أغاني “صياد نوفا” والأساطير الشرقية

منذ غابر الأزمان كانت الشعوب في منطقة ما وراء القوقاز تمارس نوعاً من الغناء الشعبي يعتمد على القصائد المغناة برفقة آلات وترية محلية مثل “الكمنتشة” و”الساز” و”السانتور” وغيرها.

وعرف هذا الفن الغنائي في القرنين السابع عشر والثامن عشر عند الأرمن باسم فن العشق، وسمي المغني العاشق (آشوغ). ومن هنا برز دور المغنين الجوالين الذين كانوا يقدمون قصائدهم المغناة أمام البلاط الملكي والطبقات الاجتماعية في تلك الحقبة التاريخية.

يعدّ “صياد نوفا” أعظم مغنٍ جوال عاش في القوقاز. وقد امتدت أغانيه وشعره الشعبي من البحر الأسود وصولاً إلى إيران وروسيا وجيورجيا وأذربيجان. فهو آخر من مثّل فن الغناء الأرمني الجوال في القرون الوسطى، ما يدل على عدم محدودية التعبير بمساعدة هذا الأسلوب الغنائي. وبفضله أصبح الغناء الجوال جزءاً لا يتجزأ من التطور التاريخي لفن الغناء الشعبي والجوال.

ولد الشاعر والمغني الجوال بالقرب من تيفليس، عاصمة جيورجيا، عام 1712 م. من عائلة قروية، نزح والده “كارابيد” المولود في حلب ووالدته سارة من “أضنا”. اسمه هاروتيون أو أروتين، عرف باسم “صياد نوفا” الذي يعني (ملك الأغاني) باللغة الفارسية. عرف باللغة الأذربيجانية والايرانية باسم (سيد نوا)، أما في المصادر الأرمنية فنجد تفسيرات مختلفة مثل (صياد الشهرة) و(أمير الموسيقى) و(سيد الغناء).

عرف بصوته الشجي وأغانيه الشعبية التي كان يغنيها برفقة الآلة الوترية الـ(كمنتشة). كان ملماً بلغات كثيرة منها: الجيورجية والفارسية والأذربيجانية والعربية مما ساعده على الغناء أمام جمهور أوسع ومنحه شهرة أبعد من أبناء جلدته.

وصلت شهرته إلى ملك جيورجيا فأضحى مغني القصر. لكنه واجه متاعب كثيرة وطرد من القصر عندما أحب شقيقة الملك. واستمر في مسيرته الغنائية، ثم أكمل حياته ككاهن ناسك إلى أن استشهد في دير “هاغباد” عام 1795 م.

عدّ صياد نوفا نفسه الجسر الذي يصل الثقافات المختلفة في جيورجيا، فغنى باللغات المحكية في تلك المنطقة، وعبّر من خلالها عن خلجات نفسه وأحزانه وعشقه. كان وافر الأغاني، لكن معظمها لم يصل إلينا لعدم تدوينها، وبقيت ضمن الموروث الشفهي.

عاش الشاعر معظم حياته في جو ديني، إنما غالبية قصائده وأغانيه كانت تتناول المواضيع الدنيوية، وهي مفعمة بكلمات الحب والعشق.

أدرج “صياد نوفا” في أغنياته التي أنشدها باللغة الأرمنية والجيورجية والأذربيجانية في مناسبات مختلفة عدداً من الأبطال والبطلات المعروفين في الأساطير لدى الشعوب الشرقية، بطابعهم الرومانسي وبطابع العشق والبطولة. مما يدل على أن المغني والمنشد الأرمني في نهاية القرون الوسطى كان ملماً بتلك الأساطير والثقافات، وكان يقدّرها. وكان لمدينة تيفليس عاصمة جيورجيا دور هام في ذلك، حيث اندمجت والتقت فيها شعوب مختلفة من الشرق بلغاتها ودياناتها وفلسفاتها وإبداعاتها الخاصة بشعوبها.

عاش “صياد نوفا” فترة طويلة في مدينة تيفليس، وعمل فيها مما أعطاه فرصة كبيرة للاحتكاك بكافة فئات المجتمع عن كثب، والاستماع إليهم والاطلاع على تقاليدهم الشعبية وأساطيرهم ورواياتهم وأغانيهم وأمثالهم.

تلك الإبداعات الشعبية التي تخص الشعوب الشرقية كانت في مضمونها وأبطالها ولغتها وفنها قريبة من الشاعر، ومتناغمة مع المواضيع والقضايا التي تجسدت في أغانيه وفنه.

إنه الشاعر الذي غنى الحب الطاهر والتضحية بصور ملونة متأججة، وعبر في الوقت نفسه عن الأوجاع التي سببها الحب العذري. لقد غنى للعدالة والإنجازات الإنسانية النبيلة، ولم يتجاهل الإبداعات المذكورة ذات الطابع البطولي والعشقي وشخصياتها الأساسية.

وأكثر ما يذكر “صياد نوفا” في أغنياته شخصيات قصة “ليلى والمجنون”، إحدى أشهر الإبداعات في الأدب العربي والأسطورة الشرقية وكانت محببة إلى النفوس، اشتهرت بمصير بطليها المأساوي ليلى التي اشتهرت بجمالها، وحبيبها الشاعر العاشق المجنون.

فقد ظهرت قصة “ليلى والمجنون” أيام العرب في القرن السابع، وثم عبرت إلى شعوب آسيا الوسطى والعظمى، بشكليها الشفهي والمكتوب. وقد عرفت بلغات مختلفة كالإيرانية والأذربيجانية والتركية والأوزبيكية والتركمانية والكردية والأرمنية وغيرها.

وتم إعادة صياغة قصة “ليلى والمجنون” في القرون الوسطى من قبل عدد من الشعراء أمثال “نافو” و”نظامي” و”فيزولي”، وبذلك لاقت انتشاراً واسعاً واستحساناً خارج تلك البلاد بفضل هؤلاء الشعراء.

وتتجسد في قصة “مجنون ليلى” الحزينة مأساة عاشقين في ظروف سادت فيها تقاليد وأعراف القرون الوسطى. وموضوع هذه القصة المأساوية كان قريباً جداً من روح شاعر الحب والعدالة “صياد نوفا”. أما بطل القصة الشاعر المجنون العاشق بتكوينه ومصيره المأساوي يذكرنا من بعيد بمصيره القاتم.

من هنا، يذكر “صياد نوفا” في أشعاره دائماً شخصية ليلى كمثال للجمال والإخلاص، أما المجنون فهو المثال النادر للعاشق الموله. وفي أبيات أخرى يقارن حاله بحالة مجنون ليلى الذي أصبح ممسوساً بسبب عشقه لليلى. ويبني “صياد نوفا” هذه المقارنة على أساس أنه هو أيضاً كالمجنون، وأنه شاعر من الطبيعة، وهو نار متأججة ولايمكن مقاومته.

النموذج الإبداعي الثاني في الأسطورة الشرقية هو الحكاية الشعبية “خوسروف وشيرين”، أو “فهرات وشيرين” والتي لفت أبطالها انتباه “صياد نوفا” وراح يذكرها في أغنياته، والحكاية تتناول موضوع الحب في إطار النثر المغنى. وقد ذكر اسم بطلة الحكاية “شيرين” في الحوليات الإيرانية والبيزنطية والآشورية والعربية. ويبدو أنه قد تم سرد رواية “شيرين وزوجها” ضمن الروايات الشعبية في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين.

وقد انتشرت هذه الحكاية على مدى العصور في أساطير الشعوب في الشرق ومنطقة ما وراء القوقاز. وقد لاقت قصائد “خوسروف وشيرين” رواجاً كبيراً في العالم، حيث أسهم أبطالها في شعبية تلك القصائد.

كانت الفكرة المسيطرة في حكاية “خوسروف وشيرين”، كما في “مجنون ليلى”، هي الحب الذي يتعرض إلى القيود والظلم من قبل ممثلي النخبة في البلاد.

ومثلما تأثر “صياد نوفا” بقصة ليلى والمجنون، تأثر بقصة الحب التي عاشها خوسروف وشيرين، والتي قادتهما إلى البطولة، حيث وجد فيها مقاربات متجانسة مع حالته الاجتماعية والنفسية.

ولعل رواية العشق الحزينة المعروفة للأميرة الجيورجية آنا والعاشق الأرمني تشبه إلى حد كبير حكاية الحب بين شيرين وفرهاد.

يلّمح “صياد نوفا” في بعض أغانيه إلى الظروف السيئة التي أحاطت به في القصر الجيورجي من قبل النخبة الملكية، مشبهاً حالته بمصير فهراد المأساوي الذي خرج من الشعب وخدم شعبه بفنه.

لننتقل إلى النموذج الثالث في الأسطورة الشرقية وبطله المعروف في أغاني “صياد نوفا”، وهو البطل الشجاع “روسدامي”، من أبرز شخصيات الأسطورة في إيران.

كانت الملحمة الشعرية “شاهنامي” وبطلها الأساسي “روسداموف” يتمتعان بانتشار واسع ليس فقط في إيران بل في آسيا الوسطى وما وراء القوقاز، فقد أضحى اسم روسدامي كمرادف لكلمة البطولة والنبل. ومحور الحكاية يتركز حول هزيمة الشرير وانتصار الطيب. حيث جسد روسدامي تلك المعاني، وكان يناضل من أجل حرية الوطن وسعادة الشعب، معرباً عن آماله وأحزانه.

إن ذكر البطل روسدامي في العديد من أغاني صياد نوفا يشير إلى أن الشاعر على دراية تامة بالتقاليد المتداولة شفوياً. ومن المعلوم أن صياد نوفا قضى فترة طويلة من حياته في جيورجيا، حيث كان شاعر بلاط هرقل الثاني، وكان يحظى بمحبة واحترام النخب الجيورجية، وخاصة النخب الملكية حيث انتشرت التقاليد والأشعار والأغاني الإيرانية، ومن بينها ما يخص روسدامي.

وأكثر ما نجد من ذكر لروسدامي في أغاني صياد نوفا في تلك الأغاني المخصصة للعشق. وبفضل موهبته كان صياد نوفا الشاعر العاشق في البلاط الجيورجي محبوباً من قبل هرقل لفترة طويلة. ولكن، لم يسر هذا الوضع الكثيرين في القصر، فحيكت المؤامرات، مما اضطر هرقل لإبعاد صياد نوفا عن البلاط.

إننا نصادف بين الحين والآخر أبطالاً وبطلات من الأساطير الشرقية في أغاني صياد نوفا. ولكي ينقل لنا المشاعر والأحاسيس بمصداقية أكبر، كان صياد نوفا يشبه حبيبته بالبطلة المعروفة في القصص والروايات الشرقية “ديفانا” أو “بهلول”، تلك الشخصية الاستثنائية التي تترك الثروة وحقوقها في السلطة وتتجول في العالم وفي يدها صولجان التشرد.

كانت فاتنته بعيدة عن مناله بسبب الإشكالات والقيود المعنوية والقانونية الموجودة في المجتمعات المبنية على أساس الظلم وعدم المساواة، ولهذا أصابته الهموم التي لا تقبل الشفاء بسهولة. ومن أجل ضرورة معالجة همومه تلك، وتصوير إبداعه الشعري، ذكر صياد نوفا “الحكيم لقمان” الطبيب المعروف لدى الشعوب الشرقية، ملمحاً إلى الروايات الشفهية التي تشبه الأساطير عند تلك الشعوب.

استشهد صياد نوفا ببطلتين من شخصيات الحكاية المعروفة “العاشق الغريب” الشرقية بهدف تجسيد شخصية مثالية للإخلاص والإحساس القوي تجاه الحبيب. حيث تبحث إحداهن عن حبيبها وتجده بعد عناء، والأخرى “شاه سانام” تبقى مخلصة للوعد الذي وعدت به حبيبها وترفض الزواج من الآخرين، إلى أن تصل إلى مبتغاها.

ومن أجل إبراز الخصال الخارجية والداخلية لعشيقته ومعبودته، يقارنها صياد نوفا بكثير من الأشياء مثل تمثال اسكندر المقدوني الذي رفع إلى درجة البطل الطوباوي في القصائد المغناة لدى عدد من الشعوب الشرقية.

ويشير كل ذلك إلى أن تأثير الأساطير الشرقية على أعمال وإبداعات “صياد نوفا” لم يكن مصادفة، بل كان ذا عمق اجتماعي وفكري وفني متجذر.

من الواضح أن الشعر الشعبي الأرمني كان يتواصل خلال القرون مع أدب الشعوب المجاورة وإبداعاتها الشفهية، كما أنه يحمل تأثيرها المباشر وغير المباشر ويؤثر بها.

إن وجود العديد من أبطال وبطلات الأساطير الشرقية في أغاني “صياد نوفا” يشكل إحدى أهم حلقات السلسلة الثقافية والأدبية التي تربط تلك الشعوب. مما يدل على أن الشاعر الكبير كان قريباً من الأساطير وأغاني العشق لدى الشعوب الشرقية، ويؤكد على حرية فكره وانطلاقه خارج الحدود الجغرافية، إضافة إلى اتساع رؤيته الابداعية.

أما عن أصداء الحكاية الشعبية في الأدب الأرمني القديم في القرون الوسطى، فنجد أن الحكاية الشعبية كان لها تأثير بالغ في الأدب الفني والتاريخي. وقد استفاد العديد من الكتاب لدى الشعوب المختلفة وفي فترات تاريخية مختلفة من الأعمال الشفهية، فاستخدموا موضوعاتها وأسلوبها ولغتها.

وكباقي آداب الشعوب، فالأدب الأرمني مرتبط تماماً بالحكاية الشعبية. وخلال وجودها على مر 1500 عام، تطورت الحكاية الشعبية وأثمرت ضمن القيم الشعبية. لقد وضعت الحكاية الشعبية بصمتها قبل كل شيء على الأدب الأرمني القديم. رغم السلوك العدائي للكنيسة تجاه الأغاني والروايات والخرافات الوثنية التي رددها المنشدون والمغنون، ووجد هؤلاء طريقهم للدخول إلى أعمال الكتاب والمؤرخين الأرمن.

ويعدّ “تاريخ الأرمن” لـ”بافسدوس بوزانت” من أهم كتب الأدب الأرمني القديم الذي تأثر بالحكاية الشعبية. حيث تضمنت موضوعاتها حكاية شجار ملك الفرس شابوه والملك الأرمني ديران من أجل الحصان والحوار الشهير بين “فاساك وشابوه”، وحكاية “بارانتسيم وأرشاك”، وحكايات أخرى مبنية على السخرية. لا يقتصر تأثير الحكاية الشعبية فقط باستخدام الحوار بل باستخدام التقاليد الحكائية المعروفة.

مما يلفت النظر في إسلوب “صياد نوفا” استخدامه الكلمات الشعبية في الأدب الأرمني في القرون الوسطى. ويرجع ذلك إلى ارتباطه وتواصله مع الناس والمجتمع. فقد كان منذ الصغر على اتصال دائم بالمنشدين والزجالين والشعراء، وسمع منهم الأغاني والشعر، واكتسب أسرار فن الخطابة والحكاية الشعبية. واتجه بهذا المنحى وأضحى أحد أهم الذين طوروا ذلك الفن.

كان “صياد نوفا” يقوم بتأليف أغانيه ضمن القواعد والمقاييس التقليدية المطلوبة في فن الغناء الشرقي. ولم يقتصر ذلك على الوسائل الشعرية في فنه، بل تعداها إلى وسائل الحكاية الشعبية، خاصة الوسائل التعبيرية في الحديث التصويري المستخدمة في الأغاني الشعبية.

أما عن تأثير الحكاية الشعبية في الأدب الأرمني الحديث، فكما في باقي البلاد، كذلك لدى الأرمن ازداد تأثير الحكاية الشعبية في الأعمال الأدبية في القرن التاسع عشر. فقد ظهر العديد من الإبداعات التي تأثرت بموروث الأعمال الشفهية الشعبية واستفادت من مواضيعها.

    تبلورت الحكاية الشعبية في الأدب الفني في العقود الأولى من القرن التاسع عشر، واحتلت مكانتها الأدبية وغدت تلفت الأنظار وقدمت مواضيع هامة للدراسة، حيث ظهرت أعمال التدوين والنشر مما ساعد على ازدهارها، وتمت إعادة صياغة الحكايا والأساطير والأغاني والأمثال.

إن كتّاب الحكاية الشعبية عبّروا من خلالها عن ميول التحرر الوطني لدى الشعب الأرمني. ويعدّ الكاتبان “رافي” و”رافايل بادكانيان” أكبر مثال على ذلك.

إن الإشارة إلى عدد من البطلات والأبطال من الأساطير الشرقية في أغاني صياد نوفا كليلى والمجنون، وفرحات وشيرين، والغريب العاشق وشاه سانانم، وديفانا بهلول، ولقمان الحكيم، واسكندر ذي الغار وغيرهم، وإن كانت تتحدث باللغة الأرمنية أو الجيورجية أو الأذربيجانية، توضح أن صياد نوفا على معرفة بالحكاية الشعبية التقليدية لدى الشعوب الشرقية.

ويلاحظ أن الأدب الشعبي لدى “صياد نوفا” مرتبط باللغة الشعرية، فهو الذي يتقن ويعبر عن نفسه بطلاقة كما بلغة شعبه كذلك بلغات الشعوب المجاورة، وخاصة اللغة المحكية الجيورجية التي اعتبرت لغته الأم، فقد أثرى تلك اللغات واستخدمها بمهارة في أغانيه، ليعطيها طابعاً جديداً.

ومن خلال إدراج الألفاظ المستقاة من تلك اللغات في أغانيه الشعرية نجده يبعث بأحاسيس ومفاهيم وفلسفة تلك الشعوب فيها. ومما يميز اللغة الشعرية لدى “صياد نوفا” الصفات التي استقدمها من الحكايا الشعبية والأغاني الشعبية من شعوب مختلفة، التي ساعدته على إعطاء وصف خارجي وداخلي لحبيبته.

وصف ملامح محبوبته مستخدماً الصفات التي كان يستخدمها شعراء الشعوب المجاورة في القرون الوسطى. ومثال ذلك صفات أدرجها صياد نوفا في أغانيه باللغة الأرمنية بنفس اللفظ العربي، مثل: “الشمس” و”القمر” عند وصفه وجه حبيبته، “غالام كاش” (أي مرسومة بالقلم) و”الفنجان” عند وصف عيونها، و”الريحان” عند وصف شعرها، و”العزيزة” و”الجوهرة” عند وصفها بالغالية.

لقد كان صياد نوفا متمكناً من الثقافة الأرمنية وثقافة الشعوب في منطقة ما وراء القوقاز في آن معاً، إلى جانب تعمقه بتفاصيل فن الغناء والإنشاد. لقد كتب صياد نوفا قصائد غنية بالصور والأطياف اللغوية. فقد اهتم كثيراً بالقافية والإيقاع وأوزان الكلمات، وكذلك بضبط المقاطع وتنظيمها.

كتب صياد نوفا باللغة المحكية في تيفليس، واختار منها أجمل التعابير المصورة حتى أصبحت لغته ساحرة وطيعة تعبر عن المشاعر والأحاسيس.

ومما يلفت النظر من بين قصائده هي تلك الأغاني المهداة للحب، فمحبوبته التي يصفها لا مثيل لها في العالم، ومن يجالسها ينتشي ويثمل، ومن يراها يحترق بنار حبها.

لقد تركت حياة صياد نوفا وإبداعاته أثرها العميق في الحكاية الشعبية الشفهية لدى الشعب الأرمني. وإن ما وصلنا من أعماله وترجمة عن حياته وإبداعه يكفي لتكوين فكرة عن المغني الزجال الذي غنى الحب والعدالة. وأكثر ما يلفت الانتباه الروايات التي تتحدث عن إمكانياته العالية في فن الغناء، وكيف استطاع عبر الغناء والعزف أن يسحر سامعيه بمهارة. وبذلك تبقى القصيدة والأغنية الأرمنية في القرون الوسطى واحدة من القيم الفنية الخالدة التي خلقتها الإنسانية.

د. نورا أريسيان

(باحثة ومترجمة)

Share This