تركيا.. المجزرة

انتهى عام 2011 في تركيا بارتكاب مجزرة بشعة بحق عشرات القرويين الأكراد الفقراء الذين كانوا يقومون بتهريب بعض المواد الغذائية عبر الحدود مع العراق لتوفير لقمة عيشهم، وقد جاء توقيت المجرزة في الوقت الذي كانت تركيا منشغلة بالتوتر الجاري مع فرنسا على خلفية اعتراف المجلس الوطني الفرنسي بالإبادة الأرمنية. فور وقوع المجرزة قالت حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان إنها استهدفت (إرهابيين من حزب العمال الكردستاني) وتحدثت المصادر الحكومية بلهجة الانتصار عندما أكدت أن (الإرهابيين) كانوا في طريقهم إلى تنفيذ عملية ضخمة تستهدف الجيش التركي، على حين كانت صرخات أهالي الضحايا من أمهات وآباء وأطفال… تشق عنان السماء. عندما بزغت شمس الصباح اتضح حجم الكارثة وهول المجزرة، عشرات الجثث معظمها من الفتية بينهم طلاب مدارس في رحلة ليلية باردة، قضوا جميعاً بقصف جوي تحت عنوان خطأ في المعلومات الاستخباراتية.

مع الصباح سرعان ما تحول (الخطأ المميت) كما سمته الصحافة التركية إلى فضيحة مدوية لحكومة حزب العدالة والتنمية وتحديداً لأردوغان الذي اضطر إلى الظهور وإعلان التعبير عن أسفه، معلنا فتح تحقيق بالموضوع في وقت كانت الاشتباكات بين المنتفضين من الأكراد الغاضبين والسلطات التركية تخلف ضحايا جدداً في العديد من المدن والبلدات.

ثمة أسئلة كثيرة تطرح بشأن هذه المجزرة من نوع: كيف وقعت في هذا التوقيت وبهذا الشكل؟ وهل فعلاً كان هناك خطأ معلوماتي استخباراتي أم إن الأمر كان مقصوداً؟ وإذا كان هناك خطأ فهل هناك اختراق للمنظومة المعلوماتية التركية؟ وإذا كان مقصوداً فهل هناك انقسام داخل المؤسسة العسكرية وهناك من يريد توريط حكومة أردوغان في قضايا أمنية تفجر البلاد؟ من المعروف أن تركيا تتلقى مثل هذه المعلومات من الجانبين الأميركي والإسرائيلي في إطار التعاون المشترك بينهما بشأن الحرب على حزب العمال الكردستاني، ومثل هذه المعلومات تكون من خلال طائرات من دون طيار (هيرون)، وبالتالي سياق العملية ربما يشير إلى أن ثمة عملية اختراق استخباراتية حصلت، ولعل هذا ما دفع برئيس حزب الشعب المعارض كمال كليجدار أوغلو إلى القول إن تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية أصبحت ألعوبة بيد الاستخبارات الأجنبية في إشارة واضحة للجانب الأميركي، متسائلاً: كيف يكون لبلد بهذا الشكل يكون زعيماً في الشرق الأوسط؟

في الواقع، بغض النظر عن حصول خطأ استخباراتي فإن تنفيذ طائرات حربية تركية لهذه المجزرة يشير إلى حقيقة تعامل العقلية التركية مع أكرادها في الداخل، وهي عقلية وصفها الكاتب التركي المعروف علي بيرام أوغلو بقصف كل ما هو متحرك لتحقيق الهدوء، وهذا سلوك قديم يعبر عن حقيقة التعامل التاريخي مع هذه القضية من خلال ارتكاب المجازر والقتل، والمفارقة الوحيدة في هذه المجزرة هي أن أردوغان لا يستطيع اتهام منظمة ارغينيكون، وعليه وصفه كثيرون بالقاتل، خاصة أن المجزرة أكدت عدم مصداقية أقواله المتكررة بأنهم لا يقتلون المدنيين بل (الإرهابيين).

في الواقع، كل المؤشرات تدل على أن للمجزرة ما بعدها، فالعصيان المدني بدأ والغضب انفجر ولا أحد يعرف كيف ستنتهي الأمور.

2/1/2012

خورشيد دلي

الوطن

Share This