تحية واستغراب

      قال المؤرخ الكردي العراقي البارز كمال مظهر أحمد لوكالة كردستان للأنباء (آكانيوز): “إن الموقف الفرنسي بشأن الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، موقف صحيح وفي محله”. وأشار إلى أن “ما جرى للأرمن كان مذبحة وإبادة جماعية”، مضيفاً “للأسف الشديد فنحن الكرد أيضاً شاركنا فيها”[1].

      ومن الجدير بالذكر أن القانون الذي اعترفت فرنسا بموجبه بالإبادة الأرمنية وقعه الرئيس جاك شيراك في 29 كانون الثاني-يناير 2001.

      وينص مشروع القانون الجديد الذي تبنته الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) في 22 كانون الأول-ديسمبر2011، ومجلس الشيوخ الفرنسي في 23 كانون الثاني-يناير 2012 ويتوقع توقيع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عليه ليصبح قانونا نافذا، ينص على فرض عقوبة السجن لمدة سنة ودفع غرامة مقدارها 45 ألف يورو على كل من ينكر، بشكل علني، حصول أية إبادة يعترف بها القانون الفرنسي. وتعترف فرنسا بعمليتي إبادة، هما محرقة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية والإبادة الأرمنية لعام 1915، بيد أن القانون الفرنسي لا يعاقب حتى ألان إلا إنكار محرقة اليهود.

      وإنني أحيي الدكتور كمال مظهر أحمد على مواقفه وكتابه القيم بعنوان “كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى” (ترجمة محمد الملا عبد الكريم، الطبعة الثانية، بغداد، 1984)، وقد خصص فصله الخامس بعنوان: “الكرد والدم الأرمني المراق” لموضوع الإبادة الأرمنية. ويعد الدكتور كمال مظهر من أوائل المؤرخين الكرد الذين كتبوا بجرأة وصراحة عن حقائق الإبادة الأرمنية، وقام بتحليل دور الكرد فيها.

      ولكنني استغرب من تصريح الدكتور كمال مظهر حول عدد الأشخاص الذين قتلوا خلال تلك المذابح (مليون ونصف المليون ضحية)، إذ قال: “قد يكون هذا العدد الذي يتم تداوله كثيراً جداً، لأن العدد الحقيقي كان أقل من ذلك، إلا أن ذلك لا يغير من طبيعة الموضوع، ولكن المهم ليس هو العدد، ففي حملات الأنفال في كردستان –العراق- (التي شنها النظام العراقي السابق، آ.س,آ.)، فلا فرق إن كان عدد القتلى في تلك الحملات 100 ألف أم10 آلاف”.

      وقد جاء استغرابي هذا لدى مراجعة كتاب الدكتور كمال مظهر المشار إليه آنفا. فقد كتب في الصفحة 257 منه ما نصه:

“…فالبروفيسور نيرسيسيان يعطي، استنادا إلى دراسته لمئات الوثائق والأدلة التاريخية المهمة، الأرقام التالية: قتلى مذابح السلطان عبد الحميد 300 ألف شخص. قتلى مذابح الاتحاديين: مليون ونصف المليون. الهاربون إلى القفقاس والبلاد العربية: 800 ألف. وكيفما كان الأمر، فإن الشقاء الذي عاناه الأرمن والخسائر التي لحقت بهم هي مما تندر نظائرها في التأريخ”.

      وقد ذكرت الصحف العراقية الصادرة عام 1919 أن عدد ضحايا الأرمن في مذابح عام 1915، بناء على التحقيقات التي أُجريت، بلغ مليوناً ونصف المليون، وان المذابح كانت منظمة. فقد ذكرت صحيفتا العرب البغدادية والموصل الموصلية الآتي: “علمت جريدة البتي باريزيان من الأستانة أن التحقيق فتح في مذابح الأرمن فأسفر هذا التحقيق عن أن عدد الذين قتلوا بلغ مليوناً ونصف مليون وأن أكبر المسؤولين عن هذه المذابح هم أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا والجنرال ليمان فون سندرس وان نصف الشعب الأرمني ذبح لأن المذابح نظمت تنظيماً علمياً بواسطة الألمان. وبين الفظائع التي ارتكبت والتي تقشعر منها الأبدان حرق ألفي امرأة وقد قتلوا في مكان آخر سبعة آلاف ولد. قال المكاتب ولا يجوز أن تلقى تبعة ما جرى على صغار الضباط والموظفين لأن التبعة كلها تقع على رأس الوزراء والقواد الذين تقدم ذكرهم”[2].

      كما ذكرت صحيفة الموصل: “أخبرت برقية من باريس ما معناه: على إثر التحقيقات التي أجريت في مسألة ذبح الأرمن يستدل أن الشعب الأرمني فقد من أفراده نحو مليون ونصف أعني تقريباً فقد خمسين في المئة. وأن دولة ألمانيا هي التي رتبت هذه المذابح والفظائع وأن المسؤولين عن ذلك هم (ليمان فون سندريس باشا) وأنور وطلعت باشا وجمال باشا وقد حدث في هذه المذابح آثام مهولة وجرائم عديدة منها أن الأكراد رشوا زيت البترول على ألفي امرأة أرمنية وأحرقوهن ليستطلعوا منهن على موضع الجواهر وكانوا يظنون فيهن أنهن قد ابتلعنه. قتل في مكان واحد سبعة آلاف صبي وكثير من الأطفال دفنوا وهم أحياء في ولاية أرضروم”[3].

بقلم: آرا سركيس آشجيان

يريفان، أرمينيا

[1] مقتبس من: مؤرخ كردي: ما تعرض له الأرمن كان “إبادة جماعية”، من: ريبين حسن، تر: إحسان ايرواني، آكانيوز، 25 كانون الثاني-يناير 2012، أربيل.

http://www.aknews.com/ar/aknews/8/286380/

[2]  مقتبس من: مذابح الأرمن، صحيفة العرب، العدد 472 (منذ صدور الجريدة) في 10 شباط 1919 الموافق 8 جمادي الأول 337، بغداد، العراق، ص 3؛ حوادث خارجية-مذابح الأرمن، صحيفة الموصل، عدد 36، 24 شباط 1919، الموصل، العراق، ص 3.

[3]  مقتبس من: حوادث خارجية، صحيفة الموصل، عدد 21، 17 كانون ثاني 1919، الموصل، العراق، ص 3.

Share This