصور لمستقبل المنطقة، خصوصاً في ضوء اعتقاد الإدارة الأميركية أنها تستطيع الاعتماد على «زعامة» أردوغان الإقليمية في «حماية مصر من العدائية لإسرائيل مستقبلاً» بعد أن تصبح في قبضة الإخوان المسلمين عقب الانتخابات البرلمانية المقبلة وكان من الواضح من خلال المهرجان الذي أقيم لأردوغان خلال زيارته إلى مصر أن الرجل يتصرف بصفة «زعيم» وليس رئيس وزراء دولة إضافة إلى التصريحات التي يطلقها أردوغان ووزير خارجيته بين الحين والآخر وتشير بوضوح إلى أن تركيا تتبنى تحركات التنظيمات المتطرفة وتصف عدداً منها بالفتوحات! ورأى مراقبون أن «الاستنفار الشفهي» لدى الحكومة التركية ضد إسرائيل، يصب في خانة التشويش على هذا التصور السياسي خصوصاً أن تركيا هي التي تمنح أراضيها لزرع مضادات الصواريخ حماية لإسرائيل”

وجاء في البيان بقلم  نور الدين الجمال تحت عنوان (المأزق التركي في سورية ..) حيث كتب: “لا يمكن ان نستبدل العروبة بالعثمانية. هذه احدى العبارات التي قالها الرئيس بشار الأسد خلال لقائه المطوَّل مع وفد المسيحيين المشرقيين دلالة على رفض سورية قيادة وشعباً للتدخل التركي في شؤونها الداخلية تحت اي شعار. كما أن اللقاء كان صريحاً الى درجة كان فيها الرئيس الأسد يملك من الشجاعة والشفافية ما أتاح له ابداء ملاحظات حول المرحلة الماضية، أكان على صعيد حزب البعث أو على مستوى الأداء الأمني، مؤكداً أنه مستمر في عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومحاربة الفساد بقناعة كاملة وتلبية لطموحات الشعب السوري لا نتيجة ممارسة الضغوط الخارجية التي بدأت تأخذ منحى لا يصب على الإطلاق في مصلحة سورية وشعبها.

وترى مصادر سياسية أن مرحلة العلاقة السورية ـ التركية وصلت الى نقطة خلافية لا يمكن ترميمها إلا بموافقة القيادة في سورية التي تضع الموقف التركي في موازاة الموقف الغربي وبعض المواقف العربية. والخلاف السوري ـ التركي بدأ عندما اعتبر الاتراك أن حلّ الموضوع السوري يجري من خلال إشراك جماعة “الاخوان المسلمين” في اي حكومة سورية جديدة، وبعدها يصبحون جزءاً من الحكم القائم في السلطة وصولاً في ما بعد، وحسب المخطط الاميركي والذي تعتبر تركيا الأداة الأساسية لتحقيقه في سورية، الى أن تصبح جماعة الأخوان هي السلطة. ولكن ردّ الرئيس الأسد على الطرح التركي كان برفض هذا المشروع، لأنه يمثّل مشروعاً اسلامياً، ولذلك قال الرئيس الأسد أمام وفد المسيحيين المشرقيين: لن نقبل أن نستبدل العروبة بـ “العثمنة”.

وتقول المصادر السياسية، إذا كانت تركيا تعتقد أنها قادرة على أن تُنَصِّب نفسها وصية على سورية ومن ثم على العالم العربي، فمثل هذا الرهان يكون خاطئاً وسيرتد مستقبلاً على تركيا نفسها، فالأخوان المسلمون تدعمهم تركيا بطلب أميركي، والإدارات الاميركية المتعاقبة كانت تعتمد على “العسكر” في المنطقة منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ولكن هذا التوجه بدأ بالانحسار بعد الثورات الشعبية التي قامت في كل من مصر وتونس. ولهذا، يحاول الاميركيون جاهدين أن يضعوا الأخوان المسلمين مكان “العسكر” في هذه المرحلة وعلى مدى السنوات الخمسين المقبلة، وتركيا في هذا المجال تقدِّم نفسها بأنها الضمانة لوصول الإخوان الى الحكم في الدول العربية، والنتيجة التي يطمح اليها الأميركي وسمساره التركي تحويل كل هذه الثروات العربية وتسليمها الى الاخوان عبر وصولهم الى السلطة.

وتشير المصادر السياسية، الى أن هناك خيبة أمل سورية من تركيا لمواقفها المتآمرة عليها، بعدما أعطاها الرئيس الأسد وسهَّل لها ما لم يعطِ إلى دولة أخرى، حيث تبين بصورة واضحة للقيادة السورية انه إذا خُيّر الأتراك بين “الأخوان”، والنظام في سورية فسيكون الخيار التركي مع “الأخوان”. ولهذا، فإن الرئيس الأسد يرفض كل الطروحات التركية أكانت من باب النصيحة كما يدَّعي المسؤولون الاتراك أم من زاوية الوصاية على سورية. ولذلك، فإن هذه النقطة المركزية جعلت سورية تعيد النظر بكل ما هو مرتبط بالعلاقة مع تركيا.

تركيا عندها الكثير من الملفات الشائكة، ولسورية دور كبير في حلّها أو تعقيدها، وإذا لم تساعد سورية في حلّها ستكون الأمور أكثر تعقيداً في وجه حكومة رجب طيب أردوغان. أول هذه الملفات، الملف الكردي، والأتراك أنفسهم يدركون جيداً كم ساعدت سورية على هذا المستوى، ناهيك عن وجود حجم كبير من العلويين في الداخل التركي ومجموعة كبيرة من الأرمن والمسيحيين والشيعة الذين يتعاطى معهم الحكم التركي بقساوة، والأهم من كل ذلك وجود معارضة تركية يحسب لها حساب، وتركيا كانت في السنوات القليلة الماضية تنعم بالراحة والاستقرار، لأن علاقاتها مع سورية. كانت جيدة وممتازة، وإذا بقيت القيادة التركية على مواقفها الحالية ستبدأ عندها مرحلة التعثّر.

وختمت المصادر السياسية، الأزمة في سورية إلى تراجع، ولكنها ستأخذ بعض الوقت، والأمور باتت ممسوكة، ولكن الإمساك بالوضع، لا يعني أن كل شيء انتهى، مع التأكيد على أن الضمانة الحقيقية والكبيرة هي الجيش العربي السوري الذي أثبت تماسكه وتضامنه مع الحكم، وفي موازاة ذلك وجود معارضة ضعيفة وغير موحّدة إن في الداخل أم في الخارج، لن يكون لها أي تأثير مهما حاولت الادارة الاميركية وأداتها تركيا أن تنفخا فيها إعلامياً وسياسياً ومالياً وحتى عسكرياً.

ملحق أزتاك العربي

Share This