فيلم مزرعة القبّرة : قضيّة شعب في مأساة عائلة

د. أنطوان آكوب أبرط

Masseria_01لقد شغلت المأساة الأرمنية السينمائيين مثلما شغلت المؤرخين والسياسيين ، فقد كان للسينما كلمتها في القضية الأرمنية عبر العديد من الأفلام السينمائية التي قدمت المأساة الأرمنية بأكثر من رؤيا وأكثر من وجهة نظر.

لقد كتب وأخرج هنري فرنوي (أشود مالاكيان) فيلم مايريك بجزئيه، ومن بعده كتب وأخرج أتوم ايغويان فيلمه المثير للجدل آرارات ،واليوم يأتي الفيلم الايطالي مزرعة القبّرة، ليضيف رصيداً فنيا جديدا للقضية الأرمنية عبر رؤية سينمائية غربية لهذه القضية.

ومن خلال متابعتي للأفلام المذكورة أعلاه، أجد أن فيلم مزرعة القبّرة يتوسط الفيلمين الآخرين من حيث لغة الاعتدال المطروحة ،فلا هو فيلم يستدر العواطف والأحاسيس الإنسانية من خلال الذاكرة الطفلية للطفل أزاد في فيلم مايريك، ولا هو فيلم العقل الخالص المركب والفسيفسائي بحكاياته العديدة ومستوياته التي تترك الكثير من إشارات الاستفهام ،خاصة أنه يستخدم تقنية “فيلم داخل فيلم” كما هو حال فيلم آرارات.

هو كل هذا وذاك…

فيلم مزرعة القبّرة يختصر التراجيديا الأرمنية من خلال سيرة عائلة أفاكيان ،والتي كانت تنتظر عودة الأخ الأصغر البروفسور أسادور أفاكيان من البندقية بعد غياب طويل حين تحدث الإبادة، فيقتل جميع الذكور شيبا وشبابا وأطفال فيما يرحّل النساء والأطفال إلى حلب ومن ثم إلى دير الزور ليتم هناك تصفية ما تبقى منهم على قيد الحياة…

إن لغة الاعتدال والوسطية في الفيلم تتجلى من خلال العلاقة التي تربط عائلة أفاكيان مع الأتراك الذين يحضرون جنازة الجد الأرمني وعلى رأسهم الكولونيل أركان ،الذي يقدم تعازيه للعائلة بالإضافة إلى الشحاذ التركي ناظم الذي تحتضنه العائلة، كما تتجلى أيضا من خلال حديث الكولونيل أركان بأن الأرمن لا يشكلون تهديدا للأتراك وبأنهم مصدر للاقتصاد، كذلك حديث أحد الضباط الأتراك بقوله أن الأرمن يحرثون حقول كرومهم ويقرؤن الكتب وهم مسالمون .

ليس كل الأتراك قتلة، هذا ما يريد الفيلم قوله، هناك من ارتكب الجرائم وقد شاهدنا هؤلاء في قفص الاتهام في مشهد المحكمة في نهاية الفيلم وهناك من اجبر على القتل كما في حالة الجندي يوسف الذي أحب نونيك أفاكيان واضطر لقتلها وقد اعترف بذلك في المحكمة أمام القاضي، وهناك من لم يقتل كما في حالة الجندي الذي رأى العمة هاسميك فنظر حوله وحين لم يجد أحدا من زملاءه تركها في حال سبيلها وهناك أيضا من خان عائلة أفاكيان التي احتضنته (الشحاذ ناظم) عندما أخبر عن مكان تواجدها ولكنه فيما بعد بذل أقصى ما لديه من أجل إنقاذ ما تبقى منها فنجح في إنقاذ ثلاثة أطفال وامهم.

ليس كل الأتراك قتلة، نعم، ولكن تركيا تتحمل مسؤولية جريمة الإبادة وبخاصة نخبهم السياسية والثقافية عبر الاعتراف بهذه الجريمة والتعويض للأرمن حسب القانون الدولي ولذلك كانت العبارة الأخيرة في نهاية الفيلم أن الشعب الأرمني لا يزال ينتظر تحقيق العدالة.

يقول باولو تافياني أحد مخرجي الفيلم في حوار مع مجلة شبيغل اونلاين الإلكترونية: “إن هذا الفيلم ليس فيلما عن تركيا عام 1915 ولكنه أيضا فيلم عن الحاضر، لقد رأينا مشاهد مماثلة في البلقان، في راوندا وفي السودان. نحن الايطاليون ارتكبنا جرائم قتل والألمان ارتكبوا جرائم قتل. إن الرعب يمكن أن يحدث في أي زمان وفي أي مكان .لماذا نتكتم على المأساة الأرمنية؟”.

مزرعة القبّرة فيلم يستحق المشاهدة لأنه يريد أن يقول:

آن للقتل أن يتوقف

آن للظلم أن ينتهي

آن للعدالة أن تتحقق.

Share This