تفاصيل قضية الصحفي التركي أرمني الأصل “هرانت دينك”

ربما أهم فكرة طرحت في الصحافة العربية أو الغربية التي غطت قرار المحكمة في تركيا بخصوص اغتيال الصحفي الأرمني هرانت دينك هو أن “العدالة في تركيا تخسر من جديد أمام السلطة”، وقد تناقلته عدة صحف، حيث تم تناول القضية من منظور قانوني.

وكانت محكمة تركية قد أصدرت قرارها في قضية اغتيال الصحافي الأرمني المعارض هرانت دينك على يد شبان ينتمون لميليشيات قومية شوفينية. وهي القضية التي كانت منذ خمسة أعوام، وحتى الآن، محط أنظار وجدل المواطنين والرأي العام.

وقد قامت المحكمة بتحويل القضية إلى قضية جنائية، لا سياسية، فحكمت بالسجن المؤبد على شخص واحد بتهمة القتل العمد مع سابق الاصرار والترصد مع تبرأته من تهمة الانتماء لتنظيم مسلح، وأفرجت عن تسعة عشر متهماً آخر في القضية. وكان مطلق النار قد تم الافراج عنه باعتباره لم يبلغ الثامنة عشر عند ارتكابه الجريمة، وبلغ السن بعيد الجريمة ببضعة أسابيع. كما تم رفض فرضية تورط عدد من أجهزة الدولة الرسمية وشبه الرسمية في القضية.

وبعد صدور الحكم أدلت محامية عائلة دينك فتحية تشتين بتصريح قالت فيه: “لم نكن نتوقع هذا. من كانوا يبدون انزعاجهم بسبب وصف الدولة بنعوت كالقتل، وقصف المواطنين، والارهاب، لم يفعلوا شيئاً لتنقيتها من هذه النعوت. وأهدروا فرصة كبيرة. وقد رأينا أن النظام القائم لم يتغير. اليوم انتهت صفحة واحدة من قضية محاكمة القتلة لكن المحكمة الحقيقية تبدأ الآن. لقد انكشف القتلة الحقيقيون، الذين يحاولون الاختباء في الظلمة، بكل عريهم. هذه القضية لن تنتهي حتى نقول نحن: انتهت” كما أشار محام آخر للعائلة إلى أن القتل ناتج عن تناول الضحية لسياسات الدولة اتجاه الأقليات بالانتقاد، وأنه لو توقف عن نقده لما تعرض للقتل. وقال أن المحكمة رفضت الربط بين هذه الجريمة وكل من مجزرة دار “القمة” للنشر التي ذهب ضحيتها ثلاثة مسيحيين، وجريمة اغتيال الراهب سانتورو في طرابزون، رغم التشابه الكبير بينها.

كما أعلنت محامية أسرة هرانت دينك لإحدى وسائل الإعلام التركية إن منظمة إيرغينيكون وخاصة الجنرال فيلي ميوتشيوك وأوكتاي يلدرم وكمال كيرينتشسيز قد لعبوا الدور الحاسم في عملية الإعداد لعملية الإغتيال والمعتقلين في إطار القضية الجنائية. وقالت المحامية إنه خلال 5 أعوام من التحقيق تمكنت من الكشف عن أسماء 20 شخصياً لهم صلة بعملية الاغتيال ودعوتهم إلى المحكمة كمشتبهين وشهود عيان والذين أصبح واضحاً من شهاداتهم أن موظفي إدارة الأمن التركية كانوا يعلمون عن الإعداد لعميلة الاغتيال. وقالت محامية أسرة دينك: لقد نجحنا في الإيضاح عن أسماء 5 مسؤولين أتراك أجروا مكالمات هاتفية قبل عملية الاغتيال وبعدها وتم العثور على تسجيل تلك المكالمات وهذا الواقع يضفي فحوى جديدة على سير عملية المحاكمة والتحقيق. إن جريمة اغتيال هرانت دينك كان قد تم إعدادها في إطار الدولة وجرت العملية لكون هرانت دينك أرمني القومية. ويستمر تقليد حزب “الاتحاد والترقي” في تركيا حيث أن الدولة التركية تعتبر الأرمن أعداء ومجرمين في مجال السياسة.

وقد شهدت أروقة المحكمة والشارع أجواء غاضبة وتجمهراً لعدد كبير من المواطنين الذين أدانوا الحكم، واعتبروه استمراراً لسياسة القتل التي تنتهجها الدولة. وساروا من المحكمة باتجاه مبنى صحيفة آغوس رافعين شعارات “كلنا أرمن.. كلنا هرانت دينك” “من أجل هرانت ومن أجل العدالة” “القرار قرار الدولة لا المحكمة” و”لن تنتهي المحكمة هنا” ومن المتوقع استمرار الاحتجاجات مدة غير قصيرة من الزمن، وخاصة مع تزامن حكم المحكمة مع ذكرى اغتيال دينك في 19 كانون الثاني.

وأصدرت محكمة جنايات إسطنبول الـ 14 قرارات بحق 19 مشتبها ـ إثنان منهم فقط معتقلان رهن المحاكمة ـ في قضية الصحافي التركي أرمني الأصل “هرانت دينك” الذي أغتيل في إسطنبول عام 2007 من قبل شاب يدعى “اوجون صاماست”.

وحكمت المحكمة المذكورة بسجن المتهم “ياسين خيال” مدى الحياة ـ 25 عاما ـ بتهمة “التخطيط والتحريض على القتل” فيما قضت ببراءة كل من شقيقه “عثمان خيال” والمتهم “أرهان تونجال” الذي كان يعمل “مخبرا” للشرطة !!

وقضت المحكمة أيضا ببراءة المتهمين “ياسين خيال” و “أرهان تونجال” من تهمة “الإنتماء الى منظمة مسلحة غير مشروعة” الأمر الذي أثار إستياء شديدا لدى عائلة الصحافي “دينك” التي وصفت القرار بالقول:” إنه قرار يسخر بالعدالة وبعائلة هرنت دينك”.

اما المدعي العام فوصف الحكم بأنه غير كافٍ قائلا أنه سيعترض عليه لدى المحكمة.عائلة الصحفي أكدت أنّ إغتيال دينك ما هي إلاّ مؤامرة مدبرة.

أحد أقارب الصحفي: “يا لها من كارثة، الذين يرتكبون جرائم منظمة يُحاكمون وكأنهم تصرفوا من تلقاء أنفسهم وبدافع شخصي، لقد حوكموا ولكن هذا ليس كافياً”. وقد سبق للقضاء التركي وأن أصدر حكمه بالسجن لمدة ثلاثة وعشرين عاماً في حق المراهق أوغون ساماست، الذي اعترف للسلطات بإطلاق النار على دينك وكان يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً أثناء وقوع الحادث.

وقتل دينك برصاصتين على مستوى الرأس في التاسع عشر كانون الثاني-يناير ألفين وسبعة بالقرب من مقر الجريدة التي يعمل بها. هارنت دينك كان يسعى دائما للعمل من أجل التقارب بين تركيا وأرمينيا.

وفي هذا الصدد أوردت صحيفة الشرق الاوسط العنوان التالي” “تركيا : قضية الصحافي دينك لا تزال مفتوحة” وكتبت: لا تزال قضية اغتيال الصحافي الأرمني – التركي هرانت دينك على أيدي متعصبين قوميين أتراك، عام 2007، مفتوحة حسبما أفادت وكالة أنباء الأناضول. كان دينك أردي قتيلا عام 2007 أمام مكتبه في إسطنبول، وحكم على أوجون ساماست، وهو تركي متعصب، كان يبلغ من العمر 17 عاما وقت وقوع الجريمة، بالسجن 23 عاما، بعد إدانته بقتل هرانت. وأدانت إحدى محاكم إسطنبول متهما آخر هو ياسين هيال بالتحريض على اغتيال هرانت وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة، لكنها أخلت ساحة متهم ثانٍ.

وقال وزير العدل التركي سعد الله إرجين أمس الأربعاء إن المحكمة العليا في تركيا سوف تواصل نظر القضية. ونقل عنه القول: هذه المحاكمة لم تنتهِ، التحقيقات لا تزال مستمرة.

الأمر المثير للجدل هو أن محكمة إسطنبول رفضت مزاعم بأن اغتيال دينك كان نتيجة مؤامرة منظمة. لطالما قال ممثلو الدفاع عن القاتل المدان إن مقتل دينك له علاقة بجماعة عسكرية يطلق عليها «إرجنكون». يشار إلى أن هناك عددا من القضايا التي تنظرها المحاكم التركية حاليا لها علاقة بخلية إرجنكون. ويعتقد أن دينك الذي كان يتولى رئاسة تحرير صحيفة «أجوس» التركية الأرمنية الأسبوعية قتل بسبب وصفه المذابح التي تعرضت لها الأقلية الأرمنية في الأعوام التي أعقبت حكم الإمبراطورية العثمانية بأنها «إبادة جماعية». وتقر تركيا بأن الأرمن تعرضوا لمذابح لكنها ترفض وصف تلك المذابح بالإبادة الجماعية”.

وأشارت الصحف العربية التي تناولت مسألة محاكمة قاتل دينك الى خلفيته في تركيا وقالت إن “هرانت دينك هو صحافي أرمني معارض، وكان رئيس تحرير صحيفة “آغوس” تم اغتياله بتاريخ 19 كانون الثاني 2007 بعد تلقيه تهديدات كثيرة بالقتل بسبب انتقاده للسياسات الرسمية اتجاه الأقليات في بلده. ويبدو أنه تنبأ بمصيره فكان عنوان افتتاحيته يوم مقتله: “أحس في نفسي قلق الحمامة” كما سبق أن قال في حوار أجري معه: “نعم نحن الأرمن ندعي لأنفسنا حقاً في هذه الأرض، فجذورنا هنا. ولكننا لا ندعي هذا الحق كي نأخذ الأرض ونذهب بها، بل كي نموت في داخلها”.

Share This