القضية الأرمينية.. صداعٌ في رأس تركيا

رؤية – بنده يوسف

أنقرة – أصبحت قضية الأرمن في تركيا، مثل مذابح النازي في ألمانيا، هي الذكرى التي تستفز الحكام في كلتا البلدين.

فدولة فرنسا قبل أسابيع سعت لإقرار قانون يجرم من ينكر مذابح الأرمن في تركيا إبان العهد العثماني، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين، وانتهى الأمر بعدم إقرار القانوني لجدية تركيا في قطع علاقاتها مع الحكومة الفرنسية.

وأمس الخميس تجددت ذكرى مقتل “هرانت دينك” وهو أحد الصحافيين الأتراك من الأصل الأرمني، ومدير تحرير صحيفة “آغوس” الصادرة باللغة الأرمنية، وقد وصف في أحدى مقالاته ماوقع للأرمن في تركيا بالمذبحة، الأمر الذي أدى إلى مقتله على يد أحد المتعصبين القوميين في 19 يناير عام 2007م على يد شاب يدعى “اوجون صاماست” أمام مبنى صحيفته بحي “شيشلي” بإسطنبول.

وبعد إلقاء القبض عليه حوكم “صاماست” في محكمة الأحداث لأنه كان يبلغ من العمر 17 عاماً وقت تنفيذه الإغتيال, وصدر بحقه العام الماضي حكماً بحبسه 22 عاما و 10 أشهر.

وفي هذه الذكرى خرج أمس أكثر من 20 ألف شخص من المثقفين والحقوقيين من ساحة التقسيم في اسطنبول إلى مقر صحيفة “آغوس” إحياءً لذكرى إغتيال هرانت دينك قبل خمس سنوات، رافعين شعار “كلنا هرانت دينك… كلنا أرمن”. والمسيرة كانت كبيرة وغاضبة ليس بسبب إغتيال أبرز وجه أرمني ثقافي فحسب ، بل لأن محاكمة المتهمين في القضية انتهت الى فضيحة قضائية.

فحكمت محكمة جنايات إسطنبول بسجن المتهم “ياسين خيال” مدى الحياة ـ 25 عاما ـ بتهمة “التخطيط والتحريض على القتل” فيما قضت ببراءة كل من شقيقه “عثمان خيال” والمتهم “أرهان تونجال” الذي كان يعمل “مخبرا” للشرطة.

وقضت المحكمة أيضا ببراءة المتهمين “ياسين خيال” و “أرهان تونجال” من تهمة “الإنتماء الى منظمة مسلحة غير مشروعة” الأمر الذي أثار إستياء شديداً لدى المهتمين بالقضية ، بعدما حولتها المحكمة إلى حادث فردي ، وليس حادث قتل منظم من قبل جماعة متعصبة ضد الوجود الأرمني.

ووصفت المعارضة بأن القضاء في تركيا اتبع استراتيجية حماية الدولة منذ اللحظة الأولى للإغتيال. ولم تتغير هذه الاستراتيجية رغم مرور خمس سنوات وتغير هيئة المحكمة ورغم أن الجريمة كانت فرصة للدولة لكي تعيد بناء نفسها وتصححها والأهم ترسيخ مبدأ العدالة وطمئنة ضمير الرأي العام.

واتجهت الإتهامات تجاه حزب العدالة والتنمية الذي حمل ادعاء الاصلاح والتغيير في تركيا والذي ارتكبت الجريمة في عهده حيث ظهر أن حزب العدالة والتنمية لم يغير شيئاً في عنصرية الدولة.

واشارت قوى المعارضة عبر صحفها إلى أنه هناك شراكة كاملة بين المؤسسات لطمس الحقائق وإخفاء الأدلة بحيث أن القرار الذي صدر يشرع ارتكاب الجرائم. وأن هناك مؤامرة من كافة أجهزة الدولة التركية ، وتشمل القضاء والشرطة ومجلس الأمن القومي والإستخبارات والقوات المسلحة.

وتناقلت كافة الصحف التركية تصريحات مدعي عام القضية “حكمت أوسطا” الذي قال : “ليس هناك نقص أو ضعف في الأدلة على الإطلاق، وإنما تشير كافة البراهين إلى وقوف منظمة أرغنيكون الإرهابية وراء الاغتيال”.

وهذه التصريحات جاءت كرد فعل على تصريحات رئيس المحكمة “رستم آر يلماز” بأنه قد يكون هناك منظمة إرهابية وراء الإغتيال، ولكن الأدلة المتوفّرة لديهم لا تكفي لإثبات ذلك !

وأثارت تصريحات القاضي يلماز إستهجاناً شديداً لدى الأوساط التركية، على الأخص تلك التي قال فيها: “إن القرار لم يلق قبولاً في نفسي أيضاً! ولكن ماذا كان يمكن أن أفعل؟! لأن الأدلة غير كافية بشأن ارتباط الجريمة بمنظمة إرهابية، ولو قمنا في البحث عن أدلة إضافية “ملموسة” لمضى وقت طويل …! ، مما كان سيؤثر سلباً على فترة المحاكمة !.

وانتقد نائب رئيس الوزراء “بولند آرينتش” بشدة تصريحات القاضي قائلاً : “من غير اللائق أن يقول قاضي المحكمة “حتى نفسي لم تطمئن لهذا القرار” أو أن يقول “ليس لدينا وقت طويل لجمع الأدلة” إنه أمر في غاية الغرابة”.

ومن جانب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ، اكتفى بالقول “إنه قرار غير نهائي ؛ لأن المحكمة العليا ستنظر في القضية بشكل أدق وأعمق وستبت فيها على ضوء ذلك”.

واهتمت الصحف الفرنسية بشكل كبير بهذه القضية التي تراها إنتقاماً من الحكومة التركية، وحتى الإتحاد الأوروبي أبدى رد فعل شديد له على قرار محكمة إسطنبول الخاص بدعوى إغتيال الصحافي التركي أرمني الأصل “هرانت دينك”. وفي مؤتمر صحفي دعا “بيتر ستانو” الناطق الرسمي بإسم المفوضية الأوروبي الحكومة التركية الى إجراء تحقيقات أوسع لتشمل كبار المسؤولين الأمنيين المعنيين بقضية مقتل “هرانت دينك”.

وأضاف ستانو قائلا:” يتوجب محاكمة المسؤولين الذين يختفون خلف ستار الجريمة أيضا”. وذكّر “ستانو” الحكومة التركية بالقرار الذي إتخذته محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بشأن قضية دينك في 2010م ، الداعي إلى إجراء تحقيقات مؤثرة وفعالة تطول الأسماء الخفية التي تقف وراء هذه الجريمة, مشدداً على أن الإتحاد الاوروبي يراقب قضية الإغتيال عن كثب.

Share This