اعتذار تركيا عن مجازر درسيم وتبعاته

قدمت تركيا للمرة الاولى اعتذارا عن عملية عسكرية واسعة استهدفت قمع تمرد كردي في شرق البلاد في ثلاثينيات القرن العشرين واسفرت عن آلاف القتلى، مبيناً انها تشكل احد اكثر الاحداث مأسوية في تاريخ تركيا المعاصر.

وقال رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان في خطاب القاه امام اعضاء حزبه، العدالة والتنمية، في انقرة، إنه “اذا كان من الضروري تقديم اعتذار باسم الدولة، فسأقدم اعتذاري، واقدم اعتذاري”.

وتحدث اردوغان عن حصيلة بلغت 13.806 قتلى في عمليات القصف الجوي والبري التي تلتها تجاوزات ولاسيما الاعدامات العشوائية في محافظة درسيم بين عامي 1937 و1938، بالاستناد الى وثيقة رسمية من تلك الفترة. واطلق في وقت لاحق على درسيم اسم (تونجيلي) التي يقطنها كرد علويون.

وفي السياق نفسه تحدث اردوغان عن تهجير 11 الف شخص جراء عمليات القمع في درسيم، مشددا على ان “درسيم تشكل احد اكثر الاحداث مأسوية والاكثر ايلاما في تاريخنا المعاصر”، معتبرا ان “من الضروري التعامل بشجاعة مع هذا الملف”.

وكسر اردوغان بهذا الاعتذار، محظورا في تركيا بشأن تلك المجازر التي اسفرت كما تقول مختلف المصادر عن عشرات آلاف القتلى.

وتنفي تركيا المدعوة الى مواجهة ماضيها المتعلق بالمجازر الارمنية، ارتكاب ابادة في السنوات الاخيرة من عمر الامبراطورية العثمانية (1915-1917) اسفرت كما يقول الارمن عن اكثر من مليون ونصف مليون قتيل ارمني.

يذكر ان مدينة درسيم (تونجلي) التي يشكل الكرد غالبيتها، شهدت تمردا كرديا ضد الحكومة التركية بين عامي 1937 و1938 في عهد الرئيس التركي عصمت اينونو، واستخدمت القوات التركية شتى الاسلحة بما فيها الكيماوية الامر الذي ادى الى مقتل اكثر من 60 الف شخص حسب احصائيات غير رسمية وتم اخلاء المدينة من سكانها الذين رحلوا الى مناطق مختلفة من تركيا.

واعدمت السلطات التركية قائد التمرد الكردي في المدينة السيد رضا مع ستة آخرين بتاريخ 19 تشرين الثاني من العام 1938 بتهمة التمرد ضد الدولة، في مدينة الازغ التي توجه اليها لاجراء مفاوضات سلام لانهاء الاقتتال.

ومن جهة أخرى، رفض حزب الشعب الجمهوري (وسط اليسار) المعارض في تركيا الاعتذار عن مجزرة ذهب ضحيتها آلاف الأكراد في أربعينيات القرن الماضي، كما فعل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أول أمس الأربعاء، ليصبح أول سياسي حاكم في هذا البلد يقدم على هذه الخطوة.

وكان أردوغان قد اعتذر عن الحملة التي شنت بين عامي 1936 و1939 لإخماد تمرد قاده سيد رضا، واستهدفت بلدة تقع في جنوب شرق تركيا كانت تعرف باسم درسيم وتسمى حاليا تونسلي، وانتهت بمقتل 13800 شخص، وفق وثيقة رسمية تعود إلى ذلك التاريخ.

وقال في خطاب إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم “إذا كانت هناك حاجة إلى الاعتذار أصالة عن الدولة، وإذا وُجد مثل هذا العُرف، فإنني سأعتذر، وها أنذا أعتذر”.

كما طلب من حزب الشعب الجمهوري –الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة- أن يتحمل مسؤولية الحملة، باعتباره كان في الحكم حينها.

وكان أردوغان يرد على رئيس الحزب كمال كلكداروغلو الذي تحدث عن حاجة إلى تسليط الضوء على ذلك “التمرد” الذي هلك فيه نحو عشرة من أفراد عائلته التي تنحدر من قرية تونسلي. لكن كلكداروغلو رفض الخميس الاعتذار أصالة عن الحزب، وطالب أردوغان بدل ذلك بفتح أرشيف الدولة حول الأحداث.

وذكّر كلكداروغلو بأنه طلب من حزب العدالة والتنمية عام 2002 فتح الأرشيف، مخاطبا أردوغان بقوله “يجب أن تكون صادقًا في مواجهة التاريخ”، قبل أن يضيف “لقد اعتذر (أردوغان)، ولكن تقديم الاعتذار لا يكفي”.

واعتذار أردوغان يعد سابقة في تاريخ تركيا الحديثة، إذ تثير الدعوة إلى اعتذارات رسمية عن الحملات التي تقول بعض الأقليات (مثل الأرمن) إنها استهدفتها وألحقت بها أذى كبيرا، حساسية كبيرة لدى التيارات القومية التركية.

وجاء اعتذار أردوغان في وقت يشن فيه الجيش حملة كبيرة ضد حزب العمال الكردستاني الذي يطالب بحكم ذاتي للأكراد في جنوب شرق البلاد.

وجاءت الحملة الأمنية الحالية –التي تقول السلطات إنها انتهت بمقتل عشرات من أفراد حزب العمال- بعد هجومين عنيفين تبناهما التنظيم الشهر الماضي.

ولاحقاً، استمرت الاتهامات والإنتقادات بين المعارضة والسلطة في تركيا حول المجازر التي نظمها أتاتورك خلال عامي 1938 و 1939 في ديرسيم ضد العلويين والأرمن. وطالب رئيس الحزب الشعبي الديمقراطي أي الحزب المعارض الرئيسي كمال كلجدار أوغلو من زعيم حزب العدالة والتطور الحاكم ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان طلب المعذرة بإسم الدولة لقاء المجازر التي تم تنظيمها في ديرسيم ضد مواطني البلاد. أما أردوغان بدوره فطلب أن يقوم الزعيم الحالي للحزب الشعبي الديمقراطي بالذات بهذه الخطوة. وأثناء المناقشات على شاشة قناة “بيلاز ت ف” التركية حول أحداث ديرسيم وصف الصحفي سيفيلاي يوكسيلير المجازر في ديرسيم بأنها فاشية معلناً أنه لما كان يقوم بذلك حتى هتلر. وأثار البلبلة في تركيا إجراء الصحفي المقارنة بين أتاتورك وهتلر.

ومن جهة أخرى، كتبت الصحيفة الالمانية “ميركيشه اوديرتسايتونغ” “أن الإعتذار الذي قدمه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بشأن أحداث درسيم لا معنى له، لأنه اثناء لحظة الإعتذار كان الجيش التركي، كما حدث خلال أحداث درسيم، ينفذ عمليات عسكرية ضد الأكراد المطالبين بحكم ذاتي. إذا كان اردوغان يقدم الإعتذار بإسم الدولة فإنك تتذكر فوراً مقتل مئات الآلاف من الأرمن قبل مئة سنة تقريباً، ولكن اردوغان لم يعتذر على ذلك”.

وترى الصحيفة الالمانية أن إعتذار اردوغان له أهداف سياسية وتشير “إن إعتذار اردوغان يبدو غريباً، لأنه يرغب بذلك أن يشير الى أن الأحداث جرت في عهد اتاتورك وحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه. ولكن هو حالياً يستمر في هذا العمل ويقتل الأكراد التواقين للحرية”.
في سنتي 1938-1939 ارتكب الجيش التركي في درسيم، بذريعة مواجهة المقاومة وبعلمٍ من اتاتورك، مذبحة بحق العلويين والأكراد وغير المسلمين وبضمنهم السكان الأرمن الذين تخلصوا بأعجوبة من مجزرة 1915 ولجأوا الى درسيم. وقتل خلال هذه المذبحة أكثر من مئة ألف شخص.

وكالات

Share This