قولاً واحداً : هل حان وقت المواجهة بين أنقرة وباريس؟

بعد فترة من التقارب التركي الفرنسي على خلفية الأزمة السورية، وعلى الرغم من إرسال أردوغان وفداً تركياً ضخماً إلى باريس لإقناع ساركوزي بالعدول عن مشروع قانون تجريم كل من ينكر الإبادة الأرمنية (السجن مدة عام وغرامة مالية 45 ألف يورو) إلا أن البرلمان الفرنسي صدق على القانون وبسرعة قياسية في مؤشر إلى أن العلاقة بين الجانبين دخلت مرحلة الصدام، ولعل ما يؤكد هذا الأمر هو ما سربته مصادر فرنسية أن الرئيس ساركوزي ظل يتهرب من الاتصالات الهاتفية الكثيرة التي أتته من أردوغان وغل قبل أربعة أيام من موعد التصويت في البرلمان.

بداية، ينبغي القول إن ارتكاب تركيا العثمانية المجازر بحق الأرمن بات حقيقة ثابتة اعترفت بها حتى تركيا الحالية مع فارق في أعداد الضحايا والحجج، إذ تقدر المصادر الأرمنية عدد الأرمن الذين قتلوا في هذه المجازر بمليون ونصف المليون نسمة على حين تقدر المصادر التركية هذا العدد بـ300 ألف نسمة، وعلى صعيد الحجج تقول تركيا إن سبب حدوثها هو تعاون الأرمن مع الروس خلال فترة الحرب العالمية الأولى بينما الثابت أن ثمة سياسة منظمة مورست ضد الأرمن لاقتلاعهم من وجودهم التاريخي بدليل الهجرات الضخمة التي حصلت لهم إلى سورية ولبنان وأوروبا، وهي السياسة نفسها التي طبقت بحق الأكراد بعد الحرب العالمية الأولى وهي مستمرة حتى في عهد أردوغان.
وبغض النظر عن الجدل بشأن عملية الإبادة وأسبابها، فإن إقرار البرلمان الفرنسي للقانون فجر المواجهة المؤجلة بين تركيا وفرنسا، وعليه يمكن فهم الرد التركي على القرار الفرنسي، إذ لجأت أنقرة التي وجدت نفسها محشورة في زاوية صعبة أمام هذا الاعتراف إلى الرد بفرض عقوبات على فرنسا وحرمانها من صفقات اقتصادية وعسكرية معها والتهديد بإقرار قانون مماثل بشأن ما ارتكبته فرنسا من مجازر في إفريقية خلال القرن الماضي ولاسيما في الجزائر في استغلال سياسي لهذه القضية بعد أن تجاهلته تركيا طوال الفترة الماضية.

في الواقع، إذا كان من مؤشر على حضور مسألة الاعتراف بالإبادة الأرمينية بقوة في سياسات الدول الغربية فإنه يدل على نجاح جهود اللوبيات الأرمينية خلال العقدين الماضيين في إقناع برلمانات الدول الغربية بإقرار قوانين تقر بحصول الإبادة، وفي مقابل هذا النجاح الأرميني تشعر أنقرة بالقلق من أن تتحول مسألة الاعتراف بمجازر الأرمن إلى مدخل سياسي يقود لاحقاً إلى مراجعة بعض الاتفاقيات الدولية التي تم التوصل إليها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ولاسيما اتفاقية سيفر عام 1920 التي أقرت للأرمن والأكراد بكيانات مستقلة في تركيا وهو الأمر الذي ترفضه أنقرة بالمطلق.

ورغم هذا الرد من حكومة أردوغان فإن ثمة قناعة بدأت تتكون تدريجياً لدى الأوساط التركية مفادها أن أسلوب الإنكار والنفي لم يعد مجديا. والمشكلة هنا هي أن حكومة أردوغان تتصرف على هذا الصعيد من باب الحسابات الداخلية، فعندما فاجأ أردوغان قبل أيام الأتراك قبل العالم بتقديم اعتذار عن مجزرة درسيم (راح ضحيتها حسب الاحصائيات الرسمية أكثر من 14 ألف شخص كردي على حين يقول الأكراد إن أعدادهم تجاوزت سبعين ألفاً بين عامي 1937 و1938) وضعها أردوغان في سياق صراعه مع حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كليجدار اوغلو والذي هو الحزب التاريخي لكمال أتاتورك وليس من باب فتح صفحة جديدة مع هذا التاريخ ومع الأكراد وقضيتهم في وقت يستخدم أردوغان الأسلوب الدموي نفسه مع الأكراد ويقصف مواقعهم بالطائرات ويستخدم القمع مع كل من يطالب بحقوق شرعية تجاوزتها ديمقراطيات العالم، ليبقى السؤال متى تتصالح تركيا الحالية مع تاريخها الدموي والذي كثيراً ما قورن بالاستعمار.

ولعل تركيا العدالة والتنمية تراهن هنا على ما تعتقد من أوراق القوة تملكها في دفع العواصم الغربية لإعادة النظر في مسلسل الاعتراف بالمجازر التي ارتكبت ضد الأرمن وذلك انطلاقا من علاقتها المتينة مع الولايات المتحدة وموقعها الإستراتيجي المهم في السياستين الأميركية والأوروبية فضلاً عن انتمائها لمنطقة تتميز بخصوصية حضارية، تلك الخصوصية التي تجعل من تركيا دولة مرفوضة من العضوية الأوروبية. وما مسألة الاعتراف الفرنسي بالإبادة الأرمنية إلا تعبير عن هذه المواجهة المؤجلة.

خورشيد دلي

الوطن

Share This