برلمان فرنسا… شكراً لكم

أشكر الله واحمده، لإتاحة الفرصة مرة أخرى لإثبات الحق العادل والمهدور للشعب الأرمني وتبيانه وإقراره بإقرار البرلمان الفرنسي بوقوع الإبادة الجماعية عليه، واعتماد قانون مبدئي، يطبق على الأراضي الفرنسية، بتجريم كل من ينكر أو يشكك في وقوع المجزرة.

استهل مقالي بالإشارة إلى ظاهرة مقلقة عن الأرمن الذين يعيشون في تركيا كمواطنيين أتراك، وهي أنهم لا يستطيعون إستخدام أسمائهم وأسماء مؤسساتهم  الحقيقة ، ولا سيما ألقابهم التي تنتهي بأحرف “يان “أو “جيان” مثل بقية الأرمن في العالم ولا سيما في الدول العربية السمحاء ، مثلا أسم هاروتيون هاكوبيان أصبح أرتين يعقوب أغلو! ولقب كيومجيان تحول الى قيومجي…؟ والهدف طمس الهوية القومية للأرمن طبعاً، وهو ما اكتشفته عند مقابلتي عشرات من الأرمن الأتراك ،ودلالات الأمر واضحة أقلها التعسف المنهجي.

أما القرار الفرنسي بتجريم المجزرة الأرمنية التي استمرت من 24 ابريل نيسان 1915 ولغاية 1922، والموافق  عليه بأغلبية تصويت ساحقة، فهو بالتأكيد نصر مبين من الله للإنسانية الشريفة في المعمورة عامةً ، وتاج مرصع بجواهر الشهامة والشجاعة للشعب الفرنسي وقيادته  .

وعلى رغم روعة هذا الحق النبيل وتأثيره الإيجابي في المعنويات الأرمنية ، والشكر الموصول للفرنسيين ودورهم الاستثنائي الخلاق، يبقى حقاً مسترداً بسيطاً، مقارنة بالحقوق المعنوية والمادية الهائلة التي مازالت لنا عند الأتراك.

إن الشعب الأرمني المبعثر بسبب التهجير في بلدان الشتات، له عند الأتراك حقوق دماء مليون ونصف مليون إنسان قتلوا أو ماتوا في طريق التهجيرفي سهول الأناضول، وقيمة ممتلكاتهم التي بقيت خلفهم، ولهم أيضاً  النصف المحتل من أرض الوطن، ومدن وقرى أجدادهم الذين عاشوا وبنوا حضارتهم العظيمة عليها منذ أكثر من  3 الآف سنة، ولهم أيضاً عند الأتراك جبلهم العزيز “أرارات” المغتصب، على بعد أمتار من حدودهم الحالية، وهو يؤلم القلب ويجرح كرامة كل أرمني عند شروق شمس الصباح.

وللأرمن أيضا، حق استرداد الكرامة المهدورة للانسان الأرمني منذ أيام جحافل الغزاة السلاجقة وأحفادهم السلاطين العثمانيين، والتعسف المستمر لغاية اليوم، وحصل أخيرا عبر إغلاق الحدود الدولية مع أرمينيا؛ ويستحق شعبنا المنكوب تعويضات ليس لحقوق أشخاص تضرروا من المذابح مباشرة فحسب، بل حقه كأمة،ما زال لها حضورها ومساهمتها في الحضارة الانسانية منذ أيام الفراعنة والرومان.

الأمة الأرمنية وهنت وهزلت خلال احتلال العثمانيين الظالم بلادها نحو 600 عاما، لغاية حكم السلطان عبد الحميد الثاني ، وكُسر ظهرها عمداً حكام حزب “الإتحاد والترقي ” سنة 1915 ، ومن حق الأرمن مطالبة الأتراك بتعويضهم عما فاتهم من تقدم حضاري ورقي اقتصادي بسبب هذه الفترة العصيبة، وما أصابهم نتيجتها من تعطيل للطاقات والإبداعات الإنسانية، ومع أهمية هذا كله، فالأرمن يطلبون من القيادة التركية عدم إنكار المجازر والاعتذار الصريح، وهذا هو الأهم.

استغربت وأنا أشاهد رئيس الوزراء التركي متشنجا في الفضائيات خلال اليومين الأخيرين، يهدد ويتوعد، ويوزع الاتهامات، ويقدم أمثله لا علاقة لها بالموضوع، ووصل الأمر إلى حد تدخله في أمور شخصية وعائلية للرئيس ساركوزي…وتذكيره بمذابح الجزائريين أثناء الاحتلال الفرنسي.ورغم إدانتي كل أنواع الاحتلال والاستعمار، وأسفي وألمي الشديدين لما حل بالشعب الجزائري البطل، فليت الأتراك تعاملوا معنا كما فعل الفرنسيون، إذ في نهاية المطاف خرج المحتلون تاركين وراءهم الأراضي الجزائرية، واعترفوا بالانتهاكات والمظالم والتجاوزات والأخطاء التي ارتكبوها، والجزائريون المقيمون في فرنسا يتمتعون بكل حقوق الشعب الفرنسي، ويتنقلون ويتعبدون بحرية تامة، ويحولون  مليارات الدولارات الى وطنهم الأم، وتقف الحكومة الفرنسية دائما إلى جانبهم في المحافل الدولية، فشتان بين الحالتين، دولة تكفر عن ماضيها بتضميد الجروح، وأخرى ترش الملح عليها فكيف يستويان ؟

وإذا كان المعترضون علي قانون التجريم يدعون بان القانون يتناقض وحرية التعبير،  فقانون رقم 301 في تركيا، يعاقب ويسجن كل من  ذكر كلمة الإبادة الأرمنية في الأراضي التركية،وطبق فعلا مع الحائز جائزة  نوبل للآداب سنة  2006 الأديب التركي أورهان باموك وسواه من الشخصيات المرموقة.

وإذا كانت تركيا تريد الأخذ بمفردات العصر، وتحتذي بالدول المتحضرة، وهي التي تطرح نفسها في الفترة الأخيرة قطبا إقليميا وعالميا، فعليها التحلي بالشجاعة والشهامة، والتصالح الفعلي مع تاريخها وماضيها، مثل دول عدة لها سوابق مشابهة، والتصرف وفقا لموقعها ومكانتها، تحترم الآخرين، وتتحلي بالشجاعة الكافية لإعطاء  كل ذي حق حقه، وإنهاء مشاكلها مع جيرانها فعلياً وعملياً، والانطلاق إلي الإمام بالمحبة والعدالة والسلام.

كارو قيومجيان

[email protected]

الكويت

Share This