“البلاد” في حوار شامل مع سفير أرمينيا لدى سورية الدكتور آرشاك بولاديان

      أكد سفير جمهورية أرمينيا في سورية الدكتور آرشاك بولاديان عمق العلاقات السورية الأرمينية وتميزها واصفاً إياها بالعلاقات التاريخية وأضاف د بولاديان في لقاء أجرته معه جريدة “البلاد” تعود العلاقات التاريخية والثقافية بين العرب والأرمن عموماً و سورية خصوصاً إلى أربعينيات القرن السابع الميلادي مبيناً أنه تم تنفيذ أول عملية إبادة عرقية في القرن العشرين بحق الشعب الأرمني بقرار رسمي عثماني فسقط أكثر من مليون ونصف المليون أرمني ضحية تلك المجازر حيث تابع الأتراك مخططاتهم الإجرامية ضد الأرمن في محاولة لتتريك جميع الشعوب الغير تركية داخل الإمبراطورية العثمانية و اتباع السياسة الطورانية.

      و فيما يتعلق بالعلاقات الأرمنية-العربية فقد أوضح السفير بولاديان أنها قد تطورت  و غدت متميزة أيام الحكم العربي على أرمينيا زهاء قرنين من الزمن (640-885 م) واستمرت لاحقاً في مختلف حقب تاريخ الشعبين. وكانت أرمينيا على اتصال دائم مع البلاد الواقعة شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط  و المناطق المجاورة له التي شملت مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية.

      *يبدو أن تلك العلاقات اتخذت منحى آخر في عهد الإمبراطورية العثمانية.

      بالطبع فقد دخلت العلاقات الأرمينية-العربية في عهد الإمبراطورية العثمانية مرحلة جديدة. و أسفرت الحروب المتواصلة بين الدولتين العثمانية والفارسية عن تقسيم أرمينيا بينهما. فأطلق اسم “أرمينيا الغربية” أو”أرمينيا العثمانية” على ست ولايات هي: بتليس، أرزن الروم (أرضروم)، فان (وان)، معمورة العزيز (خربوط) وجزء من سيواس ودياربكر. وأطلق اسم “أرمينيا الفارسية” على المنطقة الممتدة على الضفتين الشرقية والغربية لنهر آراكس (الرس) ومدينة يريفان (العاصمة الحالية لجمهورية أرمينيا) وناخيجيفان واتشميادزين -المركز الروحي للأرمن- وجبل آراراد. وقد استولى عليها الروس في عام 1828م.

      وبدءاً من عام 1516م خضعت البلاد العربية أيضاً لسلطة العثمانيين حتى عام 1918م عندما هزم الأتراك في الحرب العالمية الأولى على يد الحلفاء.

      لقد وقع الشعبان زهاء أربعة قرون تحت الحكم العثماني. وخلال هذه الفترة عانت كل الشعوب التي كانت تدخل في الولاية العثمانية ومن بينها الأرمن والعرب حياة قاسية و وقعت فريسة التخلف والاضطهاد والتنكيل وأعمال القتل، والتي بلغت ذروتها في عهد عبد الحميد الثاني (1876-1908م) وجماعة الاتحاديين (جمعية الاتحاد والترقي 1908-1918م). و وحّد الشعبان قواهما في نضال مشترك ضد المحتل التركي العثماني وسياسته الإجرامية الاستبدادية، لأن السلطة العثمانية، كما قال أسعد مفلح داغر، أحد أحرار العرب، في كتابه “ثورة العرب”، لم تكن تجد “فرقاً بين مسلمها ومسيحيها”. وأيد الأرمن علناً طموحات العرب للتحرر من النير العثماني ونيل الاستقلال الوطني.

      و بدورها أيدت القوى الوطنية العربية المطالب القومية والنضال التحرري الأرمني. ويشهد على ذلك قرار المؤتمر العربي العام المنعقد في باريس بين 18-23 يونيو/حزيران عام 1913م الذي أعرب عن دعمه وتأييده “لمطالب الأرمن العثمانيين القائمة على أساس اللامركزية”.

      القضية الارمينية

      المسألة الأرمينية كجزء من المسألة الشرقية أثيرت في جميع المؤتمرات الدولية ولكن بدون جدوى. وأدت ثورات وانتفاضات الأرمن ضد السلطة العثمانية خاصة منذ عام 1893م إلى تعرضهم للعديد من المذابح التي اشتدت ضراوتها خلال الحرب العالمية الأولى.

      إن خطورة القضية الأرمينية بالنسبة إلى الحكومة العثمانية تكمن في مطالبة الأرمن في بلادهم بالقسم الشرقي من الأناضول ليقيموا عليها دولتهم. حيث  بدأت المذابح الوحشية المنفّذة من قبل الاتحاديين ضد الأرمن في عام 1909م في أضنه وكليكيا ووصلت ذروتها في عام 1915م. وقام قادة جمعية الاتحاد والترقي باتخاذ قرار حول إبادة الأرمن في أحد اجتماعاتهم السرية في فبراير/شباط عام 1915م وشرعوا بتنفيذه خلال الحرب العالمية الأولى. و نفذت مجزرة  الإبادة ضد الأرمن بقرار رسمي عثماني فسقط أكثر من مليون و نصف المليون أرمني ضحية لأول عملية إبادة عرقية في القرن العشرين. وتابع الأتراك مخططاتهم الإجرامية ضد الأرمن وشردوا من بقي منهم على قيد الحياة إلى سورية، في الوقت الذي قاموا برفع الأحرار العرب على أعمدة المشانق وأعدموا الوطنيين القوميين. و بالرغم من تهديد قادة جماعة الإتحاد والترقّي للسكان المحليين بخصوص عدم تقديم المساعدات للأرمن، فقد رفض معظم الموظفين العرب الانصياع للأوامر الجائرة، و بعد فقدان أرضهم و أهلهم وجد الكثير من الأرمن الحماية لدى الشعب العربي، فاندمجوا في المجتمع العربي و أعلنوا الولاء للبلاد التي وجدوا فيها خلاصهم و أصبحت بمثابة  وطنهم الثاني. كما شاركوا إخوانهم العرب بكل افتداء وإخلاص في النضال ضد الوجود الأجنبي.

      والشعب الأرمني أينما كان يقدر عالياً المعاملة الإنسانية التي لقيها من الشعب العربي أيام محنته، وخاصة سورية حيث تعد مدينة حلب بمثابة المركز الاجتماعي و الاقتصادي للجالية الأرمينية التي احتضنتهم و أنقذتهم من التشرد حيث قررت دولة أرمينيا وضع نصب تذكاري في العاصمة يريفان، كتعبير عن الشكر والامتنان تجاه الشعب العربي. ففي 9 أكتوبر/تشرين الأول من عام2000 م تم رسمياً وضع حجر الأساس للنصب المذكور تحت رعاية رئيس جمهورية أرمينيا آنذاك السيد روبيرت كوتشاريان وقداسة الكاثوليكوس كاريكين الثاني لعموم الأرمن. وشارك الاحتفال الرسمي الشخصيات الرسمية في الدولة وسفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية للدول العربية.

      إن الإبادة الأرمينية وإظهار أسبابها ونتائجها وجدت اهتماماً بالغاً في الأوساط العلمية العربية و خاصة تلك المعنية بدراسة التاريخ. ويدل على ذلك الاهتمام الواضح الذي أظهره خاصة المؤرخون العرب في السنوات الأخيرة تجاه تاريخ أرمينيا وبالدرجة الأولى تجاه المجزرة الأرمينية الكبرى. ففي دمشق و القاهرة وبيروت وحلب نشرت العديد من المقالات والكتب التي قامت بالكشف عن الأحداث التاريخية. على سبيل المثال نلمس صدق المعالجة في كتاب مروان المدور “الأرمن عبر التاريخ”؛ وعثمان الترك “صفحات من تاريخ الأمة الأرمينية”؛ والمحامي موسى برنس “مجازر الأرمن”؛ و المستشار فؤاد حسن حافظ “تاريخ الشعب الأرمني منذ البداية حتى اليوم”؛ و العديد من المقالات الأخرى التي حملت تواقيع شخصيات عربية هامة مثل محمد كرد علي؛ و مسعود ضياء؛ و أميل توما؛ و يوسف إبراهيم يزبك و خيري حمادي؛ و جميل خير و غيرهم.

      بعد استقرارهم في البلدان العربية شارك الأرمن بكل وفاء وإخلاص جنباً إلى جنب مع إخوانهم العرب في سوريا ولبنان وغيرها في تصديهم للاستعمار الأجنبي بواسطة الحركات الوطنية التحررية. و على سبيل المثال نذكر مشاركة الأرمن عام 1925 في الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ضد المستعمرين الفرنسيين، و ضد الانتداب الفرنسي في لبنان (عام 1943) و في معركة لواء الإسكندرون ضد الأتراك و الفرنسيين و النضال في سوريا من أجل الاستقلال عام 1945.

      التعاون الثنائي

      *و كيف تقيم العلاقات السورية الأرمينية بعد الاستقلال؟

      انطلاقاً من طبيعة العلاقات التاريخية المتميزة بين أرمينيا و سورية و من بينها المرحلة السوفيتية، و سعياً نحو تعزيز تلك العلاقات التاريخية أعطيت الأولوية في السياسة الخارجية لجمهورية أرمينيا مباشرة بعد الاستقلال عام 1991. و فتحت سفارتها بدمشق عام 1992 و القنصلية العامة في حلب عام 1993 و القنصلية الفخرية في دير الزور عام 2010. و فتحت السفارة السورية في يريفان عام 1997. و هذا دليل على رغبة البلدين بتوسيع علاقتهما في جميع المجالات.

      و أعلنت أرمينيا خلال السنوات الماضية مراراً و تكراراً عن رغبتها الأكيدة في تطوير تعاونها الثنائي مع سورية في المجالات المختلفة. حيث جرت زيارات متبادلة لمسؤولي البلدين خلال الأعوام الماضية وضعت القاعدة الأساسية و القانونية لتطوير العلاقات الثنائية و أسفرت عن توقيع العشرات من الاتفاقيات و البروتوكولات و البرامج التنفيذية للتعاون في المجالات التعليمية و العلمية و الثقافية، مما يدل على التفاهم السياسي القائم بين حكومتي البلدين كما أن الزيارة الأولى لأول رئيس أرمني – ليفون تيربيتروسيان- خارج بلاده بعد الاستقلال كانت إلى سورية عام 1992 و استمرت المشاورات السياسية بين البلدين و تعقد اجتماعات دورية في كل من دمشق و يريفان و يجري تنسيق مستمر لمواقفهما السياسية بالمحافل الدولية فيما يتعلق بالمسائل الإقليمية و الدولية.

      *كيف توصف هذه العلاقات ثقافياً واقتصادياً؟

      شهدت علاقات البلدين في السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في مجال التعاون السياسي و التعليمي و الثقافي و العلوم و عمل البلدان على تعزيز علاقتهما الثنائية على الصعيد الاقتصادي و التجاري عبر تشكيل اللجنة السورية الاقتصادية بين البلدين إضافة إلى اتفاق إنشاء مجلس أعمال مشترك بين رجال الأعمال في كلا البلدين الذي يعقد اجتماعات بشكل دوري. و وقعت أرمينيا و سورية خلال زيارة السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد إلى يريفان عام 2009 ستة اتفاقيات تعاون في مجال تشجيع الاستثمارات و حماية البيئة و اتفاقية بين اتحادي الكتاب السوريين و الأرمن و أخرى بين مكتبة الأسد و المكتبة القومية الأرمينية إضافة إلى اتفاقية بين التلفزيونين السوري و الأرمني.

      كما وقع البلدان خلال زيارة الرئيس سيرج ساركسيان إلى سورية عام 2010 تسعة اتفاقيات و مذكرات تفاهم للتعاون في مجالات العدل و الداخلية و التعليم العالي و البحث العلمي و الصناعة و الكهرباء و الطاقات المتجددة و الرياضة و الاستشعار عن بعد إضافة إلى برنامج تنفيذي للأعوام 2010/2011 للتعاون العلمي و الفني في المجال الزراعي.

      الحوار الوطني

      * كيف ترى أرمينيا ما يجري في سورية الآن و خصوصاً أن هناك جالية أرمينية كبيرة في سورية؟

      تعيش سورية اليوم فترة عصيبة و خطيرة من تاريخها المعاصر، وهنا أترحم على أرواح الشهداء من عسكريين مدنيين  و أتقدم  بخالص التعازي إلى عائلاتهم و ذويهم متمنياً لهم الصبر و السلوان. و إن أرمينيا تتابع بكل اهتمام  التطورات السياسية و الأحداث المأساوية في سورية منذ بدايتها. و تستنكر بشدة الأعمال الإرهابية التي تستهدف وحدة الشعب السوري و أمنه.

      و أرى أن الأزمة السورية هي شأن داخلي و الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لحلها، و على مختلف الأطراف المعنيين الجلوس إلى طاولة الحوار و إيجاد الحلول المناسبة لكافة المسائل العالقة فالحل لن يتم إلا على أيدي السوريين و بعقولهم.

      الأرمن السوريين

      *وماذا عن الجالية الأرمينية في سورية كيف تتواصلون معها لاسيما السوريين من أصل أرمني و دورهم في تعميق العلاقات بين البلدين؟

      إن الجالية الأرمينية في سورية، كما ذكرنا لديها تاريخ يمتد منذ قرون. و الشعب الأرمني لن ينسى أبداً استضافة الشعب السوري للآلاف من أبنائه الناجين من الإبادة العرقية. فبفضل الرعاية والرأفة من إخوتهم السوريين، تمكنوا من دمل جراحهم وبدء حياة جديدة. و الاندماج في المجتمعات المحلية، وجلبوا مساهمتهم الملموسة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لسورية مع الحفاظ على هويتهم القومية و حضارتهم الخاصة في نفس الوقت. وحتى في ظروف الإمكانيات المحدودة في عهد الاتحاد السوفيتي بذلت الجالية الأرمينية جهوداً كبيرة للحفاظ على علاقات نشيطة مع أرمينيا السوفيتية. أما بعد استقلال أرمينيا في عام 1991  أصبحت لها مزيداً من الفرص في ذلك. و تحمل اليوم الجالية الأرمينية دور الجسر الذي يربط أرمينيا و سورية. و لديها مساهمة كبيرة في تطوير التعاون التجاري و الثقافي والتعليمي بين بلدينا، وكذلك في تعزيز علاقات الصداقة الحارة والمخلصة بيننا. إن الأرمن في سورية يفتخرون بجنسيتهم السورية و يتمتعون بكافة الحقوق و يخدمون هذا البلد الصديق بكل إخلاص.

      القرار الفرنسي

      * مؤخراً أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية قانوناً حول مسؤولية تركيا عن مجازر الأرمن. ما هي الظروف التي تؤثر بها هذه المسألة على العلاقات بين تركيا و أرمينيا؟

      رغم تهديدات تركيا صدّقت الجمعية الوطنية الفرنسية في 22 كانون الأول عام 2011 على مشروع قانون يجرم إنكار إبادة الأرمن سنة 1915 في الإمبراطورية العثمانية. وينص القانون على السجن عاماً وغرامة قدرها 45 الف يورو لكل من ينكر إبادة يعترف بها القانون، وخلفت الإبادة الأرمينية زهاءً 1,5 مليون قتيل حسب المعطيات الرسمية.

      و أثار مشروع القانون الفرنسي استياءً كبيرا في تركيا التي اتخذت حزمة من الإجراءات العقابية ضد فرنسا شملت استدعاء السفير التركي في باريس للتشاور، و حظرت الطائرات والسفن الحربية الفرنسية من الهبوط والرسو في تركيا، كما جمدت اللقاءات السياسية والاقتصادية.

      وكانت الجمعية الوطنيَّة الفرنسية قد صادقت في عام 2006 على مشروع القانون، يعد مكملاً للقانون الذي أصدرته فرنسا في كانون الثاني- يناير 2001 بالاعتراف بالإبادة الأرمينية، وانتصاراً لحقوق الإنسان والعدالة التاريخية بالإدانة والاعتراف بأول جريمة إبادة في القرن العشرين لرفع الظلم عن شعب عانى طويلاً من الإبادة والتشريد والإنكار لمآسيه.

      و تُعتبر فرنسا واحدة من أكثر من عشرين دولة تشمل كندا و بلجيكا و اليونان و إيطاليا و هولندا و الفاتيكان، اعترفت بشكل رسمي بأن عمليَّات قتل الأرمن كانت “إبادة جماعية”.

      إن هذا القانون لا يؤثر بشكل من الأشكال على العلاقات الأرمينية – التركية، بالعكس سيساهم في تدويل مسألة الإبادة الأرمينية في الإمبراطورية العثمانية و سيساعد الأتراك على قراءة ماضيهم من جديد بكل موضوعية و إزالة العوائق لتطبيع علاقاتهم مع أرمينيا.

      * هل هناك علاقات دبلوماسية بين أرمينيا و تركيا. و ما هي آفاق هذه العلاقات في ظل تأثيرها على إبادة الأرمن و هل يمكن تجاوز هذه المسألة؟

      للأسف لا توجد علاقات بين أرمينيا و تركيا بسبب العلاقات السياسية – التاريخية العالقة بين البلدين. و في فترة ما بعد الاستقلال اقترحت أرمينيا على تركيا إقامة العلاقات و لكن من المضحك أن تركيا هي التي رفضت تطوير العلاقات مع الجارة أرمينيا و فرضت عليها التخلي عن مطالبها اتجاه تركيا. و حتى هذه اللحظة لا يمكننا أن نتحدث عن طيّ صفحة الماضي في العلاقات الأرمينية – التركية. فالتقدم في هذا المسار يعتمد على سلوك أنقرة بشكل كامل و لغرض تطبيع العلاقات مع الجارة تركيا قام رئيس أرمينيا سيرج ساركسيان في عام 2008 بخطوة جريئة لاستئناف المحادثات معها و دعي  رئيس تركيا إلى أرمينيا لمشاهدة مباراة كرة القدم بين منتخبي أرمينيا و تركيا. و هكذا بدأت دبلوماسية “كرة القدم” و مرحلة جديدة للمفاوضات، تم خلالها الموافقة بين البلدين بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية و التعاون الثنائي بدون شروط مسبقة. و وقع الجانبان بوساطة رفيعة المستوى  و بحضور وزراء البلدان العظمى في 10 تشرين الأول 2009 في زيوريخ مذكرتين ترميان إلى تطبيع العلاقات الأرمنية – التركية و اللتين نصتا على أن أرمينيا و تركيا اتفقتا على فتح الحدود المغلقة من الجانب التركي من عام 1993 و إقامة العلاقات الدبلوماسية. و لكن بعد توقيع الوثائق المذكورة بفترة قصيرة بدأت سلطات تركيا برأسه أردوغان وضع شروط على أرمينيا تخصّ بالدرجة الأولى تسوية نزاع إقليم ناغورني كاراباخ لصالح أذربيجان وتخّلي الأرمن و أرمينيا عن عملية الاعتراف الدولي للإبادة العرقية ضد الأرمن معرقلة. و بهذا الصدد يجب القول أن تركيا قامت بحصار أرمينيا على مدى السنوات الماضية و هي تأمل عبثاً أن هذا سيجبر القيادة الأرمنية على تقديم تنازلات إلى أنقرة و التخلي عن السعي للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، الاعتراف بوحدة الأراضي التركية (أكثرية أراضي أرمينيا التاريخية تحت سيطرة تركيا الحالية) و القبول بسيادة أذربيجان على إقليم ناغورني كاراباخ (آرتساخ الأرمينية). و في المقابل عرضت تركيا رفع الحصار و إقامة العلاقات مع أرمينيا. طبعاً رفضت و ترفض أرمينيا هذه المطالب التركية غير المقبولة، على الرغم من المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها شعبها نتيجة الحصار المشترك الذي فرضته تركيا و أذربيجان. و في نتيجة هذه المطالب دخلت عملية التصديق على المذكرات طريقاً مسدوداً. و الجانب الأرمني سيعيد النظر في موضوع تطبيع العلاقات مع تركيا عندما يقتنع بأن هذه الدولة المجاورة لديها استعداد سياسي لإقامة العلاقات الثنائية بدون شروط مسبقة.

حوار نعيمة الابراهيم

صحيفة البلاد – 24/1/2012

Share This