رسالة احتجاج على برنامج (سجالات) رد على ما جاء في برنامج (سجالات) على قناة anb اللبنانية الحلقة بعنوان: (تركيا – فرنسا: جدل إبادة الأرمن)

تابعنا برنامج (سجالات)،  وهو برنامج معروف بموضوعيته والقضايا الحساسة والجريئة التي يطرحها، والحلقة التي بثت في 10 كانون الثاني 2012 كان عنوانها (تركيا – فرنسا: جدلإبادة الأرمن)، وكان ضيف الحلقة د. هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية الذي أتى بتحليل غير سليم وبعيد عن الحقيقة حول قضية إبادة الأرمن.

حيث ركز الضيف على شهادة البعثة الأمريكية والملف الموجود في الأرشيف الأمريكي من خلال كتاب جستن مكارثي. في حين سنورد له شهادات من شخصيات عربية مسلمة عاصرت تلك الفترة الزمنية وكان لها شهادات في قضية إبادة الأرمن. وكما ذكر الدكتور السباعي (شهد شاهد من أهله).

وإن كان الحديث عن الشهادات فلا يمكن غض النظر عن مذكرات المحامي فائز الغصين الذي أضحى أهم شاهد عيان على أحداث الأرمن وإبادتهم، وهو ممن شاركوا في حركة التحرر العربية، وكان من أعضاء جمعية (العربية الفتاة). وقد نفته الحكومة التركية إلى أرضروم، لكن في الطريق أبقاه جمال باشا في سجن ديار بكر. وهناك شاهد بأم عينه الاضطهادات وعمليات التهجير والذبح التي تعرض لها الأرمـن وسمع الكثير عن تلك الأحداث من مصادر موثوقة. وفي هذا المضمون يهمنا ما نشره من مذكرات في كتابه (المذابح في أرمينيا) حيث يقدم تفاصيل تلك الأحداث بكل دقة. وتحت عنوان (المذابح الأرمنية) يكتب: (ولم نر إلى الآن أن أهل البلاد العثمانية أقدمت على قتل الأرمن بصورة عامة إذا لم تجبرهم الحكومة وتحرضهم على ذلك ، وقد قُتل من الأرمن في هذه المذبحة ثلاثمائة ألف نسمة في الولايات … وكانت الحكومة في كل الأوقات تثير الأكراد والأتراك المسلمين عليهم متخذة الدين الإسلامي واسطة للوصول لمآربها ..). (فائز الغصين : المذابح في أرمينيا، حلب 1991، ص 13).

وتحت عنوان (إلى القارئ بيان الحكومة العثمانية) نجده يتحدث عن تهجير الأرمن وحول قرار الحكومة بجمع جميع الأرمن وسوقهم لولايتي الموصل وسوريا وللواء دير الزور على أن تكون أعراضهم وأموالهم وأنفسهم في أمان. ويكتب ما يلي: (وقد جمع الرجال والنساء وأرسلهم مع كتائب من الجند، وهذه قتلت كثيراً من رجالهم، وأما النساء فلا تسل عما جرى بهن فإن الأعراض أصبحت مباحة للجند العثماني والأطفال ماتت من العطش والجوع ..) (المصدر نفسه … ص 15). ومن الملاحظ أن جميع المعلومات التي يذكرها مبنية على كونه شاهد عيان لتلك الفترة الزمنية. أما أهم ما ذكره فائز الغصين في مذكراته فهو تعداد الأرمن الضحايا. فحسب ما ذكر أن عدد المنفيين من الأرمن 1,200,000 نسمة وأن الذين قتلوا في منافيهم خمسمائة ألف على الأقل. (المصدر نفسه … ص 55). وبرأيه أنه كان على الدول الأوروبية أن توقف أفعال الحكومة التركية البربرية التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية.

أما في كتابه (مذكراتي عن الثورة العربية) التي تعتبر خواطر تتضمن سجن صاحب المذكرات بدمشق ثم نفيه الى ديار بكر وهروبه منها إلى البصرة مشياً على الأقدام، ثم ذهابه الى الهند وانضمامه لجيش الشريف فيصل بالحجاز بعد إعلان الثورة العربية، فنجد هنا أيضاً بعض التلميحات عن محاولة إبادة الأرمن. فقد علم أن الحكومة زودت والي ديار بكر بالتعليمات اللازمة لإبادة الأرمن عن بكرة أبيهم والتخلص منهم بجميع الوسائل. ويقدر من الإحصاءات أن مقدار الأرمن الذين قتلوا في تركيا وماتوا جوعاً ونفوا منها يتجاوز المليون ومائتي ألف نسمة. (فائز الغصين : مذكراتي عن الثورة العربية ، الجزء الأول ، دمشق 1939 ص 66). وفي منحى آخر، يصف بكل دقة عملية سوق الأرمن للقتل ويصفها بأنه أمر تشيب من هوله الرؤوس وتقشعر من فظاعتـه الأبدان. وأن الأتراك أتلفوا الأرمن رمياً بالرصاص وطعناً بالسكاكين ورميهم في الآبار وخنقهم وإتلافهم جوعاً واختناقاً الخ…

ولا بد لنا أن نورد مثالاً آخر من كتاب العلامة محمد كرد علي (خطط الشام) الذي دون عمليات اضطهاد الأتراك للأرمن وأبدى وجهة نظره فيها، وفي سياق ذلك برهن على أن الأرمن قد تعرضوا إلى مجازر جماعية وتم تهجيرهم من ديارهم ليستقروا فيما بعد في الأراضي السورية. ويكتب عن ذلك كالتالي: (كانت الدولة العثمانية في السنة الأولى للحرب قد أجلت من الأناضول إلى الشام عشرات الألوف من الأرمن وأعملت فيهم السيف وقتلت منهم مئات الألوف بطرق مختلفة .. فصدر أمر الحكومة العثمانية أن يقتل الأرمن قتلاً عاماً ، ويقال أنه هلك فيه نحو مليون نسمة منهم ومن لم تستطع الدولة قتلهم بعثت بهم إلى ديار العـرب رجاء أن تجد سـبيلاً لقتلهم). (خطط الشام ، بيروت 1969 الجزء الثالث ص 163).

كما نورد نصاً جاء في الصحافة السورية وتحديداً في جريدة (المستقبل) الصادرة في باريس لحقي بك العظم، في العدد الثالث بتاريخ 17/3/1916 تحت عنوان (اقتل أسيرك إني مانع جاري): (هذه خلاصة تاريخ العرب … لنردد لعالم الغرب ما قاله المسيو بريان، رئيس الوزارة الحاضرة، ذات يوم من على كرسي مجلس النواب هاتان كفاي، انظروا، أترون عليهما لطخة من آثار الدماء؟ يتعلق الأمر الأول، بمذابح الأرمن التي روينا تفصيلها. نقلا عن رواة من الألمان، أصدقاء الترك وحلفائهم، في غير هذا المكان من الجريدة. ويتضمن الأمر الثاني خطأ الأجانب في وجه عام في اعتبار الترك والعرب عنصراً واحداً، له أخلاق وصفات وآداب وعواطف واحدة وهو ما نود أن ننفذه وما نقصده في كتابة هذه السطور. افتحوا تاريخ العرب في أي عصر وفي أي مكان منذ نزلوا أرض الشام … أترون ذكراً في واحدة منها لمثل هذه المذابح المتتابعة المتكررة في بلاد الأرمن التي حملها الترك معهم من بلاد المغول وألصقوها بالإسلام والمسلمين زوراً وبهتاناً؟ … لقد جنت علينا حكومة الترك هذه الجناية الأدبية فوق جناياتها المادية … فقد فتكوا بالعرب قبل فتكهم بالأرمن ويقال أن السلطان سليم قتل 50 ألف نسمة من سكان القاهرة. فالعالم العربي يقابل هذه المذابح الأرمنية بالاحتجاج عليها، مبرئاً الإسلام والمسلمين الصادقين أمام التاريخ من عارها. سائلاً كتبته الغرب وصحافتهم أو يفرقوا في ما يكتبون بين الترك والعرب كما فرقت بينهم الأخلاق والصفات).

في الحلقة المخصصة للجدل القائم بين تركيا وفرنسا حول إبادة الأرمن أتى د. السباعي بمعلومات بعيدة عن العلمية وغير الدقيقة من الناحية التاريخية. وما قيل عن المصالح الانتخابية لفرنسا، وأن الفرنسيين يرّدون الجميل للأرمن، ونسي الدكتور أن فرنسا سبق وأوفت الأرمن حقهم عندما أقرت فرنسا نص قرار الاعتراف علناً بالإبادة الأرمنية لعام 1915، ووقع عليه رئيس الجمهورية وأصبح قانوناً في 29 كانون الثاني عام 2001.

إن تبني قرار يجرم إنكار إبادة الأرمن يعتبر مسؤولية أخلاقية أمام المجتمع الدولي. والقضية الأرمنية ليست فزاعة تستخدم من قبل أمريكا أو الغرب كما زعم الضيف، فيمكن ملاحظة برلمانات دول أوروبية تعترف بالإبادة الأرمنية على التوالي.

في الحقيقة هناك نقاط كثيرة تطرق إليها الدكتور السباعي وقام بتحريف العديد من الحقائق التاريخية دون الاستناد الى وثائق علمية، ما يجعلنا نرفض اتهامات مماثلة من قبل شخصية إسلامية معروفة، ونعتبر ذلك تضليلاً للحقائق فيما يخص قضية إبادة الأرمن أمام العالم الإسلامي، لكننا متأكدون أن المشاهد والقارئ العربي المسلم لن يقع في مثل هذه المطبات، وهو يدرك حقيقة إبادة الأرمن.

وحبذا لو كان البرنامج موضوعياً أكثر في استضافة ضيوفاً يعبرون عن الرؤية العلمية والتاريخية للجدل بين فرنسا وتركيا حول قضية إبادة الأرمن.

ملحق “أزتاك” العربي

بيروت – لبنان

Share This