اردوغان والاعتذار للاكراد

تركيا، بلد الماذن والمعسكرات، التي ماتزال جدران ازقتها تنتعش بذاكرة السلاطين، وتفخر نخبها بالمجازر التي ارتكبوها في الاناضول والبلقان وبلاد الشام.

تلك التي كانت الى الماضي القريب تنكر وجود اللغات، والشعوب المتعايشه على هذه البقعة، كالاكراد والعرب والارمن، وتعاقب بتهمة الارهاب من يتحدث بغير التركية في الاماكن العامة.

تركيا، اضطرت على لسان رئيس وزرائها رجب اردوغان لتقديم اعتذار رسمي للشعب الكردي عن المجازر التي ارتكبت بين اعوام 1936 و 1938 ابان قمع ثورة ديرسيم الكردية، وراح ضحيتها حسب الاحصاءات الرسمية انذاك حوالي 14 الف قتيل.

واعتذار كهذا، في بلد عسكريتاري، تحكمه جنرالات مخضرمة على الدوام، ينظر اليه كنقطة تحول تاريخية، غير مسبوقة، ومن المفترض ان يثير لدى المراقبين، ما اهو اكبر من مجرد الدهشة.

فهو من جهة، يعتبر تقويضا للارث الاتاتوركي، المقدس، خصوصا وان المجازر المعنية، كانت قد ارتكبت في فترة رئاسة كمال اتاتورك نفسه، وارتبط اسمه بها بصورة شخصية، حيث قامت ابنته بالتبني (صبيحة غوكجن)، وهي اول طيارة محاربة في الجيش، بالاشتراك بنفسها بالقصف، فى تلك المناطق المأهولة بالسكان.

وقد استعملت حينها اكثر الادوات فتكا بما فيها الاسلحة الكيمياوية، ضد ابناء “ديرسيم” التي تقطنها الاقلية العلويه من الاكراد.

ومن جهة اخرى، فان ثقافة الاعتذار كانت دائما غريبة على النخب التركية، الحاكمة خصوصا، اذا كانت ترفض (وماتزال) الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت بحق الارمن في العام 1915، الاقلية اليونانية في ازمير (غرب تركيا) في 1923، والهجمات على اليونانيين في العام 1955.

وبهذا فان فتح المجال للاعتراف الرسمي بتلك الجرائم، ثم الاعتذار عنها، يشكل نقطة تحول مثيرة في تاريخ تركيا، فهل يعي اردوغان مايقول؟ وهل تركيا صادقة في اعترافها، وفي تقديم الاعتذار حقا؟

بعض المراقبين يضعون الخطاب والاعتذار في اطار السجال الانتخابي، موجها في الاساس الى حزب الشعب الجمهوري المعارض، وبالتحديد رئيسه كمال كليجداراوغلو، وهذا الحزب كما هو معروف، نفسه حزب كمال اتاتورك، الذي حمله اردوغان مسؤولية ما اسماه بـ “اكبر الحوادث ايلاما في ماضينا القريب”.

ويعللون بان وصفه للمجزرة بانها من نتاج الماضي، يبدو وكأنه مجرد تمادي بالالفاظ، فحكومة اردوغان نفسها ماتزال تواصل ذات الاسلوب الذي اتبعه اتاتورك انذاك، بل ان الحرب التي تدور رحاها اليوم بين الجيش وحزب العمال الكردستاني في قنديل وديرسيم وهاكاري، تحت اشراف اردوغان نفسه، هي امتداد لتلك الثورة (ديرسيم) التي لن تفلح تلك المجازر، كما هو واضح، في الحد من تفاقمها.

وفوق ذالك، تواصل حكومتة ايضا، نفس سياسات اتاتورك، في منع تداول الكردية في المدارس العامة، وتهميش المدن الكردستانية اقتصاديا، من اجل اجبار الاجيال الجديدة على الهجرة، وكذلك اجبار القرويين على ترك قراهم عن طريق تشييد عشرة سدود عملاقة غمرت بحيراتها الصناعية القرى، واغرقت مساحات زراعية شاسعة في المنطقة، وادت الى نزوح سكانها.

على جانب اخر، هنالك رأي يشير الى ان ثمة تغير قد طرأ بالفعل على العقلية الكلاسيكية للقادة الترك، المعروفة بتصلبها، وان ثمة لين بدأ يتسرب، بفعل الضغوطات الاوربية، وفشل السياسات العسكرية في كردستان، فبدت اكثر تقبلا للمطاليب الثقافية، كخطوة اولى، وان مرحلة جديدة من التفهم بدأت تشق طريقها في اروقة قصر جانكايا الرئاسي.

فاذا كانت الحكومة التركية جادة بالفعل في تطبيق معايير حقوق الانسان، وان خطاب السيد اردوغان ليس مجرد شبكة، يلقيها الصياد في بحر الاصوات الانتخابية، فان عليه اولا ان يتجاوب مع نداءات السلام، التي يطلقها حزب العمال الكردستاني، وانهاء حقبة الاقتتال الطويلة، لكي يجعل من المجازر والحروب “ماض قريب” بالفعل، ومن ثم، تقديم الاعتذار.

حسين القطبي

المترو

Share This