قانون الإبادة الأرمنية يشق طريقه إلى الإليزيه .. أردوغان يجبن أمام الفرنسيين لحسابات سياسيـة واقتصادية

دمشق
صحيفة تشرين

على نار هادئة نضج قانون تجريم إبادة الأرمن في فرنسا وعلى نار حامية جلست حكومة رجب طيب أردوغان تترقب الفرنسيين وهم يصيبونها في الصميم رغم ذلك لم يتجرأ أردوغان على الفرنسيين فحافظ على اعتدال وصف بالجبان خلال كلامه أمام البرلمان التركي أمس منتظراً تراجعاً فرنسياً عن الخطوة بدا شبه مستحيل.

حاولت فرنسا إفهام أردوغان ذلك صراحة مستخدمة سياسة المهادنة معه لامتصاص أي رد فعل، لأن الملاطفة ضرورية الآن خاصة أن المصالح الاقتصادية بحاجة إلى حماية، وكذلك لا بد من استثمار جيد للقانون سياسياً حتى يتمكن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من إضافة هذه النقطة لصالحه وهو يحاول الوصول إلى ولاية رئاسية ثانية بأقل الخسائر الاقتصادية.‏

من يراقب تصريحات المسؤولين الأتراك عقب تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي أمس الأول لصالح مشروع القانون يدرك أن أنقرة خائفة من فرنسا رغم اللطف الواضح الذي خاطبتها به الأخيرة، وهنا خفت حدة صراخ المسؤولين في الحكومة التركية فهم لا يريدون خسارة اقتصادية أكثر مع أوروبا التي سبق لها أن أغلقت أبوابها بوجه طموحات تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.‏

هذه الأوضاع أثلجت صدر أرمينيا التي أعلنت أن التاريخ سيكتب بحروف من ذهب في سجلات حماية حقوق الإنسان في العالم.‏ وقال أردوغان في خطابه أمام نواب حزب العدالة والتنمية: إن المشروع الذي اعتمد في فرنسا تمييزي وعنصري دون أن يعلن رداً ملموساً من قبل بلاده. وأكد أن هذا القانون باطل ولاغ بالنسبة إلى تركيا وأن بلاده ستفرض بشكل تدريجي على فرنسا العقوبات التي حذرت منها دون إمكان التراجع. وحذر من أننا سنعلن خطنا للعمل وفقاً للتطورات في الملف، مؤكداً أن تركيا لا تزال تلزم الصبر. ‏

وأمام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي طالب بإصدار مشروع القانون مهلة 15 يوماً للتصديق على القانون. وأوضح أن حكومته تسعى لكي يقوم أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي باللجوء إلى المجلس الدستوري من أجل إلغاء مشروع القانون. ‏

لكن رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية أعلن أمس أنه لن يرفع إلى المجلس الدستوري القانون رغم التحفظات على هذا النص، وقال برنار اكواييه العضو في الأكثرية اليمينية: إن اللجوء إلى المجلس الدستوري غير مطروح حالياً.‏

من جهته عبر الرئيس التركي عبد الله غول عن أمله في أن يقوم 60 من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي بتحرك في اتجاه إلغاء القانون محذراً من أنه حين تتم التصديق عليه من الأكيد أن العلاقات التركية- الفرنسية لن تبقى كما كانت عليه.‏

وفي الوقت الراهن سيبقى السفير التركي في منصبه في باريس لكنه أنقرة التي استدعته لفترة وجيزة بعد أول تصويت في مجلس النواب الفرنسي في 22 كانون الأول تفكر هذه المرة باستدعائه إلى أجل غير مسمى وأن تخفض مستوى تمثيلها في فرنسا حين يأخذ النص مفعول قانون كما قال مصدر مطلع.‏

وبعد أول تصويت أعلنت أنقرة عن تجميد تعاونها السياسي والعسكري مع فرنسا محذرة من سلسلة ثانية من الردود. وإزاء هذه الردود الغاضبة دعا وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه تركيا إلى الحفاظ على الهدوء.‏ وقال جوبيه متحدثاً لشبكة «كانال بلوس التلفزيونية الفرنسية»: أود أن أدعو أصدقاءنا الأتراك إلى الهدوء، مؤكداً مد اليد إلى هذا البلد الكبير هذه القوة الاقتصادية والسياسية الكبيرة، مضيفاً: نحن بحاجة لإقامة علاقات جيدة مع تركيا، مؤكداً أنه بعد تخطي هذه المواقف المبالغ بها بعض الشيء ستعود العلاقة إلى ما كانت عليه مع أنقرة. وقال: أنا أمد اليد وآمل أن تقابل بالمثل، وأضاف: أدعو إلى التهدئة فهناك شركات فرنسية عدة في تركيا ولدينا علاقات تجارية واقتصادية في غاية الأهمية. ومضى يقول: نحن بحاجة إلى تركيا وتركيا بحاجة إلينا ولهذا أعتقد أن الواقعية ستغلب على العاطفة.‏

من جهتها شكرت أرمينيا المعنية مباشرة بالأمر فرنسا، وقال الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان في رسالة وجهها إلى ساركوزي: إنه يوم تاريخي للأرمن في العالم أجمع.‏

من جهتها رفضت أذربيجان النص الذي يعاقب بالسجن سنة ودفع غرامة 45 ألف يورو لكل من ينكر كل الإبادات المعترف بها في فرنسا وبينها إبادة الأرمن.‏

وترفض تركيا تسمية إبادة ولو أنها تقر بوقوع مجازر وبمقتل حوالى 500 ألف أرمني في الأناضول بين 1915 و1917 فيما يؤكد الأرمن سقوط 1.5 مليون قتيل.‏

وكانت ردود الفعل الغاضبة في تركيا توالت بعد تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي الاثنين على مشروع القرار.‏ فقد ندد وزير العدل التركي سعد الله ارجين بغياب تام للاحترام لتركيا فيما دانت وزارة الخارجية التركية بشدة ما سمته عملاً غير مسؤول من جانب فرنسا.‏

من جهته اعتبر وزير العمل التركي فاروق جليك أن الرئيس الفرنسي الذي دعم النص يقوم بتشويه التاريخ.‏ ونقلت عنه وكالة «الأناضول» القول: إن ساركوزي سيعتبر في التاريخ على أنه الرجل الذي شوه التاريخ. وأجمعت الصحافة التركية من جهتها على التنديد بالضربة التي وجهتها فرنسا لحرية الرأي على حد زعمها.‏ وعنونت صحيفة «وطن» الشعبية التركية «فرنسا عار عليك». من جهتها كتبت صحيفة «بوستا الشعبية» أن الرئيس الفرنسي ساركوزي ازدرى الحرية وبتركيا مقابل بضعة أصوات.‏

الأربعاء 25 كانون الثاني 2012

Share This