عن الخلاف الفرنسي– التركي

كتب نزار سلوم في الوطن السورية أن الخلاف الفرنسي– التركي قديم، يتصل بالتراجيديا التركية التي أقرب لأن تكون سيزيفية دامية: الاستحالة المحيطة بالطموح التركي لدخول (جنّة) الاتحاد الأوروبي، فرغم المساعدة الأميركية المباشرة لرافع الأثقال التركي غير أن (صخرة سيزيف) عادت وتدحرجت من قرابة الباب الذي كان سيدخلها تلك (الجنّة) إلى أسفل السفح الأوروبي حيث يقرر ساركوزي من يريفان عاصمة أرمينيا أن تركيا ليست سوى جسر بين الشرق والغرب ولا يمكن بأي حالة أن تكون جزءاً من أوروبا.

وحول تصريحات ساركوزي في أرمينيا بشأن الابادة الأرمنية كتب سلوم: استخدم الفرنسيون الورقة الأرمنية في خلافهم مع الأتراك أكثر من مرة، ووصل بهم الأمر أيام جاك شيراك إلى صياغة مشروع قانون يجرّم من ينكر الإبادة الجماعية التي تعرّض لها الأرمن عام 1915 على يد تركيا العثمانية، وها هو ساركوزي يعود للتلويح بإعادة ضخ الدماء الحيّة في شرايين هذا المشروع كي يصدر عن الجمعية الوطنية الفرنسية أسوة بالقانون الذي يجرّم من ينكر المحارق النازية بحق اليهود. إلا إذا واجه الأتراك ماضيهم– حسب ساركوزي– واعترفوا بجريمتهم واعتذروا عنها.

أدى هذا الهجوم الفرنسي إلى تطور الخلاف إلى ما يشبه المواجهة، حيث جاء الرد التركي من العيار ذاته وبدأت عملية التراشق بـ(الماضي الاستعماري الوحشي) بين دولتين عضوين في حلف واحد (شمال الأطلسي) وكانتا منذ أقل من قرن بقليل إمبراطوريتين إلى جانب بريطانيا يتقاسمون النفوذ على أكثر من نصف العالم. على أن تجدد المواجهة من يريفان إحدى عواصم القوقاز، يذكّر سريعاً بأحد فصولها الحديثة، عندما أخذت فرنسا على عاتقها ريادة المشروع الأطلسي ضد معمر القذافي، مستبعدة تركيا من اجتماع باريس الذي أعطى الضوء الأخضر لهذا المشروع، الأمر الذي جعل أردوغان يتهم ساركوزي بأنه ضرب ليبيا لأسباب سياسية فرنسية داخلية انتخابية، غير أن التدخل الأميركي أدى إلى إجراء صفقة بين أردوغان وساركوزي، فغيّرت طائرة أحمد داود أوغلو اتجاهها صوب بنغازي بدلاً من أن تهبط في طرابلس!

وحول المواجهة الفرنسية– التركية قال إنها في أحد أكثر أطوارها حدّة، وذات أبعاد متعددة سياسية– اقتصادية مرتبطة بأكثر من منطقة ودولة. ما تأثيرها في المسألة السورية، أو كيف تبدو هذه المسألة في ضوء هذه المواجهة وتطوراتها المستقبلية المحتملة؟
يشكّل هذا التساؤل امتحاناً استثنائياً للفكر الإستراتيجي وذلك بسبب وقوف فرنسا وتركيا في معسكر واحد إزاء الأحداث السورية. بل ثمة لهجة وحماسة فرنسية تكاد ترادف تلك الصادرة عن المسؤولين الأتراك، الأمر الذي يفترض صياغة التساؤل السابق على النحو التالي: هل ستتمكن فرنسا وتركيا من الحفاظ على سورية كعامل مشترك بعيدة عن حقل المواجهة الدائرة بينهما، أم إن هذه المسألة ستدخل هذا الحقل عاجلاً أم آجلاً؟

أما عن الجواب. فحسب الوطن لا يبدو الجواب مرتبطاً، الآن، بما يقرره أي منهما، بل بما سيؤول إليه الحراك السياسي السوري بمجمله، الذي توضّعه ومحصلة قوّته من سيستدعي تغييرات محتملة في القوى المحيطة به، وإن كان نظرياً الفرنسيون قادرين على التغيير أكثر من الأتراك الذين يبدو تورّطهم في الخيار الأميركي فاضحاً!

أخيراً، إذا كانت تركيا وفرنسا تتراشقان بالماضي الاستعماري في مواجهتهما الراهنة، فحقّ لغيرهما أن يرشقهما الاثنين معاً ليس بذلك الماضي وحسب بل بـ(حاضرهما) الذي يبدو شديد الشوق لذلك الماضي. سورية كانت في ماضي الاثنين وخرجت… هل تتذكر استنبول وباريس؟

Share This