هرانت دينك………القمر الآفل


بقلم: رشا قاسم


ماذا جنيت عليهم أيها القمر
والله ما فيك غير النصح والحكم
خلقت حراً كموج البحر مندفعاً
فلا القيود ولا الأصفاد تضنيه
قتلوه لعل الرصاص يسكته
وعز أن يموت الحق لو علموا
قد كان مقداماً جريئاً ولم يكن
يبغي الردى غير النفوس الجريئة
وطالما دافعت عن القضية مثلما
يدافع عن بيته نحل الخلية
وزرعت في النفوس الحب والسلام
فكنت لنا في ذلك خير قدوة
إن يكن الموت قد مضى فيك
والله ما مضى في كلماتك الخالدة
لم يحوي نعشك جسماً لا حراك
فيه بل أنت أمالنا موضوعة فيه
قد تمنى كل قبر على الأرض
حين مات لو ضمه أو حواه
القمر الآفل

وجدوا في صدره قنديل عطر وزهر
وجدوا في قلبه حب دفين
وجدوا الطهارة والسلام والوفاء
وفي عقله فكرة لمقالة جديدة
ذات صباح في أحد الأماكن
اغتالت مدينة الحريات
أعظم كاتب
فسقط ميتاً فوق الثرى
ها نحن ندخل مرة أخرى
عصر السلاطين
ها نحن ندخل في التوحش
والتخلف والبشاعة والإبادة
ندخل مرة أخرى عصر التخبط
والاضطراب والهمجية
حيث السلطان يبحث كل يوم
عن ضحية
ويقتل كل يوم واحد منا
أما الأرض فأصبحت مصابة
بانفصام في الشخصية
مرة تطغى عليها
” روح الجمهورية الديمقراطية”
ومرات أخرى تطغى عليها
” روح السلطة العثمانية”
وما بين مد وجزر
تحيا سفن أو تغرق

وجدوا في صدره قنديل عطر وزهر
وهو ملقى ميتاً فوق الثرى
وجدوا في قلبه حب دفين
وفي عقله فكرة لمقالة جديدة

قتلوه حياً قبل أن يقتلوه ميتاً
أدخلوا القمع إلى قلبه
استولت الرقابة على صمته
وأوراقه وخطواته وكتاباته
وكلماته و متاهاته
أصبح لا يملك أن يسكت
أن ينطق
أو حتى أن يمشي بغير
الشارع الرسمي
واليوم قتلوه ميتاً
تستطيعون أن تشربوا
نخب انتصاركم المهزوم
على قبره الطاهر

وجدوا في صدره قنديل عطر وزهر
وهو ملقى ميتاً فوق الثرى
وجدوا في قلبه حب دفين
وفي عقله فكرة لمقالة جديدة

يا فارس الكلمات
إلى أين تمضي
كل الأساطير الخالدة
كل جهود السلام
ماتت بموتك وانتحرت خلفك
الحرية
يا كاتب الحسن
اعذر الموت فقد
تخلف عقلياً
لم يعلم الآبق أنه قتل مولاه
ومدنية الحريات هذي التي
شاركت بجريمة اغتيالك
لا تدري جريمتها
تجهل أنها قتلت قمرها
وأطفأت نوره وليلها بدونه
أصبح لا يفرق بين نهر ومستنقع
وراء جنازتك سار العالم كله
وتسابقت لرثائك
شهب
ونيازك
وأفلاك
نادته عروش النور
” يا خير راحل”
فلم يستجب
غنت له غصون الروض
” أجمل بلبل”
فلم يكترث
هبت نسائم يريفان في المكان
وشاع عندها كانون عطر
في جوانبه
وهمست بأذنه
” أرمينيا ”
فتلونت خداه وابتسمت عيناه
وارتفعت روحه إلى السماء
منشدة قصيدة الوفاء
“مضيئة أنت أيتها العاصمة ا لجميلة … زرقاء أنت كسمائك الرقيقة … حيث يلتقي اثنان … المجد وأنت… ولي أنا حلم كبير أوحد… هو أن أبقى دائماً في عالمك
يريفان يريفان … حبي الأبدي … أنا أمضي وأنت تبقين …فلتعيشي إلى الأبد…….

Share This